تقرير بيكر-هاملتون :تلميحات إيجابية ولكن يجب عدم المراهنة عليه

25 يناير 2017آخر تحديث :
تقرير بيكر-هاملتون :تلميحات إيجابية ولكن يجب عدم المراهنة عليه

وأخيرا صدر تقرير لجنة بيكر -هاملتون وهي اللجنة التي أُسست بقانون من الكونغرس في مارس 2005،حيث كان الجدل محتدما حول الوجود الأمريكي في العراق وخصوصا مع تصاعد الانتقادات للممارسات غير الإنسانية التي يتعرض لها المعتقلون و المدنيون العراقيون نتيجة الحرب الدائرة هناك،ومن هنا حدد المشرعون للجنة هدفا واضحا يتمثل في “إعطاء تقييم متبصر للحالة الراهنة والمستقبلية في العراق، بما في ذلك تقديم الاقتراحات والمشورة بخصوص الموضوع”.إذن فإن تشكيل اللجنة كان نتيجة امتعاض ونقد لممارسات الجيش الأمريكي وتدهور الأوضاع الأمنية في العراق والسمعة السيئة التي بدأت تروج عن ممارسات الجيش والإدارة التابعة له وهو ما اعتبره نواب في الكونجرس الأمريكي بمثابة إهانة لهيبة وسمعة الأمة .
بالرغم من أهمية موقع معدي التقرير وهما جيمس بيكر ولي هاملتون إلا أن المهمة التي أسندت لهما كانت أقرب إلى محاولة لتهدئة المشاعر وسحب البساط من تحت إقدام المنتقدين لممارسات الجيش الأمريكي أكثر مما كانت مهمة جادة لتغيير الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط وحتى في العراق ، فللجنة وتقريرها دور استشاري فقط يمكن للرئيس بوش أن يأخذ به أو لا ،وقد ذكر الرئيس بوش تعقيبا له على التقرير وفي مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء البريطاني بلير أن التقرير يستحق الاهتمام ولكنه غير ملزم ،أيضا يجب التنويه إلا أن القضايا الإستراتيجية للدول جميعها ،فبالأحرى الدول العظمى، لا يُعلن عنها في تقارير تناقش أمام الفضائيات وفي مؤتمرات صحفية وحتى في الجلسات العلنية للمؤسسة التشريعية أو التنفيذية ،فهناك أمور على درجة من السرية والخطورة لا يطلع عليها إلا قلة من أصحاب القرار ،وعليه عندما يقول الرئيس بوش إن ما جاء به التقرير غير ملزم للإدارة الأمريكية فهو يقصد ما يقول ويمكن الزعم بان معدي التقرير أنفسهم يدركون ذلك .
وبالرغم من أن كثيرا مما ورد في التقرير كان متوقعا وتحدث عنه المهتمون بالأمر قبل صدور التقرير رسميا ،وبالرغم من أهمية التلميحات الواردة فيه سواء فيما يتعلق بالوضع بالعراق أو فلسطين إلا ان هناك مبالغة من البعض في ساحتنا العربية والإسلامية في قراءة التقرير بل وصل الأمر بالبعض للحديث عن أن التقرير هو إعلان واعتراف بفشل الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط ،وما على العرب والمسلمين إلا رفع رايات النصر على الشرفات والخروج للشارع في مظاهرات عارمة فرحا بالهزيمة النكراء التي اعترفت بها أمريكا بعد طول مكابرة !. ولنعد لمضمون التقرير وباختصار لا يخل بالجوهر ،فبالنسبة للوضع في العراق والذي هو الموضوع الرئيسي للتقرير فالتقرير لا يشكك ولا يثير شرعية العدوان على العراق ولا يحمل المسؤولية عن مقتل حوالي مليون عراقي للقتلة الحقيقيين ،ولا يقول صراحة من المسئول عن نهب ملايير الدولارات وتفتيت البلد طائفيا وعرقيا ،نعم إنه ينتقد الحكومة الحالية ويقول برفض تقسيم العراق ولكنه لا يقول صراحة من هم المسئولون عن صيرورة الأوضاع على خلاف ذلك. وعندما يطالب بإعادة انتشار الجيش الأمريكي في حدود سنة 2008 فإنه ينصح بترك 20000 ألف فقط من المارينز! ،أليس هذا العدد هو جيش احتلال وستكون مهمته حماية حكومة خاضعة بالمطلق لأمريكا ؟.وحتى لو انسحبت كل الجيوش الأمريكية ومن يتحالف معها من العراق ،فهل العراق المتروك سيكون أفضل حالا من عراق ما قبل الغزو سواء تعلق الأمر بوحدة الدولة أو بالوضع الاقتصادي أو الوضع الأمني ؟ وهل خروج الجيش من العراق حسب تصور التقرير يعني هزيمة الإستراتيجية والمصالح الأمريكية في ذلك البلد؟..
أيضا فالتواجد العسكري الأمريكي لا يقتصر على العراق بالرغم من أن القوة الرئيسية متمركزة هناك فماذا بالنسبة للقواعد الأمريكية المنتشرة في الخليج العربي وغيرها من دول المنطقة وعشرات الاتفاقات الأمنية ،هذا ما لم يتطرق إليه التقرير ،لأن التقرير يريد خدمة الإستراتيجية الأمريكية وترسيخ المصالح الأمريكية في المنطقة وليس المس بهذه الإستراتيجية والمصالح ،ربما بخروج قوات التحالف من العراق سينتهي الاحتلال العنيف والدموي للعراق ولكن ستستمر القواعد العسكرية في الخليج العربي وستكون الذريعة في هذه الحالة هو التهديد الجديد من إيران الشيعية الفارسية.
أما بالنسبة لإشراك إيران وسوريا في الحوارات بشان العراق ،فقبل أن يقدم التقرير نصيحته فقد حاولت الإدارة الأمريكية فعل ذلك بل نجحت في إحراز تقدم بعضه معروف وهناك أمور غير معروفة لأنها تدخل في القضايا الإستراتيجية الأمنية التي تتوافق كل الأطراف على عدم التصريح بها ،فبالنسبة لإيران فهناك تواطؤ غير معلن بدأ منذ 1990 بين إيران وأمريكا على تدمير العراق كدولة موحدة ذات هوية عربية إسلامية ،وأعظم إنجاز مشترك للبلدين هو تفجير الصراع الطائفي بين السنة والشيعة سواء في العراق أو لبنان وهو الصراع الذي يخدم إيران بقدر ما يخدم الإستراتيجية الأمريكية الساعية لبلقنة وتفتيت المنطقة العربية . بالنسبة لسوريا وبالرغم مما يبدو على السطح من علاقات غير ودية بين البلدين ،وهي كذلك بالنسبة لبعض القضايا، إلا أن تفاهمات واتفاقات موقعة بين البلدين وجدت لها تطبيقا على الأرض فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب وضبط الحدود العراقية السورية،ونعتقد أن الإستراتيجية الأمريكية تحتاج لهاتين الدولتين كأعداء أكثر مما تحتاج لهما كحلفاء أو أصدقاء .إلا أن أخطر ما نستنتجه من مطالبة معدي التقرير بإشراك دول الجوار بالمفاوضات حول العراق هو تحميل هذه الدول وخصوصا إيران وسوريا مسؤولية ما يجري بالعراق بدلا من تحميل النخبة السياسية العراقية والجيش الأمريكي هذه المسؤولية ،فعند القول بان مشاركة هذه الدول سيحل المشكلة أو يساعد على حلها فهذا يعني أنها السبب في عدم حل المشكلة.
أما بخصوص القضية الفلسطينية فإن إشارة التقرير لتداخل المشاكل في المنطقة هو أمر إيجابي لأنه اعتراف بأنه ما لم تحل القضية الفلسطينية حلا عادلا فلن تعرف المنطقة الهدوء والاستقرار ،فتذكير التقرير بمؤتمر مدريد وقراري 242 و 338 وبمشكلة ألاجئين الفلسطينيين ومطالبته بعقد مؤتمر دولي للسلام إنما يبلغ رسالة لإسرائيل وللإدارة الأمريكية التي تدعمها دون تحفظ ،بأن الحلول القائمة على التصرف المنفرد من إسرائيل والزعم بغياب شريك للسلام أو التلاعب بالمسارات كلها أمور لا تخدم الاستقرار بالمنطقة .إلا أن هذا الجانب من التقرير وإن كان يتوافق مع تحركات أوروبية في هذا الاتجاه إلا أن صدور التقرير تزامن مع بداية نهاية حكم بوش وربما الحزب الجمهوري والاستعداد للانتخابات مما يجعل المرشحين من الحزبين خاضعين لأصوات اليهود ولضغوط اللوبي الصهيوني واليمين الأمريكي الداعم لإسرائيل ،كما أن الحزب الديمقراطي المرشح للفوز له مواقف أكثر تأييدا لإسرائيل ورفضا للحقوق الفلسطينية المشروعة حتى في إطار الشرعية الدولية .
نخلص للقول إن علينا قراءة تقرير بيكر –هاملتون بتمعن ولكن يجب علينا أكثر من ذلك قراءة وفهم العقلية السياسية الأمريكية وآليات اشتغال النظام السياسي الأمريكي
،وإدراك الأبعاد الحقيقية لتشكيل اللجنة ولتقرير اللجنة ، التقرير في رأينا لا يستحق كل هذه الضجة التي أثيرت حوله وهي ضجة لا تفيد المتضررين من السياسة الأمريكية بقدر ما تخدم السياسة الأمريكية حيث تضفي طابعا أخلاقيا عليها بالزعم بان الأمريكيين يرفضون الخطأ وإنهم يتداركونه ولديهم استعداد لتصحيحه ولكن ضمن نفس الإدارة والإستراتيجية الكلية،أو بمعنى آخر يريد القول بأنه حتى لو كانت الإدارة الأمريكية هي المسئولة عن الأخطاء فهي أيضا المسئولة عن تصحيح هذه الأخطاء ، ،ونعتقد انه بعد أيام أو أسابيع على أبعد تقدير سينسى الجميع التقرير وتبقى الوقائع على الأرض كما هي مع تغيرات طفيفة،وهنا يجب التذكير بتقرير ميتشل عام 2001حول الصراع العربي الإسرائيلي وما آل إليه .

12-12-2006

 

الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق