حسابات الأوطان وحسابات الأحزاب

12 مارس 2017آخر تحديث :
حسابات الأوطان وحسابات الأحزاب

25-1-2009

 

حسابات الأوطان وحسابات الأحزاب

أكان استفسارا بريئا أم استنكارا واستهجانا، أخذ عليَّ احد الأصدقاء كثرة الحديث والكتابة عن المشروع الوطني والدفاع عنه حتى في ظل العدوان الحالي على غزة،وهو الأمر الذي يدفعني للكتابة مجددا عن المشروع الوطني ولن أمل من الكتابة عنه،لأن المعركة في قطاع غزة والتي عنوانها معبر رفح هي مرحلة من مراحل حرب الكيان الصهيوني على المشروع الوطني.يبدو أن البعض يربط المشروع الوطني بحزب ما أو نخبة بعينها أو مرحلة محددة ويُسقط أخطاء هذا الحزب أو النخبة وموقفه السلبي منها على المشروع الوطني برمته.يجب إسقاط الوهم أو التصور الذي يهيمن على تفكير البعض ويؤثر على سلوكهم السياسي بان المشروع الوطني حكر على تنظيم حركة فتح أو أنه منظمة التحرير بواقعها الراهن أو مشروع أوسلو والاتفاقات الموقعة مع الإسرائيليين وما أفرزت من ترتيبات وتنسيق أمني وشراكة مصالح أو هو حكومة سلام فياض الخ. المشروع الوطني هو مشروع معركة الاستقلال الوطني وهو نقيض الاحتلال ونقيض المشروع الصهيوني وبالتالي تعبير عن الكل الوطني.المشروع الوطني  ليس ملكا لحزب بل ملكا لمن يستطيع تحمل استحقاقاته النضالية وحمايته من أي تدخلات خارجية تحرفه عن وجهته الوطنية فالمشروع الوطني رديف استقلالية القرار الوطني،فمن لا يملك قرارا مستقلا لا يمكنه أن يؤسس أو يقود مشروعا وطنيا.لا يمكن لشعب تحت الاحتلال أن يواجه الاحتلال ومناوراته واعتداءاته إلا في إطار مشروع وطني تحرري،لأن بديل المشروع الوطني هو مشروع الاحتلال وأعوانه أو أي مشروع حزبي لجماعة تغذيها أجندة خارجية وفي هذه الحالة لن يكون مشروعا وطنيا بل سيكون وقادته وكلاء لمرجعيتهم الخارجية،أيضا فإن وجود حوالي عشرين حزبا وحركة سياسية لا يعني بالضرورة وجود مشروع وطني فهذه القوى قد تكون أدوات حرب أهلية وظاهرة ارتزاق ثوري وجهادي أكثر مما هي مكونات مشروع وطني .

غياب الاتفاق على مفهوم المشروع الوطني من حيث الهدف ومن حيث إستراتيجية تحقيقه سَّهل مأمورية العدو في عدوانه على غزة و في التحكم في عملية اعمار غزة وفي المصالحة الوطنية وهو أيضا نفس السبب الذي أدى إلى الانقسام في الساحة الفلسطينية.قد يبدو للبعض أن الوقت غير مناسب للمقاربات الفكرية وللقضايا الكبرى كالحديث عن المشروع الوطني،فالعدوان يتطلب توجيه كل الاهتمام والجهود لمواجهته ،ونعتقد العكس ذلك أن ما كانت ترمي إليه إسرائيل من عدوانها على غزة إبقاء الشعب الفلسطيني منشغلا بالاعتداءات المتواصلة على غزة وبالخلافات الداخلية وبالحصار وبمعبر رفح الخ ، إسرائيل تريد أن يبقى الفلسطينيين مشدودين وغارقين بعشرات الخلافات الداخلية والقضايا الجزئية  حتى لا يتفرغوا للاهتمام  بالقضايا الجوهرية كالاتفاق على ثوابت المشروع الوطني،كما أن جزءا رئيسا من العدوان على غزة مرتبط بوجود حركة حماس ومشروعها الإسلامي ذي الامتدادات الخارجية وهو ما أظهر الصراع والقتال في غزة وكأنه صراع بين إسرائيل ومن يطلقون على أنفسهم العالم الحر وأنظمة ذات علاقات متوترة مع الإسلاميين من جانب ومشروع الإسلام السياسي وخصوصا حركة الإخوان المسلمين من جانب آخر ،وضمن هذا الصراع غابت فلسطين و المشروع الوطني الفلسطيني.

عندما كان المشروع الوطني واحدا موحدا في إطار منظمة التحرير الفلسطينية وكان مشروع حركة تحرر وطني حققت القضية الوطنية إنجازاتها الرئيسية، حيث انتقلت القضية من قضية لاجئين إلى قضية شعب يناضل من اجل الاستقلال واعترف العالم بالمنظمة ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني وكان هناك إجماع وطني وقومي ودولي حول القضية الفلسطينية،وكانت التعددية السياسية تمَارَس ضمن إطار المشروع الوطني والإستراتيجية السياسية والعسكرية التي تحكمه،حتى الانشقاقات والخلافات التي شهدنها المنظمة و فصائلها الرئيسة – فتح والجبهة الشعبية-كانت ضمن إطار المشروع الوطني وثوابته ومرجعياته،ولم تتمكن محاولات الدول العربية والإقليمية والإسرائيلية من تشكيل قوى سياسية بديلا للمشروع الوطني-شكلت سوريا والعراق جبهات تابعة وممولة من طرفها كمنظمة الصاعقة وجبهة التحرير العربية إلا أن هذه الفصائل لم تتمكن من شق طريقها وتثبيت وجودها إلا في إطار منظمة التحرير وبرنامجها السياسي وحاولت إسرائيل تشكيل رابطة القرى وفشلت-. التحدي الرئيس الذي تعرض له المشروع الوطني من خارجه هو ظهور حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة الجهاد الإسلامي بمرجعيات ورؤى متعارضة مع المشروع الوطني بمحدداته الثقافية والهوياتية والسياسية والأيديولوجية وارتباطاته الخارجية،أما التحدي والخطر الداخلي فيكمن بظهور اجتهادات وتوجهات سياسية من داخل القائلين بالمشروع الوطني أسقطت عن المشروع الوطني طابعه التحرري الوطني وعملت لتحويله لسلطة متصالحة مع الاحتلال.

إذن بعد أكثر من أربعة عقود من تأسيسه فإن المشروع الوطني يعيش مأزقا حقيقيا بل تهديدا وجوديا، ليس فقط لمناعة نقيضه وعدوه الاستراتيجي المشروع الصهيوني ودولة إسرائيل بل بسبب تحديات من داخل الحالة السياسية الفلسطينية ومن داخل المشروع الوطني ذاته.أن يأتي الخطر والتهديد من إسرائيل وسياستها الاستعمارية والاستيطانية أمر مفهوم لان إسرائيل تدرك بأن إنجاز المشروع الوطني على أرض فلسطين سيكون على حساب المشروع الصهيوني وتطلعاته التوسعية،فأمر طبيعي أن تمارس إسرائيل كل ما فيه تدمير للمشروع الوطني بكل مكوناته،ولكن ما لا يقل خطورة هو التدمير الذاتي للمشروع الوطني  التي تمارسه النخب السياسية الفلسطينية وبعضها مستعينا بأطراف خارجية وتحت شعارات مشاريع تبدو براقة كمشروع التسوية أو المشروع الإسلامي.واليوم تنكشف فصول مؤامرة كنا تحدثنا عنها أكثر من مرة،حيث  أن إسرائيل ومعها أطراف عربية ودولية تعمل على توظيف مأزق مشروع السلام الفلسطيني ومأزق المشروع الإسلامي للإجهاض على المشروع الوطني من خلال إعادة الوصاية المصرية على القطاع أو تدويله وربط ما سيتبقى من الضفة الغربية خارج مناطق الاستيطان الإسرائيلي بالأردن أو تحويل الأردن كوطن للفلسطينيين.

مشكلة الإسلام السياسي في فلسطين وخصوصا حركة حماس انه يريد أن ينسخ تجارب الإسلام السياسي في البلدان الأخرى ويناضل لتحقيق المشروع الإسلامي دون أن يلحظ خصوصية الحالة الفلسطينية .حركة حماس تكرر تجربة القوميين والماركسيين الفلسطينيين قبل أن يوطنوا أيديولوجيتهم،توطين القوميين والاشتراكيين الفلسطينيين لفكرهم السياسي ولأيديولوجيتهم والتفافهم حول المشروع الوطني متجسدا بمنظمة التحرير لم يعن تخليا عن البعد القومي أو تخليا عن قيم الاشتراكية بل إدراكا منهم بخصوصية الحالة الفلسطينية وإعادة ترتيب الأولويات حيث تلمسوا الخطر المباشر المُحدق بفلسطين وعدم إبداء الأحزاب والقوى القومية والاشتراكية اهتماما كافيا بهذا الخطر حيث اعتبرت تحرير فلسطين والاشتباك مع إسرائيل قضايا مؤجلة إلى ما بعد تحقيق الوحدة العربية أو بعد انهيار الرأسمالية و نشر الاشتراكية في العالم الخ،ومن هنا كان المشروع الوطني التحرري قاسما مشتركا لجميع الفلسطينيين بغض النظر عن الايدولوجيا التي يعتنقونها.

لم يعد مجالا للشك بان حركة حماس  أصبحت بنظر كثيرين امتداد لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين  و مشروعها السياسي في غزة مشروع الإخوان المسلمين  الذي يُغلب متطلبات هذا المشروع على أي مشاريع أخرى بما فيها المشروع الوطني والدولة الوطنية وباتت قيادتها وكأنها وكيل سياسي لجماعة الإخوان .هذا لا يعني تجاهل البعد الديني للصراع مع العدو وللمشروع الوطني فكما أن العدو يوظف الدين ويحشد يهود العالم ومعهم اليمين المسيحي لدعم مشروعه الصهيوني ألاحتلالي غير الشرعي فيجب على الفلسطينيين استحضار البعد الديني في الصراع مع إسرائيل وجماعة الإخوان المسلمين جزء أصيل في الإسلام السياسي وفي المجتمع العربي ،ولكن الأمر يتعلق بالأولويات وهي الأخذ بخصوصية الحالة الفلسطينية وأهمية إقامة الدولة الوطنية كنقيض للمشروع الصهيوني،حيث الخشية أن يضيع ما تبقى من ارض الوطن إن انشغل الفلسطينيون بالمشروع الإسلامي واختلاطه بالمحاور الخارجية أو انشغلوا بالجري وراء سراب مفاوضات عبثية خارج إطار التوافق الوطني ،وهذا يعني تحرير المشروع الوطني من مستنقع المفاوضات  القائمة اليوم ومن كل وصاية أو تدخلات خارجية سواء كانت باسم الدين أو باسم الممانعة.

المتتبع لمجريات الأحداث ومنطوق التصريحات سيلمس أن تقاطعا غير مقصود يحدث ما بين المخطط الصهيوني لفصل القطاع عن الضفة وبالتالي تدمير المشروع الوطني من جهة ورغبة حركة حماس والإخوان المسلمين بإقامة إمارة إسلامية على ما هو متاح من فلسطين أي في قطاع غزة من جهة أخرى ،هذه النتيجة التي  تعتبرها حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين نصرا و قاعدة ومنطلق لتأسيس المشروع الإسلامي،ينظر إليها القائلون بالمشروع  الوطني كتهديد لهذا المشروع.اختزال حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي القضية الفلسطينية ومشكلة قطاع غزة برفع الحصار عن القطاع  وفتح معبر رفح،إن كان سيؤدي من وجهة نظرهم لإقامة إمارة أو دولة في القطاع تكون بمثابة الإقليم /القاعدة لمشروع جماعة الإخوان المسلمين الذي يحلمون به منذ سبعين سنة،فإنه سيؤدي بالمقابل لتكريس فصل غزة عن الضفة وإنهاء المشروع الوطني،وهذا ما أدى لالتباس مفهوم النصر والهزيمة في العدوان على غزة ما بين الحسابات الحزبية والحسابات الوطنية، فلا يُعقل أن يتم تدمير مشروع وطني فيما تتحدث أحزب عن تحقيق انتصارات .وللأسف فإن قوى الممانعة بما فيها الإسلام السياسي تصادر حق الشعب الفلسطيني في وطن ودولة فيما هي تعمل من خلال دول وطنية بل وتوظف الدين والايدولوجيا ومعاناة الشعب الفلسطيني لدعم دولها وأنظمتها  الوطنية.

وفي الختام نقول لقد نمت محاصرة ثم محاولة تدمير المشروع الوطني عندما حاول البعض تحويله لسلطة حكم ذاتي محدود ثم تحولت السلطة من سلطة مؤقتة لسلطة دائمة عندما انتهت المرحلة الانتقالية في مايو 1999 ،وكان هذا التاريخ بالضبط هو بداية انهيار المشروع الوطني فبعد هذا التاريخ كانت الانتفاضة ثم اجتياح الضفة ومحاصرة المقاطعة وقُتل الرئيس أبو عمار الذي حاول لأخر لحظة في حياته أن يوفِق ما بين السلطة وحركة التحرير فتغلبت السلطة على حركة التحرير.واليوم مع تحول حركة حماس لحكومة وسلطة مع استمرار حديثها عن المقاومة والجهاد وعدم الاعتراف بإسرائيل خارج إطار مشروع وطني تحرري وإستراتيجية عمل وطني نخشى ألا يكون مصيرها أفضل من مصير حركة فتح ومشروعها الوطني في عهد أبو عمار. العدوان الصهيوني على القطاع وعجز الحالة الرسمية الإسلامية والعربية عن فعل شيء لحماية الشعب الفلسطيني رسالة واضحة لا تختلف عن الرسالة التي وجهها العدو للرئيس أبو عمار عندما اجتاح الضفة في فبراير 2002 وارتكب مجازر ومارس تدميرا،وبالتالي فالعودة للمشروع الوطني التحرري من خلال مصالحة تبدأ بتشكيل حكومة وحدة وطنية هو الحل الأنسب الآن للكل الوطني ولمواجهة نتائج العدوان الأخير على غزة والاعتداءات القادمة سواء على غزة أو على الضفة،حكومة تعترف لحركة حماس التي انتخبها الشعب كحركة سياسية فلسطينية بمركزية حضورها في المجتمع الفلسطيني وفي النظام السياسي الفلسطيني وتعترف لقوى العمل الوطني بدورها النضالي العسكري والسياسي طوال أكثر من أربعين عام حيث أسست المشروع الوطني وحمت القضية من الضياع وثبتت وجودها دوليا،ونتمنى على حركة حماس الفلسطينية وعلى كل القوى الوطنية أن تقرأ جيدا مجريات المواجهات العسكرية ونتائجها ومواقف مختلف الأطراف العربية والدولية بعيدا عن المكابرة وبتحرر من الشعارات والعواطف والوعود التي تعَوَّد عليها الشعب طوال ستين عاما،العدوان على غزة كشف حدود التحركات الشعبية وحدود ما تسمى قوى الممانعة وقمة الدوحة كانت خير دليل.من يراهن على غير شعبه سيدمر ذاته ويخسر شعبه  .

 

الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق