في ثقافتنا متسع للجميع

28 يناير 2017آخر تحديث :
في ثقافتنا متسع للجميع

15-9-2007

لكل أزمة تجليات أو تمظهرات وتكون التجليات بمقدار الأزمة ،فعندما تمر أمة من الامم بأزمة وجودية أومؤسساتيةعميقة تكون التجليات كبيرة وصادمة ،أزمة من هذا النوع يكون لها تجليان أساسيان،أحدهما يمس سير المؤسسات السياسية والاجتماعية والأقتصادية وطبيعة العلاقة بينها وبين المكونات الإجتماعية ،حيث تأخذ هذه الموسسات بالانهيار وفقدانها لوظيفتها الجامعة والناظمة سواء كانت وظيفة معنوية أو فعلية ممارساتية ،والتجلى الآخر هو مخرجات الأزمة ثقافيا أو نتائج هذه الأزمة على الثقافة الوطنية،فأزمات من هذا النوع تؤثر بلا شك على الثقافة السائدة ،إن لم يكن في البنية العميقة لها فعلى الأقل على الجوانب غير المادية منها كالخطاب وأشكال التعبير الاخرى ،ذلك أن هناك علاقة مؤكدة ما بين الفكر والواقع، دون الغوص بالجدل الفلسفي حول أي منهما يؤثر ويقود الآخر ،ففي زمن العولمة والثورة المعلوماتية ،تداخلت الامور وأصبح المؤَثر والمُتأثِر يتنادلان المواقع في كثير من الأحيان.

حيث أن الحالة الفلسطينية (سلطة وحكومة ومشروع وطني) تمر بأزمة وجودية – ولا داع للمكابرة والتهوين من خطورة الحالة الفلسطينية الراهنة- وهي ليست أزمة ناتجة فقط عن الاحتلال المتواصل والمتجذر في بلدنا، بل أيضا عن عجز النخبة السياسية عن الاتفاق على أبسط البديهات التي تؤشر على تواجدنا كأمة، ونقصد بذلك الاتفاق على مَن نحن ؟وماذا نريد ؟،فقد انتجت هذه الأزمة تشوهات ثقافية أثرت على الممارسة السياسية في مستوياتها العليا ،وبشكل أوضح عجزت عن تحويل ما نعتبره ثوابت إلى ممارسة معزِزة لهذه الثوابت وداعمة للمشروع الوطني .
الثقافة الوطنية ليست صندوقا مغلقا تتوارثه الاجيال جيلا بعد جيل بل تتغذى وتُطوِر مكوناتها من خلال عملية التثاقف ،صحيح أن في الثقافة الوطنية ما يأخذه الخلف عن السلف ويتسم بشيء من الثبات، ولكن الثقافة، تربية وتنشئة ،اكتساب واندماج وتكيُّف ،والثقافة القابلة للحياة والاستمرارية هي الثقافة المنفتحة والمتطورة والمستوعبة لكل جديد بما لا يمس ثوابتها ،فجمود وانغلاق الثقافة يعني مواتها أو بقاء أمة هذه الثقافة في حالة تخلف.بمعنى أن هناك أمور في الثقافة ثابتة يرتبط وجودها بوجود الأمة وهناك أمور متغيرة وظرفية لها دور وظيفي مرتبط بتحديات طارئة تواجه الأمة ،مثلا ثقافة المقاومة المرتبطة بوقوع الامة تحت وطاة الاحتلال، أو تكون هذه الثقافة المُستجدة نتاج لمتغيرات عالمية لا تستطيع الثقافة الوطنية ان تواجهها أو تتجاهلها كليا لأن فيها ما يعزز وينمي بعض مكوناتها ، فتستوعب ما هو مفيد منها، مثلا الثقافة الديمقراطية وكذا بعض منتجات العولمة الثقافية الخ .
هذه المقاربة لمفهوم الثقافة وخصوصا التمييز بين مستويات ثلاثة في النظر للثقافة : ما هو ثابت وما هو متغير والتمظهرات المؤسساتية والسلوكية المعبرة عن هذه الثقافة ،هي أمرضروري لفهم وتحليل الحالة الثقافية الفلسطينية ذات الخصوصية النابعة من الخصوصية التاريخية والجيوسياسية للقضية ،وتأثير ذلك على الخطاب والسلوك السياسي والعسكري الراهن، حيث أضيف لخطر الاحتلال خطر لا يقل خطورة يتمظهر بوضع ما يفترض أنها ثوابت ثقافتنا الوطنية ومشروعنا الوطني المبني عليها محل تساؤل وتشكيك.
نقصد بثقافتنا الوطنية كل القيم والرموز المادية والمعنوية المعبرة عن شخصيتنا الفلسطينية واللغة العربية والإسلام والتسامح والتعايش بين الديانات والدولة المستقلة ذات السيادة والهُوية الوطنية والحق بالمقاومة أيضا الديمقراطية ، بعض هذه الثوابت عززت شرعيتها الوطنية والدينية بشرعية مستمدة من القانون الدولي والشرعية الدولية ،من هذه الثوابت الحق بالمقاومة وحق تقرير المصير،وبعض هذه الثوابت المُستجدة هي نتاج موجة الديمقراطية التي تسود العالم اليوم. هذه الثوابت الوطنية تتمظهر بأشكال متعددة بتعدد أماكن تواجد الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وحسب الشروط الموضوعية المفروضة عليه نتيجة وقوعه تحت الاحتلال أو تحت حكم سلطات غير فلسطينية ،إلا أن أخطر ما يؤثر على هذه الثوابت ويجعلها محل تساؤول هو ارتباط النخب الاجتماعية والسياسية الفلسطينية من موقع الضعف والحاجة بقوى أو مشاريع اقليمية ودولية لها ثوابتها المسخرة لخدمة مصالحها التي لا تلتقي دائما مع المصالح الفلسطينية العليا ،مما يؤثر سلبا على مصداقية الثوابت الوطنية أو على قدرتها على ان تشكل حالة جامعة للكل الفلسطيني، عندما تتم ممارسة الثوابت الوطنية تحت رايات غير وطنية تفقد هذه الثوابت وطنيتها .
انطلاقا مما سبق، فإن الحق بالمقاومة اصبح من ثوابت ثقافتنا الوطنية ما دام الاحتلال قائما على ارضنا ،إنه حق يستمد شرعيته من القانون الطبيعي والشريعة الدينية والشرعية الدولية ،وبالتالي ليس من حق أحد أن يتصرف بهذا الحق ما دام الاحتلال جاثما على أرضنا .(الثابت الوطني الطارئ) -إن صح التعبير- يستمر ما استمر السبب المنشئ له،والحق بالمقاومة يستمر ما دام الاحتلال موجودا ،وحتى من منطلق الاستراتيجية السياسية سيكون من غير المنطقي أن يُعلن اي مسؤول فلسطيني التخلي عن الحق بالمقاومة لأن هذا الحق ثابت من الثوابت الوطنية والثوابت لا يجوز التصرف يها إلا بقرار من الشعب وبإرادته الحرة، حتى الدساتير لا يجوز أن تتضمن نصوصا تقول بإلغاء الحق بالمقاومة. ومع افتراض أن هذا الحق غير قابل لصيرورته راهنا ممارسة منتجة لمنجز سياسي فلا يجوز التخلي عنه لأن هذا التخلى يُفقد القيادة السياسية الراهنة والأجيال القادمة ورقة قوة قد تحتاجها إن فشلت نهائيا العملية التفاوضية ، أيضا لا يجوز لأي مسؤول أن يسقط الحق بالمقاومة وفي نفس الوقت يطالب المجتمع الدولي بتطبيق قرارات الشرعية الدولية لأن الحق بالمقاومة أصبح جزءا من الشرعية الدولية.

ولكن … ،الإشكاليات محل النقاش لا تُدرج في باب الجدل النظري أو الترف الفكري النخبوى ،فأسئلة مثل ماهية الثوابت الوطنية ؟ومفهوم الحقوق المشروعة ؟و مصدرهما ؟ ينبني عليها بالضرورة ، كيفية ممارسة هذه الثوابت والحقوق وعلاقة الممارسة بالمشروع الوطني لأن هناك فرق بين الحق وممارسة هذا الحق.كثير من الحقوق والتي تُرقي لدرحة الثوابت تصبح بلا معني عندما يُسيء أصحابها استعمالها فترتد سلبا على الأمة،منها الحق بالمقاومة والديمقراطية بمشتملاتها كحرية الرأي والتعبير والتعددية الخ .

الحق بالمقاومة هو أحد الحقوق التي ترقى لدرجة الثابت الوطني والتي أسيء استعمالها في أكثر من بلد ،حيث تحولت بعض حركات المقاومة لتصبح ادوات لحروب اهلية ،فتصارعت على السلطة وشلت السير العادي للمؤسسات بل دمرتها وشوهت البنية الاجتماعية بتأجيج النعرات العشائرية والعائلية ،وجرَّت العائلات لمستنقع الاقتتال والحرب الاهلية ،هذا ناهيك عن لجوء هذه الجماعات – التي تحمل زورا وبهتانا اسم المقاومة – لأطراف خارجية للاستقواء على الجماعات الوطنية المنافسه ،ونسوا الاحتلال أو العدو الخارجي الذي ما شُرعنت المقاومة إلا لمواجهته .
أيضا من أوجه الخلل التي صاحبت تطبيق الحق بالمقاومة هو عدم التمييز بين المقاومة الوطنية من جانب وانتشار السلاح بيد الاقراد والجماعات من جانب آخر ، وينبني على ذلك ضرورة التمييز بين ثقافة المقاومة وثقافة حمل السلاح ،ثقافة المقاومة هي ما يجب التمسك به وتعزيزه أما ثقافة حمل السلاح ،وهي الطاغية اليوم في مجتمعنا الفلسطيني للاسف، فيجب محاربتها ،ثقافة المقاومة مطلب وضرورة وطنية أما ثقافة حمل السلاح التي زرعت بذور الفتنة وأسست لثقافة التكفير والتخوين وقمع حرية الرأي والتعبير وقمع المتظاهرين وسجن كل مخالف للرأي،فهي ثقافة مضادة ورِِدة اخلاقية وسلوكية يغذيها مخطط خارجي يرمي لتدمير مشروعنا الوطني .

وعليه ،فكثير من سوء الفهم وسوء الممارسة يكتنف تطبيق الحق بالمقاومة، سواء سميناه حهادا أم كفاحا مسلحا. فعلى مسنوى المفهوم، فإن سميناه جهادا فمفهوم الجهاد لا يقتصر على العمل العسكري ،فالرسول (صلى) الذي هو قدوتنا تحدث عن الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر،معتبرا العمل العسكري هو الجهاد الاصغر أما الجهاد الاكبر فهو الجهاد المدني لبناء الدولة ،ولا يلغي احدهما الآخر ولكن لكل شكل من الجهاد وقته وظروفه،ومَن يحدد ذلك هو ولي الأمر المؤتمن على الأمة ،وعندما كانت بعض الجماعات تمارس ما تعتبره جهادا خارج إطار إجماع الأمة كانت ممارسة هذه الجماعة تندرج قي إطار مفهوم (الحرابة ) أي الجماعات الخارجة عن الامة من فطاع طرق وغبرهم .وكذا الأمر بالنسبة للشرعية الدولية، حيث تنص قراراتها على أن من حق الشعوب التي تناضل من اجل نيل استقلالها اللجوء لكافة الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح.هذا يعني أن العمل المسلح هو أحد صور المقاومة ولا تُختزل المقاومة به ،وفي ظروف زمانية ومكانية قد تكون الاشكال المدنية من المقاومة اكثر جدوى.
وعلى مستوى ممارسة الحق بالمقاومة في تطبيقه العسكري – مع افتراض أن الظروف مناسبة لهذا الضرب من المقاومة – فالمقاومة لا تعني مجرد حمل السلاح أو تصرفات مسلحة فردية حتى وإن وجهت بنادقها احيانا ضد الاحنلال،هناك فرق بين وجود أفراد مسلحين أو مجموعات تحمل السلاح أو انتشار السلاح بيد الناس من جانب، والمقاومة الوطنية بما هي استراتيجية عمل وطني من جانب آخر، وفي الحالة الفلسطينية هناك فرق بين الحالات العسكرية المتواجدة اليوم والمقاومة الحقيقية، المقاومون الحقيقيون أثاروا فينا النخوة والعزة وانتشلوا شعبنا من حياة المخيم والبؤس ووضعوه على طريق الدولة والحرية الأولون أشعرونا بالخجل ،فيما غالبية الجماعات المسلحة المتواجدة اليوم وما انتجت من ثقافة السلاح والإنفلات الامني كانت السبب في الاقتتال الداخلي . إن انتشار السلاح دون استراتيجية عمل وطني لا يعني وجود مقاومة وطنية ،كل حركات التحرر الوطني التي حققت الهدف الوطني المتمثل بالاستقلال كانت تعمل في إطار استراتيجية عمل وطني سياسيا وعسكريا ،هذا ما كان عليه الحال في الجزائر وفي فيتنام وعند جميع حركات التحرر الناجحة ،أما الحركات التي كانت تمارس المقاومة خارج إطار الاستراتيجية الوطنية فقد تحولت لادوات للحرب الاهلية كالعراق وافغانستان ولبنان نسبيا.
لحركات المقاومة الوطنية الحقيقية قوانينها واستراتيجيتها وثقافتها واخلاقياتها ،وهي كالكرة المتدحرجة تبدا بفكرة وجماعة صغيرة ثم تشمل كل الشعب لتصبح المقاومة حالة شعبية لا رجوع عنها إلا بالنصر،أما الجماعات المسلحة غير المنخرطة باستراتيجية عمل وطني فتبدأ بشعارات كبيرة وتنتهي بحرب أهلية كبيرة تهدد وجود الأمة. عندما تفشل الجماعات المسلحة الفصائلية في الانتصار على العدو ، وهو امر منطقي ومتوقع ، فانها لا تعترف بأخطائها بل تُحمل المسئولية إما للعدو – وكأن العدو يحتاج لمن يكشف لنا بأنه عدو ومجرم ومتفوق عسكريا- او تُحمل الجماعات المسلحة الاخرى المسؤولية بل قد يصل الأمر بإتهامها بالتواطؤ مع العدو، فتدخل معها بصراعات قد تكون أكثر دموية من مواجهاتها مع العدو،هذا إن لم تصبح هي العدو من باب (إن العدو القريب أولى بالجهاد من العدو البعيد ) ،حول قيادة العمل العسكري أو السلطة أو صراعات ايديولوجية مصطنعة،أيضا فشل الجماعات المسلحة في تحقيق ما وعدت به الجماهيرمن شعارات كبيرة ، يدفع الشعب للابتعاد عنها ويدفع عناصرها المسلحة للتمرد أو استعمال ما يُفترض بأنه سلاح مقاومة ليتحول لسلاح قطاع طرق واستعراضات استفزازية ،وعندما تفقد هذه الجماعات ثقة ودعم الشعب تبحث عن الدعم الخارجي وقد يكون الدعم من تجار أوتجارة المخدرات والممنوعات أو من خلال الارتباط بقوى خارجية ،ومع مرور الزمن تفقد هذه الجماعات وطنيتها بالتدريج فتزداد قمعا وارهايا ضد شعبها لتحافظ على وجودها،وتصبح البنادق الموجهة للشعب أكثر من البنادق الموجهة للاحتلال ،ولتغطي على مأزقها تقوم ببعض العمليات العسكرية الاستعراضية ضد مواقع عسكرية للاحتلال ومخططو هذه العمليات يدركون أنهم برسلون الشباب للموت دون أمل بإلحاق أذى بالعدو .

هذه الإشكالات النظرية وتجسداتها العملية فرضت نفسها بشدة على الساحة الفلسطينية في الآونة الأخيرة،حيث كَثُرت الانتقادات لعمليات إطلاق الصواريخ وفوضى السلاح و أصبحنا امام ظاهرة هي أقرب إلى الإرتزاق الثوري والجهادي مما هي إلى المقاومة الوطنية . صحيح أن هناك روح مقاومة لدي الشعب وهناك من لديه الإستعداد للتضحية بماله وحياته من اجل الوطن،ولكن ليس هذا محل النقاش ،بل التشكلات العسكرية التي أصبحت تحمل اسم حركات مقاومة ،هذه الجماعات والحركات شوهت صورة المقاومة ونشرت الفوضي والفلتان الامني وعززت كل ما هو سلبي ومقيت في المجتمع وشوهت انتفاضة الحجارة الأولي ثم الثانية عندما ادخلت إليها السلاح وغررت بالشباب والمراهقين مستغلة حاجتهم للمال وبؤس وضعهم الاقتصادي أو رغبتهم بالهروب من واقع مرير لجنا ت بها حور عين ، ودفعت بهؤلاء الشباب للقيام بعمليات عسكرية ضد مواقع إسرائيلة معروف مسبقا أن نتيجتها مقتل الشباب (المجاهدين) دون إلحاق أذى بالعدو ،وكانت قمة إنجازات هذه الجماعات المسلحة – وخصوصا مليشيات حركة حماس – هو الاقتتال الداخلي وتفننها في القتل والتعذيب لابناء الوطن بما لم يُقدم عليه جيش الاحتلال ،وهو الأمر الذي أدى في النهاية للفصل بين شطري الدولة المنشودة.

لكل ذلك كان من الضروري إنقاذ المجتمع والمشروع الوطني والمقاومة من مُدعي المقاومة وكسر جدار الصمت بمصارحة الجمهور بأن عسكرة الانتفاضة وإطلاق الصواريخ من قطاع غزة و تعاظم دور المليشيات العسكرية حتى عند حركة فتح التي من المفروض أنها صاحبة مشروع التسوية السلمية … ،هي أمور تُدمِِر وتُعيق إنجاز المشروع الوطني ،وكنا من المطالبين بذلك منذ فترة عندما شعرنا بأن ما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية من سلوكيات وتظاهرات عسكرية ارتجالية واستعراضية قد أخرج المقاومة عن مفهومها وهدفها الحقيقي،بل إن هذه الممارسات هي التي أعادت الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة فيما كان يُفترض ان تنتقل العمليات العسكرية للضفة الغربية وتتعزز هناك ما دامت الجماعات المسلحة تزعم ان عملها العسكري هو الذي أجبر الاحتلال على الهروب من القطاع .
مؤشرات مقلقة بدأت تعزز تخوفات سابقة اشرنا إليها في مقال منشور مباشرة بعد الإنقلاب تحت عنوان (المرحلة الثانية من مرحلة تصفية المشروع الوطني :التدمير الذاتي ) ،مؤشرات على منزلق جديد تنزلق إليه الجماعات المسلحة لا يقل خطورة عن الانقلاب الدموي في غزة وهو قيام مجموعات مسلحة في غزة بعمليات عسكرية ضد مواقع وشخصيات من حماس أو القوة التنفيذية ،و استعدادات حركة حماس في الضفة للقيام بعمليات مضادة ضد مواقع السلطة وقيادات فتحاوية ،وهذا يعني حرب أهلية في غزة وحرب أهلية في الضفة ،وبالتاكيد ستغذي إسرائيل هذه الحرب الداخلية ،لذا يجب استنكار ورفض هذا التوجه وسرعة تدارك الامر قبل فوات الأوان. ولا يجوز لأي مسؤول فلسطيني قبول أو مجرد الصمت على عمليات عسكرية من طرف فلسطيني ضد طرف آخر فيما هو يطالب بوقف العمليات العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي ،صحيح أن حركة حماس هي سلطة جاءت من خلال انقلاب دموي ولكن مواجهتها يجب أن تكون من خلال تحرك شعبي سلمي وعصيان مدني إن احتاج الأمر،وعلى حركة حماس في الضفة إخضاع عناصرها للقانون والتوقف عن تشكيل سلطة موازية ومعيقة للسلطة الشرعية.
وخلاصة القول، إن الحق بالمقاومة هو حق مقدس لا يجوز التخلي عنه ،وما يُطمئن أننا لم نسمع من أي مسؤول فلسطيني وخصوصا من الرئيس أبو مازن ورئيس الوزراء سلام فياض أنه يتخلى عن الحق المقاومة و لم يصدر عن الحكومة أي قرار بالتخلي عن الحق بالمقاومة، بل ليس من اختصاص الحكومة الغوص في هذا الموضوع ،وعدم تضمين برنامج حكومة سلام فياض أي بند حول المقاومة المسلحة هو أمر منطقي وصحيح لأنها حكومة لسلطة حكم ذاتي لها مهام محددة دستوريا .ولكن,,, من حق بل وواجب على الرئيس أبو مازن والحكومة الشرعية وكل حريص على المصلحة الوطنية إنقاذ الحق بالمقاومة من التشوهات التي اعترته بسبب ممارسات مدعي المقاومة ،وذلك بمواجهة ظاهرة انتشار السلاح و الجماعات المسلحة التي تحول غالبيتها لعصابات ،لأنه ثبت ان هذه الجماعات أضرت بالمصلحة الوطنية وشوهت مفهوم المقاومة وقدسية السلاح ،وإلى حين وجود استراتيجية وطنية للمقاومة محل توافق الجميع و بعد فقدان الأمل بالحل السلمي، يجب تجميد كل العمليات العسكرية وحل الجماعات المسلحة وجمع السلاح من يدها ويد العائلات ،والتركيز على الجهاد الأكبر وهو المقاومة بمفهومها غير العسكري .

 

الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق