لقاء ثقافي على غير ميعاد

28 يناير 2008آخر تحديث :

   سميح شبيب

2008-01-28

في الأسبوع الـماضي، التقيت ومجموعة من زملائي الـمثقفين مع وزير الثقافة الدكتور إبراهيم أبراش، بدعوة منه، في مكتبه برام الله. لـم يكن لهذا اللقاء أي تحضير مسبق، على شكل نقاط أو مواضيع محددة للبحث مثلاً. ولـم يكن له أيضا، من سبب معلن ومباشر يبرره، أو مناسبة معينة تدلّ سلفاً عليه. كانت دعوة (على غير ميعاد) كما يقال، عبر الهاتف من قبل الزميل الفنان وليد عبد السلام، مدير مكتب الوزير فحسب. ولأن الـمثقفين، أو غالبيتهم على الأقل، توّاقون في هذه الأيام العصيبة والـمريرة، لأي لقاء يجمعهم في أي مكان، وبسبب وبلا سبب، وبمناسبة ودونها، فقد لبّوا الدعوة. كلهم، أو معظمهم، أو بعضهم، لا أدري.
تلك كانت “قراءتي” الأولى للقاء، أو للتلبية على الأصح، وفق فهمي لها. يعني، يكفي أن نلتقي. وليكن الحديث بيننا ما يكون في اللقاء الـموعود! هل هي قراءة إيجابية؟ أظن ذلك. فليس ثمة في هذه الأيام ذاتها، من لقاءات تجمع الـمثقفين، ولو في مقهى على الرصيف. لا اتحاد للكتاب. ولا اتحاد للفنانين. ولا جمعية للـمفكرين. ولا رابطة للأكاديميين. ولا أي شيء (رغم أن غالبيتها موجودة نظريا، إلا أنها عاطلة أو معطلة عن العمل). وليس ثمة بالتالي، من دور ملـموس، أو شبه ملـموس للـمثقفين. كل واحد منهم في زاويته الخاصة به، يده على أزرار كمبيوتره، أو على أقلامه وأوراقه وكتبه، وربما على خـده الـمتغضن والـمثقل بالهموم، وحيداً وبعيداً عن أدنى حوار أو نقاش مع سواه!
هذه صورة تقريبية بالطبع، معتمة وموحشة، إلا أنها غير مغلقة. فلا يخلو الحال، من ندوة هنا، ومحاضرة هناك، أو “يوم دراسي”، ما بين هذه وتلك، من حين إلى حين. ولكن هذه الأنشطة الـمبعثرة، وغير القائمة على برامج وخطط ثقافية معروفة ومنشورة بين الناس، لا تثير قضايا جدية. وإن أثارتها وهو النادر بينها، فإنها لا تحقق في ضيق مداها، ما هدفت إليه. ولا توفر هذه الأنشطة ــ وهو الأهم من وجهة نظري ــ فضاء للـمثقفين يتوافقون عليه بمختلف فئاتهم واهتماماتهم وإبداعاتهم، من أجل ممارسة حريتهم الـمفتوحة في اللقاء وفي الحوار الـمتواصل.
ماذا تفعل وزارة الثقافة داخل هذه الصورة؟ لعل الوزير أبراش أراد بدعوته، أن يلـمس أبعاد ومؤشرات انعكاس هذا “الفعل” في عيون وعقول الـمثقفين أنفسهم، ليكون له في وزارته، بعد اللقاء، ما يفيد خطط وبرامج وزارته، وما يزيد من فعلها في قادم الأيام؟!
كانت الـمفاجأة عكس هذا التوقع تماماً. فقد اندفع الوزير فور التفاف عشرة مثقفين، أو خمسة عشر مثقفا، أو أكثر أو أقلّ قليلاً، حول طاولة اللقاء معه، بالشكوى الصارخة أمامهم، ولهم، من واقع وزارته ذاتها! فهي وزارة بلا تمويل على الإطلاق ــ كما قال ــ لأية خطة من خططها، التي عرضتها على الحكومة. حتى أن هذه الحكومة ــ كما قال مرة ثانية ــ لـم تشتمل على خطط وزارته بحرف أو سطر، في خططها التي قدمتها في مؤتمر باريس العتيد، والذي تـم بموجبه إقرار دعم السلطة بأكثر من سبعة مليارات دولار. والـمحصلة، وفق هذا القول، أن الثقافة بلا أبسط تمويل، ولو بنسبة الواحد بالألف، من كل هذا الدعم الوفير. وليس للوزارة في هذا الحال، سوى استمرار الحال على ما هو عليه من رواتب العاملين فيها، والـمصاريف الجارية، من إيجار مقرات، ووقود سيارات، ومـاء وكهرباء وهواتف، دون أن ننسى القهوة والشاي! أما الخطط والبرامج الثقافية فإنها بحكم الواقع القسري، غير مدرجة إلا في الأدراج الباردة، ساكتة وساكنة على الورق، بعشرات الـملفات متقنة الطباعة والتجليد!
أحس الـمثقفون بالتعاطف مع الوزير. فالرجل يريد ببساطة أن يحارب بهم، ومن خلالهم، في سبيل تمويل خطط وبرامج وزارته! ولكن، هل هي أصلاً خططهم وبرامجهم؟ ماذا يعرفون عنها؟ هل تمت مشورتهم بشأنها؟ هل نُشرت عليهم في الصحف ومختلف وسائل الأعلام؟ ولـماذا يكون عليهم أن يخوضوا غمار هذه “الحرب” التي لا يعرفون مقاصدها الفعلية؟
جرى حوار شامل ومتشعب، بصدق وشفافية وجرأة، كان الوزير فيه واحداً من هؤلاء الـمثقفين، مع أو ضد على حـد سواء، وهو أساساً منهم، أكاديمي نشيط، ومؤلف لكتب عديدة، وكاتب مقالات دائمة في الصحف، أكثر من كونه متربعاً فوق منصب سياسي رفيع. وهو ما أغنى هذا الحوار، رغم الخلاف في بعض مواضيعه الـمهمة، وبعض وجهات النظر حول ما يمكن وما لا يمكن لهذه الوزارة أن تفعل. ولعل هذا الخلاف، على وجه التحديد، هو ما زاد من حيوية وأهمية الحوار. فالخلاف، كما قال أحد الزملاء، جوهر الثقافة، دون أدنى شرط، سوى شرط البقاء الحي داخل النسيج الثقافي الـمتعدد، حتى لا يتمزق هذا النسيج ويتفتت بالاستلاب، أو بالانقسام العنفي والاحتراب الداخلي.
وقد توقفنا عند هذا الجوهر، بمزيد من النقاش، بخاصة ونحن في هذه الـمرحلة الـمصيرية، نشهد خللاً مفزعاً في نسيجنا الثقافي، يتمثل بما يقترب من حواف الفقدان التراجيدي للبوصلة الثقافية تحت مخالب الانقسام، وسطوة بعض أنماط الذهنية الظلامية والتكفيرية من جانب، وأنماط العبثية والعدمية، وعلى وجه الخصوص في أوساط الشباب، من جانب آخـر.
وانتهى اللقاء بتوصيات لا بد من أن أحدهم سجلها، على أمل لقاءات مقبلة في أماكن أخرى. فهل تُقبل؟ ومتى؟ والأهم، كيف للقاء في أي وقت أن يساهم في محصلته، في صنع القرارات اللازمة؟ أم أن ما هو فوق الأهم الآن، كما قلت قبل قليل، هو أن يلتقي الـمثقفون مع بعضهم بعضاً على الأقل، ولو للفضفضة؟

https://www.al-ayyam.ps/

الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق