إبراهيم أبراش
بعد مرور خمسين عاماً على وفاة الزعيم المصري والقومي العربي جمال عبد الناصر إلا أن الجدل لم يتوقف حوله، فبالرغم من أن غالبية الشعب المصري والشعوب العربية كانت وما زالت تكن له كل تقدير واحترام، وبالرغم مما حظي به من احترام من دول وزعماء العالم حتى الذين كانوا في خصام معه، إلا أن قلة ما زالت تثير الشكوك حول طبيعة نظامه السياسي وتتهمه بالدكتاتورية، والمفارقة والغريب في الأمر أن من يتهمونه بهذه التهمة هي جماعات الإسلام السياسي وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين وبعض الشيوعيين وهي جماعات لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالشراكة السياسية، كما أن تهمة الدكتاتورية ضعيفة وسخيفة ليس لأن نظام حكم جمال عبد الناصر كان (ديمقراطياً) بل لأن التهمة لم تكن مناسبة مع السياق التاريخي والموضوعي لفترة حكم جمال عبد الناصر ولأن هناك تناقض داخلي في منطق أصحاب هذه التهم.
فكيف توجه لعبد الناصر تهمة الدكتاتورية والاستبداد ونظام حكمه أنهى الاقطاع والطبقية والأمية وأجبر بريطانيا على الجلاء من قناة السويس؟ وهو الذي قاد مصر ضد العدوان الثلاثي-إسرائيل وبريطانيا وفرنسا-بعد رفضه الابتزاز الأمريكي بشأن بناء السد العالي؟ وكيف يكون دكتاتورياً وهو نصير كل حركات التحرر ضد الاستعمار والهيمنة في أفريقيا واسيا وامريكا الجنوبية كما وقف إلى جانب الشعب الفلسطيني واصفاً العمل الفدائي بأنه أنبل ظاهرة في التاريخ؟ وكيف يتحدثون عن دكتاتورية عبد الناصر الذي حكم من منتصف الخمسينيات حتى نهاية الستينيات وهي مرحلة المد القومي والثوري والتحرري العالمي وفي وقت لم يكن في العالم العربي بل وفي العالم الثالث أية دولة تمارس الديمقراطية الحقيقية؟ وكيف يكون دكتاتوريا وقد خرج الشعب المصري برمته لوداعه عند وفاته؟ وكيف يكون دكتاتوريا ولم يكن يخلو بيتاً أو مؤسسة في مصر وفي العالم العربي من صورته وما زال كثيرون يعلقون صوره ؟.
صحيح أن نظام الحكم في عهد عبد الناصر لم يكن ديمقراطيا بالمفهوم المثالي والمدرسي للديمقراطية إلا أنه لم يكن مطلوب من قادة الثورات وحركات التحرر أن يكونوا في بداية حكمهم ديمقراطيين، كما أن الذين عارضوه وناصبوه العداء لم تكن معاداتهم له لأنه غير ديمقراطي، فأمريكا ودول الغرب وإسرائيل ومعسكر اليمين العربي ناصبوه العداء لأنه مناضل ينهج سياسة مناهضة للاستعمار ومعادية للغرب وأذنابه وإسرائيل وينحاز لمصالح شعبه وشعوب العالم الثالث، وجماعات الإسلام السياسي وخصوصاً الإخوان المسلمين لا يؤمنون بالديمقراطية والشراكة السياسية وعندما اختلفوا مع عبد الناصر لجأوا إلى العربية السعودية ودول الخليج غير الديمقراطية وغير الثورية، كما لجأوا لدول الغرب الاستعماري الامبريالي.
وكأن التاريخ يُعيد نفسه، فنفس هذه الجماعات ناصبت العداء لصدام حسين ومعمر القذافي وبشار الأسد وحسني مبارك وزين العابدين بنفس التهمة وهي الدكتاتورية والاستبداد والفساد، وفي نفس الوقت انقلبت على الجماهير الشعبية الصادقة في دوافعها الثورية والراغبة في تغيير الأنظمة القائمة وتأسيس حالة ديمقراطية لتركب موجة الثورة واستعانت بالمرتزقة الإرهابيين وبالغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة وببعض دول الخليج وأموالها، ليس فقط لإسقاط هؤلاء القادة بل ولتدمير الدول والأوطان وإثارة الفوضى والحرب الأهلية.
نعم، الديمقراطية ومشتملاتها من حرية الرأي والتعبير والمشاركة السياسية والتعددية السياسية والتداول على السلطة والانتخابات النزيهة كلها أمور مطلوبة، ولكن كم باسم الديمقراطية تم تدمير بلدان وإحلال أنظمة حكم أكثر دكتاتورية وأبعد ما يكون عن الديمقراطية من الأنظمة التي تم اسقاطها.
ibrahemibrach1@gmail.com