مؤتمر دولي للسلام لإنقاذ ماء وجه التسوية السلمية

10 يناير 2017آخر تحديث :
مؤتمر دولي للسلام لإنقاذ ماء وجه التسوية السلمية

بعد حوالي ثلاثة عقود من مقولة الرئيس المصري الراحل أنور السادات بأن 99% من أوراق حل الصراع قي الشرق الأوسط هي بيد الولايات المتحدة الأمريكية،وبعد عقدين من بدء الحوار بين منظمة التحرير الفلسطينية وواشنطن ،وبعد خمسة عشر عاما من توقيع اتفاقية أوسلو والتي رعتها ومهدت لها واشنطن ،وبعد تعاقب ثلاثة رؤساء أمريكيين وتعاقب الحزبين الرئيسين على الإدارة الأمريكية،وبعد عديد من الاتفاقات والتفاهمات والخطط السياسية والأمنية التي وضعتها وأشرفت عليها واشنطن .. آن الأوان لإعادة النظر ليس بعملية السلام فالسلام مطلب إنساني لا يمكن التخلي عنه،بل إعادة النظر بالهيمنة الأمريكية على العملية السلمية وإعادة النظر بمقولة أن واشنطن يمكن أن تكون وسيطا نزيها بين العرب والإسرائيليين .
التوجه نحو تسوية سلمية للصراع في المنطقة تعتمد آلية المفاوضات،ليس هو الخطأ وخصوصا من طرف الفلسطينيين.فبعد الانهيارات الكبرى :انهيار المعسكر الاشتراكي وانهيار النظام الإقليمي العربي وقبلهما خروج مصر من ساحة المواجهة بعقدها لاتفاقية كامب ديفيد وإخراج منظمة التحرير من لبنان وقبلها أخرجت من الأردن …. الخطأ يكمن في شروط التسوية وفي آلية المفاوضات من جانب وبغياب إستراتيجية فلسطينية واحدة وموحدة من جانب ثان، وباعتماد واشنطن كمرجعية واحدة ووحيدة للتسوية بدلا من المرجعية الدولية والوطنية من جانب ثالث ،هذا ناهيك عن تراجع إسرائيل عن فكرة التسوية منذ مقتل رابين عام 1996.
لا دولة أو شعب حتى الشعوب الخاضعة للاحتلال ترفض مبدأ السلام أو فكرة التسوية السلمية كخيار استراتيجي أو كخيار تكتيكي ومرحلي،ولا تناقض هنا بين القول بالسلام من جانب وممارسة حق الدفاع عن النفس أو النضال من اجل تطبيق مبدأ تقرير المصير من جانب آخر،ولكنه خلل كبير أن يراهن الشعب المُطالب بالسلام على طرف خارجي ليعيد له حقوقه أو يحقق له السلام الذي يريد ،وخلل كبير أن ينشد شعب خاضع للاحتلال السلام دون أن يكون مدعوما بإرادة شعبيته تؤمن بالسلام وتدعم المفاوض على طاولة المفاوضات ، وهذا هو حال المفاوض الفلسطيني عندما رهن قضيته الوطنية بحسن نية الولايات المتحدة التي هي الحليف الاستراتيجي للخصم،وعندما ذهب ليفاوض في ظل غياب إستراتيجية عمل وطني واضحة.
لا نريد هنا أن نعود للماضي للبحث في الجهة أو الجهات الداخلية – وعندما نقول الداخلية حتى لا نهرب نحو تحميل المسؤولية فقط للاحتلال الذي لا يريدنا كمقاومين ولا كدعاة سلام – المسئولة عن أيلولة الأمور إلى ما هي عليه سواء تعلق الأمر بتعثر إن لم يكن فشل التسوية والمفاوضات أو تعلق الأمر بانهيار الجبهة الفلسطينية الداخلية، ولكن بات مؤكدا أن هناك علاقة وثيقة بين الوضع الفلسطيني الداخلي وبين السياسة الخارجية الفلسطينية، سواء نهجت طريق السلام والمفاوضات أو تهجت نهج المقاومة والمواجهة. فكلما ضعفت الجبهة الداخلية وتعمقت حالة الاستقطاب السلبي والتناحري،كلما زادت المراهنة على أطراف خارجية لدعم نهج هذا القطب أو ذلك وتبعا لذلك غاب القرار الوطني المستقل لصالح حلفاء أو وسطاء مفترضين .ومن هنا تصبح ضرورة وطنية وسياسية توحيد الجبهة الفلسطينية الداخلية فبل التعاطي مع أي مشروع سلام أو مبادرة جديدة.

اقتراح وزير الخارجية الروسي لافروف بعقد مؤتمر دولي للسلام جاء من الطرف المناسب وفي الوقت المناسب.فأول من دعا لعقد مؤتمر دولي للسلام هو الاتحاد السوفيتي في بداية السبعينيات ،ومبادرة بريجنيف آنذاك وبالرغم من عدم تصيرها مؤتمرا دوليا ،إلا أنها حركت فكرة التسوية السلمية ،وروسيا الاتحادية التي ورثت الاتحاد السوفيتي هي احد أطراف اللجنة الرباعية ،وهي اليوم تتطلع لأن يكون لها دور في السياسة الدولية وفي الشرق الأوسط خصوصا.لا شك أن روسيا الاتحادية ليس في نفس ثقل الولايات المتحدة وقوة تأثرها على الأحداث اقل ،وندرك بأن ما يحرك موسكو هو التطلع لاستعادة مكانة دولية فقدتها.. إلا أن فشل المفاوضات ودخولها مرحلة العبثية يحتم البحث عن مداخل أخرى للتعامل مع القضية الوطنية دوليا وتوظيف الكم الكبير من القرارات الدولية والتأييد الدولي لصالحنا.ومع ذلك يجب أن نفكر بجدية وقلق بالسؤال :كيف يمكن الذهاب لمؤتمر دولي للسلام قبل الإعلان عن فشل مبادرات السلام الأمريكية والرباعية وما ترتب عليهما من حقائق على الأرض كوجود سلطة ومؤسسات وتفاهمات أمنية واتفاقات اقتصادية الخ؟.هل التسوية القادمة ستبني على ما تم انجازه أم ستؤسس لشيء جديد؟ .الاهتمام بالمبادرة الروسية يستمد من كونها تقوم على فكرة مؤتمر دولي للسلام وهو ما لم يحدث قبل ذلك حيث كانت كل المؤتمرات واللقاءات تفتقر للصفة الدولية وبالتالي لم تكن مبنية على قرارات الشرعية الدولية بل محكومة بالإرادة الإسرائيلية أو بمرجعية أمريكية مبهمة ومراوغة.أن يكون المؤتمر دوليا معناه عودة الأمور لنصابها ولأصولها الأولي ،قضية شعب خاضع للاحتلال في مواجهة دولة احتلال، وما يبرر ويضفي على المبادرة الروسية قيمة ومعنى هو وصول المحاولات الأمريكية لصناعة تسوية تاريخية في الشرق الأوسط لطريق مسدود- هذا مع افتراض أن واشمطن جادة بالتوصيل للتسوية العادلة- ولأن العام 2008 الذي يراهن الرئيس بوش أن يكون عام سلام يمر بسرعة ولا توجد مؤشرات على قرب قيام الدولة الفلسطينية المنشودة أو على الأقل التوصل لتفاهمات مُرضية للطرفين ،ولأن نهاية عهد الرئيس بوش يعني انهيار كل العملية السلمية ،ولان السياسة لا تقبل الفراغ وخصوصا السياسة الشرق أوسطية .. لكل ذلك فإن الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام جاءت في وقتها وهي فرصة على كل محبي السلام والحريصين على الاستقرار بالمنطقة اهتبالها،ولكن الطرف الفلسطيني هو الذي يجب أن يكون أكثر حرصا على اقتناص هذه الفرصة والاستعداد الجيد لها.

لا يكفي القول بان واشنطن وتل أبيب لا تريدان السلام العادل أو تنفيذ الاتفاقات الموقعة ،ولا يكفي البكاء على الفرص الضائعة ،فقد يكون للفلسطينيين والعرب دور في إضاعتها،ولا يكفي أيضا مناشدة العالم بالتدخل لإنقاذ عملية السلام ووضع حد للإرهاب الصهيوني بحق شعبنا،بل يجب أن نكون واضحين فيما نريده كفلسطينيين،فإن كنا نريده سلاما وتسوية سلمية فيجب توضيح مفهومنا للسلام وان نتفق جميعا على إستراتيجية السلام ومرجعياته والاهم من ذلك أن يكون تفويض واضح وشامل للقيادة الفلسطينية التي ستمثل الفلسطينيين في مؤتمر السلام القادم أو أية تسوية قادمة.ولنفترض أنه تمت إزالة التحفظ الإسرائيلي والأمريكي على فكرة المؤتمر الدولي،ووافقت كل الأطراف الإقليمية والدولية على الذهاب لمؤتمر دولي للسلام،فمن هو الطرف الفلسطيني الذي سيمثل الشعب الفلسطيني في هذا المؤتمر؟ هل هي منظمة التحرير أم حركة حماس –مع التذكير أن موسكو أعلنت أنها تعترف بحركة حماس وستتفاوض معها ودعت إسرائيل لذلك-؟هل هي حكومة الضفة أم حكومة غزة ؟.وما هي القضية الفلسطينية التي سيتم بحثها بعد كل ما جرى منذ توقيع أوسلو إلى اليوم وخصوصا بعد أحداث يونيو 2007؟هل سيتم بحث الحصار على قطاع غزة .أم الخلاف بين حماس وفتح ؟أم الفصل بين غزة والضفة ؟كيف يمكن لمؤتمر دولي للسلام أن ينجح قيما سلطة وحكومة في غزة تزعم أنها الشرعية دون سواها ولا تعترف بمن يفترض أن يكون شريكا للسلام –إسرائيل- ولا تعترف بالشرعية الدولية ولا بالاتفاقات الموقعة؟ وسلطة وحكومة في الضفة لا سلطة لها على قطاع غزة ولا تملك القدرة على توجيه الأحداث في القطاع أو إقناع الحكومة القائمة هناك بالالتزام بما يتم التوصل إليه من تفاهمات دولية؟ كيف يمكن لنتائج يتمخض عتها المؤتمر أن تجد طريقا للتنفيذ في ظل الانقسام الحاصل في الصف الفلسطيني؟.

إن كان هذا القول يصدق على المؤتمر الدولي للسلام فهو ينسحب أيضا على أي تحرك دولي لتسوية الصراع في المنطقة .الخلافات الفلسطينية الداخلية ستعيق أي تقدم للعملية السلمية،وبالتالي فإن التوصل لتهدئة ومصالحة وطنية هما شرط نجاح أي تسوية سياسية قادمة،أو العودة لخيار المقاومة إن فُقد الأمل نهائيا بتسوية سلمية.إن أردناها تسوية وسلاما أم أردناها مقاومة،فالوحدة الوطنية والاتفاق على إستراتيجية عمل وطني وثوابت متفق عليها هما المدخل لإنقاذ القصية الوطنية من المنزلق الخطر الذي تهوي إليه.

24-3-2008

الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق