جدية تهديدات اسرائيل بحرب على غزة

15 فبراير 2018آخر تحديث :

وسط انشغال الفلسطينيين بمشاكلهم وخلافاتهم الداخلية:الانقسام ،المصالحة،الاعتقالات،الحصار،أزمة حكومة وأزمة سلطة،(استحقاق) أيلول،صفقة الأسرى الخ،ننسى أن هناك عدوا يتربص بنا في كل مكان وتحكمه عقيدة أمنية عسكرية لا يتراجع عنها أو يتهاون بشأنها سواء كانت عملية المفاوضات مستمرة أو متوقفة وسواء كانت هناك عمليات مقاومة فلسطينية أو لم تكن،عقيدة تجعله في حالة حرب معممة على الفلسطينيين في كل مكان،عدوان عسكري مباشر على غزة و عدوان أكثر خطورة يتمثل باستمرار بل تزايد عمليات الاستيطان في الضفة والتهويد في القدس. السياسات الإسرائيلية محكومة بهذه الإستراتيجية الأمنية العسكرية وليس بإستراتيجية السلام،و حكومة نتنياهو الحالية وإن كانت الأكثر فجاجة وعدوانا في تنفيذها لهذه الإستراتيجية فهي استمرار لإستراتيجية ثابتة سارت عليها كل الحكومات ما بعد اغتيال اسحق رابين،إستراتيجية جعل الفلسطينيين دائما تحت الضغط العسكري وفي حالة دفاع عن النفس. 

في هذا الإطار تأتي التسريبات حول وجود مخططات إسرائيلية بعدوان جديد على غزة بعد ثلاث سنوات على عدوان (الرصاص المسكوب)،والسؤال:إذا كانت الحرب الأخيرة بسبب عمليات المقاومة والصواريخ التي كانت تنهال على إسرائيل وتَمَسُك الفصائل الفلسطينية بالمقاومة المسلحة وتهديدها بمزيد من العمليات العسكرية ،فلماذا التهديد اليوم  بضرب غزة بل وتهديد البعض بإعادة احتلال غزة،بعد أن التزمت فصائل المقاومة بالتهدئة والتزمت حركة حماس بالمقاومة الشعبية السلمية وبالتسوية السلمية وبدولة على حدود 1967 ؟!.

لا يمكن فهم وتفسير التهديدات الإسرائيلية لغزة إلا بالعودة لأهداف خطة شارون بالانسحاب من القطاع والظروف المصاحبة للانسحاب ثم المتغيرات التي تلت الانسحاب سواء فلسطينيا أو عربيا،ذلك أن أحداث سنة 2011 أحدثت انقلابا بدد مراهنات إسرائيل من وراء انسحابها من القطاع.وقبل أن نتحدث عن هذه المتغيرات ونتائجها لا بأس أن نعود لأهداف الانسحاب من القطاع،وهي:

1-   خلق فتنة فلسطينية داخلية حول من يحكم قطاع غزة،مع مراهنة على استمرار الخلافات الفلسطينية الداخلية.

2-   إرضاء واشنطن التي بدأت آنذاك تنفيذ مخططها لدمج الإسلام السياسي المعتدل في الحياة السياسية العربية ضمن الأنظمة القائمة،وكانت حركة حماس بداية تنفيذ هذا المخطط.

3-   تحويل قطاع غزة لمقبرة للمشروع الوطني من خلال تمكين حماس من حكمه في إطار مشروع إسلامي معاد للمشروع الوطني.

4-   تدمير المشروع الوطني القائم على فكرة دولة الضفة وغزة من خلال خلق كيانين متعاديين ومنفصلين عن بعضهما البعض.

5-   إلهاء الفلسطينيين والعالم بما يجري في قطاع غزة حتى تغطي على سياساتها الاستيطانية والتهويدية في الضفة والقدس.

6-   التغطية على عبثية المفاوضات حيث كانت إسرائيل مستريحة لمجريات المفاوضات وتراهن على استمرارها إلى مالا نهاية.

7-   إن انسحابها من قطاع غزة سيجعل القطاع واقعا بين دولتين معاديتين – إسرائيل ونظام حسني مبارك-  مما يجعل قدرة حكومة حماس على البقاء والبناء شبه معدومة.

8-    كانت تراهن على استمرار حركة حماس وبقية الفصائل المسلحة بإطلاق الصواريخ وإطلاق التهديدات بتدمير إسرائيل مما يمنح إسرائيل الذريعة لمواجهة العالم بالقول بأنها مهددة بأمنها وأن الفلسطينيين لا يريدون السلام.

نجحت إسرائيل خلال الأعوام الأربعة الموالية للانسحاب من القطاع بتنفيذ جزء كبير من مخططها حيث كان الانقسام والاقتتال وإضعاف الحركتين والسلطتين وخلق حالة فتنة وعداء داخلي وتدمير البنية التحتية للقطاع من خلال الحصار والعدوان وتكثيف الاستيطان في الضفة والتهويد في القدس بشكل غير مسبوق،إلا أن عام 2011 شهد  أحداثا جعلت إسرائيل تعيد النظر في سياستها تجاه غزة وتجاه الفلسطينيين بشكل عام لأن إسرائيل لا تتجاهل أي متغير وخصوصا إن كانت له أبعاد أمنية،وأهم هذه الأحداث:

1-   كان سكوت إسرائيل على سلطتي الضفة وغزة لاعتقادها أنها المتحكمة في حدود الدور الذي تلعبه كلتا السلطتين وهو دور وظيفي يخدم السياسة الإسرائيلية،وعندما تشعر إسرائيل أن السلطتين أو احدهما تتمرد على الدور الوظيفي فستعمل على إنهائها،وإسرائيل ترى اليوم نهاية الدور الوظيفي للسلطتين وهذا ما يفسر التصريحات المعادية والمهددة للسلطتين .

2-   وقف الفلسطينيون للمفاوضات العبثية والذهاب للأمم المتحدة مما وضع إسرائيل في حالة دفاع عن النفس دبلوماسيا وكشف زيف خطابها حول السلام.

3-   الأزمة السياسية والاقتصادية الإسرائيلية الداخلية وحراجة موقفها دوليا قد تدفعها للحرب لإعادة خلط الأوراق.

4-   التزام الفلسطينيين بالتهدئة الشاملة وخصوصا في قطاع غزة،وتبنيهم لخيار المقاومة السلمية ،نزع من إسرائيل ورقة الظهور بمظهر الدولة المسالمة المهددة من (الإرهابيين) الفلسطينيين.

5-   بداية تحرك ملف المصالحة ومحاولة الفلسطينيين لملمة أوراقهم والاستفادة من المتغيرات العربية لإعادة بناء المشروع الوطني على أسس صحيحة،حتى وإن كانت المصالحة في بداياتها ومجرد نوايا.

6-   تمكنت حركة حماس وبجهود فلسطينية مشتركة من تفكيك الحصار حيث يشهد القطاع عملية بناء واسعة وتم فتح معبر رفح بشكل عادي تقريبا،وفقدت إسرائيل رقابتها على الحدود الجنوبية البرية على القطاع.

7-   الثورات العربية وخصوصا في مصر عملت حتى الآن على تصليب الموقف الفلسطيني ووضعت إسرائيل في مواجهة عالم عربي يتغير ومفتوح على كل الاحتمالات.

8-   لم يعد قطاع غزة محصورا بين كيانين معاديين ،حيث بدلت مصر الجديدة من سياستها تجاه الفلسطينيين وبات قطاع غزة متواصلا جنوبا مع دولة متعاونة ومتفهمة لسياسة حركة حماس ولمجمل السياسة الفلسطينية.

9-   حتى في ظل حالة عدم الاستقرار الراهنة في مصر فإسرائيل تتخوف من الانفلات الأمني في شبه جزيرة سيناء وتشعر بقلق من تهريب بعض القوى الفلسطينية بتنسيق مع جماعات إسلامية مصرية  لأسلحة متطورة قد تصيب مدنا إسرائيلية كبيرة.  

لكل ذلك فإن التخوفات الصادرة من نتنياهو أو ليبرمان أو غيرهم من تداعيات الأوضاع في المنطقة العربية وخصوصا في مصر وشبه جزيرة سيناء ومن المصالحة الفلسطينية ومن الحراك الدبلوماسي الفلسطيني الذي يقوده الرئيس أبو مازن،تخوفات جادة لأن إسرائيل ضعيفة أمام أي تهديد أمني ولو كان مستقبليا ولا يمكنها الانتظار إلى أن يصبح الخطر حقيقيا وداهما وهي دائما تفضل الحرب الاستباقية وسياسة خلط الأوراق كما عودتنا سابقا،لذلك فإن التهديدات الصادرة بالقيام بعدوان جديد على غزة بل بإمكانية إعادة احتلاله أو احتلال أجزاء منه مؤقتا ليست مجرد كلام فارغ بل هي تهديدات جادة على القيادة الفلسطينية أن تأخذها بعين الاعتبار واتخاذ الإجراءات الاستباقية اللازمة ليس من خلال التراجع عن المصالحة بل الاستمرار بها وفي نفس الوقت التواصل مع العالم الخارجي للتنديد بهذه التهديدات وحماية الفلسطينيين من  أي عدوان إسرائيلي قادم . 

‏27‏/12‏/2011

المصدر بيتنا
الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق