حوار مع البيادر السياسي

18 يناير 2016آخر تحديث :

* لا قيمة لمفاوضات أو دبلوماسية بدون قوة الشعب والمقاومة 

* إسرائيل تفقد مع مرور الوقت مصداقيتها السياسية والأخلاقية

* عدم دخول الاحتلال في حرب برية بحد ذاته دلالة على تراجع قوة الردع

*  تجربتنا مع إسرائيل تبين أنها لا تحترم المعاهدات والمواثيق فهي تفسر النصوص كما يحلو لها

* زيارات مسؤولين عرب لغزة أقرب لزيارات رفع العتب 

* هناك عدو واحد يجب أن نواجهه موحدين، وعلينا أن نوقف رهاننا على الآخرين

 غزة- خاص بـ”البيادر السياسي”:ـ حاوره/ محمد المدهون

توالت الانتصارات الفلسطينية في الآونة الأخيرة من النصر الميداني في قطاع غزة، إلى النصر الدبلوماسي في أروقة الأمم المتحدة، في انتظار نصر ثالث يتوج بالوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام الفلسطيني المدمر الذي استشرى في الوطن الفلسطيني، فبعد ثمانية أيام من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، أجبر المحتلون على وقف عدوانهم، والقبول بالتهدئة، مستسلمين لشروط المقاومة التي استطاعت هذه المرة تغيير قواعد اللعبة، وتلا ذلك انتصار في الأمم المتحدة بتوجه الرئيس محمود عباس لحصول دولة فلسطين على عضوية مراقب في المؤسسة الدولية، متحدياً بذلك كم الضغوطات الهائلة التي فرضت عايه إسرائيلياً وأمريكياً وحتى دولياً.. العدوان على غزة والانتصار في الأمم المتحدة والمصالحة الوطنية كانت أبرز محاور اللقاء الذي أجرته “البيادر السياسي” مع الكاتب والمحلل السياسي الأستاذ الدكتور إبراهيم ابراش، فيما يلي نصه.

فلسطين في الأمم المتحدة

* كيف تابعتم قضية التصويت على عضوية فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة ؟ وماذا يعني لكم هذا التصويت؟

– الذهاب للأمم المتحدة بعد 18 سنة من المفاوضات العبثية هو تصحيح لمسار المفاوضات، فطوال السنوات الماضية لم يكن للمفاوضات أية مرجعية، وهذا ما اعترف به الرئيس أبو مازن بنفسه.. اللجوء للأمم المتحدة والمطالبة بعضوية دولة فلسطينية هدفه تثبيت حق الفلسطينيين في دولة معروفة ومحددة بحدود واضحة، وليس مجرد كلام مبهم عن دولة، وجعل هذا الحق مرجعية للمفاوضات التي ستستأنف ولا شك بعد التصويت، وأهمية التصويت الذي جرى في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني أنه حصل على هذا العدد الكبير من الأصوات 138، وكشف الأعداء الحقيقيين للشعب الفلسطيني – إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا – وهذا يكشف الحجم الكبير للتأييد العالمي للشعب الفلسطيني، وأن إسرائيل تفقد مع مرور الوقت مصداقيتها السياسية والأخلاقية.

* هل الدبلوماسية الفلسطينية انتصرت على جبروت المحتلين، وما ساندهم في هذا الجانب ؟ وما هي عواقب هذا الانتصار من خلال تحليلاتكم؟

– ما جرى انتصار دبلوماسي ولا شك، ولكن يجب أن لا نضخمه، فهو بداية مشوار طويل أو خطوة أولى نحو الدولة كما قال الرئيس، وأن تصمد القيادة الفلسطينية أمام كل الضغوطات والتهديدات الإسرائيلية والأمريكية التي كانت تريد ثني المنظمة عن الذهاب للأمم المتحدة، فهذا يعتبر انتصاراً، ولكن كما قلنا هذا قرار غير ملزم بدولة غير عضو ، وحتى تقوم الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على كامل أراضي 1967، بالفعل نحتاج لمعارك دبلوماسية أولا حتى  يصدر قرار من مجلس الأمن بقبول فلسطين دولة كاملة العضوية، وقد نحتاج لمعارك حقيقية حتى نجبر إسرائيل بالاعتراف بهذه الدولة والانسحاب من الضفة وغزة. وبالنسبة للعواقب فلا أعتقد أن إسرائيل ستنفذ كل تهديداتها للسلطة، ولكنها لن تتوقف عن سياساتها الاستيطانية والتهويدية، وستتشدد على طاولة المفاوضات، وستبحث عن طرق ووسائل خبيثة للانتقام من الرئيس ومنظمة التحرير دون أن تقول أو تُظهر بأن ذلك عقابا ًعلى تصويت الجمعية العامة .

إسرائيل لن تستسلم أو تسكت طويلاً على هذين الإنجازين، ولذا فالصراع مع إسرائيل ما زال طويلاً، وهو صراع متعدد الجبهات والأشكال، وفي هذا السياق فإن الإنجاز الذي حققته المقاومة في قطاع غزة، والإنجاز الذي حققه الرئيس في الأمم المتحدة يشكلان مدخلاً حقيقياً، وفرصة يجب اقتناصها من اجل المصالحة وإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني، كمشروع يجمع بين الدبلوماسية والسلام من جانب، والحق بالمقاومة بكل أشكالها من جهة أخرى. المصالحة الإستراتيجية مطلوبة اليوم  لتحصين هذين الانتصارين ولتقطع الطريق على أية محاولة إسرائيلية للالتفاف عليهما أو الانتقام من الشعب الفلسطيني بسببهما، وخصوصاً أن تقارباً كبيراً في المواقف ظهر بين حماس وفتح، بالإضافة إلى حالة النهوض الشعبي العارم في كل مكان داخل فلسطين وخارجها  .  

العدوان على غزة

* ثمانية أيام من العدوان تعرض له قطاع غزة.. ما هي قراءتكم وتحليلكم لما جرى ؟ وما الذي يميز هذه الحرب عن سابقتها؟

–   يجب التأكيد بداية أن العدوان الإسرائيلي حالة مستمرة ومتواصلة لأن الاحتلال بحد ذاته أكبر وأخطر عدوان على كل الشعب الفلسطيني، كما أن العدوان على الضفة والقدس أكثر خطورة في رأينا من العدوان على غزة.. صحيح أنه يأخذ في القطاع طابعاً دموياً وعنيفاً، ولكن الاستيطان والتهويد في الضفة أكثر خطورة، لأنه يهدد إمكانية قيام دولة فلسطينية، فهناك معركتنا الحقيقية وليس في غزة فقط، وكما، سنبين فمن أهداف العدوان العسكري على غزة إبعاد الأنظار عما يجري في الضفة.

مع أن إسرائيل لا تحتاج لمبررات لتعتدي علينا، فإن  عدة عوامل وأسباب تضافرت وشكلت مبرراً لإسرائيل في عدوانها الأخير على غزة.. أمنياً كانت إسرائيل تراقب بحذر وبدقة عمليات تسليح حماس وفصائل المقاومة،  وتزايد قوتها العسكرية، وخصوصا في ظل الربيع العربي الذي ساعد على تدفق السلاح من ليبيا إلى غزة، وجعل تحرك المقاتلين والأسلحة من سيناء إلى غزة أكثر سهولة، كما أن عملية الجيش المصري ضد الجماعات الجهادية المتطرفة في سيناء، واحتمال تنقل المقاتلين والسلاح من سيناء لغزة والعكس زاد من تخوفات إسرائيل، وعملية الجيش المصري بحد ذاتها شجعت إسرائيل على عدوانها، فإسرائيل ترى انه ما دامت مصر تبرر لنفسها مقاتلة جماعات متطرفة تهدد أمنها، فمن حقها قتال جماعات تهدد أمنها، متناسية أنها دولة احتلال بينما مصر تدافع عن أمنها القومي وسيادتها. وامنيا أيضا تريد إسرائيل استعادة قوة الردع عند جيشها التي تتآكل مع مرور الأيام مع استمرار تساقط الصواريخ على إسرائيل ومهاجمة جيشها على الحدود. وهناك أسباب سياسية وإستراتيجية مثل إبعاد الأنظار عما يجري في  الضفة والقدس من استيطان وتهويد ،وإظهار أن المشكلة في المنطقة ومشكلة السلام ليس الاستيطان والتهويد ولا تعثر عملية التسوية بل الصواريخ المنطلقة من غزة، وبهذا تريد أن تقول للعالم بأن المشكلة في المنطقة أمنية وليست سياسية، يضاف لذلك التأثير على توجه الرئيس أبو مازن إلى الأمم المتحدة، واختبار ردة فعل مصر ودول الربيع العربي. 

ما ميز هذه الجولة من العدوان أن إسرائيل بدأتها باغتيال أكبر وأهم قيادي في القطاع وهو القائد القسامي أحمد الجعبري، وهو الحاكم الفعلي للقطاع، وعندما تغتال إسرائيل شخصية بهذا الوزن فإنها كانت تتوقع ردة فعل حماس والفصائل، ويبدو أنها كانت تريد ردة فعل قوية حتى تبرر عدواناً كبيراً يخلط الأوراق ويعيد ترتيب الأوضاع بينها وبين قطاع غزة، ليس أمنياً فقط، بل وسياسياً دون الوصول لدرجة إسقاط سلطة حماس، ومن هنا لاحظنا  أن إسرائيل حددت أهدافها ومطالبها  بانهاء وقف إطلاق الصواريخ من غزة ووقف مهاجمة حدودها، وليس أكثر من ذلك، وفي المقابل حددت حركة حماس مطالبها لوقف القتال بفتح معبر رفح وكسر الحصار ووقف عمليات اغتيال قادة المقاومة، ولم تتطرق لقضايا سياسية عامة بالقضية الفلسطينية، وكأنها حرب في إطار قواعد لعبة محددة ومضبوطة مسبقاً.

اختراق متواصل للتهدئة

*الاحتلال اخترق التهدئة وقتل مواطناً في خانيونس وأصاب آخرين.. هل تعتقدون أن الاحتلال سيلتزم بهذه التهدئة ويوقف عمليات الاغتيالات والاجتياحات وأعمال القصف  المقبلة ؟ وهل ستفتح المعابر؟

–  تجربتنا مع إسرائيل تبين أنها لا تحترم المعاهدات والمواثيق، تفسر النصوص كما يحلو لها، فتأخذ منها ما يخدم مصالحها، وتتجاهل ما هو في صالح الفلسطينيين، كما أنها لم تحترم عشرات حالات التهدئة التي تمت سابقاً برعاية مصرية.. في الوضع الحالي هناك اختلافات فما يجري الإعداد له صفقة هدنة تتضمن أموراً أمنية عسكرية وأموراً سياسية، وحتى الآن لم يتم نشر كامل الاتفاق، وما تم نشره مجرد عناوين كبيرة، كما أن الاتفاق كان برعاية الدولة المصرية والرئيس مرسي وأطراف عربية وليس برعاية المخابرات المصرية، كما أن وجود وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون في المنطقة وفي المؤتمر الصحفي لوزير الخارجية المصرية، حيث تم الإعلان عن التوصل للاتفاق له مغزى ودلالة كبيرة.

يجب أن نقرأ الاتفاق كاملاً وننتظر قدرة الأطراف الثلاثة على تنفيذه: قدرة مصر على فتح المعابر والتحكم بها، وقدرتها على تدمير كل الأنفاق، ومنع تدفق الأسلحة لغزة، كما تريد إسرائيل وواشنطن، وقدرة حركة حماس على ضبط الأمور على الحدود بالنسبة للأنفاق، وقدرتها على ضبط الوضع الداخلي من حيث منع الفصائل الفلسطينية، وخصوصاً الجماعات الجهادية السلفية من إطلاق الصواريخ ومهاجمة مواقع حدودية إسرائيلية، بل حتى قدرتها على ضبط عناصرها عندما تتوقف الحركة عن المقاومة ولا تتحرك للدفاع عن الضفة والقدس وكل القضية، وتصبح مهمتها حماية حدود إسرائيل الجنوبية كما تتوقع منها إسرائيل وواشنطن، وستكون المشكلة في رأينا عند إسرائيل التي هي عدوانية بطبعها وقد تذهب في تفسيرها لاتفاق الهدنة، وخصوصاً في نصه بوقف الأعمال العدوانية إلى درجة الطلب من حركة حماس ومصر باتخاذ إجراءات تتعلق بالسلاح الموجود وبالجماعات المسلحة، بل وبالتحريض على إسرائيل، كما ستُطرح مشاكل في تفسير معنى رفع الحصار وحدود الرفع وهل سيشمل المجال البحري والجوي أم سيقتصر على المعابر البرية ؟.وما قامت به إسرائيل من إطلاق النار على الفلسطينيين الذين عادوا لأراضيهم الحدودية التي نص اتفاق الهدنة على السماح للفلسطينيين بالعودة لها، إلا دليلاً على عدم التزام إسرائيل بالاتفاق منذ يومه الأول. 

مفاهيم النصر والهزيمة

*  نحن انتصرنا والاحتلال أعلن أنه حقق أهدافه.. هل كان هناك منتصر في هذه المعركة؟

–  للنصر والهزيمة مفاهيم مختلفة، فرق بين أن تتحدث دولة مثل إسرائيل أكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط عن النصر، وأن تتحدث حركات المقاومة عن النصر، عندما تكون المواجهة بهذا الشكل فإن مفهوم النصر والهزيمة لا يُقاس بالخسائر التي يوقعها كل طرف بالآخر، وإلا لاعتبرنا أن إسرائيل في كل جولات عدوانها معنا كانت منتصرة، حيث تؤسس عقيدتها الإيديولوجية والعسكرية على القتل والإجرام واستباحة الدم الفلسطيني دون اعتبار للقانون الدولي أو الأخلاق! .ولكن نصر الشعوب الخاضعة للاحتلال يكمن في الصمود واستنزاف الخصم وعدم الاستسلام لإرادته وشروطه، وعليه يمكن اعتبار الفلسطينيين منتصرين في حربهم الأخيرة وكل حروبهم السابقة ما داموا لم يفرطوا بحقوقهم، وما داموا متمسكين بأرضهم، إنه نصر معنوى أكثر مما هو عسكري  .

ولكن لو حددنا مفهوم النصر انطلاقاً من الأهداف المعلنة لكل طرف وشروطه لوقف القتال، وانطلاقاً من نصوص اتفاق الهدنة، يمكن القول بوجود ما يبرر الحديث عن النصر لكليهما، حيث قالت إسرائيل منذ البداية إن هدفها وقف إطلاق الصواريخ، واتفاقية الهدنة إن تم الالتزام بها  ستضمن لها ذلك، وحركة حماس قالت إن هدفها وشروطها هي وقف العدوان والاغتيالات وفتح معبر رفح، واتفاق الهدنة يضمن لها ذلك إن تم الالتزام. ومع ذلك علينا الانتظار لنرى من المنتصر ومن المنهزم استراتيجياً، والأهم من ذلك إن كانت اتفاقية الهدنة انتصاراً للقضية الفلسطينية أم انتصاراً لمشروع دولة غزة فقط ؟.

الحرب البرية

* بالرغم من التهديدات الإسرائيلية المتتالية بشن حرب برية على القطاع إلا أن الاحتلال اكتفى بالقصف الجوي والمدفعي والبحري دون اللجوء إلى إدخال قواته.. لماذا في رأيكم؟

–  لأن إسرائيل أعلنت – ولا نستبعد وجود أهداف سياسية خفية – أن هدفها  وقف إطلاق الصواريخ، ولم تقل بأنها تريد احتلال القطاع أو إنهاء سلطة حماس، وإذا كان القصف الجوي والبحري يحقق هذا الهدف، فلماذا اللجوء للحرب البرية؟ ولكن الخوف من الخسائر كان سبباً قوياً، فالمقاومة التي طورت قدراتها القتالية لتصل صواريخها تل أبيب والقدس لا بد وأنها طورت أسلحة للقتال البري وفي مواجهة الدبابات والمشاة، وبالتالي كانت إسرائيل تعرف أن الاجتياح البري هذه المرة سيكون مختلفاً عن المرات السابقة، بالإضافة لذلك فإن الحرب البرية تستغرق وقتاً طويلاً وإسرائيل مقبلة على انتخابات بعد شهرين، كما أن واشنطن تدخلت للحيلولة دون الحرب البرية التي كانت ستُسقط كثيراً من الضحايا الفلسطينيين ومن الدمار، مما سيحرك الشارع العربي ويحرج  دول الربيع العربي وخصوصاً مصر، فأرادت واشنطن إنقاذ مصر ودول الربيع العربي من الحرج.

* هل استطاعت إسرائيل استعادة ما يسمى بقوة الردع بعد هذه الحرب؟

–   هذا ما لم يحدث، فباستثناء اغتيال الجعبري فغالبية الشهداء كانوا من المدنيين، كما لم يستعرض الجيش الإسرائيلي قوته برياً ليرفع من معنويات الإسرائيليين، وعدم الدخول بحرب برية بحد ذاته دلالة على تراجع قوة الردع، ولكن الأهم من ذلك أن سقوط الصواريخ على تل أبيب والقدس أضعف من قوة الردع، وأظهر للإسرائيليين عجز جيشهم عن حمايتهم ليس على الحدود بل وسط مدنهم وبيوتهم في قلب دولتهم .

تدخل العرب كان لصلح إسرائيل

*  شاهدنا انحيازاً أعمى من قبل الإدارة الأمريكية كعادتها إلى جانب الاحتلال وصمتاً دولياً إزاء المذابح الإسرائيلية.. ما هي قراءتكم للموقف الأمريكي  والدولي ؟ ولماذا تحركت أمريكا أخيراً لتحقيق التهدئة؟

–   الانحياز الأمريكي والأوروبي لإسرائيل  ليس جديداً، وحتى ما بعد الربيع العربي لم يتمكن العرب من تغيير المواقف لصالح القضية الفلسطينية، كما أن إسرائيل عملت على نقل صورة للرأي العام الخارجي أن الربيع العربي الذي أوصل جماعات إسلام سياسي للحكم جعل إسرائيل محاطة بعالم مُعاد لها ومُهدد لوجودها – مع أن واقع الربيع العربي ليس كذلك – كما أن إسرائيل ضخمت من تأثير وقوة الصواريخ الفلسطينية بما يظهرها كدولة تخضع لتهديد بات يهدد وجودها .والتدخل الكثيف في مفاوضات الهدنة من الأوروبيين والأمريكيين وتركيا والأمين العام للأمم المتحدة، له علاقة كما قلنا بحماية إسرائيل وتمكينها من تحقيق انتصار بمعاهدة هدنة عجزت عن تحقيقه على أرض المعركة، بالإضافة لرغبة الغرب عموما في عدم إحراج دول الربيع العربي وعدم التغطية على الأحداث في سوريا، وخشية من توظيف إيران للحرب لصالحها إن طال أمدها.. وفي جميع الحالات فتدخل الغرب كان لصالح إسرائيل وليس لصالح الفلسطينيين.

* هل من ثمن قبضته إسرائيل مقابل قبولها بوقف إطلاق النا؟

–   الثمن هو تحقيق أهدافها بتوقيع اتفاقية هدنة توقف إطلاق الصواريخ وكل العمليات القتالية على حدودها الجنوبية، ولكن ما نخشاه أن إسرائيل ستحصل على ما هو أكثر من ذلك وهو إعادة رسم حدودها وعلاقاتها مع قطاع غزة بحيث تنهي علاقتها مع القطاع وترمي به لمصر لتتحمل مسؤوليته أو لإقامة دولة فيه، منقطعة الصلة بالضفة وبالمشروع الوطني، وهذا إن تحقق سيعتبر استكمالاً لمشروع شارون بالانسحاب من قطاع غزة، ونأمل من حركتي حماس والجهاد وبقية الفصائل قطع الطريق على إسرائيل وأطراف أخرى تريد اختزال فلسطين بغزة ورفع الحصار عن غزة.

زيارات رفع العتب

* ما هي قراءتكم لمواقف الدول العربية إزاء هذا العدوان ؟ والزيارات العربية لغزة؟

– الحالة العربية تم التعبير عنها من خلال مؤتمر وزراء الخارجية العرب الوحيد واليتيم، حيث أعلن المؤتمرون ومن خلال رئيس وزراء قطر أن العرب لن يحاربوا إسرائيل، وأن كل ما سيقدمونه هو المال والمساعدات الإنسانية، وقد رأينا كيف اقتصر الأمر حتى الآن على زيارات مسئولين عرب لغزة، وهي أقرب لزيارات رفع العتب، دون اتخاذ أي قرارات أو حتى توصية بقرارات عقابية ضد إسرائيل أو من يدعمها. وأعتقد أن هذا متوقع من أنظمة دول الربيع العربي الذين وصلوا للحكم بدعم ومباركة أمريكية، فلا يمكن لمن يتحالف مع واشنطن أن يعادي إسرائيل، وحتى على المستوى الشعبي لم تحدث تحركات شعبية واسعة أو حتى اهتمام شعبي بالحدث، وإن كان لنا أن نلوم الدول العربية وجامعتهم التي كانت أكثر فاعلية وقوة عندما تعاملت مثلاً من نظامي القذافي والأسد، حيث أرسلت مالاً وسلاحاً بل ومقاتلين للقتال ضد النظامين، إلا أنه يجب إيجاد بعض العذر للعرب لأن حركة حماس ومنذ البداية حددت أهدافها وشروطها لوقف القتال بفتح معبر رفح وكسر الحصار، بالإضافة لوقف العدوان، ولم تطلب مدداً عسكرياً من العرب ولم تطالبهم حتى بقطع علاقاتهم مع إسرائيل، ولا ننتظر من العرب أن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم.

*  مصر لعبت دور الوسيط في هذا العدوان.. هل من المقبول فلسطينياً أن تمارس مصر “الجديدة” نفس الدور السابق لها، خاصة  بعد الثورة المصرية وفي ظل ما يسمى بالربيع العربي؟

–   كما ذكرنا لم يطلب الفلسطينيون وخصوصاً حركة حماس من العرب ومن مصر أكثر من فتح معبر رفح وكسر الحصار والمساعدات الإنسانية، ومصر تحركت على هذا الأساس ، ويبدو أن حركة حماس الإخوانية لا تريد إحراج رئيس مصر الإخواني بمطالب لا تستطيع مصر تحقيقها، أي أن حماس غلبت الأيديولوجيا ومشروعها الهادف لدولة غزة على أية اعتبارات أخرى، كما علينا أن لا ننسى أن مصر مرسي ملتزمة باتفاقية كامب ديفيد، وهذه الاتفاقية تمنع مصر ليس فقط الدخول بحرب مع إسرائيل، بل تمنعها من  مساعدة جهة خارجية تحارب إسرائيل، وقد سبق أن كتبنا مقالاً تحت عنوان (المشروع الوطني الفلسطيني كبش فداء صعود الإسلام السياسي للسلطة )  حذرنا فيه من التداعيات الخطيرة للتحالف الإخواني الأمريكي، الذي أنتج الربيع العربي، على القضية الفلسطينية.   

المصالحة

* أخيراً على صعيد المصالحة الوطنية.. هل تحقق الدماء الفلسطينية التي نزفت في غزة ما عجزت عن تحقيقه أنظمة ؟ وهل من مؤشرات على قرب انتهاء الانقسام؟

–   الحرب الأخيرة أكدت على حقيقة فلسطينية وهي أن المواجهات الساخنة  مع العدو تُوحِد الشعب وتُزيل كل تناقضاته وخلافاته ولو إلى حين، هذا ما جرى خلال الانتفاضتين السابقتين وفي كل المواجهات، وقد رأينا أن المواجهة الأخيرة وحدت الشعب في الضفة وغزة، حيث خرج أهلنا في الضفة من كل الفصائل منددين بالعدوان، ودخلوا في مواجهات مع جيش الاحتلال، كما تفاعل أهلنا في الشتات بقوة مع معاناة أهل غزة، كما شاهدنا وسمعنا تصريحات من الرئيس ومن حركة فتح منددة بالعدوان الإسرائيلي، وخرج الجميع في احتفالات النصر في غزة والضفة، ولكن ماذا بعد ؟.

يفترض أن تكون هذه الحرب درساً يُستفاد منه، وهو أن إسرائيل تحارب الفلسطينيين على كل الجبهات وتحاربهم في كل خياراتهم، تحارب من يقولون بخيار السلام والمفاوضات، حيث هددت الرئيس أبو مازن والسلطة، ووقفت في وجه ذهابه للأمم المتحدة، كما تعتدي على أهلنا في الضفة والقدس استيطاناً وتهويداً، وتحارب الفلسطينيين الذين يقولون بالمقاومة ويتصدون للعدوان العسكري في القطاع.. إذن هناك عدو واحد يجب أن نواجهه موحدين، أيضاً بالرغم من قوة تأثير الصواريخ المنطلقة من غزة، إلا أنه من الخطورة ترك إسرائيل لتستفرد بغزة مرة وبالضفة مرة أخرى.. والاستفادة الأخرى نستخلصها من ضعف الموقف العربي، حيث علينا أن نوقف المراهنة على الآخرين وأن قوتنا في وحدتنا، ويمكن أن نعيد قطار المصالحة لسكته ليس بالضرورة من خلال الورقة المصرية والقطرية، بل من خلال خطوات عملية في ظل الواقع القائم بأن نبدأ بتشكيل قيادة مؤقتة ويمكن أن يكون الإطار القيادي الذي تم الإعلان عنه سابقاً يتوافق إستراتيجية تقوم على وقوف الرئيس ومنظمة التحرير إلى جانب حركة حماس لاستكمال كسر الحصار نهائياً عن غزة بما لا يؤدي لقطع علاقتها بالضفة الغربية ، ووقوف حركة حماس وفصائل المقاومة إلى جانب جهود الرئيس المطالبة بعضوية فلسطين في الأمم المتحدة مع إبداء ما يلزم من تحفظات على آلية التعامل مع الشرعية الدولية وعلى فريق المفاوضات الذي يستلم الملف، والخطوة التالية البحث في آلية عملية لإعادة بناء منظمة التحرير بالانتخابات إن كان ممكنا أو من خلال التوافق على نسب التمثيل.

نتمنى ألا تؤدي اتفاقية الهدنة إلى تكريس فصل غزة عن الضفة، وألا يؤدي نصر المقاومة إلى ابتعاد حركة حماس  أكثر عن المصالحة، والتقارب مع خصومها السياسيين، ونتمنى أن تكون حركة فتح ومنظمة التحرير استفادتا درساً بأن لا قيمة لمفاوضات أو دبلوماسية من دون قوة الشعب والمقاومة.

المصدر مجلة البيادر السياسي
الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق