تراجيديا تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية

24 يناير 2017آخر تحديث :
تراجيديا تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية

12-9-2006

نعم إنه لأمر أكثر من مأساوي أن يصبح ما يُفترض أنه من الأساسيات والبديهيات بالنسبة لأي شعب خاضع للاحتلال، ونقصد بذلك قيادة وإستراتيجية أو حكومة وحدة وطنية ،يصبح البديهي حقلا للمزايدات السياسية بل والمهاترات ،وعندما تصبح الوحدة الوطنية محل خلاف إذن فالوطن ليس هو الوطن والشعب ليس هو الشعب والهوية ليست هي الهوية والمواطن ليس هو المواطن عند الجميع.لقد حول تجار السياسة وهواة النضال والشعارات أقدس وأعدل قضية في العالم إلى سيرك يتفرج عليه الجميع، سيرك دموي لاعبوه شباب ونساء وأطفال يموتون معتقدين أنهم يستشهدون دفاعا عن وطن .
إنه لأمر مأساوي أنه في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل عدوانها العسكري على قطاع غزة والعدوان الأكثر خطورة الذي يجري في الضفة وهو استمرار الاستيطان وتزايده واستمرار بناء الجدار واستمرار تهويد القدس والتراجع عن تنفيذ خطة الانطواء ،في هذا الوقت يتجادل السياسيون حول تشكيل حكومة وحدة وطنية ،وهو اختلاف وصراع في الحقيقة على السلطة والمواقع والمناصب .لو كان الحوار ديمقراطيا لاستبشرنا خيرا لأن الحوار الديمقراطي جزء من العملية الديمقراطية ،ولكنه للأسف حوار يكشف زيف ما سموه العرس الديمقراطي والتجربة الديمقراطية الرائدة !
أي حوار لا ينطلق من اتفاق على المبدأ و ثوابت ومرجعيات وحسن النية وبكون فيه المتحاورون مشبعين بثقافة الديمقراطية ،لا يمكنه إلا أن يؤدي لتعميق الخلاف أو تحويل الحوار لحوار الطرشان .
لا نريد العودة مجددا إلى الانتخابات والتساؤل هل كانت الانتخابات خيارا وطنيا فلسطينيا ؟ ولكننا سنسلم بنتائج الانتخابات التي أدت لفوز حركة حماس ومن ثم تشكيلها للحكومة ونتساءل ،أليس من المفروض على حكومة منبثقة عن عملية انتخابات ديمقراطية أن تحترم ثقافة وقيم وآليات الممارسة الديمقراطية؟أليس من المفروض من حزب فاز بالانتخابات تحت شعار (الإصلاح والتغيير)أن يصلح ويغير إلى الأفضل حياة الناس في إطار الصلاحيات المسنودة لحكومة حكم ذاتي إداري محدود ،وهو إصلاح في القضايا التي كانت الحكومات السابقة مقصرة فيها أو كانت حكومات فاسدة الخ ؟أليس مطلوب ومفروض من الحكومة أن تؤمن تعليم أفضل وصحة أفضل وفرص عمل أفضل الخ؟.حركة حماس تدرك والناس يدركون بأن الناخبين لم ينتخبوهم لأنهم يريدون تحرير كل فلسطين والسابقون كانوا يريدون أقل من ذلك ،وحركة حماس تدرك بان الشعب لم ينتخبهم لأنهم حركة مقاومة مسلحة فيما السابقون تخلوا عن المقاومة ،الكل يدرك بأن الشعب في الضفة وغزة انتخب حماس نظرا لوجود فساد مالي وإداري في الحكومات السابقة ،ولأن مسار التسوية تعثر وآفاق الحل السلمي أغلقت ،وبالتالي انتخب الشعب حركة حماس لتخرج السلطة والنظام السياسي من مأزقه وتؤمن له حياة كريمة وتفتح آفاق حل سلمي عادل ومشرف .
لا يعقل أن تقول حركة حماس بان السبب في فشل الحكومة أو تعثرها في أداء مهامها يعود لوجود مؤامرة خارجية عليها تشارك بها قوى داخلية ،فهل هو أمر جديد ومستغرب أن تكون إسرائيل عدوانية وتواصل عدوانها ؟وهل هو أمر جديد ومستغرب أن تحاصر الولايات المتحدة والغرب الشعب الفلسطيني والحكومة ؟هل هو أمر جديد ومستغرب تقاعس وعجز الأنظمة العربية عن فعل شيء لفك الحصار ولدعم الشعب الفلسطيني ؟وهل كانت حركة حماس تعتقد أن أمريكا والغرب سيكوننا أكثر تعاونا ورحمة مع حركة حماس مما كانا عليه مع حكومات حركة فتح والرئيس ياسر عرفات ؟أم كانت حركة حماس تعتقد بان إسرائيل وحلفائها كانوا ضد حقوقنا الوطنية لأننا كنا غير ديمقراطيين أو كنا نريد استعادة هذه الحقوق بطرق غير ديمقراطية ،وبالتالي عندما نصبح ديمقراطيين سيقدمون لنا هذه الحقوق على طبق من الفضة؟.
إن كانت حركة حماس تعتقد كل ما سبق فهو الجهل السياسي ،وإن كانت لا تعتقد ذلك والصورة جلية بالنسبة لها ،فلماذا دخلت الانتخابات أصلا؟.من يتابع تصريحات قادة حماس يلمس حالة من الغموض غير البناء و هروب للأمام الأمر الذي يخلق حالة من الإرباك والفوضى السياسية والمفاهيمية تتجلى بتداخل خطاب الديمقراطية مع خطاب المقاومة والجهاد ،التداخل بين منطق وممارسات حكومة الشعب ومنطق وممارسات حسابات حزبية ،وربما أكثر الأمور التباسا والتي بانت في الأيام الأخيرة هي الموقف من تشكيل حكومة الوحدة الوطنية .
خطاب رئيس الوزراء السيد إسماعيل هنية يوم الجمعة 8/8 والذي قال فيه بأن الحكومة ستبقى لأربع سنوات وفي نفس الوقت يقول بأنه مع حكومة وحدة وطنية يطرح أكثر من علامة استفهام حول جدية التعامل مع تشكيل حكومة وحدة وطنية،وبأي معالجة عجائبية يمكن التوفيق بين التأكيد على استمرار الحكومة بنفس برنامجها وسياساتها والقول بتشكيل حكومة وحدة وطنية؟ . إذا ربطنا حديث رئيس الوزراء بتصريحات سابقة لمسئولين حمساويين آخرين كالقول بأن حكومة حماس وجدت لتبقى وقول آخرين بأن حماس مستعدة لقلب الطاولة على الجميع ،وقول نائب عن حماس في لقاء إذاعي مباشر كنت أحد طرفيه ،قوله :(هذا هو برنامجنا ومواقفنا ومن لا يعجبهم أعلى ما في خيلهم يركبوا)!، أيضا تشكيل قوات الإسناد التي لم توجد لوضع حد للانفلات الأمني بل كقوة حماية وإسناد للحكومة ضد أي محاولات انقلابية ضدها ،إذا ربطنا كل هذه الأمور مع بعضها البعض يحق لنا التساؤل هل أن حركة حماس ومن حيث المبدأ مع تشكيل حكومة وحدة وطنية؟ .
حتى تتشكل حكومة وحدة وطنية يجب توفر أربعة شروط وكل شرط يشكل مرحلة ولا يمكن أن تسبق مرحلة ما قبلها أو القفز من إحداها إلى الأخرى وهذه المراحل:-
1 – المبدأ:أي أن يكون اقتناع وإيمان من حيث المبدأ بتشكل حكومة وحدة وطنية ،والمبدأ يفترض قناعة من الجميع بأن الوطن أكبر وأهم من الحزب ،وأنه لا يمكن لحزب واحد مهما كانت الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات أو ما له من تاريخ نضالي واعتراف دولي ،لا يمكن له أن يتحمل مسؤولية القضية الوطنية أو يقصي الآخرين إن أرادوا مشاركته هذه المسؤولية.
2 –الثوابت والمرجعيات :إذا نوفر المبدأ تأتي مرحلة الاتفاق على الثوابت والمرجعيات ،أي الاتفاق والتراضي على الثوابت الوطنية والمرجعيات التي عليها ترسم السياسات العامة ،فمثلا يجب الاتفاق على موقف موحد من قضايا السلم والحرب ،وحول مفهوم الوطن والدولة والهوية الوطنية ،موقف موحد من الشرعية الدولية والمبادرة العربية الخ ،الاتفاق على الثوابت والمرجعيات يحد من حالة الاستقطاب الحادة والاحتقان وحالة مصادرة القرار الوطني لجهات خارجية .دون التراضي على الثوابت والمرجعيات لا يمكن حصول تداول سلمي ديمقراطي على السلطة وإن حدث لا يستمر ،وبدونه لا يمكن تشكيل حكومة ولا قيادة وحدة وطنية لأن الوحدة تكون على هذه الثوابت والمرجعيات ،وإن قامت حكومة وحدة وطنية بدون الاتفاق على الثوابت والمرجعيات فستكون حكومة وحدة شكلية مجاراة للجمهور أو خضوعا لاستحقاقات خارجية وفي جميع الحالات لن تعيش طويلا .
3 –برنامج الحكومة :البرنامج هو صيرورة الثوابت والمرجعيات قوانين وبرامج عمل وسياسات قطاعية ،وبرنامج الحكومة يبنى على الثوابت وأحيانا بتصرف يتفق عليه الجميع .لا يمكن لأي حكومة ان تستمر إن كان برنامجها متعارضا مع الثوابت والمرجعية ،وفي حالة إصرار الحكومة على برنامجها بالرغم من تعارضه مع الثوابت فهذا يؤسس لحالة انقلابية وقد يؤدي الأمر لحرب أهلية .
4 –الأشخاص :ونقصد الأفراد الذين سيولون المناصب الوزارية ،وهذه أسهل المراحل وأقل الشروط إثارة للجدل إن توفرت العناصر الثلاثة السابقة .

والسؤال هو ،هل تتوفر هذه الشروط عند القوى السياسية وخصوصا عند الفصيلين الكبيرين ؟ كنا نأمل أن يكون التوقيع على وثيقة الأسري قد حسم الشرطين الأولين لتشكيل حكومة وحدة وطنية أي ،المبدأ والثوابت والمرجعيات ،ويقتصر الحوار على البرنامج ،ولكن من خلال متابعتنا لما يجري في الحوارات وما نسمعه من تصريحات ،يبدو أننا عدنا إلى نقطة الصفر أي أن الخلاف يدور حول المبدأ والثوابت . ويبدو أن الضغوطات الخارجية على الطرفين هي السبب الرئيس في تعثر تشكيل حكومة الوحدة الوطنية،إلا أن هذه الضغوط ما كان لها ان تنجح لو لم يكن هناك البعض من أصحاب النفوذ والقرار يسهل على القوى الخارجية تسهيل مهمتها.

ولنكن أكثر وضوحا وصراحة فأن ضغوطا تمارس على قيادة حركة حماس في الداخل لإفشال حكومة الوحدة الوطنية إن كان برنامج هذه الحكومة متطابق مع برنامج منظمة التحرير أو حتى قريب منه لان هؤلاء يرون أن حماس حركة متكاملة وشاملة ولا يمكنها أن تكون جزءا من كل حتى وإن كان هذا الكل هو الكل الوطني ،فهي الكل وعلى الآخرين الالتحاق بها إن أرادوا ،وهذا هو تفسيرنا لخطاب السيد رئيس الوزراء المشار إليه ونرجو أن نكون خاطئين،فمفهومه للوحدة الوطنية هو الحفاظ على برنامج حكومة حماس وما تعتقده الحركة إنها ثوابت وعلى الآخرين الالتحاق بهذه الحكومة وليسموها حكومة وحدة وطنية إن شاءوا! بالمقابل هناك من يريد ان يفشل حكومة الوحدة الوطنية خدمة لأغراض أمريكية وإسرائيلية ،فحكومة وحدة وطنية تتعامل بجدية مع مسألة السلام والتسوية ومع المبادرة العربية والشرعية الدولية ،قد تؤدي للعودة لتسوية وبالتالي فتح أفق جديد للسلام الحقيقي وهو ما لا ترغب به أمريكا وإسرائيل .
وبالرغم من ذلك فلا حل لأزمة النظام السياسي الفلسطيني إلا بالإصرار على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وفضح كل من يعمل على إفشالها . نعم من صلاحيات الرئيس أبو مازن ومن حقه بالقانون أو بروح القانون أو بالسلطة التقديرية ،أن يتخذ إجراءات تؤدي لحل الحكومة كالدعوة لإعلان حالة الطوارئ أو الدعوة للاستفتاء أو لانتخابات مبكرة ،إلا أن الخشية ان تستغل القوى نفسها غير الراغبة بتشكيل حكومة وحدة وطنية ،تستغل الظرف لتشعلها حربا أهلية أو فوضى .نعتقد بان الكرة هي في يد حركة حماس كما هي في يد الرئيس ،وفي استطاعة حركة حماس والحكومة الانحياز أكثر للهم الوطني وأن تتعامل بحسن نية مع الرئيس مع إدراكنا أنه قد التف حول الرئيس أشخاص لا يُطمئن إليهم كثير

 

الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق