حذار من فشل اتفاق مكة

22 فبراير 2007آخر تحديث :
حذار من فشل اتفاق مكة

 راسلوا الكاتب-ة  مباشرة حول الموضوع

ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن – العدد: 1834 – 2007 / 2 / 22

حضي لقاء مكة بقدر كبير من الاهتمام المحلي والدولي وخلق حالة من الترقب والمراهنة ذات المرامي المتعددة والمتعارضة أحيانا،كما تفاوتت التقييمات ما بين من يعتبر الاتفاق كسبا لحركة حماس وبرنامجها ومن يعتبره كسبا لرئيس أبو مازن وتوجهه السياسي. عدم القدرة على الحسم، لمصلحة مَن من الحزبين كان الاتفاق، إنما هو مؤشر على وجود طرف ثالث مستفيد من الاتفاق وهذا الطرف هو القاسم المشترك او المصلحة الوطنية والتي تجسدت في التفاهمات حول وقف الاقتتال وتشكيل حكومة وحدة وطنية ووضع أسس تفعيل منظمة التحرير.عندما تقدم حركة حماس تنازلات وتقدم حركة فتح تنازلات للمصلحة الوطنية وتكون هذه التنازلات عن قناعة وليس مجرد مناورة ،لا يكون أي من الحزبين قد خسر شيئا لأن المصلحة الوطنية هي مصلحة كليهما ومصلحة كل القوى السياسية .
الاتفاق حتى الآن حقق هدفا أسعد كل بيت فلسطيني وكل من يتعاطف معهم ويعيش قضيتهم ، وهي وقف الاقتتال والانتقال من حالة اليأس والإحساس بالخجل مما جرى من اقتتال إلى حالة ترقب مشوب بأمل،مع ما صاحب ذلك من تراجع في المظاهر المسلحة وفي حالات التحريض الإعلامي في الإذاعات وفي المساجد التي تحول بعضها إلى منابر لزرع الفتنة وليس للعبادة ،ولكن المراهنة على لقاء مكة قد تكون له أبعاد أكبر من ذلك، فالاقتتال الداخلي كان نتيجة استعصاءات مست كل مكونات النظام السياسي وحولت القضية الفلسطينية لورقة توظفها أطراف إقليمية ودولية لصالحها وأحرجت أطراف متعددة على رأسها العربية السعودية. وبالتالي يفترض بمخرجات هذا اللقاء أن تعالج جذور المشكلة ولا تقتصر على التعامل مع إفرازاتها وان يدشن اللقاء مرحلة جديدة من العلاقات الفلسطينية –الفلسطينية تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات الفلسطينية مع العالم الخارجي على أسس وثوابت فلسطينية محل توافق وطني ،فهل كان ضمن أجندة المخططين لاجتماع مكة وللمجتمعين أن يعالجوا جوهر الصراع أم كان هدفهم مجرد تهدئته؟وهل كان لقاء مكة بعيدا عن الزيارة المخطط لها لوزيرة الخارجية الأمريكية للمنطقة؟.
وحتى نضع المراهنات على لقاء مكة في سياقها الحقيقي فلنرجع لملابسات عقد اللقاء و خصوصا الأحداث التي سبقت اللقاء وطنيا ودوليا:
على المستوى الوطني:
– انتخابات تشريعية أدت لتفاقم أزمة النظام السياسي بدلا من حلها.
– حصار للشعب كله ولكن تحت عنوان حصار الحكومة .
– حوارات وطنية داخلية فاشلة،حيث باتت مكونات النظام السياسي عاجزة ليس فقط عن حل أزمة النظام داخليا وخارجيا بل حتى عاجزة عن إدارة الأزمة.
– اقتتال داخلي ألحق العار بكل بالمقاومة والمقاومين وبالشعب الفلسطيني
– فقدان الحزبين المتقاتلين لشعبيتهم واحترامهم أمام غالبية الجمهور وأمام العالم الخارجي
– توظيف إسرائيل لكل ذلك لتتفرغ لتهويد القدس واستكمال مخططها الاستيطاني
– تراجع الاهتمام الدولي والعربي بالقضية الفلسطينية لصالح ما يجري بالعراق ولبنان وإيران وحتى السودان أصبحت أكثر أهمية مما يجري في غزة.
– تفكك وانهيار بنية المجتمع الفلسطيني على كافة المستويات :تفكك أسري ،تفشي البطالة والفقر ،تفشي المخدرات والانحلال ،تراجع في المستوى التعليمي وفي السمات الحضارية ،وترسخ العائلية والعشائرية والجماعات غير الرسمية وممارستها للابتزاز والإرهاب.
– زيادة التباعد ما بين الضفة الفلسطينية وقطاع غزة نفسيا وسياسيا ،حتى أوشك الأمر للوصول للحديث عن السلطة الفتحاوية في الضفة والإمارة الحمساوية في غزة.
على المستوى الإقليمي والدولي :
– تقرير بيكر –هاملتون والذي نصح الإدارة الأمريكية بمعالجة القضية الفلسطينية باعتبارها عامل مؤثر ومؤجج للصراعات الأخرى في المنطقة.
– زيارة رايس للمنطقة والمخطط لها مسبقا .
– لقاء اللجنة الرباعية قبل أيام من لقاء مكة حيث قالت الرباعية بأن الحصار الاقتصادي على الفلسطينيين دفع بالحكومة للارتماء في أحضان إيران.
– الحالة القابلة للتفجر في لبنان وإيران واستمرار الأزمة في العراق ،كل ذلك يدفع الإدارة الأمريكية وحلفائها لمحاولة التهدئة على بعض هذه الجبهات.
– استعداد العربية السعودية لاحتضان مؤتمر قمة عربي في الشهر القادم وسيكون جدول أعماله مثقل بالملفات الكبيرة والشائكة.
– فشل(أو إفشال) المبادرات العربية – المبادرات المصرية والأردنية والقطرية والسورية – في حل المشاكل الفلسطينية الداخلية.

هكذا التقت في لقاء مكة مصالح أطراف متعددة- محلية فلسطينية وإقليمية ودولية –على ضرورة تسكين الحالة الفلسطينية المنفلتة،تسكين دون أن يصل الأمر لحد العمل على حل الأزمة بشكل نهائي ،كل طرف يريد تسكين الحالة أو تهدئتها ولو لحين من الزمن لأهداف خاصة به ،ويستشف ذلك من خلال سرعة الإعلان عن التوصل لتفاهم على القضايا الأساسية التي استغرق الحوار الداخلي بشأنها سنوات وآلاف الساعات دون التوصل لتفاهم مشترك ،كإعادة بناء منظمة التحرير والشراكة السياسية وحكومة الوحدة الوطنية، دون التعمق بأي منها،مع القفز على المسائل الخلافية :وزير الداخلية، برنامج الحكومة ،القوة التنفيذية ،توحيد الأجهزة الأمنية ،،مصير الحالات والميليشيات العسكرية، ، مصير الحكومة المنشودة إن لم يتم رفع الحصار ،الموقف من المقاومة المسلحة وإطلاق الصواريخ وأخيرا وليس أخرا قضية الجندي الإسرائيلي الأسير .

ولكن ومع القول بان ما جرى هو مجرد تهدئة تخدم أغراض أطراف متعددة ،فالتحدي أمام الفلسطينيين هو كيفية تحويل تفاهمات مكة، بعد استيعاب بقية القوى السياسية، إلى منعطف إستراتيجي في المسيرة السياسية،ذلك أن فشل تفاهمات مكة وخصوصا حكومة الوحدة الوطنية سيؤدي إلى نتائج وخيمة وقد تعود الحالة الفلسطينية لوضع أكثر سوءا مما كان قبل اللقاء حيث سيلقي كل طرف من الطرفين- خصوصا فتح وحماس- بالمسؤولية على الطرف الآخر.

إذن مع عدم استبعادنا لوجود ما لمحنا إليه من وجود أهداف تكتيكية لدى البعض ،ومع احترامنا لموقف حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية الرافضتين للمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية – مع تباين منطلقات عدم المشاركة بالحكومة -،ومع الإقرار بأن ما جرى في مكة يؤكد صعوبة التمسك باستقلالية القرار الوطني، بالرغم من ذلك ،يمكن تحويل لقاء مكة – وأكرر مرة أخرى إن صدقت النوايا – إلى منعطف استراتيجي إيجابي بعد استكمال المشاورات مع بقية القوى السياسية،وبعد التقدم نحو أن تكون الحكومة الموعودة منطلقا لمشاركة سياسية حقيقية ،حيث لا يجوز اتفاق على برنامج لحكومة ،والحكومة حالة عابرة، ولا يوجد ثوابت ومرجعيات وطنية تكون ضمانة في حالة فشل الحكومة .إن توفرت هذه الشروط فلقاء مكة سيشكل منعطفا لا يقل أهمية عن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وخصوصا في المنعطف الذي عرفته عام 1968.
مؤشرات هذا المنعطف أو التحول الاستراتيجي ما يلي:
– تجاوز مرحلة التفرد بالحكم باسم الشرعية التاريخية او الشرعية الدينية ومقولة الحكومة الربانية.
– الواقعية السياسية المتمثلة باعتراف حركة حماس بأن إسرائيل موجودة كأمر واقع وكحقيقة دولية وحديث خالد مشعل عن خطاب جديد لحركة حماس .
– حكومة الوحدة الوطنية يعني الإقرار بأن نتائج صناديق الانتخابات التي عكست وجود أغلبية لحركة حماس لا تعكس حقيقة التوازنات على ارض الواقع ،فالأغلبية الانتخابية في الحالة الفلسطينية لا تعني أغلبية مسيطرة واقعيا.
-أكد لقاء مكة الذي جاء بعد سنة من انتخابات تشريعية ، فشل الانتخابات كآلية لحسم النزاعات وتحديد موئل القرار الوطني.
-الاتفاق كان نتيجة قناعة ولو متأخرة بفشل كل من المراهنة على النهج الجهادي أو نهج التسوية والاتفاقات الموقعة خارج إطار إستراتيجية عمل وطني .

خلاصة القول ،إن تشكيل حكومة وحدة وطنية خطوة مهمة ولكنها البداية ،صعوبات جمة ستواجه تشكيل الحكومة ومنها محاولة ابتزاز الرئيس أبو مازن والضغط عليه وعلى بقية القوى عسى ولعل أن يتضمن برنامج الحكومة الموعودة ما يرضي الرباعية – إلى الآن لم يعلن عن برنامج الحكومة -،ولقاء رايس مع ابو مازن والمرت وما سبقه وتبعه من تصريحات تقول بالانتظار حتى نرى برنامج الحكومة ،يصب في هذا الاتجاه . أيضا صعوبات أشد ستواجه الحكومة بعد التشكيل فالحكومة هي مجرد بند من ثمانية عشرة بندا تتضمنها وثيقة الأسرى ونتمنى أن لا يحتاج كل بند لاقتتال داخلي ولقاءات مكية أخرى قبل تطبيقه . التحديات كبيرة ولا شك ولكن القضية أكبر وبحكمة وعقلانية قادة ليس أمام الشعب إلا المراهنة عليهم – ما دام البديل الوطني غير جاهز-ومنحهم فرصة تصحيح الشطط في المراهنات والخطأ في الحسابات.

الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق