قد يكون للبعض تحفظات من حيث المكان والزمان على العمليات الفدائية الأخيرة ضد الإسرائيليين في النقب والخضيرة وتل أبيب، ولكن ماذا يمكن أن يفعل شعب خاضع للاحتلال وتُمتهن كرامته وتُدنس مقدساته وتُسرق أرضه كل يوم. دون أفق واضح لنيل الحرية والاستقلال؟.
الأمر الطبيعي والمتوقَع من الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال أن يقاوم الاحتلال بما هو ممكن ومتاح، بينما الأمر غير الطبيعي هو الاستسلام للأمر الواقع والتعايش مع الاحتلال الذي يتنكر لحقوق الشعب ويرفض حتى التفاوض السياسي لإيجاد حل للصراع كما يرفض تطبيق قرارات الشرعية الدولية التي تطالبه بالاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره الوطني وبحقه بدولة مستقلة، بالإضافة إلى ممارساته العنصرية ضد فلسطينيي الخط الأخضر، وإهانة وتعذيب الأسرى في المعتقلات وحرمانهم من حقوق تكفلها لهم المواثيق الدولية .
منذ حوالي ثلاثين عاماً بسطت قيادة منظمة التحرير يدها للسلام وتم توقيع اتفاقية أوسلو كبداية لحل الصراع حتى الوصول للدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس على 22% فقط من مساحة فلسطين ، إلا أن إسرائيل تنكرت لهذه الاتفاقية وواصلت احتلالها واستيطانها وإرهابها.
ومنذ ذلك الوقت والقيادة الفلسطينية ومعها غالبية الشعب تطالب بالسلام العادل دون مُجيب، والرئيس أبو مازن يناشد إسرائيل بوقف سياستها العدوانية والجلوس على طاولة المفاوضات ويُحذر من تحويل الصراع لصراع ديني ولكن بلا جدوى، بل اتخذ نتنياهو ومن بعده بينيت قرارات بوقف أي اتصالات سياسية مع القيادة الفلسطينية.
ماذا كانت إسرائيل تنتظر عندما تتجاهل وجود شعب فلسطيني تعداده أكثر من 14 مليون نسمه في الوطن والشتات؟ وماذا تنتظر إسرائيل عندما تمارس العنصرية ضد فلسطينيي الخط الأخضر والذين يحملون الجنسية الإسرائيلية؟ وماذا تنتظر إسرائيل عندما تحاصِر قطاع غزة وتشن عليه موجات عدوان متتالية؟ وماذا تنتظر إسرائيل عندما تستمر عمليات تدنيس المقدسات واقتحام المسجد الأقصى على مرأى ومسمع أكثر من مليار ونصف مليار مسلم ؟ وماذا ستنتظر من أسرى تم تعذيبهم وإهانتهم وقضوا سنوات في سجونها ؟.
ستكون إسرائيل واهمة إن اعتقدت أن تطبيع علاقاتها مع دول عربية وإسلامية سيُنهي الصراع ويدفع الشعب الفلسطيني للاستسلام؟ وواهمة إن اعتقدت أن اتفاقات (السلام الإبراهيمي) التي تجاهلت الشعب الفلسطيني وقيادته ستجلب لها السلام، حيث لا سلام بدون سلام وسلامة الفلسطينيين وبمشاركتهم؟ ومخطئة إسرائيل إن اعتقدت أنها دجَّنت الشعب الفلسطيني من خلال التحكم بقوت يومه ومصدر رزقه أو لأنها وجدت من يتعامل وينسق معها في سلطتي غزة والضفة؟
نعم، الشعب يريد أن تكون المقاومة في إطار استراتيجية وطنية يتم التوافق فيها على مكان وشكل المقاومة المناسب والأكثر جدوى وتجنب أعمال المقاومة الفصائلية الموسمية أو المرتبطة بأجندة خارجية أو أعمال المقاومة الفردية ، ولكن إلى حين التوصل لهذه الاستراتيجية لا يستطيع أحد أن يكبت المشاعر والعواطف لمواطن فلسطيني أو أسير مُحرر يرى كرامته تُهان وأرضه تُسرق ومقدساته تُدنس ويقوم بما يمليه عليه ضميره وانتمائه الوطني وينفذ عملية إطلاق نار أو طعن أو دهس!!!.
إسرائيل لا تريد الفلسطينيين الداعين للسلام والتسوية السياسية كما هو الأمر مع الرئيس أبو مازن وقيادة منظمة التحرير وترفض الجلوس معهم على طاولة المفاوضات، ولا تريد الفلسطينيين الذين يرفضون التسوية السياسية ويمارسون حقا مشروعا بمقاومة الاحتلال، ولا تريد وقف ممارستها العنصرية ضد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، فماذا تريد إذن؟.
إسرائيل هي المسؤولة عن كل ما يجري، واحتلالها وإرهابها وعنصريتها يرتدون عليها، ومحاولتها شيطنة أعمال المقاومة ونسبتها لتنظيم داعش لن تُفيد لأن الشعب الفلسطيني يعرف من هو تنظيم داعش ومن أسسه ولأي أغراض، وقد تابع الفلسطينيون أعمال داعش الإرهابية في سوريا والعراق وليبيا ومصر الخ، ولن يكون لداعش مكان عند الشعب الفلسطيني لأن الشعب الفلسطيني لن يُناضل إلا تحت راية الوطنية الفلسطينية، ومحاولة إسرائيل إقحام داعش في وقت انعقاد قمة النقب هدفه تحريض المجتمعين على المقاومة، وربما تستغل إسرائيل الأمر للقيام بإجراءات خطيرة ضد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر أو في الضفة وغزة مُعد لها مسبقا.
يبدو أن الكيان الصهيوني لم يأخذ العبرة من أحداث يوم الأرض قبل 46 سنة عندما انتفض فلسطينيو الداخل دفاعا عن أرضهم وهويتهم وخصوصا أن بعض من قاموا بالعمليات الفدائية الأخيرة من فلسطينيي الداخل، وأن يُحيي الشعب الفلسطيني اليوم وفي كل أماكن تواجده هذه الذكرى معناه وحدة الشعب وأن كل فلسطين تخضع للاحتلال .