غياب فضيلة النقد الذاتي عند الطبقة السياسية الفلسطينية

20 فبراير 2017آخر تحديث :
غياب فضيلة النقد الذاتي عند الطبقة السياسية الفلسطينية

 

5-4-2009

 

غياب فضيلة النقد الذاتي عند الطبقة السياسية الفلسطينية

 

أسهل أشكال الهروب من المسؤولية واقلها أخلاقية هو تحميلها للآخر،سواء كان العدو الخارجي  أو المنافس السياسي،ولكن أكثر أشكال المسؤولية واسماها هو النقد الذاتي. لا شك أن العدو وخصوصا في الحالة كالحالة الفلسطينية يتحمل المسؤولية الكبرى عن مصائب الشعب الفلسطيني ولكن هناك جانب تتحمله الحالة السياسية الفلسطينية وخصوصا النخب السياسية التي تنطعت لقيادة الشعب لسنوات ورفعت الشعارات الكبيرة التي عيشت الشعب في وهم الانتصار قريب المنال وأحيانا صورت له انتصارات لا أساس لها من الوجود حيث حولت معاناته ونكباته أو صموده الإكراهي إلى انتصارات.النقد الذاتي فضيلة إنسانية وأخلاقية وفضيلة سياسية،فلا يمكن للأفراد كما المجتمعات ولا يمكن للعقل البشري بشكل عام أن يتقدموا للأمام إلا بفضيلة النقد الذاتي الذي يعني محاسبة الذات ومراجعة أنماط ومناهج التفكير  وما يترتب عليها من سلوكيات ما بين مرحلة لأخرى لتقويم المعوج وتطوير الصحيح منها.الإنسان بطبيعته خطاء وليس العيب أن يخطئ الإنسان مواطنا كان أم مسئولا،ولكن العيب عدم الاعتراف بالخطأ والاستمرار بالمكابرة والعناد تضليلا للجماهير أو حفاظا على مصالح ذاتية،و أخطر أنواع المكابرة وبالتالي غياب فضيلة النقد الذاتي هي التي تصيب القيادات السياسية المسئولة عن مصالح الأمة،فعندما تغيب هذه الفضيلة وتغيب المحاسبة الإكراهية والقانونية  التي توفرها آليات الديمقراطية ،يتحول الساسة وبالتالي السلطة إلى حكم استبداد وقهر.

لا نريد أن نعود للماضي البعيد بالرغم من أن هذا الماضي يشير أيضا إلى غياب فضيلة النقد الذاتي عند فصائل المقاومة الفلسطينية ،فلم يجري النقد بعد أحداث الأردن 1970 وبعد حرب لبنان 1982 وبعد الانتفاضة الأولى ثم الانتفاضة الثانية التي ذهبت بأرواح أكثر من خمسة آلاف شهيد ثم ماتت بصمت مريب،كما لم تحدث مراجعة لأكثر من خمسة عشر عاما من وجود سلطة ومفاوضات شكلا غطاء لأضخم عمليات تهويد واستيطان للقدس والضفة ،إن الذين جعلوا الحياة مفاوضات شكلوا غطاءا بل منحوا شرعية للاستيطان لأنهم مدوا من عمر سياسة التضليل التي مارستها إسرائيل تحت عنوان مفاوضات السلام.يبدو أن عقلية نخبنا السياسية محكومة بنفس العقلية الرسمية العربية التي لا تعترف بالخطأ لأن الاعتراف الخطأ، وخصوصا إن كان بمستوى تهديد مصالح وامن الأمة، يشكك بشرعيتها وبمبرر وجودها .

فما أشبه اليوم بالبارحة، بل يمكن القول بان اليوم أكثر سوءا من البارحة من حيث المكابرة وغياب فضيلة النقد الذاتي،أسوء لأن الأخطاء بحق الشعب اكبر ودرجة التضليل للشعب اكبر.  فمع العدوان على قطاع غزة سيطرت الأفكار المسبقة وصدمة الصورة على أي تحليل عقلاني لما جرى وما كان لنا ولغيرنا أن نتحدث أو نكتب بصراحة عما جرى في القطاع خلال وقبل  العدوان حتى لا يوظف الأمر لمصلحة العدو وحتى لا نؤثر سلبا على صورة الشعب الفلسطيني عند الجماهير العربية والإسلامية العالمية التي خرجت تعاطفا وتأييدا للشعب الفلسطيني بالرغم من توظيف حركة حماس والإسلام السياسي هذا التعاطف لمصلحة حركة حماس وما تمثله ،وحتى بعد العدوان وبداية الحوارات كان لا بد من التهدئة الإعلامية حتى لا توثر على الحوارات .

حدثت انتهاكات بشعة لحقوق الإنسان بالقطاع على يد حكومة وأجهزة وأفراد حركة حماس، وحدث لبس في مفهومي النصر و الهزيمة وما بين الانتصار والصمود الإكراهي، وقد لعبت فصائل المقاومة وخصوصا حركة حماس دورا في هذا المجال لتخفي محدودية قدرتها على مواجهة العدوان ولتخفي التناقض ما بين خطابها المضخم وحقيقية قدراتها على أرض الواقع وهو الأمر الذي كان مفترضا أن يشكل دافعا لمراجعة نقدية عند فصائل المقاومة وخصوصا عند حركة حماس، إلا أنها بدلا من ذلك مارست نوعا من الهروب للأمام برمي المسؤولية على أطراف أخرى وخصوصا على إسرائيل مع أن تاريخ إسرائيل هو مجازر مستمرة ضد شعبنا والشعوب العربية المجاورة.أثناء وبعد العدوان توجهت كل الجهود لكشف جرائم العدو – المفترض انه انهزم في المعركة- وكيفية متابعته ومحاكمته دوليا وكأن القضاء والمنتظم الدولي يمثل العدالة المطلقة،ويتناسى العرب والمسلمون الناشدون للعدالة الدولية بأنهم لا يعترفون بالشرعية الدولية ويتخذون منها مواقف مسبقة بأنها متحيزة وتكيل بمكيالين وأنها خاضعة للسيطرة الأمريكية الخ.هذا لا يعني أن إسرائيل لم ترتكب جرائم حرب أو أن قادتها المسئولين عن هذه الجرائم لا يستحقون المحاكمة،بل ما نرمي إليه هو انه في الوقت الذي يجب فضح جرائم العدو وتوثيقها يجب أيضا عمل مراجعة إن لم يكن محاسبة داخلية فلسطينية حول ما جرى وان تمتد المراجعة والمحاسبة للأطراف العربية والإسلامية التي مارست التحريض وعندما جاءت المواجهة والعدوان وقفت موقف العاجز وتركت أهل غزة تحت رحمة آلة الموت الصهيونية.

لم توجد الشعوب لتكون كبش فداء لأخطاء القادة والنخب السياسية كما لا يمكن تأسيس انتصارات على أشلاء الشعب ومعاناته،القادة والنخب وُجٍدت من أجل الشعب وليس العكس،والقيادات التي لا تستطيع أن تحمي شعبها وتوفر له الحياة الكريمة لا تستحق أن تكون في موقع القيادة.

 

‏05‏/04‏/2009

الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق