حوار مع سارة رمضان من جريدة الأهرام المصرية عقب فوز مرسي
– كيف تقيّم المرحلة التي تعيشها مصر الآن؟
تمر مصر بمرحلة انتقالية مرت بها كل الثورات عبر التاريخ،فهناك دائما مرحلة ما بين خروج الناس إلى الشارع وإسقاط رموز النظام القائم وبين بناء نظام وحالة سياسية جديدة بديلا عما أسقطته الثورة،وهذه المرحلة الانتقالية قد تطول وقد تَقصُر حسب درجة تدخل القوى الخارجية من جانب وتماسك ووحدة قوى الثورة من جانب آخر.ونعتقد أنه حدث قطع لهذه المرحلة الانتقالية للثورة أو تحول في مسارها بعد أشهر قليلة من اندلاعها عندما حدث شكل من التفاهم أو التسوية السياسية بين بعض مكونات الثورة –جماعة الإخوان المسلمين – و المؤسسة العسكرية ،وهو تفاهم دشن لمرحلة من التحول الإصلاحي أو تحويل الثورة لثورة إصلاحية تفسح المجال لاستمرارية عمل مؤسسات من العهد السابق ونوع من الشراكة السياسية المرحلية،وهذا ما لمسناه من خلال خطاب محمد مرسي بعد إعلان النتائج رسميا.كما نعتقد أنه سيكون للمؤسسة العسكرية دور مهما خلال المرحلة المقبلة .وإن كان الطابع الإصلاحي وليس التغيير الثوري الجذري هو ما سيحكم مسار الأحداث إلا أن صعود قوى الإسلام السياسي بشكل غير مسبوق سيؤثر على مسار المرحلة الانتقالية حيث سيزيد المشهد إرباكا وسيؤثر على مستقبل النظام السياسي،وفي جميع الحالات فإن مصر ما بعد 25 يناير لن تكون قبلها .
– وما تداعيات ما حدث من تغير علي المنطقة العربية بأسرها؟
مع أن مفهوم العالم العربي أو المنطقة العربية ليس ما كان خلال العقود الثلاثة التي أعقبت الاستقلال الوطني،وحيث أننا نشهد غلبة البعد الأيديولوجي الديني على البعد القومي في توصيف المنطقة ،إلا انه عبر التاريخ كنت المنطقة العربية تتأثر بما يجري في مصر،فثورة يوليو 52 أثرت على مجمل المنطقة العربية فبعد تسلم ناصر الحكم في 54 انتشر الفكر القومي والتحرري وأصبحت الناصرية أيديولوجية عربية وليس فقط مصرية،كما أصبحت مصر مركز قيادة الأمة العربية.مع توقيع السادات اتفاقية كامب ديفيد وخروجها من ساحة المواجهة مع إسرائيل انتكست الأمة العربية وتراجع الفكر القومي والتحرري العربي.وفي عهد مبارك ومع ضعف مصر داخليا تراجعت مكانة مصر عربيا وزادت الحالة العربية سوءا مما سمح بدول قزمة لتتنطع لقيادة المنطقة وتوجيه مسارها.هذا يؤكد أن نهوض مصر يعني نهوض الأمة العربية ونكستها نكسة للعرب،واليوم
ومع استلام الشعب المصري زمام المبادرة داخليا من خلال انتخابات حبست أنفاس العالم ،فإن مصر الجديدة وبعد التخلص من العقبات الداخلية سترد الاعتبار لمصر وستؤثر على مجمل الحالة العربية،ولكن علينا الانتظار لنرى ما ستئول إليه الأمور بين الرئيس الجديد وجماعة الإخوان المسلمين من جانب والمجلس العسكري والأجهزة الأمنية والنخب والقوى السياسية الليبرالية من جانب آخر،وقدرة الإخوان المسلمين على الحفاظ على ثوابت الدولة المصرية واستقرارها،لأن استقرار مصر وقوتها ما بعد الثورة هو الذي سيحدد تأثير الثورة المصرية على العالم العربي سلبا أو إيجابا.
– وما تأثير ذلك الحدث علي مسار القضية الفلسطينية؟
تاريخيا تتأثر القضية الفلسطينية بما يجري في مصر،وسيكون ولا شك تأثير لفوز مرسي على الفلسطينيين لعدة اعتبارات :أولها العامل الجغرافي والجواري وخصوصا مع غزة،وثانيهما ألإيديولوجية الدينية للرئيس الجديد من حيث أنه نفس إيديولوجية حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة،وثالثهما الأمن القومي ونظرة الإخوان المسلمين لإسرائيل وللغرب. ومع أن مرسي أرسل رسائل تطمينات في خطابه بعد الفوز من خلال تأكيده التمسك بالاتفاقات الموقعة دوليا وبالشرعية الدولية إلا أن ضغوطا داخلية قد تدفعه للتميز عن سابقه في التعامل مع القضية الفلسطينية. وفي هذا السياق نتوقع التداعيات التالية لفوز مرسي :
أولا:سيولي الرئيس مرسي اهتمام بتحريك ملف المصالحة وربما يجتمع بكل من الرئيس أبو مازن والسيد خالد مشعل ليترك بصمته على المصالحة الفلسطينية،وسيحث الطرفين لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه ،وسيحاول أن يبدو متوازنا في العلاقة بين الطرفين .
ثانيا:سيعمل الرئيس مرسي على تحسين الحالة المعيشة والإنسانية في قطاع غزة من خلال تحسين العمل على معبر رفح وتخفيف مشكلة الكهرباء والوقود ، ووضع حد لظاهرة الأنفاق.
ثالثا سيتم الارتقاء بعلاقة مصر مع حماس لدرجة أقوى من السابق وقد يصبح لحماس مكتب تمثيل في القاهرة أو حتى نقل مقرها الرسمي إلى القاهرة.
رابعا:مع أنه من المفترض أن سعي مرسي لرفع الحصار وتفعيل المصالحة سيدعم مسالة المصالحة وإعادة بناء البيت الفلسطيني ،إلا أن ما نخشاه أن كل مسعى لتطوير علاقة مصر مع حركة حماس ورفع قيود تنقل الأشخاص والبضائع عبر معبر رفح البري، سيدفع تيارا نافذا من حركة حماس في غزة نحو مزيد من التشدد في ملف المصالحة،وبالتالي فإن ما نخشاه أن ينجح مسعى الرئيس مرسي بإنهاء الحصار البري على غزة ويتعثر مسعى المصالحة.
خامسا:بعد تشكيل مرسي لحكومة موالية وبعد حل إشكال المؤسسة التشريعية لصالح الإخوان،فإن هذا قد يؤثر على سياسة جامعة الدول العربية ولجنة المتابعة العربية من القضية الفلسطينية.
سادسا:سيصبح التصعيد أو التهدئة على حدود القطاع مع إسرائيل خاضعا لاعتبارات تتعلق بتطور العلاقة بين مصر الجديدة وإسرائيل ،وربما يلجأ الطرفان لاستعمال قطاع غزة كميدان اختبار لجس نوايا كل طرف أو للضغط عليه.
سابعا: قد تتطور الأمور إلى الأسوأ أمنيا وعسكريا في شمال سيناء لاعتبارات تتعلق بصراعات مراكز القوى داخل مصر من جانب وبمخططات إسرائيلية من جانب آخر،وهو الأمر الذي قد يدفع إسرائيل لتوظيف الحالة الأمنية في سيناء لتبرير تصعيدها عسكريا في قطاع غزة وربما في سيناء ،والسيناريو الأسوأ في هذا السياق أن تقوم إسرائيل في حالة وجود مؤشرات على تحول في سياسة مصر تجاه إسرائيل،بحرب استباقية محدودة في سيناء تخلط من خلالها الأوراق وتفرض أمرا واقعا يجبر مصر على ربط قطاع غزة بشمال سيناء ضمن صيغة ما،وقد تحدثت مراكز دراسات إستراتيجية إسرائيلية عن مثل هكذا مخطط.
ثامنا:حتى مع توفر الإرادة عند الرئيس مرسي للعمل لمصلحة الفلسطينيين فإن حدودا لا يمكن لمصر تجاوزها ،فالمصالحة بمعنى إعادة توحيد غزة والضفة في سلطة وحكومة واحدة،والرفع النهائي للحصار البري والبحري والجوي على قطاع غزة، مرتبطان بمسار التسوية وبالرباعية وبأوضاع إقليمية ودولية.
– وما سر احتفالات حماس وظهور إسماعيل هنية وهو يحمل صورة الرئيس محمد مرسي.. هل لمجرد الانتماء الأيديولوجي الواحد أم أن هناك سببا آخر؟
لأن حماس تعتبر نفسها جزءا من جماعة الإخوان المسلمين ولأنها كانت تعتقد أن نظام مبارك كان معاديا لها وحليفا لإسرائيل ومنحازا للرئيس أبو مازن ،ولكن بالإضافة لذلك فإن لحماس غزة تحديدا رؤية قاصرة وجاهلة استراتيجيا حيث يعتقدون أن وصول رئيس إخواني معناه نجاح مشروع الخلافة الإسلامي الذي سيحرر فلسطين كاملة ،كما أنهم يتصورون أن مرسي سيرفع الحصار نهائيا عن غزة وسيكرس سلطة حماس إن لم يعترف بها كممثل شرعي للشعب الفلسطيني.والخشية أن يؤدي فوز رئيس إخواني لرفع سقف المراهنات عند حركة حماس مما يدفعها للتهرب من استحقاقات المصالحة الوطنية .
– ألم تتراجع حماس عن دعمها لإخوان مصر بعد ظهور الولايات المتحدة الأمريكية في الصورة وتأكيدها لدعمها النظام الإسلامي السياسي والذي بدوره سيكون حماية لإسرائيل؟
لا اعتقد ذلك لان حركة حماس سبقت إخوان مصر في تنفيذ الإستراتيجية الأمريكية التي تدعو لاستيعاب الإسلام المعتدل وتمكينه من الوصول إلى السلطة وقد حدث ذلك عام 2004 عندما قررت حماس المشاركة في الانتخابات البلدية بعد طول ممانعة ،وحدث ذلك في نفس العام الذي طرحت فيه واشنطن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يتضمن تشجيع الإسلام السياسي على المشاركة السياسية الرسمية،ثم شاركت حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006.ومنذ فوزها وهي تبحث عن منافذ لتحسين صورتها وعلاقاتها مع الغرب.
– وفي ضوء تجربة الإسلام السياسي بفلسطين ما تقييمك للمرحلة القادمة في مصر سياسيا واقتصاديا وثقافيا خاصة في ظل ارتفاع ترانيم حماية حرية الإبداع؟
مع أن العالم العربي يشهد صعودا للإسلام السياسي ووصول تيارات إسلامية إلى الحكم في أكثر من بلد من المغرب وتونس إلى العراق ومصر وفلسطين ،وبالرغم من وحدة الايدولوجيا ومن وجود شعارات ومواقف معادية للحريات بشكل عام ولحرية الإبداع ولحرية الاعتقاد ،إلا أننا نعتقد أن لكل بلد خصوصية ،وإن كانت تجربة حركة حماس في غزة أعطت نموذجا غير مشجع في تعاملها مع الحريات وبناء مؤسسات حداثية ومدنية ،إلا أن مصر ليست غزة ،وتونس ليست غزة الخ .فقوة مؤسسات الدولة المصرية المدنية ومؤسسات المجتمع المدني والكم الهائل من المفكرين والمثقفين ،كل ذلك يشكل حصانة تحمي الحريات في مصر وتمنع من الانزلاق لوضع شبيه لما هو في أفغانستان أو غزة. ومع ذلك فإن أصواتا ارتفعت وترتفع من بعض قيادات الإخوان ومن السلفيين تثير قلقا في مصر وفي العالم العربي – مثلا تصريحات الشاطر وغيره عن الجهاد ،وتصريحات أخرى حول الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة-. والخشية أن يحدث انفراط لتحالف قوى الثورة التي التفت حول مرسي خلال الانتخابات ،من خلال خروج السلفيين من التحالف،بل لا نستبعد انشقاق داخل جماعة الإخوان، على خلفية تعامل مرسي مع متطلبات الدولة المدنية والحريات بشكل عام،أما إن خضع الرئيس مرسي للتيارات المتشددة داخل الجماعة وعند حلفائه السلفيين فقد يحدث خروج قوى الثورة من التقدميين والوطنيين والليبراليين من التحالف مع الإخوان،وفي جميع الحالات فإن مصر ستشهد مرحلة من التوتر وعدم الاستقرار .
– ـ تعليقك علي تصريحات باقي أفراد الإخوان وأعضاء حزب الحرية والعدالة أمثال محمد البلتاجي وعصام العريان علي بعض الأمور التي من اختصاص رئيس الجمهورية والتحدث عنها أو كما أطلق عليه المصريون “كأن المصريين انتخبوا 4 رؤساء في واحد”؟
هذه إحدى المشاكل الكبيرة التي ستواجه الرئيس مرسي ومصر بشكل عام ،فبالرغم من تشكيل حزب الحرية والعدالة كحزب سياسي منفصل كما يقولون عن جماعة الإخوان،وفي أينا إنه إجراء شكلي لا يغير في شيء من سيطرة الجماعة والمرشد على مجمل أنشطة الأفراد المنتمين للجماعة ، وبالرغم من قول جماعة الإخوان المسلمين بأن مرسي لم يعد عضوا في الجماعة بعد انتخابه ،إلا أن هذا لا يُقنع احد ،لأن الانتماء ليس بطاقة عضوية بل انتماء إيديولوجي وثقافة وتربية وعهد بين العضو والجماعة ،كما أن مرسي يعرف أن الجماعة هي التي رشحته وهي التي أنجحته .ونعتقد أن مرسي سيقع في إشكالية التوفيق بين مرجعيته للجماعة وللمرشد ومرجعية الدستور والدولة إلا أن يثبت العكس. وسيبقى مرسي لفترة تحت الاختبار للتأكد إن كان سيتصرف كرئيس للمصريين أم كزعيم في جماعة إسلامية،والأصوات التي أشرتم إليها قد تسيء لمرسي وتعقد مهمة الرئاسة أمامه. ومع ذلك فإن خطابه في ميدان التحرير يوم الجمعة 29 يونيو خلق حالة من الارتياح وخصوصا عندما تحدث أنه سيعمل على أن تكون مصر دولة مدنية ديمقراطية حداثية ،والأهم من ذلك في رأيي عندما قال إن حب الوطن فريضة دينية لان هذه الجملة تتعارض مع الخطاب الديني الذي يتجاهل الوطن والوطنية .
– ألا تشعر بأنه سيكون هناك خلط في الأمور بين انتماءات سيادة الرئيس الإخوانية وبين الطبيعة الأيدولوجية لمصر؟وماذا عن اقتراحاتك للقوي السياسية في المرحلة القادمة بمصر؟
مما لا شك فيه أن مصر تدخل عهدا جديدا وغير مسبوق حيث جاء رئيس ينتمي لجماعة تشكل القوة الأولى في مصر وتطرح أيديولوجية دينية ومفاهيم الخلافة الإسلامية والدولة الدينية وتطبيق الشريعة الإسلامية، وهي إيديولوجيا تتعارض مع تاريخ الدولة المصرية وثقافتها كدولة مدنية،وهي حالة غير مسبوقة مصريا كما أنها تختلف حتى عن تجارب جماعات الإسلام السياسي الأخرى كما ذكرنا،ففي تركيا مثلا فاز حزب العدالة والتنمية في انتخابات ديمقراطية ولكن بعد فوزه لم يدعو لتغيير بنية الدولة وثوابت ومرجعيات الأمة بل مارس السلطة في سياق دولة علمانية وهذا ما أكد عليه اردوغان عندما قال أثناء زيارته لمصر إنه يمثل جماعة إسلامية تحكم في دولة علمانية وإنه يحترم ويلتزم بقوانين وثوابت هذه الدولة،وهو تصريح أثار غضب جماعة الإخوان المسلمين في مصر آنذاك.أيضا يختلف الوضع الحالي في مصر عن الوضع في المغرب حيث حصل حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي على أغلبية في الانتخابات التشريعية الأخيرة وكلفه الملك بتشكيل الحكومة ،وبالفعل شكل الحزب حكومة في ظل ثوابت ومرجعيات الدولة والنظام السياسي ولم يطرح قضايا الخلافة والدولة الدينية أو تطبيق الشريعة.
ومع ذلك لا يجوز أن نحاكم الرئيس والإخوان بعد أيام من فوز رئيس إخواني انطلاقا من شعارات وتصريحات ما قبل الانتخابات.بالرغم من التخوفات التي أشرنا إليها إلا انه يجب الانتظار لنرى قدرة الرئيس والجماعة على التعايش مع دولة ومجتمع ونخب وعالم معولم بعيدا عن الأيديولوجيا الدينية المغلقة،فربما يُبدع الإخوان المسلمون ممارسة تفاجئ الجميع من خلال تجربة تشبه التجربة التركية ،أو تجربة مبدعة لا سابق لها ،ونعتقد انه من المفيد وصول الإسلام السياسي ألإخواني للسلطة لتوضع شعاراتهم وإيديولوجيتهم على المحك العملي ،فإن تمكنوا من خلق حالة من الاستقرار وحل مشاكل الشعب المصري الاقتصادية والاجتماعية كان بها وإن فشلوا فالديمقراطية وصناديق الانتخابات كفيلة بإخراجهم من السلطة وآنذاك سيكتشف الشعب الفرق بين الشعارات والأيديولوجيات من جانب ومتطلبات السلطة والدولة من جانب آخر،وأتمنى أن تساعد القوى السياسية المُعارِضة ومؤسسات المجتمع المدني الرئيس الجديد من أجل مصر أولا وحتى لا يُقال أن سبب فشل الإخوان يعود لعدم تعاون قوى المعارضة لهم ثانيا.
وبالنسبة للقوى والتيارات الليبرالية والقومية والعلمانية أن تستوعب أن الشعب هو الذي انتخب الرئيس مرسي وقبل ذلك انتخب جماعة الإخوان بأغلبية مريحة في المؤسسة التشريعية ،وبالتالي لئن كان هناك من مشكلة فليست بجماعة الإخوان فقط بل بالقوى الليبرالية والعلمانية التي لم تستطع الوصول للشعب وتركته فريسة لأيديولوجية جماعات الإسلام السياسي .ومن هنا على هذه القوى ممارسة حقها في مراقبة ومعارضة سلوك الإخوان في إطار القانون ، ولكن في نفس الوقت عليهم العمل جماهيريا واجتماعيا وثقافيا ليكسبوا ثقة الشعب وليستعيدوا الشعب لصفهم ،فما جرى مجرد جولة من صراع سياسي طويل وليس نهاية الكون ،وعلى القوى الليبرالية والعلمانية الاستعداد لجولة قادمة من الانتخابات قد تكون في موعدها القانوني وقد تكون قبل ذلك .
– وما هي التحديات الحقيقية التي تواجهها مصر الآن في ظل ما أطلقوا عليه شهر العسل بين الإخوان العسكر؟
اعتقد انه شهر عسل لتحالف ثلاثي يجمع الإخوان والمؤسسة العسكرية والإدارة الأمريكية وبعض قوى الثورة الشبابية،ولكنه شهر عسل مضطرب لأنه مؤسَس على توافق مصالح مؤقتة وبالتالي قد ينفرط عقد التحالف في أية لحظة .وفي رأيي أن أهم التحديات التي ستواجه مصر، بعد حسم قضية الدستور والمؤسسة التشريعية،لها طابع أمني داخلي و خارجي وخصوصا في الجبهة الجنوبية مع إسرائيل،والتحدي الثاني اقتصادي وهو تحدي على مستوى النهوض باقتصاد مصر من جانب وصراع بين النخب الاقتصادية والمالية القديمة ونخب اقتصادية ومالية تابعة للإسلام السياسي حيث ستسعى النخب الاقتصادية لجماعات الإسلام السياسي للهيمنة على مفاصل الاقتصاد المصري التي ما زالت بيد نخب تنتمي للنظام القديم وللمؤسسة العسكرية،ويجب أن لا نستهن بهذا الصراع ،واستقرار مصر في المرحلة القادمة سيكون مرتبطا بهذين التحديين.
– وما هي طبيعة العلاقات الخارجية بين الإخوان والعالم الغربي؟
تاريخيا لم تكن الجماعة في علاقة صدامية مع الغرب، فنشأتها لم تكن بعيدة عن رغبات السياسة البريطانية ولاحقا فإن قيادات الإخوان كانت تمارس عملها في عواصم الغرب بحرية ،والغرب معني بدعم الإسلام السياسي المعتدل وعنوانه الإخوان المسلمين، لمواجهة الإسلام السياسي المتطرف كالقاعدة ،ونلاحظ أن صعود الإسلام السياسي المعتدل جاء متواكبا مع ضرب الإسلام السياسي المتطرف،بل يمكن القول إن ثمن دعم الغرب للإسلام المعتدل هو عمل هذا الأخير على محاصرة وضرب الإسلام السياسي المتطرف.ومن جهة أخري فإن جماعة الإخوان لا تطرح برامج اقتصادية أو سياسية متعارضة مع نهج الغرب ومصالحه،وتجربتهم في العراق وتركيا والمغرب وتونس تدل على قوة العلاقة بين الطرفين.وقد استمعنا لخطاب مرسي بعد الفوز وما تضمنه من تطمينات للعالم وللغرب وحتى لإسرائيل.وعلينا دائما التذكر بأنه سياسة الغرب وخصوصا واشنطن تقوم على قاعدة (لا توجد عداوات دائمة ولا صداقات دائمة بل مصالح دائمة) وهذا يعني أن العلاقة بين الطرفين قد تعرف شدا وجذبا مستقبلا حسب المصالح.
ومن جهة أخرى لا نعتقد أن دعم الغرب للإسلام السياسي المعتدل وتشجيعه على المشاركة في الحياة السياسية الرسمية من خلال صناديق الانتخابات يهدف إلى تكريس النهج الديمقراطي والاستقرار في العالم العربي،بل في ظني أن هدف الغرب بالإضافة إلى ما أشرنا إليه أعلاه ،هو خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار أو ما عبرته عنه الإستراتيجية الأمريكية الجديدة وعلى لسان مفكريها وسياسييها (الفوضى الخلاقة) التي ستعمل على هدم العالم العربي جيوسياسيا وإعادة بناءه مجددا بما يخدم الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة وإسرائيل.
– مصر تحمل الآن عددا من الأيديولوجيات المتصارعة بين إخوان وسلفيين وبعض الشيعة والصوفيين وليبراليين وأقباط وعلمانيين.. الخ.. هل تعتقد أن يتحول هذا الصراع لإثراء حضاري مختلف ينعكس علي المنطقة أم بداية للتحول إلي تقسيمات تؤكد مشروع تقسيم مصر؟
من حيث المبدأ فالتعددية الحزبية والسياسية حتى الثقافية ظاهرة إيجابية بل شرط من شروط نهضة الأمم لأنها رديف الديمقراطية ونقيض الاستبداد والدكتاتورية،ولكن المهم أن تكون التعددية في إطار الوحدة ،وحدة الثوابت والمرجعيات الوطنية. هذه التيارات والقوى موجودة تاريخيا في مصر ولكن الجديد أن ظروفا دولية بالإضافة لأخطاء النظام السابق أوجدت ثقافة ومناخا سياسيا ساعدا جماعات الإسلام السياسي على ركوب موجة ثورة شعبية للوصول لمراكز القرار، وهذا أمر ليس سيئ بحد ذاته ولكن السيئ عندما تشكك بعض القوى بما يعتبر ثوابت ومرتكزات الدولة المدنية المصرية.مصر الآن تمر بتجربة ومخاض مفتوح على كل الاحتمالات ولكننا لا نعتقد أن مصر مهددة بوحدتها الجغرافية لأن الدولة المصرية حافظت على وحدتها عبر التاريخ وهي غير قابلة للقسمة، والمؤسسة العسكرية المتماسكة ضمان وحدة الدولة المصرية وقد لاحظنا أن الانقسام الاجتماعي والسياسي لم يؤثر على تماسك المؤسسة العسكرية التي لم تشهد أية انشقاقات أو حالات تمرد حتى وإن كانت فردية ،على عكس ما عرفته المؤسسة العسكرية في الدول الأخرى التي شهدت ثورات أو تحركات شعبية،ونتمنى أن لا تعمل جماعات الإسلام السياسي على التغلغل داخل المؤسسة العسكرية لتقسيمها أو ادلجتها .
الحالة الوحيدة المقلقة والتي يجب الانتباه لها هي وضع شبه جزيرة سيناء،حيث حالة من الانفلات الأمني تسود المنطقة، وحالة من ضعف العلاقة بين المنطقة والمركز كانت موجودة تاريخيا ولكنها تزايدت في السنوات الأخيرة،وجاءت الأحداث الأخيرة في مصر والمنطقة لتزيد الوضع إرباكا ،واليوم تستغل إسرائيل الوضع الأمني في سيناء لتعمل على تهيئة الظروف لمخطط استراتيجي صهيوني قديم يرمي لخلط الأوراق في سيناء وقطاع غزة ومحاولة دفع القطاع نحو سيناء ضمن صيغة ستحددها تحركات عسكرية إسرائيلية محتملة .
أ-د/ إبراهيم أبراش
29 حزيران 2012