صدر قبل أيام عن دار الكلمة للنشر والتوزيع في مدينة غزة كتاب تحت عنوان (الصراع في إسرائيل) للروائي والكاتب السياسي المختص بالشأن الإسرائيلي توفيق أبو شومر، وفي هذا الكِتَاب جال المؤلِف في جوانية وفسيفساء المجتمع الإسرائيلي وما يعتريه من صراعات وخصوصاً بين العلمانيين والجماعات الدينية المتطرفة وحتى داخل هذه الجماعات حيث قام بتفكيك هذه الاخيرة موضحاً أصول كل جماعة ومعتقداتها وما يميزها عن غيرها من الجماعات الدينية الأخرى، كما أبرز دورها في قيام الحركة الصهيونية ثم الدولة الصهيونية منذ المؤتمر الصهيوني الأول في بازل في سويسرا 1897 إلى اللحظة الراهنة حيث دورها ملموساً في تشكيل الحكومات ولعبها دور (بيضة القبان) مما يؤهلها لابتزاز القوى السياسية الأكبر في النظام السياسي الصهيوني.
رصد الكاتب توفيق أبو شومر عديد الصراعات في المجتمع الإسرائيلي وكثيراً منها غير معروفة خارج إسرائيل وحتى عند العرب والفلسطينيين أنفسهم. في مقدمة كتابه لخص أشكال الصراع داخل إسرائيل كما يلي: ” الصراع في المجتمع الإسرائيلي متعدد ومتجدد، وهو يدور بين الأقطاب الكثيرة فهو : بين المتدينين وغير المتدينين وبين المتدينين أنفسهم وبين اليسار المتطرف والمعتدل وبين جيل الصابرا والمهاجرين الجدد وبين المهاجرين من الشرق وبين المهاجرين من الغرب، بالإضافة إلى صراع طويل بين الفلسطينيين الصامدين في أرضهم منذ عام 1948 وبين إسرائيل، مضافاً إلى كل ما سبق الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال، وبينها وبين العرب، إن كل أشكال الصراع السابقة صاغت من إسرائيل الدولة المجهولة الهوية فلم تفلح في بلورة صيغة واضحة لها، فلا دستور، ولا هوية، ولا تعريف محدد لمواطنيها، فهي تستحق أن تلقب بجدارة: دولة الصراع” .
لأن الفكرة الناظمة للكتاب تدور حول أهمية معرفة إسرائيل من الداخل باعتبارها خصماً وعدواً وحتى باعتبارها جاراً مفروضاً، فإن الكتاب يأتي في سياق التحولات والتطورات التي طرأت على الاستراتيجيات المتعلقة بالحروب والصراعات وظهور الجيل الرابع من الحرب وما يسمى الحرب الناعمة حيث يتم استعمال ادوات ووسائل غير المتعارف عليها في الحروب القتالية الكلاسيكية، ومن هذه الوسائل اختراق الجبهة الداخلية للخصم وهذا لا يتم إلا من خلال معرفة دقيقة وحقيقية عن العدو ليس فقط في المجالات العسكرية بل أيضاً في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وما يعتري مجتمع الخصم من صراعات، وذلك لمعرفة نقاط الضعف الداخلية و توظيفها في وضع استراتيجية وطنية لمواجهته.
وبالنسبة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي والذي كان يُسمى الصراع العربي الإسرائيلي والممتد طوال عقود، وبالرغم من الشعارات الكبيرة المدججة بعبارات التهديد والوعيد بالقضاء على إسرائيل، وبالرغم من خوض حروب متعددة مع دولة الكيان الصهيوني، إلا أن حكمة (اعرف عدوك) لم تجد طريقاً لها عند القادة وصناع القرار حيث قليلاً ما كان يتم الاهتمام بمعرفة إسرائيل من الداخل وخصوصاً من طرف القادة العسكريين والباحثين ومراكز الأبحاث العربية والفلسطينية، بالرغم من القاعدة أو الحكمة الصينية القديمة التي تقول (اعرف عدوك)، ومعرفة العدو لا يعني بالضرورة الاعتراف به.
بعد قراءتي لهذا الكتاب المهم تبادر إلى ذهني كثير من التساؤلات لها علاقة بكيفية إدارة العرب والفلسطينيين للصراع مع إسرائيل وجهل العرب لوقت طويل حقيقة العدو الذي يحاربونه وهو جهل كان أحد أسباب هزيمتهم في كل الحروب التي خاضوها معه.
لا شك أنه في السنوات الأخيرة وخصوصاً ما بعد مؤتمري مدريد 1991 واوسلو 1993 زاد الاهتمام بدراسة ومعرفة المجتمع الإسرائيلي حيث كانت مراهنة على السلام والتعايش مع إسرائيل كجار، وفي هذا السياق تم الاهتمام بالترجمة من العبرية إلى العربية كما تخصصت مراكز أبحاث فلسطينية بدراسة المجتمع الإسرائيلي أو تغطية ما يجري فيه ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) ومؤسسة الدراسات الفلسطينية ومركز اطلس للدراسات الإسرائيلية، كما أسست بعض الجامعات في الضفة الغربية المحتلة مساقات دراسية متخصصة بالشأن الإسرائيلي.
في اعتقادنا أن الجهل بجوانية المجتمع الصهيوني كان يعود لعدة أسباب منها:
- طغيان البعد الصراعي العسكري والسياسي، حيث انشغل العرب والعالم بالأبعاد العسكرية والجيوسياسية للصراع دون كثير اهتمام بما يجري داخل إسرائيل.
- 2- قوة الدعاية الصهيونية حيث نجحت الحركة الصهيونية ودولتها بترويج صورة رومانسية طهرية عن المجتمع الصهيوني والصهيونية كحركة ودولة اشتراكية وديمقراطية.
- نأي العرب والفلسطينيون عن دراسة المجتمع الإسرائيلي من الداخل ولم يتم الالتفات لهذا الأمر إلا في وقت متأخر وبتحفظ، حيث كان أي حديث عن المجتمع الإسرائيلي من المحرمات وكشكل من أشكال الترويج لإسرائيل أو التطبيع الخفي معها، وكان يُمنع دخول كتب تتحدث عن إسرائيل إن كانت تتعارض مع الصورة النمطية التاريخية غير الحقيقية لإسرائيل ولليهودي كما يصوره الإعلام العربي وخصوصاً المسلسلات والأفلام كشخص بخيل ودميم مهلهل الثياب وأشعث الرأس الخ، بينما في إسرائيل مراكز أبحاث وتخصصات وعلماء متخصصون بدراسة المجتمع الفلسطيني و العربي عموماً.
أما السؤال الأكثر اهمية الذي تبادر إلى ذهني بعد قراءة الكتاب فهو: إذا كان في المجتمع الإسرائيلي الصهيوني كل هذه الجماعات الدينية المتطرفة وكل هذه الصراعات فلماذا إسرائيل الدولة الأكثر تطوراً واستقراراً في الشرق الأوسط؟!!!!.
هذا ما سنحاول الإجابة عليه في مقالنا القادم .