قطاع غزة : كيان مستقل أم أراضي محتلة ؟

10 يناير 2017آخر تحديث :
ابراهيم ابراش
ابراهيم ابراش

ليس بالمصادفة العابرة تزامن ما يجري في قطاع غزة من توجيه للأمور نحو الفصل والقطيعة مع الضفة ،مع ما يجري في الضفة من تكثيف للاستيطان وتعثر للمفاوضات أو حرف مسلسل التسوية بعيدا عن التسوية العادلة ،فكل منهم لزوم الآخر،بمعني ان القوى المعادية وعلى رأسها إسرائيل ترى انه يجب أن تكون مشكلة انفصال غزة حتى تتوقف إسرائيل عن دفع ما عليها من استحقاقات للتسوية ،ويجب أن تتعثر المفاوضات أو تتوقف حتى يتم تعزيز وتقوية المخطط الرامي لفصل غزة عن الضفة،وعليه لا يمكن الفصل بين فشل المفاوضات مع الإسرائيليين حول الضفة والقدس من جانب وتعزيز الحالة الانفصالية في غزة من جانب آخر،وضمن هذا السياق يمكن فهم مجريات الأحداث السياسية الأخيرة ،وضمن نفس السياق أيضا يجب التعامل مع التهديد الإسرائيلي باجتياح قطاع غزة حيث إسرائيل تتحدث عن اجتياح قطاع غزة وعيونها على الضفة والقدس .

التهديد الإسرائيلي المتكرر باجتياح قطاع غزة لا يعبر عن نية حقيقية بالاجتياح بقدر ما تسعى إسرائيل من ورائه لتحقيق أهداف متعددة كانت واردة منذ تعاملها مع مسلسل التسوية في مؤتمر مدريد ثم اتفاق أوسلو، و إذ استحضر بداية الحديث عن التسوية عام 1994 تحت شعار (غزة وأريحا أولا) و الإعلان عن اتفاقية أوسلو، حيث حذر كثيرون من أن تكون (غزة أولا وأخير)، أدرك أنها لم تكن كتابات مشاكسة أو متشائمة، بل كانت تعبر عن رؤية ثاقبة للأمور، وما جرى خلال الأشهر الأخيرة يكشف حقيقة النوايا الإسرائيلية وحقيقة تصورها للسلام في فلسطين.انطلاقا من ذلك فإن إسرائيل لن تعيد احتلال قطاع غزة وما حديثها عن الاجتياح إلا محاولة لإخفاء أهدافها الاستراتيجية التي تتظاهر الطبقة السياسية الفلسطينية بتجاهلها …وعليه فإن التهديد الإسرائيلي باجتياح القطاع يهدف لتحقيق عدة أهداف أهمها:-

أولا: إخفاء الجرائم التي ترتكبها كل يوم في قطاع غزة سواء بالحصار أو بعمليات التقتيل والتدمير الإجرامية، وذلك بشد الانتباه نحو التهديد بالآتي وهو الاجتياح الذي سيكون كما يقولون مدمرا وغير مسبوق….وبالتالي سينشغل الناس والمراقبون بحالة ترقب للحدث الأكبر الآتي وهو الاجتياح على حساب تتبع وإدراك خطورة الجرائم التي ترتكب كل يوم. الممارسات التي تقوم بها إسرائيل هي أكثر خطورة من الناحية السياسية والإنسانية والعسكرية من الاجتياح إن حدث..إسرائيل انسحبت من تلقاء نفسها من القطاع تنفيذا لمخطط تؤكد الوقائع الجارية على الأرض انه ناجح وهو فصل غزة عن الضفة وهي غير مستعدة للتراجع عن هذا المكسب الكبير، كما أن إسرائيل تدرك الأهداف الحقيقية لحركة حماس من وراء إطلاقها الصواريخ أو السكوت عن مطلقيها وهي أهداف لا تندرج ضمن استراتيجية وطنية للتحرير بقدر ما هي أداة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية تمكنها من حكم غزة، كما أن الاجتياح سيطرح سؤال ما بعد الاجتياح، فهل ستجتاح لتبقى في القطاع وهو أمر غير وارد ؟أم ستجتاح لتنظيف القطاع من مطلقي الصواريخ ومن يقف وراءهم من فصائل المقاومة ثم تخرج ؟والسؤال المبني على هذا السؤال هو لمن ستسلم القطاع بعد الاجتياح ؟هل لحماس مرة أخرى أم للرئيس أبو مازن ؟وهل سيقبل الرئيس وحكومته تسلم حكم القطاع من إسرائيل بعد ارتكاب هذه الأخيرة للمجازر المصاحبة للاجتياح؟.

ثانيا: التهديد باجتياح قطاع غزة ردا على الصواريخ المنطلقة من هناك وما يصاحب ذلك من تضخيم لتأثير الصواريخ على إسرائيل، إنما يهدف لتغييب القضايا الاستراتيجية والقضية الوطنية بشكل عام ولإبعاد الأنظار عما يجري في الضفة، ذلك أن ما يجري في الضفة أكثر خطورة مما يجري في غزة وأهداف إسرائيل الاستراتيجية هي في الضفة والقدس وليس في غزة، وعليه فإن من الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل من وراء انسحابها من القطاع هو إبعاد الأنظار عن عمليات الاستيطان المتواصلة في القدس والضفة، وبالفعل استغلت إسرائيل انشغالنا وانشغال العالم بما يجري في غزة لتُسرع من وتيرة الاستيطان ولتزيد من عملياتها الأمنية والإرهابية في كل مدن وقرى الضفة غير عابئة بوجود حكومة وأجهزة أمن فلسطينية.

ثالثا: قُبيل الانسحاب الإسرائيلي من القطاع كتبنا مقالا بعنوان (حتى لا تُغيب غزة الوطن)،وحذرنا من خطورة مخطط شارون للخروج من غزة ،وفي أكثر من ندوة ومقال في نفس المرحلة تسألنا عن الوضعية القانونية للقطاع بعد الانسحاب ،ولكن صراع الفصائل على السلطة لم يترك لهم مجالا للتفكير بعيد المدى بتداعيات الانسحاب على المشروع الوطني . ويبدو أن أحداث غزة غيبت القضية الوطنية وأضاعت الحلقة المركزية للصراع في المنطقة. المتابع للأحداث منذ انسحاب إسرائيل من القطاع وما تلاه من فوز حماس بالانتخابات ثم مسرحية الانقلاب الحمساوى سيلاحظ كيف تم تفكيك القضية الوطنية إلى قضايا فرعية كالصراع على السلطة والحكم ومغانمهم ثم الحصار وما أنتج مع أوضاع إنسانية خطيرة، والصواريخ والمعابر وصراع فتح وحماس… وتم تغييب الدولة واللاجئين والقدس، وإن ذُكرت هذه المطالب أو بعضها على لسان مسئول أوروبي أو أمريكي أو مجرد مقال أو تقرير يصدر من هذا الجهة الخارجية أو تلك هلل البعض وكبَّر وكأن القضية حققت مكسبا كبيرا، وهذا ما جرى مثلا عندما ضخم البعض أهمية الحديث الغامض للرئيس بوش حول الدولة الفلسطينية وكأن القضية الفلسطينية كانت نكرة قبل ذلك، متناسيين عشرات القرارات الدولية حول الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني بما في ذلك قرار التقسيم 181 لعام 1947. وهذا التضخيم المبالغ فيه تكرر مع تصريحات وزير الخارجية الفرنسي كوشنير أخيرا حول وقف الاستيطان، ولا ندري أيهم أكثر أهمية:قرارات الشرعية الدولية حول رفض الاحتلال وعدم شرعية الاستيطان أم جملة عابرة على لسان وزير يقوم بزيارة عابرة ؟.

الهدف الرابع:استمرار حالة غزة متوترة من خلال استمرار الحصار أو التهديد بالاجتياح، وغياب الرؤية للحل، معناه إبقاء مفاوضات الوضع النهائي معلقة وإن تحركت تعثرت عند إثارة إسرائيل لمضمون البند الأول من خطة خارطة الطريق الذي يشترط وقف عمليات العنف من طرف الفلسطينيين ،فكيف لأبي مازن وسلطته أن يوقفوا العنف أو الصواريخ المنطلقة من غزة دون أن تكون لهم سلطة على غزة؟ولأن إسرائيل لا تريد مفاوضات أو تسوية فمن مصلحتها استمرار حالة غزة بل وزيادة توتيرها .فعبثية الصواريخ تصبح ضرورة لتكون المفاوضات عبثية. وعليه لا يمكن أن تنجح المفاوضات بالتوصل لحل لقضايا الوضع النهائي قبل حل الوضع في قطاع غزة ،أما المتفائلون بحل فنخشى أن يكون الحل المقصود إما دولة غزة ،أو تجاهل غزة باعتبارها كيان معادي وبالتالي إخراجها من التسوية ،والبحث عن حل في الضفة يقوم على التقاسم الوظيفي ما بين بقايا سلطة فلسطينية والاحتلال والأردن .وخيار المفاضلة لن يكون للفلسطينيين بل للعدو الإسرائيلي.

هذه الأهداف الإسرائيلية تتقاطع وربما تلتقي مع أطراف فلسطينية وإقليمية تشتغل على موضوع فصل غزة عن الضفة، كلّ لهدف خاص به، من هذه الأطراف الفلسطينية ،حركة حماس، التي بات كل همها استكمال حلقات الفصل موظفة معاناة سكان القطاع وأرواح ضحايا العدوان الصهيوني وخطاب المقاومة التي تم اختزالها بصواريخ تنزل بردا وسلاما على قلوب بعض القادة الإسرائيليين الباحثين عن ذرائع لتأبيد الفصل والتهرب من استحقاقات التسوية.

لا شك أن حركة حماس تم انتخابها من الشعب ،ولا شك أيضا أن قرارات المجلس الوطني الفلسطيني شرعية، ومن هذه القرارات ما ورد في البرنامج المرحلي لعام 1974 حيث جاء أنه يمكن لمنظمة التحرير إقامة سلطة وطنية مقاتلة على أي جزء من فلسطين يتم تحريره أو يُعطى لنا… لكن دعونا نسأل حركة حماس:هل قطاع غزة أرض محتلة أم منطقة محررة؟فإن كان القطاع أرضا محتلة فعلى حماس أن تعلن ذلك وآنذاك عليها أن تجيب على الأسئلة التالية:لماذا تقيم حركة حماس في أرض محتلة: سلطة وحكومة ومجلس تشريعي؟ولماذا تُريح الاحتلال من مسؤولياته تجاه الشعب الخاضع للاحتلال المنصوص عليها في القانون الدولي، وذلك بسعي الحركة لتوفير متطلبات الحياة اليومية للمواطنين ؟ولماذا تطالب بفتح الحدود مع مصر كحدود فلسطينية –مصرية؟ وإن كانت غزة أراضي محتلة فلماذا تستقبل حركة حماس الوفود العربية والأجنبية على أراضي محتلة وتتباهى أمامهم بأنها حررت غزة بالمقاومة وتطالب العرب والمسلمين والأجانب بزيارة غزة للإطلاع على تجربة الاستقلال الفريدة من نوعها؟.

أما إذا كان القطاع منطقة محررة أو مستقلة، فهذا يتطلب الإجابة على التساؤلات التالية:لماذا استمرار العدوان والتوغلات الإسرائيلية على القطاع ؟ولماذا استمرار إطلاق الصواريخ على إسرائيل؟ولماذا لا تحدد حركة حماس العلاقة التي تربط غزة بالضفة ؟ولماذا لا تعلن استقلال قطاع غزة؟وإن كانت غزة محررة، فلماذا لا تمارس السلطة القائمة في القطاع سيادتها على المجال الفضائي والبحري للقطاع ؟ولماذا فقط تضغط لفتح الحدود مع مصر دون أن تحاول فتح الحدود البحرية والمجال الفضائي ؟ألا تعلم حركة حماس أن فتح الحدود مع مصر فقط دون سيادة على الحدود البحرية وعلى المجال الفضائي، يعني إلحاق، القطاع دون سيادة، لمصر؟ألا تدرك حركة حماس أن مطالبتها للعالم للتخاطب والتفاوض معها كسلطة شرعية في قطاع غزة، يعني تكريس فصل القطاع عن الضفة ؟.أسئلة كثيرة وكبيرة بعضها سياسي وبعضها قانوني وفي الحالة الفلسطينية يتداخل القانون بالسياسة كما يتداخل الاقتصاد والدين بالسياسة،وهنا نذكر بالبعد الدولي للموضوع ،مثلا أن قرارات الشرعية الدولية تتعامل مع الضفة والقطاع كوحدة واحدة ،والشرعية الدولية تعتبر أن منظمة التحرير الفلسطينية هي ممثل الشعب الفلسطيني وبالتالي هي المخاطِب والمخاطَب بهذا الشأن .

لا نروم من هذه الأسئلة التقليل من أهمية أن يكون وجود الاحتلال في جزء من الوطن أقل حضورا من بقية أجزاء الوطن، ولكننا لا نريد للشجرة أن تخفي الغابة، ولا نريد لتضحيات آلاف الشهداء والمعتقلين وما خلفوا من آلاف اليتامى والأرامل والمنكوبين، عبر أكثر من أربعة عقود من النضال داخل الوطن وخارجه، لا نريد لها أن تأول لمجرد كيان سياسي دون سيادة مرتبط بمشروع خارج حدود الوطن يضع حدا للمشروع الوطني، مشروع الدولة الوطنية الفلسطينية في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس الشريف وحق عودة اللاجئين.وهنا نعيد التأكيد بأنه ليس المهم من يحكم في غزة ؟حركة فتح أو حركة حماس ؟بل المهم أن تكون الحالة السياسية بالقطاع جزءا من المشروع الوطني ونقطة منطلق لاستكمال هذا المشروع.وأن لا يكون ثمن تمكين حركة حماس من حكم مريح للقطاع، إطلاق يد إسرائيل بالضفة والقدس ووأد المشروع الوطني.

وعليه … ليس المهم أن تجتاح أو لا تجتاح إسرائيل القطاع – ما يجري من تقتيل يومي وحصار هو أسوء من الاجتياح- بل المهم هو الموقف الفلسطيني والاستراتيجية الفلسطينية –إن وجدت- للتعامل مع الحالة بالقطاع.ما العمل.إن تم اجتياح القطاع ؟وما العمل إن لم يحدث الاجتياح ؟ ما العمل إن نجحت المفاوضات ؟وما العمل إن لم تنجح؟لا أعتقد انه يوجد جواب لدى الطرفين

24-2-2008

الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق