https://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/35666.html
تاريخ النشر : 2006-01-23
د/إبراهيم أبراش
حركة حماس من حركة جهادية معارضة إلى حزب سلطة
لم نكن في يوم من الأيام ديماغوجيين ولا دوغماتيين بل كنا وما زلنا نؤمن بالواقعية السياسية والوسطية وبالليبرالية بما هي حرية الرأي والتعبير وحرية الممارسة السياسية وحرية التعددية السياسية،والواقعية السياسية أمر محمود ما دامت مصحوبة بالفهم العقلاني للواقع والعمل على تغييره حسب الإمكانيات ومتطلبات المرحلة ،ولكنها فوق ذلك تقوم على المصارحة والاعتراف بالخطأ والتعلم من أخطاء وتجارب الآخرين .
الواقعية السياسية والبراغماتية والمناورة وتعدد الاجتهادات أمر محمود بالنسبة للحركات الحزبية وبالنسبة للأشخاص ما دام الأمر بعيدا عن جعل المجتمع حقل تجارب لكل من هب ودب من تجار السياسة ومن المتطلعين إلى السلطة ومن أصحاب الأيديولوجيات المأزومة والخيارات الفاشلة . ما يدفعنا لهذا القول هو متابعتنا للبرامج الانتخابية للقوى السياسية المنخرطة بالعملية الانتخابية ،فبعض القوى لم تشعر بأهمية التحالف مع مَن يشاركهم نفس الرؤية السياسية أو الايدولوجيا إلا وقت الانتخابات ،وبعضهم ممن طرحوا أنفسهم كتيار ثالث لم يشعر بضرورة وجود هذا التيار إلا وقت الانتخابات وليس قبل ذلك ،ودون ان يحددوا مَن هو التيار الأول ومن هو التيار الثالث ، وإذا كانت هناك ضرورة لتيار ثالث فلماذا لا يتوحد القائلون بالتيار الثالث في كتلة واحدة ؟وألا يعني وجود أكثر من جهة تزعم أنها التيار الثالث عدم وجود تيار ثالث ؟ .
كثير مما يقال عن القوائم الانتخابية ولكن أكثر ما يثير الجدل هو شعارات وبرنامج حركة حماس الانتخابي ،فكل القوى الأخرى لم تكن بعيدة عن السلطة ،فإن لم تكن مشاركة فقد كانت تندرج في إطار المعارضة التي تعمل ضمن الشرعية وفي إطار النظام السياسي ،فلم تُخون ولم تُكفر ،أما حركة حماس فأمرها مختلف ،فالسلطة كانت بالنسبة لها خارجة عن الإجماع الوطني والانتخابات كانت خيانة والأجهزة الأمنية كانت جيش لحد ،الاعتراف بإسرائيل والمفاوضات ونهج التسوية كلها أمور تندرج في إطار الخيانة بل في إطار الخروج عن الإسلام ….
عشر سنوات من عمر السلطة وحماس تتخندق في موقع المعارضة الجهادية ،عشر سنوات وحماس تُقسم المجتمع الفلسطيني إلى عالم الكفر وألا وطنية وهذا هو عالم السلطة ومن يدور في فلكها من علمانيين ومساومين ومستسلمين ،وعالم الإيمان والوطنية التي لا تشوبها شائبة وهذا هو عالم حماس ومن يدور في فلكها ، عقد من الزمن وحركة حماس تشوه السلطة وتعمل كل ما يسيء إليها بل كل ما يعرقل عمل السلطة لخلق دولة القانون والمؤسسات ، عقد من الزمن وخمس سنوات من الانتفاضة وأكثر من أربعة آلاف شهيد وعشرات آلاف الجرحى والأسرى تحت شعار رفض التسوية وعدم الاعتراف بإسرائيل واعتبار الجهاد العسكري الطريق الوحيد لتحرير فلسطين كل فلسطين من البحر إلى النهر باعتبارها وقف إسلامي لا يجوز التصرف به …
فماذا يقول برنامج حماس الانتخابي ؟ونحن هنا لن نتطرق لشعاراتها الانتخابية ولما يقوله مرشحوها وقادتها من أمور غير معقولة لم يقل بها إلا الأنبياء والرسل ،وربما لدى حركة حماس دون أن ندري تفويض إلهي لتحتكر المقدس وتنطق باسم الإسلام وتعمل على صياغة المجتمع الفلسطيني على أسس دينية جديدة وكأن المجتمع الفلسطيني خارج عن الإسلام !.
يبدو أن حركة حماس اقتنعت أخيرا بمصداقية نهج وسياسة حركة فتح ،وقررت ان تنتهي سياسيا حيث انتهت حركة فتح وبقية فصائل منظمة التحرير،لكنها وحيث أنها عبئت جمهورها بخطاب مغاير فأنها تكابر في الاعتراف بالحقيقة ،مع أن شعبنا مسامح ومن عيوبه انه ينسى. من حق كل من يقرأ برنامج حماس الانتخابي أن يتساءل ،ألم يكن من الأفضل لو توصلت حماس لصيغة توحيدية مع فتح وبقية الفصائل وشكلت حكومة وحدة وطنية بدلا من الاضطرار لانتخابات مفروضة ومشروطة والعدو يراهن عليها لإلهائنا عن العمل الوطني في مواجهة الاحتلال للتنافس والتسابق على مغانم سلطة هي سلطة حكم ذاتي وكل راتب يُؤخذ من السلطة سواء رواتب أعضاء المجلس التشريعي أو الوزراء او الموظفين أو أفراد الأجهزة الوطنية إنما هي من الدول المانحة وعلى رأسها الولايات المتحدة ،وهذه تدفع لنا مقابل قبولنا بالتسوية والاعتراف بإسرائيل؟.
في البرنامج الانتخابي لحماس وتحت عنوان (ثوابتنا ) لا نجد ما يميز حركة حماس عن برنامج حركة فتح وعن الثوابت الفلسطينية المنصوص عليها في الميثاق الوطني وفي مقررات المجالس الوطنية الفلسطينية وفي مشروع الدستور الفلسطيني وفي القانون الأساسي للسلطة . سواء بالنسبة للبعد القومي او الإسلامي أو تحديد طبيعة المرحلة التي نعيشها ،ففي البند الرابع يقول ميثاق حماس ( شعبنا الفلسطيني ما زال يعيش مرحلة التحرر الوطني وله الحق في العمل لاسترداد حقوقه وإنهاء الاحتلال باستخدام كافة الوسائل بما في ذلك المقاومة المسلحة ) ! أليس هذا حرفيا ما جاء في مقررات المجلس الوطني في دوراته المتعاقبة ؟وهل يوجد اليوم أي فصيل يقول بغير ذلك ؟.
وما لم يقله البرنامج صرح به أكثر من مسئول حمساوي ،كتصريحات الدكتور غازي حمد وما صرح به السيد إسماعيل هنية لوكالة فرانس برس يوم 21 من الشهر الجاري من أن حركة حماس تؤيد إقامة دولة فلسطينية في حدود 1967 وعاصمتها القدس ،هذا ناهيك عن عشرات الرسائل المباشرة أو غير المباشرة التي وجهتها حماس للأمريكيين والأوروبيين والإسرائيليين بأنها في مرحلة تحول وتغير وأنها مستعدة لأن تنهج الواقعية السياسية .
لا يعني قولنا هذا وإن أخذ صيغة نقدية وهجومية ،بأننا ضد واقعية حماس ،بل ما نأخذه عليها وعلى غيرها هو عدم الوضوح والمصارحة ،وتضييع الوقت برفع شعارات تربك الساحة السياسية وتغرر بالجماهير ،كالقول بان حماس بمشاركتها في الانتخابات إنما تعبر عن إرادة حرة للشعب وأنها تساهم في تأسيس (مجلس تشريعي سيادي ) فيما هي تعلم جيدا بأن شعبا تحت الاحتلال لا يمكنه أن يكون حر الإرادة ،وان المجلس التشريعي هو مجلس ناقص السيادة لأنه مجلس تشريعي لسلطة حكم ذاتي منبثقة عن اتفاق أوسلو ،وحماس تعلم بان الانتخابات هي استحقاق مفروض حسب اتفاق أوسلو وخطة خارطة الطريق ،وان هناك قرار أمريكي بإجراء الانتخابات وإنجاحها وبضرورة مشاركة حماس بالانتخابات وبالمجلس التشريعي .
وقادة حركة حماس يدركون بان الذهاب للانتخابات والمشاركة بالمجلس التشريعي يعني الذهاب للتسوية والمفاوضات لا الذهاب لساحة الحرب والمواجهة العسكرية ،وحتى إن قرر الشعب الفلسطيني من خلال ممثليه في المجلس التشريعي بان نهج التسوية قد فشل فقرار المواجهة المسلحة لن يكون قرارا حمساويا بل قرارا وطنية ،وقادة حماس يدركون بأنه لا يوجد فلسطيني واحد او تنظيم فلسطيني يقول برفض الحق بالمقاومة ،بل الخلاف هو حول إستراتيجية المقاومة وأشكالها والياتها وضرورة أن تكون ضمن إستراتجية توافق وطني ؟ وقادة حماس يدركون بان من يلتزم بالتهدئة لمدة عام بالرغم من استباحة إسرائيل يوميا للأرض والمقدسات ،إنما هو يعترف بفشل خيار المواجهة المسلحة بالشكل الانفرادي الذي كان معمولا به ويعترف بضرورة البحث عن خيارات أخرى.
نعذر قادة حماس ونفهم المأزق الذي يعيشونه والذي أوقعوا أنفسهم به نتيجة غياب التحليل والفهم العقلاني للمتغيرات المحلية والدولية ،ونتفهم أن ما كان يبعدهم عن الاعتراف بالواقع والتقارب للسلطة هو وجود فساد في هذه الأخيرة وتعنت إسرائيل،ولكن لم يفت الوقت لتُحكم حماس العقل وتنهج سياسة الالتقاء وسط الطريق وتعترف بالواقع وتصارح جماهيرها بالحقيقة بأنها تنتقل من حركة جهادية معارضة لحزب سلطة ،لأن من يشارك في المجلس التشريعي يشارك بالسلطة ،فالسلطة تنقسم إلى ثلاث سلط :تنفيذية وهي الحكومة ،وتشريعية وهي المجلس التشريعي ،وقضائية ، وسواء شاركت حماس بالحكومة أو لم تشارك فهي بمجرد وجودها بالمجلس التشريعي ستصبح حزب سلطة مثلها مثل بقية القوى السياسية ،فالسلطة بعد الانتخابات لن تكون سلطة فتح بل سلطة كل من شارك بالانتخابات ، وهي سلطة مقيدة باتفاقات والتزامات مع لإسرائيل .ونعتقد أخيرا بان حماس لم تذهب للانتخابات لتكون مجرد حزب معارض بل ستسعى لتكون حزب مشارك في الحكومة وإن تمكنت ستكون هي حزب السلطة .
من السهولة انتقاد السلطة وحزب السلطة والمطالبة بمحاسبة المسؤولين الفاسدين ،ولكن أليس من المشروع انتقاد و محاسبة قوى المعارضة أولئك الذين جعلوا من شعبنا حقل تجارب و كانت نتيجة ممارساتهم المبنية على اجتهادات خاطئة سقوط آلاف الشهداء وآلاف الجرحى والأسرى وإعطاء المبررات للعدو لمصادرة المزيد من الأرض وبناء الجدار وتهرب إسرائيل من كل تعهداتها السابقة؟ .