د ابراش لجريدة البديل : تواجد فلسطين في أروقة معرض الكتاب الدولي شكل آخر من أشكال المقاومة

9 ديسمبر 2016آخر تحديث :

29/01/2008
الجهات المانحة خلقت طبقة من المنتفعين المشتتين بين أصولهم النضالية وقلقهم الاقتصادي
رشا حسني
في ظل الأحداث الملتهبة التي يشهدها قطاع غزة جاءت زيارة وزير الثقافة الفلسطيني إبراهيم ابراش إلي القاهرة، واللافت أن سخونة الصراع لم تمنعه من ممارسة شكل آخر من أشكال المقاومة في سبيل الحفاظ علي تواجد اسم “فلسطين” في أروقة معرض القاهرة الدولي للكتاب.
د. إبراش انضم مؤخرا لحكومة الطوارئ التي شكلها أبو مازن بعد إعلان “حماس” سيطرتها علي غزة لكنه قبل أن يكون وزيرا فهو مثقف شغل عدة مناصب أبرزها عمادة
كلية الآداب بجامعة الأزهر بغزة.
حاولنا أن نفتح معه بعض الملفات الساخنة لفهم الواقع الفلسطيني الملتبس.
>قبل أن تكون وزيراً أنت مثقف بارز وقد طالبت بعدم تماهي المثقف مع السلطة خاصة إذا كانت غير ديمقراطية. فلماذا قبلت المشاركة في حكومة طوارئ؟
>>هناك اشكالية دائمة في الوطن العربي بين المثقف والسلطة، وقد كتبت في هذا الموضوع من قبل وقلت إن المثقف إن تماهي مع السلطة فلا يصبح مثقفا، لكن مع انقلاب حماس أصبحت حتميا أن اختار ما بين الانتماء لمشروع حماس أو مساندة المشروع الوطني، وقد قبلت كرسي الوزارة دعما للمشروع الوطني وانضممت لهذه الحكومة علي اعتبار أنها حكومة مؤقتة لتسيير الأعمال يعقبها إصلاح ثم أعود بعدها لجامعتي، لكن الفترة المؤقتة طالت و أصبحت أشعر أحيانا بالتناقض وان كنت لم أتوقف عن التعبير عن رأيي كمثقف، وقد طالبت قبل أسبوع بوقف المفاوضات وقلت إنها أصبحت عبثية ثم كتبت مقالا بعنوان “حتي لانكون شهاد زور” أدنت فيه الصمت حيال تدمير الوطن. بشكل عام لن أتردد في ترك الوزارة في أي لحظة أشعر فيها بعدم قدرتي علي اتخاذ موقف وطني حر. لقد أقسمت يمين الولاء لفلسطين وليس لأبو مازن.
>أنت ابن لغزة كيف تري مايحدث هناك الآن من موقع المسئولية؟
>>الأحداث جاءت مصدقة لما كنت أخشاه وهو فصل غزة عن الضفة وفقا لمخطط وضعته إسرائيل بتدمير الدولة الفلسطينية قبل أن يعلن شارون انسحابه من طرف واحد، وقد كانت حالة الانفلات الأمني قبل وصول حماس للسلطة جزءا من هذا المخطط ثم ماجري بعد صدامها مع فتح ومن ثم إعلان غزة كيانا معاديا، وقد جاءت تلك الخطوات المتتابعة تمهيدا لوصاية أو علاقة ما بين غزة ومصر وربما في مرحلة قادمة بين الضفة والأردن ولتصبح الدولة الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني حلما غير قابل للتحقيق، إسرائيل استغلت ذلك لتدفعنا نحو التصارع بين بعضنا البعض وبذلك أحللنا عدوا داخليا محل العدو الخارجي مما جعل الرئيس بوش يجرؤ علي أن يقول انسوا اللاجئين و الشرعية الدولية والقدس.
>ما معني وجود وزارة تحت الاحتلال وما جدواها؟
>>وضع الوزارة يطرح تساؤلا مهما وللإجابة عنه يجب أن نعود قليلا للوراء فهذه الوزارات شكلت في إطار سلطة للحكم الذاتي، وكان من المفترض حسب اتفاقية أوسلو أن تستمر تلك السلطة المؤقتة لخمس سنوات إلي أن تعلن الدولة الفلسطينية، لكن مماطلة الاحتلال الإسرائيلي تسببت في بقاء هذه السلطة والوزارات التي تتبعهاعلي مدار 13 عاما، الأمر الذي يصعب المهمة علي الوزارات لأنها أصبحت تقوم بمسئوليات من المفترض أن يقوم بها الاحتلال لتسيير أمور المناطق المحتلة، والوضع الحالي يخلق حالة من الإرباك ويظهر الحكومة وكأنها تقوم بدور وظيفي في ظل عدم تمتعها بالسيادة لكننا نحاول التحايل علي هذا الواقع والقيام ببعض المهام السيادية وان كانت إسرائيل تحاول أن تفسد ما نقوم به مما يخلق تحديا مستمرا يجعلنا أحيانا لا نستطيع أن نقوم بمهامنا بالشكل المناسب.
>ميزانية وزارة الثقافة الفلسطينية لاتتعدي 4 في الألف من الميزانية العامة كيف تدبرون مايكفي للأنشطة الثقافية؟
>>لم تكن الثقافة سابقا ولا الآن ضمن سلم اهتمامات الحكومة فدائما ماينظر للثقافة علي أنها ترف فكري، والوزارة ترف وظيفي لا يتم تمكينها أو مدها بمقومات العمل الثقافي. ميزانية الوزارة تصل إلي نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار سنويا يتبقي منها بعد الفواتير الثقيلة التي تضم رواتب الموظفين بالوزارة 150 ألف دولار، كيف نسير أمور البلاد بهذا المبلغ الضئيل في وطن محتل تعد الثقافة أحد حوائط الصد المهمة للدفاع عن هويته.
>كيف واجهتم تلك الأزمة؟
>>مارسنا الاحتجاج وقلنا في مجلس الوزراء لا نستطيع أن نعمل بهذا المبلغ الضئيل فربما تستطيع الجهات الثقافية الأخري الاستعانة بمصادر أخري للتمويل لكننا كوزارة لا يمكن أن نقبل بالتمويل المشروط أو نعمل حسب عقلية وأجندة غربية فقد دفع ضعف التمويل بوزارة الثقافة بعض المثقفين للبحث كل بطريقته للبحث عن تمويل، وقد أبدت كثير من الجهات استعدادها للتمويل لكن المشاريع التي تبنتها كانت خارج الاستراتيجية الوطنية فكل جهة مانحة تحاول أن توجه العمل الثقافي حسب أجندتها الخاصة ونظرتها هي للثقافة وعادة ما تختار أنشطة تخدم ماتريده فيركز بعضهم علي المرأة والطفل وقضايا العنف الفردية وينصرفون عن الهم العام المسيطر علي المجتمع الفلسطيني صحيح أن بعض المؤسسات تلتزم بالاستراتيجية الوطنية ولكن هناك كثيراً غيرها تشتغل وكأنها عالم مستقل تنفصل عن القضايا الوطنية الأساسية وأولويات العمل الثقافي الوطني.
>في مقال كتبته قبل 10 سنوات حذرت من محاولات الجهات المانحة رشوة النخبة إلي أي حد تحقق ما كنت تخشاه؟
>>حذرت من رشوة النخبة عبر طريقين سواء من خلال استقطاب المثقفين والمناضلين وإخراجهم من مجال العمل الوطني سواء بتحويلهم إلي موظفين في مؤسسات السلطة أو عن طريق المؤسسات غير الحكومية مما يجعل المثقف خاضعاً للجهة التي تمنحه الراتب وتحول كثيراً من المثقفين الملتزمين إلي موظفين.
والملاحظ أن المؤسسات غير الحكومية اكتظت بمثقفين يتقاضون رواتب مرتفعة مما جعلهم يشكلون طبقة اجتماعية انفصلت عن هموم المواطن العادي وجزء كبير منهم يعيش أزمة داخلية مابين أصوله النضالية وواقعه الذي يجعله خائفا من فقدان راتبه الضخم.
>كيف نواجه انضمام مزيد من المثقفين لتلك الطبقة؟
>>بتمكين المثقف من شروط العيش الكريم ويمكن للحكومة أن تقوم بذلك عن طريق زيادة منح التفرغ وتسهيل عملية نشر العمل الإبداعي والمساعدة في آليات النشر وتسهيل التواصل مع العالم الخارجي.
>ما هي الجهة المنوطة بدعم النشاط الثقافي الفلسطيني؟
>>المنظمة العربية للعلوم والثقافة علي المستوي العربي والمنظمة الإسلامية علي المستوي الإسلامي هما الجهتان المعنيتان بدعمنا ماديا ولكن الإمكانات التي نحصل عليها محدودة هناك أزمة حقيقية فالجهات الخارجية ليست معنية بدعم مشروع وطني وعادة ما تكتفي بدعم مشروع اجتماعي أو اقتصادي، أما عندما يطرح مشروع ثقافي وطني له علاقة بالهوية والانتماء يعتبرونه سياسيا ومعبرا عن السلطة.
في كثير من الأحيان أشعر أنني أتسول سواء من الدول أو الجهات المانحة وأظل أرسل المسئولين لفترة طويلة للحصول علي دعم ضئيل وقد لا يتوفر في النهاية.
>ألا تقوم الدول العربية ذات الاقتصاد المستقر بدعمكم؟
>>بشكل عام هناك، فالصراعات السياسية لها دور سلبي في هذا الشأن وينظر لوزارة الثقافة علي أنها جزء من السلطة التي تتباين المواقف منها ولا يميزون بينها وبين الوزارة التي تعمل في الشأن الثقافي وقد يرجع ذلك إلي ما عرف خلال سنوات سابقة من انتشار بعض صور الفساد التي طالت المجال الثقافي ولكننا لتخطي تلك المرحلة لا نطلب من الجهات المانحة أموالا وانما نطالبهم برعاية مشروعات ثقافية معينة والإشراف عليها وهناك كثير من الدول تريد ان تقدم مساعدة بطرق مباشرة من منطلق سياسي خصوصا وتنصب المساهمات علي الجمعيات ذات الطابع الديني.
>ألا يرجع ذلك لارتباط هذه الجمعيات بفكرة المقاومة؟
>>من الخطا التماهي بين فكرة المقاومة وحزب ما ولو عدنا للتاريخ لوجدنا أن الذي أوجد المقاومة هي منظمة التحرير ومنظمة فتح منذ منتصف الستينيات قبل أن تشكل منظمة حماس، أما احتكار مبدأ المقاومة لصالح تيار بعينه فهو خطأ يصل إلي حد الجريمة، الاختلاف ليس علي مبدأ المقاومة لكن الخلل نابع من عدم الاتفاق علي استراتيجة موحدة ولا يمكن أن تنجح المقاومة دون أن تتفق جميع الفصائل علي استراتيجية موحدة.
>طالبت من قبل بتوطين الإسلام السياسي وغيره من الايديولوجيات ماذا قصدت بذلك؟
>>لا يمكن لأحد أن يتجاهل البعد الديني لكن الخطأ في احتكار الدين لصالح حزب بعينه وهذا يجعل الجماعات الوطنية الأخري خارجة عن اطار الدين، وعندما طالبت بتوطين الإسلام السياسي قصدت أن تصبح تلك الجماعات الدينية جزءا من المشروع الوطني ولا نلحق المشروع الوطني بحزب بعينه، فمثلا مقولة حماس بأنها جزء من مشروع الإخوان المسلمين تعد أمرا خطيرا يلحق المشروع الوطني بمستقبل جماعة أخري في الخارج.
>كانت هناك قرارات سابقة اتخذها وزير الثقافة الأسبق في حكومة حماس بحظر بعض الفنون هل أعدتم النظر فيها؟
>>لم تكن هناك قرارات رسمية لكنها كانت توجهات عامة، وقد بادرت فور تولي الوزارة بتكريم الكاتب شريف كنعان صاحب كتاب “قول يا طير” الذي منعته حكومة حماس بدعوي احتوائه علي أمور خارجة في حين أنه يعرض جانبا من التراث الشعبي.
نحن نؤمن بأن في ثقافتنا الوطنية متسعاً للجميع سواء لمن له توجه ديني أو ليبرالي أو يساري فان كانت السياسة عالم الاختلاف فالثقافة هي المجال الأنسب لتحقيق التقارب والوحدة.
>في فلسطين أكبر نسبة من المتعلمين والمثقفين لكن حضور مبدعيها في الداخل لايبدو ملموسا؟
>>لا إبداع بدون حرية فالاحتلال يقيد الحرية والوضع الاقتصادي لا يسمح للمبدع بالإبداع نتيجة للانشغال بالهم السياسي ولا يتوافر له الصفاء اللازم للإبداع فضلا عن صعوبة التواصل مع العالم الخارجي وبرغم ذلك توجد لدينا كثير من المشاريع الثقافية السينمائية والمسرحية والكتب لكننا لا نستطيع إخراجها للنور، أما في الخارج فهناك حرية نسبية وبشكل عام و في ظل معاناة الفلسطيني لكونه فلسطينياً فان عدد المبدعين بالنسبة لعدد السكان لافت للنظر ومنهم أساتذة الجامعات والأطباء والمفكرون المنتشرون في أنحاء العالم فالفلسطيني يمكن أن يمارس فلسطينيته أينما وجد.
>اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية 2009 ألا يمثل مازقا؟
>>إذا لم نقم بهذا العمل فكأننا نؤكد أن القدس لم تعد عاصمة عربية لقد كان أمامنا تحد إما أن نقبله أو نهرب منه فقبلناه. بالتأكيد لن نستطيع أن نقيم احتفالاً كالذي يقام في أي عاصمة عربية لأن القدس محتلة لكن ما يهمنا ان تكون انطلاقة الاحتفالية من هناك لنؤكد لإسرائيل وللعالم أن القدس مدينة عربية إسلامية وهي عاصمة الدولة الفلسطينية، كما نخطط لمشاركة عربية تنقل القدس إلي كل دولة عربية بأن تقام أنشطة حول القدس.
اقترحت أن تقام مؤسسات ثقافية عربية داخل القدس من خلال عرب 1948 الذين لديهم ترخيص لكن أصحابها لا يستطيعون الحفاظ علي أنشطتها بسبب الضرائب الإسرائيلية، والتحدي هنا أن نمكن الفلسطينيين من الاستمرار في النشاط الثقافي العربي حتي وأن لم يكن مربحا ومحاطا بقيود الاحتلال المهم أن تبقي بالقدس مؤسسات ثقافية تحمل اسم فلسطين
>خلال اللقاء بوزير الثقافة المصري فاروق حسني الذي امتد ساعة ونصف ما أهم الاتفاقات في الشأن الثقافي؟
>>أبدي الوزير ترحيبا بتلبية كل ما طلبناه وقدم 10 منح دراسية في مجال الثقافة ومنحنا كتب مكتبة الأسرة، والأهم أنه أبدي استعدادا بأن تتبني مصر مكتبة وطنية بالقدس، وقريبا سنقدم له المشروع ليتخذ فيه قرارا سياسيا

الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق