حول الاستقالة من الوزارة

17 أبريل 2008آخر تحديث :
استقالة «أبو مازن»… إنقاذاً للقضية
بقلم د. وحيد عبد المجيد 2008-04-17 عدد القراءات 179 
مرت استقالة وزير الثقافة في السلطة الفلسطينية الدكتور إبراهيم إبراش كأنها لم تكن، رغم أن محتواها يكفي لتحريك الحجر. وربما لو كان في الوضع الفلسطيني بقية من حياة، لأقامته هذه الاستقالة ولم تقعده بما تضمنته من شهادة على عبثية المنهجين السائدين فيه. فقد أرادها الدكتور إبراش صرخة احتجاج على ما أسماه بحق «عبثية منهج من يقولون بالمقاومة، لكنهم يمارسونها بعيداً عن شروط ومتطلبات المقاومة الوطنية الحقيقية، وعبثية المفاوضات في ظل السياسة الإسرائيلية الراهنة. وفي كل من الحالتين هي عبثية مدمرة للمشروع الوطني الفلسطيني». وإذ يعيد إبراش تذكيرنا بهذا المشروع الذي كدنا ننساه في ظل عبثية المنهجين السائدين في غزة ورام الله، فهو يحث ضمنياً كل المخلصين لهذا المشروع على البحث عن سبيل لاستعادته حتى لا يظل بعض الفلسطينيين يزعم أنه يقاوم فيما البعض الآخر يدعي أنه يفاوض. وحين يكون أصحاب منهجي المقاومة التي لا تقاوم والمفاوضة التي لا مضمون لها مهيمنين على الساحة الفلسطينية، فلا سبيل لوقف العبث الذي يمارسونه إلا أن يتصالحوا ويراجعوا معاً ما حدث في السنوات الأخيرة، أو أن يعيدوا الأمانة إلى الشعب صاحب القضية التي توشك أن تحتضر بين أيديهم. فإذا أرادوا أن يؤدوا الأمانة إلى أصحابها، فقد يكون الطريق إلى ذلك هو تخلي القابضين على السلطة في كل من غزة ورام الله عن مواقعهم. غير أن عوامل كثيرة متراكمة تحول دون إنتاج بديل عن حركتي حماس وفتح يتولى هذه السلطة في أي مدى منظور يمكن أن يكون مجالاً للتوقع وليس للتكهن أو التخيل. وإذا صح ذلك، فهو يعني أن استقالة القائمين على السلطة، أو السلطتين، لن تغير شيئاً لأن «التركيبة» الراهنة لا تنتج غيرهم. وفي مثل هذه الظروف، لا تؤدي انتخابات جديدة إلا إلى إعادة إنتاج الوضع القائم بصورة أو بأخرى. ولذلك ربما يتعين علينا التفكير في كيفية تجاوز هذا الوضع الذي يجوز اعتباره الأسوأ في تاريخ القضية التي تحل في الشهر المقبل الذكرى الستون لنكبة العرب فيها. فإذا لم يكن أمامنا أفق واضح لمستقبل أفضل نسعى إلى تحريك الوضع القائم في اتجاهه، فلماذا لا نفكر في إعادة هذا الوضع إلى ما كان عليه في مرحلة قد تكون أفضل مما صار عليه الآن. وربما نجد غايتنا هذه في مرحلة الانتفاضة التي اشتعلت نهاية عام 1987، وزلزلت الأرض تحت أقدام الاحتلال وأعادت طرح القضية على جدول الأعمال العالمي، وكان لها الفضل في اعتراف أميركا، ومن ثم إسرائيل، بمنظمة التحرير الفلسطينية. في تلك المرحلة، لم تكن هناك سلطة وطنية، ولا حكومة ولا وزراء ولا مزايا وامتيازات تغري بالسيطرة عليها والاقتتال من أجلها. ربما يكون التفكير في حل السلطة الفلسطينية بفرعيها الآن هو مما لا يخطر في البال، أو مما يُطلق عليه التفكير فيما لا يمكن التفكير فيه. ومع ذلك فالمسألة تبدو منطقية وبسيطة. فقد أُنشئت هذه السلطة في إطار عملية سياسية محددة نجمت عن اتفاق أوسلو 1993. وقد أصبحت هذه العملية بكاملها تقريباً جزءاً من التاريخ ولم يبق منها إلا بضع اتفاقات اقتصادية ملغاة فعلياً، وهياكل فارغة أهمها هذه السلطة التي أصبحت عبئاً على الشعب الفلسطيني وخطراً على قضيته بعد أن أدى الاقتتال عليها إلى تقسيم الجزء الصغير الباقي من أرضه التاريخية إلى «كانتونين» متصارعين يعتبر كل منهما الآخر وليس إسرائيل، عدوه الرئيسي. ولا خوف من فراغ يترتب على غياب هذه السلطة. فهي لا دور لها على الصعيد الاقتصادي يتجاوز تلقي مساعدات المانحين. ويمكن تأسيس صندوق فلسطيني جديد لإدارة المنح والمعونات تحت إشراف مانحيها. وقد يفيد ذلك في الحد من الفساد الذي استشرى في السلطة. ومن الناحيتين الأمنية والسياسية، ينبغي أن تتفق الفصائل لدى حل السلطة على إعلان قيادة وطنية موحدة لإدارة الوضع الميداني وإعادة هيكلة منظمة التحرير بحيث تكون هذه القيادة مرتبطة بها. والأرجح أن الأخذ بهذا الخيار سيضع الفصائل جميعها أمام تحد تاريخي جديد يستنفر وطنيتها ويعبئ طاقاتها ويضع حداً للتدهور الذي حدث في داخلها وفي العلاقات بينها. غير أن هذا الخيار لابد أن يواجه بمقاومة عاتية من جانب المنتفعين بالسلطة، وخصوصاً في رام الله، إذا كان ما قاله رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل قبل أيام صدقاً. فقد أبدى استعداد حركته للتنازل عن السلطة (في حال وجود ضمانات لحماية المقاومة)، واعتبر السلطة (عبئاً وليس مغنماً إلا للفاسد). وربما لا يعرف مشعل أن في حركته اليوم من يتشبث بهذه السلطة بطريقة لا تختلف ولأهداف لا تفترق عمن يتمسكون بها على الجانب الآخر. لكنه ربما يكون قادراً على إلزامهم بموقفه هذا بدرجة أكبر مما يستطيعه الرئيس محمود عباس إذا اقتنع بما قاله مشغل وطرحه على أركان سلطته في رام الله. ومع ذلك يمتلك عباس ما يفتقده مشعل، وهو أنه لا بديل عنه اليوم في الداخل الفلسطيني، وأن استقالته تكفي لخلق مأزق هائل قد يكون حل السلطة هو المخرج الأفضل منه، أو الأقل سوءاً، من زاوية المنتفعين بها في رام الله. وكان عباس قد ألمح قبل عدة شهور إلى أنه لا يريد الترشح لرئاسة السلطة مرة أخرى. فإذا عزم على ذلك حقاً، ستواجه فتح بكل مجموعاتها مشكلة كبرى في التوافق على من يخلفه. وفي غياب مروان البرغوثي الذي قد لا يكون بدوره من أنصار استمرار السلطة على حساب القضية إذا حضر، لا يوجد بين قادة فتح من يمكن التوافق عليه. فعباس هو آخر الكبار فيها، باعتبار أن فاروق القدومي يرفض الاتفاق الذي أقيمت على أساسه هذه السلطة. فقد تكونت فتح من ثلاث خلايا فلسطينية مهدت لها. وكان هو على رأس إحداها في قطر مع يوسف النجار وكمال عدوان، فيما كانت الأخريان في الكويت وألمانيا. ولم يبق من أعضاء هذه الخلايا المؤسسة من يمكن أن يسد الفراغ إذا قرر عباس الاستقالة نهائياً. وإذا أصر على ذلك، لن يجد فريقه في فتح خليفة يمكن التوافق عليه. فالأقرب إلى خلافته مختلف عليهم، وفي مقدمتهم نبيل شعث وصائب عريقات، إذ يصعب أن يكون أي منهما، أو غيرهما، موضع قبول عام في فتح التي توافقت بصعوبة على عباس بكل ما يمثله من تاريخ وبرمزيته المستمدة من كونه أحد الرواد المؤسسين. وفي هذه الحالة، قد يتفق العقلاء فيها مع عقلاء «حماس« على أن يكون حل السلطة جزءاً من المصالحة التي تبدو اليوم بعيدة المنال مادام هناك صراع على مظاهر هذه السلطة وأجهزتها. وعندئذ قد يكون في إمكانهم العمل معاً، إيماناً بأن قضية فلسطين فوق السلطة وكل من يتشبث بها أو يتصارع عليها، وبأن الشعب الصامد على أرضه عاش بدون هذه السلطة وناضل في غيابها وحافظ على هويته وحلمه دون حاجة إلى مثلها. فليكن هذا الخيار هو «الهدية» التي يقدمها الرئيس عباس للقضية النبيلة في الذكرى الستين للنكبة. ولعله يفضل الشروع في اتصالات غير معلنة حوله في البداية، وتأمين غطاء عربي له لأنه سيقابل برفض من أميركا وإسرائيل اللتين لا ترحبان بإزالة «النتوء» الذي ألحق أحد أكبر الأضرار بهذه القضية على مر تاريخها. غير أن من ينبغي أن يتوجه إليهم عباس في الأساس هم أبناء شعبه الذين سئموا الصراعات الداخلية وما ترتب عليها من ويلات جعلت السلطة في نظر كثير منهم سنداناً لمطرقة الاحتلال الإسرائيلي، فخرجوا مرات قبل «موقعة غزة» في حزيران (يونيو) 2007 هاتفين «يا عباس يا هنية… وين هي المسؤولية!».  فهؤلاء هم الذين سيوفرون كل ما يلزم لحماية عملية الانتقال من سلطة غريبة عنهم إلى قيادة وطنية موحدة تعتمد عليهم وتعيد إليهم دورهم في المقاومة المدنية التي يشارك فيها الشعب كله، بصغاره وكباره ونسائه ورجاله… جميعهم وليس فقط من يحملون السلاح بينهم. 
الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق