بدأ الأمر بتوق ورغبة ثم انتظار وترقب ثم قلق وحذر ثم حالة من الإحباط وألا مبالاة ، ثم جاءت التصريحات والتفسيرات المتناقضة والمثيرة للبس حول برنامج الحكومة والغرض من تشكيلها،ثم المماطلة والتأجيل المتوالي للإعلان عنها ، هذا هو حال الفلسطينيين قبيل تشكل حكومة الوحدة الوطنية الموعودة،إلا أن أكثر ما استوقفنا هو ربط الإعلان عن الحكومة برفع الحصار ، إذا أضفنا لذلك ما نلمسه على الأرض من غياب أي جهود تعبوية وتحسيسية من كل الأطراف لأهمية وجود حكومة وحدة وطنية ،كل ذلك يدفعنا للتساؤل مجددا هل هناك إدراك لأهمية تشكيل حكومة وحدة وطنية ؟وهل توجد نية حقيقية بتشكيل هذه الحكومة؟و لو شُكلت الحكومة المنشودة ولم يُرفع الحصار فهل سيفرط عقد حكومة الوحدة الوطنية؟أو بصيغة أخرى هل حكومة الوحدة الوطنية ضرورية لرفع الحصار فقط أم لأن الوضع الطبيعي هو وجود حكومة وحدة وطنية؟وإذا كان الحصار مبررا لتشكيل حكومة وحدة وطنية أليس من الأجدر ان يكون الاحتلال والإرهاب الصهيوني المتواصل أكثر دافعية لتشكيل حكومة وحدة وطنية؟.
عشرات الأسئلة تزاحمت في عقولنا خلال الأسابيع الأخيرة ونحن نراقب تراجيديا تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ،وكنا نعتقد بان الحصار هو عامل إضافي لتشكيل هذه الحكومة وليس السبب الوحيد ،ذلك أن شعبنا الذي يخضع للاحتلال منذ عقود لا يمكنه مواجهة الاحتلال إلا بتوحيد كل جهوده بل يحتاج الأمر حتى لتوحيد جهود الأشقاء العرب والمسلمين،ومن هنا كان مطلب القيادة الموحدة على رأس سلم اهتمامات حركة المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها منذ الستينيات ،وخصوصا أن التعددية الفصائلية لم تكن تعبيرا عن نزوع ديمقراطية بل ما كانت نتيجة تدخل عربي وإقليمي بالقضية.
ولو عدنا قليلا لوجدنا أن مطلب الوحدة الوطنية قد تجسد نسبيا عندما استطاعت الفصائل التوافق دخول منظمة التحرير والاعتراف بها ممثل شرعي ووحيد ،وبالرغم من العثرات والسلبيات التي صاحبت مسيرة هذه المنظمة إلا أنها شكلت عنوانا للقضية الوطنية ووحدت الرؤية والهدف لسنوات طوال ،ولولا وجود منظمة التحرير بهذه الصفة ما كانت القضية وصلت لكل العالم وما كان للشعب الفلسطيني سفارات وممثليات في أكثر من مائة دولة . وحتى عندما بدأت المتغيرات الدولية والإقليمية تزعزع ما كان يُعتبر ثوابت وطنية ،فإن المرونة التي مست هذه الثوابت كانت محل توافق الجميع تقريبا .
مع ظهور حركة حماس والجهاد الإسلامي بداية انتفاضة 1987 شكلت هذه القوى إضافة نوعية لحركة المقاومة الفلسطينية وعززت من نهج المقاومة ،ومع أن هاتين القوتين كانتا خارج إطار منظمة التحرير إلا أن التنافس والتسابق بين الطرفين كان في ميدان المعركة وفي مواجهة الاحتلال،مع أن بعض الممارسات والتصريحات من حركة حماس كانت تؤشر على التهيؤ لاحتلال موقع البديل للمنظمة.احتدام المواجهة مع الاحتلال خلال سني الانتفاضة الأولى ثم الثانية كان يُعطي السبق لهدف مواجهة الاحتلال على تفجير مسألة لمَن السلطة ،إلا أنه خلال هذه المرحلة لم تتوقف المطالب الشعبية ومن كل الفصائل تقريبا بتشكيل قيادة وحدة وطنية سواء بإحياء وتفعيل منظمة التحرير لتستوعب القوى الجديدة أو بتشكيل قيادة ميدانية للانتفاضة و توحيد الخطاب الفلسطيني ،وبالرغم من عشرات جولات الحوار داخل الوطن وخارجه و توقيع عدة وثائق بهذا الشأن إلا أنها بقيت حبرا على ورق ولم يُنجز هذا الهدف النبيل والحيوي للقضية الوطنية بل ازدادت الأمور سوء فيما يتعلق بالعلاقة بين فتح وحماس .
أستمر الأمر كذلك لحين دخول حركة حماس العملية الانتخابية منذ 2005 ،ومَن يشارك في الانتخابات إنما يدخل مجال التنافس على السلطة السياسية وفي إطار القانون المؤسس للسلطة،وبهذا الدخول تغيرت قواعد اللعبة السياسية سواء ما بين حركة حماس وحركة فتح ومعها منظمة التحرير ،أو بين كليهما من جانب والاحتلال من جانب أخر.وكنا نأمل أن تكون مشاركة حماس بالنظام السياسي ثم فوزها بالانتخابات فرصة لان تُحقق الممارسة الديمقراطية ما لم ينجزه الحوار و نظام الكوتا ،إلا أن النظام السياسي ازداد تأزما سواء فيما يتعلق بالمكونات الداخلية للنظام أو بينه والأطراف الخارجية وكان الحصار ،فتجدد الحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية.
المراد مما سبق هو التأكيد بان يجب أن لا يتم التعامل مع مطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية كعمل تكتيكي أو ظرفي لتجاوز او التحايل على الحصار من طرف حركة حماس أو مناورة للتحايل على نتائج الانتخابات وعلى الحكومة الحالية من طرف حركة فتح ،بل يجب التعامل معها كخيار استراتيجي وضرورة حياتية للفلسطينيين ،وتصحيح لخطأ كان سببا في كثير من تعثر المشروع الوطني. عدم وجود حكومة وقيادة وحدة وطنية خلال السنوات السابقة كان خللا استراتيجيا ،وهو خلل لا يعود لأن فتح كانت راغبة بالتفرد بالسلطة،بل لأن حركة حماس كانت ترفض الاعتراف بشرعية السلطة و بمرتكزات النظام السياسي الأوسلوي كما كانت تسميه.وعليه لا يجوز وضع اشتراطات على مبدأ وجود حكومة وحدة وطنية ،فإن لم يؤد تشكيل هذه الحكومة لرفع الحصار فيجب أن لا نقول بأن مبرر وجود حكومة الوحدة الوطنية قد انتفى بل يجب أن تعمل هذه الحكومة على رفع الحصار ومواصلة العمل بالنسبة لكل المهام الوطنية.ربط تشكيل حكومة وحدة وطنية برفع الحصار إنما يفقد هذا المطلب الوطني النبيل قيمته ومعناه .
وأخيرا ندرك بأن السبب في تأخير قيام حكومة وحدة وطنية لا يعود فقط لاعتبارات تخص تشكيل الحكومة سواء تعلق الأمر ببرنامج أو أشخاص أو أهداف الحكومة الخ، بل هناك أسباب أخرى أكبر وأشمل من مسألة الحكومة ،ونقصد الجندي الإسرائيلي الأسير وإطلاق الصواريخ من غزة والاجتياحات الإسرائيلية المتواصلة والمعابر وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ورفع الحصار ،وبالتالي نجاح الفلسطينيين في التوصل لتفاهمات داخلية حول تشكيل الحكومة لن يحل المشكل ،بل يحتاج الأمر لجهود إقليمية ودولية لحل القضايا المشار إليها ،وهذا يعني بأننا أمام صفقة شاملة أو إعادة صياغة للنظام السياسي الفلسطيني سواء فيما يتعلق بمكوناته الداخلية او علاقاته الخارجية ،ومن هنا تتأتى أهمية وجود حكومة وحدة وطنية حقيقية ذات برنامج سياسي واضح لمواجهة هذه الاستحقاقات ،وكلما كانت الحكومة المقبلة حكومة وحدة وطنية حقيقية كلما كانت أكثر قوة في التعامل مع القضايا العالقة وفي مواجهة إسرائيل على كافة الصعد.
نؤكد مرة أخرى أن لا بديل لحكومة الوحدة الوطنية إلا حكومة وحدة وطنية ،حكومة لا يخضع قيامها لرغبات حزبية أو شخصية ولا لاشتراطات خارجية،حكومة كل الشعب وقواه السياسية الفاعلة .حكومة وحدة وطنية هي مطلب وطني اليوم وغدا وما دام الشعب خاضعا للاحتلال والمشروع الوطني لم يُستكمل ، سواء تم رفع الحصار أم لم يرفع فحكومة الوحدة الوطنية ضرورية ، مفاوضات ولادة الحكومة صعبة وشاقة، ولكن نتمنى أن لا يكون الخلاف مرتبطا بالمربع الأول وهو غياب القناعة الصادقة بتشكيل هذه الحكومة و غياب برنامج سياسي واضح خال من الغموض الذي يتيح المجال لمن يريد إفشال الحكومة أن يفعل ذلك .
25-11-2006