اتهمت منظمة العفو الدولية إسرائيل بارتكاب جريمة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، وجاء ذلك في تقرير صدر عن المنظمة يوم الثلاثاء الماضي الموافق الأول من فبراير الجاري وجاء في التقرير: “ينبغي مساءلة السلطات الإسرائيلية على ارتكاب جريمة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين” لأن “إسرائيل تفرض نظام اضطهاد وهيمنة على الشعب الفلسطيني أينما تملك السيطرة على حقوقه، وهذا يشمل الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلاً عن اللاجئين النازحين في بلدان أخرى”. كما نددت منظمة العفو بالحصار على غزة وحثت مجلس الأمن الدولي على ” فرض حظر على مبيعات الأسلحة لإسرائيل، وعلى فرض عقوبات على المسؤولين الإسرائيليين الأكثر تورطًا في جريمة الفصل العنصري”.
وبطبيعة الحال استنكرت ونددت إسرائيل ودول غربية مساندة لها تقرير المنظمة واتهمتها بالتحيز للفلسطينيين وتشجيع “ألاسامية”، مع العلم أن منظمة العفو مقرها لندن وتضم في عضويتها أكثر من عشرة ملايين شخص وحائزة على جائزة نوبل للسلام.
كان من الممكن التهوين من هذا التقرير لو كانت منظمة العفو هي الوحيدة التي تتهم إسرائيل بالتمييز العنصري والتطهير العرقي ولكن سجل الانتقادات والاتهامات الموجهة لإسرائيل ممتد منذ نشأتها الأولى، فقد سبق وأن اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” التي مقرها نيويورك إسرائيل بارتكاب “جريمتين ضد الإنسانية” عبر اتباعها سياسة “الفصل العنصري” و”الاضطهاد” بحق عرب إسرائيل والفلسطينيين، وجاء ذلك في تقرير لها في إبريل 2021، وقبلهما كان تقرير المحقق الأممي من جنوب أفريقيا واليهودي الديانة جولدستون والذي صدر إثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 2008،2009. ويمكن أن نضيف عديد المنظمات والمؤسسات الدولية التي تشن عليها إسرائيل هجوماً ممنهجاً وتتهمها بالتحيز للفلسطينيين ومعاداة السامية لمجرد دفاعها عن حقوق الشعب الفلسطيني، وأبرزها: منظمة اليونسكو التي بمنحها العضوية لدولة فلسطين وبقراراتها نسفت الرواية الصهيونية، أيضا منظمة “الأونروا” التي يذكر وجودها العالم بقضية اللاجئين الفلسطينيين وما جرى لهم في حرب 1948، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وجبهة الحملة الدولية لمقاطعة إسرائيل (BDS)، ومحكمة الجنايات الدولية بعد قرارها بفتح تحقيق في “جرائم ضد الإنسانية” في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل.
كل هذه القرارات والمواقف الدولية الرسمية والشعبية التي تنتقد إسرائيل وتتهم إسرائيل بالعنصرية والتمييز العنصري لم تأتي من فراغ بل هي تعبير عن واقع قائم في فلسطين المحتلة حيث الكيان الصهيوني الدولة الاستعمارية الوحيدة القائمة في العالم والدولة الوحيدة التي تمارس العنصرية والتمييز العنصري والتطهير العرقي بعد القضاء على النظام العنصري في جنوب إفريقيا 1991، وحتى مؤرخون ومثقفون إسرائيليون اعترفوا بهذه الممارسات الصهيونية، كـ(المؤرخون الجدد) بالإضافة إلى منظمة “بتسليم” الإسرائيلية.
هذه المواقف الدولية التي تتهم إسرائيل بالعنصرية تستحضر القرار الأممي الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 نوفمبر 1975، حيث جاء في القرار: “أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري”، وطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيديولوجية الصهيونية التي حسب القرار تشكل خطراً على الأمن والسلم العالميين.
شكل هذا القرار الأممي في حينه صدمة لإسرائيل لأنه ينسف الأيديولوجيا التي قامت عليها الدولة، وعليه بذلت ومعها واشنطن جهوداً جبارة لإبطاله وتم ذلك في خضم الإعداد لعقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 حيث اشترطت إسرائيل إلغاء هذا القرار مقابل مشاركتها في المؤتمر، وهذا ما كان وتم التصويت على الغاء القرار 46/86 يوم 16 ديسمبر 1991. ولكن الذي جرى بعد هذا الإلغاء أن إسرائيل تنكرت لعملية السلام وللاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين وتزايدت ممارساتها العنصرية والإرهابية، أما واشنطن التي مارست كل الضغوط لإلغاء القرار فلم تحرك ساكناً بل باركت كل الممارسات العنصرية ودافعت عنها متنكرة للأسس التي قامت عليها عملية التسوية وخصوصاً اتفاقية أوسلو التي تم توقيعها في واشنطن.
وهكذا ومن خلال قرارات وبيانات المنظمات الحقوقية الدولية نأمل أن يصحح المنتظم الدولي موقفه من الصهيونية وهي الأساس الذي منه تستمد إسرائيل عنصريتها وإرهابها، ويتم العمل على صدور قرار جديد يُدين الصهيونية.