ابراهيم ابراش: حكومة فياض لا تمثل المشروع الوطني وحماس لا تملك مشروعا وطنيا والقضية الفلسطينية يتم تصفيتها
اكد ان حركة المقاومة الاسلامية ليست مؤهلة ولا يمكن المراهنة عليها ولا يكفي إرضاء بعض وجهاء فتح بمنح مواقع وظيفية لأتباعهم
10/09/2008
رام الله- ‘القدس العربي’ من وليد عوض:أكد الدكتور إبراهيم أبراش، وزير الثقافة الفلسطيني المستقيل من حكومة تسيير الأعمال الفلسطينية برئاسة الدكتور سلام فياض، بأن الحكومة الأخيرة شرعيتها غير كاملة ولا تمثل المشروع الوطني الفلسطيني في حين ان حكومة حماس في قطاع غزة لا تمثل المشروع الوطني وليس لها مشروع وطني، بل توظف قضايا وطنية في مشروعها الإسلامي المرتبط مع جماعة الإخوان المسلمين.
ووجه ابراش الذي عاد الى قطاع غزة بعد تقديم استقالته من حكومة تسيير الاعمال لعدم شرعيتها من وجهة نظره انتقادا شديدا لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية واتهمها بالتخاذل والعجز لاكتفائها بدور المتفرج على تواصل الانقسام الفلسطيني ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
وجاءت أقول الدكتور ابراش الذي يدرس العلوم السياسية في جامعة الازهر بقطاع غزة حاليا وبات طريد السلطتين في رام الله وقطاع غزة في حوار صحافي مع ‘القدس العربي’ فيما يلي نصه:
ـ دكتور ابراهيم ابراش، كنت وزيرا للثقافة في حكومة تسيير الأعمال وقدمت استقالتك وعدت الى قطاع غزة في ظل حكومة فلسطينية مقالة كيف تنظر الى الحكومتين؟
ـ للأسف نحن نعيش حالة سياسية مرضية خطيرة، فهناك حكومتان وسلطتان في الضفة الغربية وقطاع غزة وأسوأ ما في الأمر أنهما حكومتان متصارعتان وكل منهما تخوّن الأخرى رغم أننا نمر في مرحلة دقيقة يتم فيها تنفيذ مخطط لتصفية المشروع الوطني والقضية الوطنية.
ـ ولكن اي الحكومتين شرعية من وجهة نظرك؟
ـ لا شرعية لحكومة لا تمثل كل الوطن والشعب، هناك نقص في مستوى الشرعية لدى الطرفين.
ـ حتى الحكومة التي شاركت فيها كوزير للثقافة؟
ـ كان يفترض ان تكون هذه الحكومة لشهر واحد فقط – حكومة طوارئ- وبسبب عدم اجتماع المجلس التشريعي للتجديد لحكومة الطوارئ لشهر اخر تم تحويلها لحكومة تسيير اعمال، وكان متوقعا ان لا تستمر لفترة طويلة والذي جرى للأسف أنه مر عليها 14 شهرا ونلاحظ أنها ومن خلال رئيس الوزراء أصبحت تتدخل في قضايا تتجاوز حدودها من ناحية التدخل في النواحي الامنية والسياسية للشعب الفلسطيني رغم أن تلك الأمور ليست من اختصاص حكومة تسيير أعمال.
ـ هل تقصد أن هناك أجندة سياسية لحكومة تسيير الأعمال؟
ـ نعم، في بداية ظهور الدكتور سلام فياض في الحلبة السياسية قيل انه تكنقراط الا انه دخل الانتخابات التشريعية ببرنامج سياسي، والذي يدخل الانتخابات ببرنامج سياسي يملك اذا مشروعا سياسيا، وهو فعلا كذلك حيث لديه البرنامج السياسي الخاص بالطريق الثالث تلك الكتلة الانتخابية التي ترأست قائمتها الانتخابية، ولو كانت الحكومة بالفعل حكومة المشروع الوطني لما تركتها وقدمت استقالتي.
ـ ولكن حكومة تسيير الأعمال مدعومة من فصائل منظمة التحرير وخاصة حركة فتح؟
ـ أنا أقول بأنه يكفي فصائل منظمة التحرير تخاذلا، فتلك الفصائل تقف موقف المتفرج على حالة الانقسام المتواصلة، بل إن بعضها رفض المشاركة بحكومة الوحدة الوطنية التي سبقت الانقلاب. وهذه القوى تقول انها لا تشارك في الحكومتين وبالتالي تبرئ نفسها من مسؤولية ممارسات هاتين الحكومتين وهذا الموقف هو شكل من الانتهازية السياسية المرفوضة، فإذا كانت هذه القوى تدعم حكومة فياض فلماذا لا تشارك بها وتتحمل مسؤوليتها في هذه المرحلة التاريخية. نحن إذا أمام حكومة تسمى حكومة تسيير أعمال تقتصر صلاحياتها على الضفة الغربية ولا تمثل المشروع الوطني و حكومة لحماس في غزة لها مشروعها الخاص فهي توظف قضايا وطنية في مشروعها الاسلامي الذي هو امتداد لجماعة الاخوان المسلمين.
ـ ولكن حكومة تسيير الأعمال مسنودة من فصائل منظمة التحرير على اعتبار انها تمثل المشروع الوطني؟
ـ الفصائل تسند حكومة فياض من بعيد لانها لا تملك الجرأة على تحمل المسؤولية الوطنية في هذه المرحلة ولانها تعاني من مشاكل داخلية وعاجزة عن بلورة موقف موحد من القضايا المصيرية وهذه القوى استمرأت العيش على الهامش ولعب دور المعارضة الصوتية والشكلية. حكومة الدكتور فياض لا تمثل المشروع الوطني بسبب غياب فصائل منظمة التحرير عنها وعدم المشاركة فيها، فاذا كانت حكومة تسيير الأعمال هي حكومة المشروع الوطني فلتتفضل فصائل المنظمة وتشارك بها وبالتالي نكون أمام تحالف وطني يمكنه ان يحرج حكومة حركة حماس.أعتقد بأن التركيبة الحالية لبنية النظام السياسي ترضي جميع الأطراف السياسية لأنها وضعية ملتبسة تُمكّن كل طرف بأن يقول بأنه مع المشروع الوطني ومتمسك بالثوابت وفي نفس الوقت يتهرب من تحمل المسؤولية عن الوضع المتردي سواء كان الفشل في مواجهة الاستيطان والاحتلال أو الفشل في التعامل مع ملف الانقسام الداخلي. أنا أقول بأنه لا يمكن الخروج من الأزمة الفلسطينية الحالية إلا بحكومة توافق او تحالف وطني، وإذا لم نتوصل لتفاهمات داخلية تنهي الانقسام فان الأطراف الخارجية ستفرض علينا ما تريد وسترجع الوصاية علينا مجددا..
ـ دكتور أبراش أنت نزعت الشرعية عن الحكومتين الفلسطينيتين ما الذي تريده؟
ـ أريد تنوير المواطن الفلسطيني بما يجري وأحرره من سطوة الراتب من جهة وسطوة الايدولوجيا والشعارات من جهة أخرى، وأنا اعرف بأنني افتح النار على كل مكونات الطبقة السياسية وأتحمل المسؤولية، وقد عُوقبت بالفعل من الطرفين حيث حجبت حكومة رام الله عني الراتب التقاعدي الذي يقره القانون للوزراء السابقين وقامت حكومة حماس باقتحام بيتي ومصادرة جهازي الكمبيوتر الذين فيها كل جهدي البحثي طوال ربع قرن، وهذه الممارسات غير القانونية وغير الأخلاقية من الطرفين لن تثنيني عن عزمي ولن تغير من مواقفي لان الحال الذي وصلنا اليه لم يعد يقبل السكوت عليه، عندما يكون الوطن محتلا ويتم تدمير حتى الأمل والحلم بالحرية على يد تجار السياسة والدين يصبح الصمت خيانة، أنا أريد ما يريده أي مواطن وهو الوحدة الوطنية ليس بمعنى تغييب الحدود السياسية والإيديولوجية بين القوى السياسية ولكن بمعنى الاتفاق على ثوابت وأساسيات للعمل الوطني، أريد إذا ما تساءل العالم مَن يمثل الشعب الفلسطيني او ماذا يريد الفلسطينيون؟ يكون الجواب واضحا من حيث الجهة التمثيلية أو الحقوق الفلسطينية.
ـ دكتور ابراش كيف ترى الحالة الفلسطينية حاليا؟
ـ حالة من الالتباس والغموض تكتنف الحياة السياسية الفلسطينية الداخلية وهو التباس وتشابك يضاف للالتباس الأصلي الذي صاحب وجود القضية الفلسطينية منذ تأسيس المنظمة وتعاظم مع ظهور حركة حماس وقوى الإسلام السياسي.
– ولكن كل القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية تؤكد على انها تحمل المشروع الوطني الفلسطيني؟
ـ كل القوى السياسية تتحدث عن المشروع الوطني والدفاع عن الثوابت الوطنية الخ، ولكن التمعن في تفاصيل برامج واستراتيجيات عمل هذه القوى وتحالفاتها الخارجية سيجد فرقا كبيرا بينها، ولو كانت هذه القوى تتحدث عن نفس المشروع الوطني من حيث مفهوم الدولة والسلام والمقاومة واستراتيجيه العمل لما كان الاقتتال ثم الفصل ما بين غزة والضفة وما كان هذا التحريض والتخوين والتكفير بين حركتي فتح وحماس. ومن مستجدات هذا الالتباس وجود حكومة (تسيير أعمال) في الضفة الغربية لا تشارك بها حركة فتح وفصائل منظمة التحرير ووجود حكومة حمساوية خالصة في غزة تقول إنها تمثل مشروع المقاومة والجهاد الخ، ومشروع حكومة حماس هو مشروع لا يمثل الإجماع الوطني وإن كان يوظف قضايا وطنية أحيانا، وأنه مشروع ديني متجاوز للوطنيات وعابر للحدود.
ـ في ظل اعتبارك مشروع حماس ديني يتجاوز الوطنيات، فماذا عن مشروع حكومة تسيير الاعمال برئاسة الدكتور سلام فياض؟
ـ كما ذكرنا فإن للدكتور سلام فياض برنامج سياسي وطموح وهدف يسعى إليه وهذا من حقه وحق أي مواطن فلسطيني، أضف لذلك أن كثيرا من وزراء حكومة تسيير الأعمال من الطريق الثالث وبعضهم كان ضمن قائمة الطريق الثالث للانتخابات التشريعية، ومن المعروف أيضا أن قائمة الطريق الثالث كانت مدعومة أو مسيَّرة بالخفاء من طرف ياسر عبد ربه – امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية- وهو أيضا له ارتباطات ومشروع سياسي لا يتطابق مع المشروع الوطني، وكلا الشخصيتين مع شخصيات من حركة فتح هم اليوم في تحالف وتنسيق يأخذ أبعادا ذات مرام تتجاوز ما يفترض بحكومة تسيير أعمال. لقد ظهر التيار الثالث منذ مدة قصيرة وخاض انتخابات وحصل على مقعدين في المجلس التشريعي ثم شكل حكومة أتاح وجوده بها وعلى رأسها له الفرصة للانتشار. كل ذلك يستحضر سؤال: هل أن الحكومة في رام الله حكومة مستقلين أم حكومة الطريق الثالث؟ ومن صاحب القرار في الضفة الغربية وبالنسبة للقضية الوطنية بشكل عام؟.
ـ هل تلوم الدكتور فياض؟
لا، لا ، لا يُلام الدكتور سلام فياض وجماعته على توظيفهم للحكومة، ففياض صاحب مشروع سياسي ولديه طموح سياسي وإلا ما شكل قائمة وأسس تيارا سياسيا ودخل الانتخابات، ولكن اللوم على حركة فتح وفصائل منظمة التحرير، لأن بقاء هذه القوى خارج الحكومة وصمتها عما يجري لا يمكن تفسيره إلا بأحد الاثنين:
الأول: إن حركة فتح تشعر بالعجز عن فعل شيء سواء لفشلها في تطوير واستنهاض ذاتها أو لوجود خلافات داخلية تعيق قدرتها على اتخاذ قرار وموقف واضح من مجريات الأمور ولأن بعض عناصرها أو أجنحتها متواطئة على الحركة ومعيقة لاستنهاضها، بالتالي فإن القيادات والقواعد الشعبية الوطنية غير راضية عما يجري ولكنها مكبلة بأوضاعها الداخلية.الأمر ينطبق على فصائل العمل الوطني وإن كان موقف هذه القوى ليس هو المحدد لمسيرة العمل الوطني.
التفسير الثاني: هو أن تنظيم حركة فتح وفصائل منظمة التحرير يمارسون نوعا من الانتهازية السياسية، بمعنى معرفتهم أن الحكومة ليست حكومة المشروع الوطني وان مجريات الأمور سواء على مستوى ممارسات الحكومة وأجهزتها أو على مستوى المفاوضات أو بالنسبة للعلاقة ما بين الضفة وغزة كل ذلك يتجاوز المشروع الوطني والثوابت الوطنية، وهذه القوى تعرف بأنها وصلت لحالة من العجز لا تؤهلها لتكون أمينة على المشروع الوطني وبالتالي تدرك بأن المشروع الوطني بثوابته المعروفة لم يعد قابلا للتحقيق في ظل المعطيات الراهنة.فهذه القوى وعلى رأسها نافذين في تنظيم حركة فتح راضية عن مجريات الأمور بل ومتواطئة ولكنها لا تريد أن تشارك بالقرار وبالحكومة حتى تبرئ نفسها أمام جمهورها مما يجري، ولكن سكوتها المتواطئ هو أسوء من المشاركة.