ماوراء استقالة وزير الداخلية الفلسطيني

28 يناير 2017آخر تحديث :
ماوراء استقالة وزير الداخلية الفلسطيني

26-4-2007

لم يعد خافيا على احد أن ما يشغل بال المواطن الفلسطيني في الأشهر الأخيرة هي قضايا الأمن والأقتصاد أو أمنه الشخصي وأمنه الغذائي وتراجع الاهتمام بالقضية الوطنية أي بالدولة والاستقلال إلى درجة دنيا ،إلا عند قيادات القوى السياسية التي تتعامل مع هذه الملفات بتخبط ودون إستراتيجية وطنية ،هذا الاهتمام عند المواطنين بقضاياهم الحياتية أمر مفهوم حيث لا يمكن لمواطن جائع وغير مطمئن على أمنه الشخصي ويعيش في نظام سياسي مشلول ومكوناته السياسية متصارعة مع بعضها البعض ،لا يمكنه أن يولي كثير اهتمام بالشأن العام الوطني . وحتى عندما شكلت حكومة الوحدة الوطنية فهي كانت حكومة فك حصار كما أرادها أن تكون الرئيس أبو مازن والمجتمعون في لقاء مكة ،وحكومة وقف الاقتتال الداخلي حيث جاءت بعد اقتتال دام بين حركتي فتح وحماس ،ومن هنا كان نعتها بحكومة الوحدة الوطني هو اقرب للتمني أكثر مما هو توصيف للواقع .
عندما يكون الهم الشاغل للمواطن هو الأمن الشخصي والغذائي والقلق على مستقبله ومستقبل أبنائه ،لا يجوز أن نتحدث هنا عن مجرد انفلات امني بل عن انفلات وانهيار عام للسلطة ولأسس المشروع الوطني ،وفي هذه الحالة فمعالجة هذه الحالة لا تكون بمداخل أمنية مجردة بل بمداخل سياسية وإستراتيجية أو بمداخل أمنية بمفهوم الأمن القومي وليس بمفهوم الأمن البوليسي. ما يدعم هذه الرؤية هو حالة الاختلاط بين وضعيات واستراتيجيات ورؤى ،فهناك التداخل ما بين مرحلة التحرر الوطني ومرحلة بناء الدولة ،والتداخل ما بين الاقتصاد الوطني والاقتصاد الإسرائيلي والدعم الخارجي ،والتداخل ما بين الأمن الداخلي والأمن الخارجي المرتبط بحالة المواجهة مع إسرائيل،والتداخل ما بين برنامج الحكومة وبرامج الأحزاب المشكلة لها، والتداخل ما بين الأجهزة الأمنية وميلشيات الأحزاب ،أيضا التداخل ما بين المكونات الأهلية التقليدية للمجتمع وما تنتج من ثقافة وقيم وأنماط سلوك من جانب وبني ومؤسسات حدائية،كل ذلك يجعل من الصعب التمييز بين سلاح المجاهدين الحقيقيين وسلاح الفوضى والسرقة وقطاع الطرق وسلاح العائلات ومراكز القوى الخ .
وعليه نعتقد أن وزير الداخلية ورئاسة الحكومة تسرعوا عندما وضعوا خطة أمنية بالمفهوم الأمني الضيق أو البوليسي وحددوا لها اجل ثلاثة أشهر لتنجز مهمتها .حالة كالتي وصفناها لا تعالج بمداخل أمنية بل بمداخل سياسية وضمن رؤية إستراتيجية للأمن،لأن المشكلة ليست زيادة عدد الجرائم مقابل نقص او ضعف في عدد المنتمين للأجهزة الأمنية اللازمة ، بل غياب الإرادة السياسية داخليا في إنجاح الخطة الأمنية وإرادة خارجية أيضا قي إفشال الخطة وإفشال حكومة الوحدة الوطنية ،فنجاح الخطة الأمنية مؤشرا ومقياسا على نجاح حكومة الوحدة الوطنية. قبل وضع الخطة واعتمادها كان يفترض تفعيل دور القانون ورد الاعتبار للجهاز القضائي ،فلو كانت حكومتنا حكومة طوارئ ما كانت هناك حاجة للقانون والقضاء ولكن وحيث إنها حكومة وحدة وطنية لها خصوصية وحساسية مقلقة فلا يمكنها العمل إلا في إطار القانون ،ومن جهة أخرى كلت يفترض إشراك الرئاسة والفصائل والعائلات في مشاورات مكثفة قبل اعتماد الخطة ،لأن هذه الأطراف لها مسلحوها ومناطق نفوذها ورؤيتها الخاصة ،أيضا إشراك مجلس الأمن القومي بل يمكن القول بأنه كان يفترض تأجيل وضع الخطة إلى أن يتم الحسم بموضوع مجلس الأمن القومي والتوافق على كل تفاصيله بحيث يعكس ويجسد المفهوم الحقيقي للوحدة الوطنية ،وإليه يسند أمر وضع خطة إستراتيجية للأمن القومي تكون مهمة وزارة الداخلية والحكومة مهمة تنفيذية فقط .
بناء على ما سبق يمكن القول بأن استقالة وزير الداخلية لا تعود لفشله في فرض استتباب الأمن بالمفهوم المهني للفشل لأنه لم يباشر بعد تنفيذ الخطة ،بل في إحساسه وإحساس رئاسة الوزراء وحركة حماس بان القوى السياسية والعائلية ومراكز القوى غير متعاونة في تنفيذ هذه الخطة،وهنا يمكن الحديث عن تحميل جزء من المسؤولية لوزير الداخلية وللحكومة التي أقرت الخطة وهي مسؤولية غياب التفكير المنهجي والاستراتيجي قبل وضع و إقرار الخطة لان وزير الداخلية ورئيس الوزراء وكل الوزراء يدركون جيدا تشابك وتعقد الوضع في مناطق السلطة ويدركون بأن أسباب الاقتتال الذي سبق لقاء مكة لم تحسم بعد ،فكيف يتسرعون بوضع خطة أمنية ثم يعلن وزير الداخلية استقالته لعدم التعاون ؟،وكأنه كان ينتظر أن يأتي إليه مسلحو الأجهزة الأمنية العائلات والميليشيات والعصابات وعملاء إسرائيل صاغرين لمجرد انه وزير حكومة وحدة وطنية؟! .
لا نستبعد بأن يكون تقديم وزير الداخلية لاستقالته أمرا متفقا عليه مع رئيس الوزراء وحركة حماس ،لتكون الاستقالة رسالة احتجاج وإنذار مبكر من حركة حماس من خلال وزير الداخلية بان هناك أزمة سياسية وغياب تعاون ،رسالة المراد منها تبليغ الرأي العام الداخلي بان مشكلة الأمن لن تحسم قريبا وان المسؤولية ليست مسؤولية وزارة الداخلية والحكومة بل مسؤولية الأجهزة الأمنية المتمردة على الحكومة والتي مركز قرارها عند حركة فتح ومسؤولية المليشيات والحالات العسكرية التابعة للتنظيمات ،فهل نحن أمام أزمة حكومية وبالتالي احتمال العودة لنقطة الصفر وخصوصا مع تزايد حالات الانفلات بعد تشكيل الحكومة؟.
وأخيرا نقول ، لا أحد ينتظر من الحكومة إنجاز الاستقلال ولا المواجهة المسلحة مع إسرائيل ولا حتى بناء مؤسسات السلطة التي دمرها الاحتلال والاقتتال الداخلي ،كل ما يتوق إليه المواطن الآن هو الإحساس بالأمن وتوفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة ،فان لم تتمكن الحكومة من تحقيق الأمن ورفع الحصار ينتفي مبرر وجودها ،لا نريد أن نروج لليأس ونقول بان تقديم وزير الداخلية لاستقالته بعد أسابيع من تشكيل الحكومة وعشرة أيام من اعتماد الخطة الأمنية هو مؤشر لفشل الحكومة التي تمنينا أن تكون حكومة وحدة وطنية حقيقية،إلا أن خوفا ينتابنا بان الأمور تسير في اتجاه الأزمة.

 

الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق