مؤتمر لسلامهم لا لسلامنا

10 يناير 2017آخر تحديث :
مؤتمر لسلامهم لا لسلامنا

مؤتمر دولي للسلام كان وما زال مطلبا فلسطينيا وعربيا، فما دامت منظمة التحرير وكل الدول العربية تقريبا قبلت خيار التسوية السلمية كآلية لاستعادة الأراضي العربية المحتلة، فالمفاوضات والمؤتمرات الدولية خيار لا مجال للتشكيك به، ولكن هناك فرق بين مفهوم مؤتمر دولي للسلام وعديد المؤتمرات التي عقدت بهدف تسوية الصراع العربي – أو الفلسطيني – الإسرائيلي، فمنذ بدء التعاطي مع التسوية لم يتم عقد ولو مؤتمرا دوليا واحد للسلام، كلها كانت لقاءت أو اجتماعات أو مؤتمرات ولكن ليست دولية وبدون مرجعيات واضحة، ولهذا السبب آلت الأمور لما آلت إليه من فشل أدى للتشكيك بكل العملية التفاوضية وبنهج التسوية.ولا نستبعد أن إسرائيل التي أفشلت كل مساعي إنما ترمي لدفع العرب والفلسطينيين الذين اختاروا نهج السلام للنكوص عن هذا الخيار والعودة مجددا لشعارات الحرب والمقاومة في الوقت الذي لا تتوفر فيه شروط الحرب أو المقاومة المهيأة لتحقيق النصر، وبالتالي تعود إسرائيل لتقول بأنها تريد السلام ولكن العرب لا يريدونه.

نحن نؤمن بالسلام وبالحل السلمي عبر المفاوضات، إلا أن نجاح المفاوضات كآلية للتسوية تتطلب توفر الإرادة والنية بالسلام،فليست كل مفاوضات بين الخصوم هي مفاوضات منتجة للسلام العادل . الموقف والممارسات الإسرائيلية حتى اللحظة لا تدل على نيتها بتسوية عادلة وخصوصا مع إصرارها على عدم مناقشة قضايا الوضع النهائي أو حتى اتفاق على ورقة تفاهمات، وواشنطن ليست بموقف يؤهلها للضغط على إسرائيل لتطبيق الاتفاقات والقرارات الدولية، والموقف العربي ليس بأفضل حال، إذن لماذا هذا الإصرار الأمريكي على عقد مؤتمر الخريف ؟.
كانت وزيرة الخارجية الأمريكية قد صرحت قبل أيام بأن المؤتمر يحقق مصلحة استراتيجية لواشنطن، ولأن هناك علاقات استراتيجية بين واشنطن وتل أبيب، فالمؤتمر يحقق مصلحة استراتيجية لإسرائيل أيضا.ولكن ماذا بالنسبة للفلسطينيين والسوريين ومن يشارك من العرب بالمؤتمر ؟لا شك بأن ما يحقق مصلحة استراتيجية لتل أبيب لن يحققها للفلسطينيين، ولهذا السبب يجب الحذر من هذا المؤتمر المشبوه.
ما كانت واشنطن تعلن عن المؤتمر إلا بعد مشاورات مع الإسرائيليين واتفاق على الأهداف الاستراتيجية للمؤتمر ،واحتمالات الفشل جزء من الأهداف الاستراتيجية ، والجولات المكوكية لرايس للمنطقة لا تهدف للضغط على الإسرائيليين بطبيعة الحال، بل للضغط على الفلسطينيين والعرب، كما أن تكرار القول بأن المؤتمر هو الفرصة الأخيرة وان فشله يعني كارثة للمنطقة، إنما هو تهديد للفلسطينيين والعرب مفاده أن تقبلوا بما يُعرض عليكم و إلا الويل لكم !وواشنطن وتل أبيب تعتقدان بأن عقد المؤتمر سيحقق لهم مبتغاهم سواء نجح المؤتمر أو فشل، فإن نجحا في جر الفريق الفلسطيني المفاوض للقبول بوثيقة جديدة للتسوية – والتي ستكون بطبيعة الحال أكثر إجحافا من اتفاقية أوسلو وخطة خارطة الطريق و إلا كانت إسرائيل نفذت هاتين الوثيقتين – فقد حققا أهدافهم من المؤتمر على حساب الحق الفلسطيني، وإن رفض الفريق الفلسطيني المفاوض، الشروط الإسرائيلية، فسيحملون الفلسطينيين مسؤولية الفشل، ليس فقط فشل المؤتمر بل فشل العملية السلمية برمتها، وآنذاك ستطلق إسرائيل يدها لتعيث فسادا، من استيطان وتقتيل واعتقال وتهويد للقدس الخ، وستتفرغ واشنطن لمخططاتها في العراق وإيران متسلحة بورقة أنها بذلت كل جهدها لإنجاح عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين .
قد يعتقد البعض بأن الدعوة لعقد مؤتمر الخريف،هي قرار متعجل وغير مدروس من مركز القرار الأمريكي وأن تل أبيب مضطرة للتعامل مع المؤتمر، وهو اعتقاد له سنده من حيث أن لا حظوظ للرئيس الأمريكي وحزبه لقيادة الولايات المتحدة في المرحلة القادمة، وبالتالي لماذا تقدم إسرائيل تنازلات للفلسطينيين حتى ترضي هذه القيادة الآيلة للزوال ؟ .هذا تحليل سياسي صحيح بالمنطق السياسي البسيط، ولكن بالحسابات السياسية الاستراتيجية المبنية على الثوابت والمصالح الاستراتيجية طويلة المدى بين واشنطن وتل أبيب، فإن التحليل يتجه منحى مختلف. حيث لا يمكن فصل هذا الإصرار الأمريكي على عقد المؤتمر في هذا الوقت، عن الملفات المفتوحة ما بين واشنطن من جانب و العراق و إيران من جانب آخر، وعن تداعيات الأحداث في مناطق السلطة الفلسطينية، فالمؤتمر يراد له أن يكون تتويجا أو نصرا سياسيا لمخطط تم الاشتغال عليه منذ سنوات، بمعنى أن المؤتمر جزء من استراتيجية وليس حدث سياسي عابر، وبالتالي فإن إفشاله هو إفشال لهذه الاستراتيجية المعادية ما دمنا غير قادرين على فرض حققنا على المؤتمرين.

سلسلة من الأحداث والقرارات الإسرائيلية تبدو للمراقب العادي وكأنها مجرد إجراءات عادية هدفها تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم كما يقول الخطاب الرسمي المعلن أو أنها جاءت كرد فعل على ممارسات فلسطينية سواء كانت من حركة حماس أم من غيرها، إلا أن المتابع المتمعن المُلم بالعقل السياسي الإستراتيجي الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين تحديدا، سيلمس أنها سياسة عليا لا تُؤسس على الخطاب المعلن وليست بردود فعل آنية أو انفعالية، بل تعمل ضمن استراتيجية محّكَمة يضع أسسها مخططون استراتيجيون ينفذون أهدافا ثابتة تجاه الفلسطينيين، أهم مرتكزات هذه الاستراتيجية، مزيد من احتلال الأرض وتفقير الشعب وإفشال أي مسعى وحدوي فلسطيني وإعاقة إنجاز المشروع الوطني.
ضم القدس، الاستيطان المتدحرج، الطرق الالتفافية، الحواجز على الطرقات، تجريف الأراضي، قطع الأشجار، سرقة والاستيلاء على مصادر المياه، التوغلات وتدمير البيوت والمنشآت الصناعية والإنتاجية، إعاقة تصدير المنتجات الزراعية، التحكم بالمعابر، إفساد النخبة السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وبناء جدار الفصل، وتوسيع مناطق الاستيطان وخصوصا في القدس والخليل والغور، وسرقة التراث الوطني…، تصرفات تبدو منفصلة عن بعضها البعض أو إنها ردود فعل على عمليات لمسلحين فلسطينيين، لا شك أن هذه التصرفات الإسرائيلية يتم توقيتها غالبا بعد إطلاق صواريخ فلسطينية أو عمليات مقاومة، إلا أن إسرائيل توظف هذه العمليات التي لم تشكل في أي يوم تهديدا لوجودها أو إخلالا بتفوقها العسكري، توظفها لتنفيذ مخطط معد مسبقا، أي تستغلها كذريعة، وفي كثير من حالات الرد الإسرائيلي يتم تسليط الأضواء إعلاميا على صوت الرصاص وهدير الدبابات والطائرات فيما إسرائيل تستولي على مزيد من الأرض ومصادر المياه وتشق مزيدا من الطرق وتدمر البنية التحتية وهي أمور لا تلفت الانتباه كثيرا، بمعنى أن الخطاب السياسي الإسرائيلي المعلن الذي يبدو مأزوما يخفي نجاح الاستراتيجية غير المعلنة. فيما تكون الفصائل الفلسطينية تتحدث عن البطولات وتحتفل بعد كل عملية بتوزيع الحلوى والتباهي بكثرة عدد شهدائها، فإن إسرائيل تتقدم خطوات تجاه تنفيذ مخططها الإستراتيجي للاستيلاء على الأرض وتدمير مقومات المشروع الوطني، كلمة السر التي تقود كل تصرف إسرائيلي عسكري كان أم اقتصادي هي الأرض ومزيد من الأرض استكمالا لحرب التحرير والاستقلال التي قال عنها شارون إنها لم تنتهي.
ضمن نفس التفكير والسلوك الاستراتيجي يأتي قرار إسرائيل باعتبار قطاع غزة كيانا معاديا وما ترتب عليه من ممارسات، هذا القرار ليس ردة فعل على أي نهج تصعيدي جديد لحركة حماس تجاه إسرائيل، بل على العكس جاء في وقت تستجدي فيه حركة حماس اتفاق هدنة مع إسرائيل، هدنة بسقف هابط كثيرا عن شروط الهدنة السابقة، حيث كانت حماس تقترح هدنة طويلة المدى بعد انسحاب إسرائيل من كامل الأراضي في الضفة والقطاع وعودة ألاجئين الفلسطينيين، هدنة اليوم مع إسرائيل هي مقابل فتح المعابر مع غزة والاعتراف بسلطة حركة حماس على القطاع، أما الضفة والقدس والدولة واللاجئين والمقاومة فقد سقطت الآن من برنامج حركة حماس، أيضا يأتي هذا القرار في خضم مسعى لعقد اجتماع للبحث في حل للصراع في المنطقة، يريد منظموه أن يبدو جادا، بالرغم من ذلك ترد إسرائيل بإعلان القطاع الذي هو جزء من المشروع الوطني الفلسطيني، كيانا معاديا !.

لقد بات واضحا أن هذا القرار تتويج لسلسلة إجراءات ميدانية ذات أبعاد استراتيجية بدأت مع وجود السلطة حيث عطلت إسرائيل تفعيل ما يسمى بالممر الآمن بين غزة والضفة وما ترتب عليه من منع التواصل السكاني بين شطري الوطن، وغير منفصل عن الانفلات الأمني المخطط والذي بدأ منذ سنوات، و عن تنفيذ شارون لخطته بالانفصال الأحادي الجانب من غزة وغير منفصل عن اتفاقيات المعابر و عن انتخابات 25 يناير 2006 وإفشال كل جولات الحوار ثم حكومة الوحدة الوطنية والتراجيديا البئيسة لما سُمي بانقلاب حركة حماس على الشرعية في غزة. هذا القرار هو قرار استراتيجي وليس سياسي وهو يذكرنا بقرار بناء الجدار العنصري حيث زعمت إسرائيل أنه لاعتبارات أمنية مؤقتة ثم بان الأمر بأنه جزء من مخطط استراتيجي مرتبط برؤيتها للتسوية النهائية.

اليوم، والمفاوضون الفلسطينيون – تقريبا نفس الوجوه التي فاوضت لأكثر من خمسة عشر سنة بحصيلة دون الصفر – يتهيئون لجولة جديدة من المفاوضات السرية أيضا، نتمنى أن يتعاملوا انطلاقا من فهم لحقيقة الاستراتيجية الإسرائيلية والأمريكية وأن تكون وجهتهم مصلحة الوطن لا مصلحة نخبة وسلطة، وحيث أنه غير وارد في الإستراتيجية الإسرائيلية الرجوع لحدود 1967 وقيام دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس وحق العودة، فإن احتمالات نجاح المؤتمر الموعود في تحقيق أهدافنا الوطنية منعدمة، ونتمنى ألا تجر إسرائيل المفاوضين الفلسطينيين لمتاهات إعلانات المبادئ وأوراق التفاهم التي تعيد المفاوضات لنقطة الصفر، وألا يخضعوا للتهديدات المبطنة التي تقول بأن المؤتمر هو الفرصة الأخيرة وإن لم ينجح فسيكون الأمر كارثة على الفلسطينيين، نضال الشعوب من أجل الاستقلال غير مقيد بفرصة أخيرة، الفرصة الأخيرة هي نيل الاستقلال، وان يَفشل المؤتمر أو حتى لا ينعقد أفضل من التوقيع على ما هو دون الدولة المستقلة على كامل حدود 67 وحل عادل لمشكلة اللاجئين.

28-10-2007

الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق