تحية طيبة إليك دكتور نرحب بك في جريدة العالم24
السؤال رقم 1:
كيف عشت الحرب الأخيرة للاحتلال الإسرائيلي على غزة . وماهي العبر والدروس التي يمكن استخلاصها من هاته الحرب ؟
- لم تكن هذه الحرب أو المواجهة العسكرية في مايو الماضي الأولى بل تعرض قطاع غزة منذ سيطرة حماس عليه في يونيو 2007 لثلاثة حروب 2008/2009 و2012 و 2014 ، وقد عايشت هذه الحروب بكل قساوتها وكان المشهد مريعا على المستوى الإنساني. إنه من المبالغة الحديث عن حرب أو وصف ما جرى بالحرب لأن الحرب تكون بين دول أو قوى متكافئة أما في الحالة الفلسطينية وعلى جبهة قطاع غزة فكان عدوان من أقوى دولة وأكثرها تسلحا في الشرق الأوسط ضد شعب محاصر وفقير وقدرات فصائل المقاومة فيه محدودة جدا بالرغم من التهويل والتضخيم في خطاب المقاومة عن قدراتها ، وبالتالي كان المشهد مريعا وانت تشاهد الأطفال والنساء وعوائل بكاملها تتعرض للقصف جوا وبحرا وبرا وبكل أنواع الأسلحة وتهرب منتقلة من مكان لآخر بحثا عن مكان آمن، وما بعد الحرب الخراب والدمار ثم البحث عن جهات خارجية لتعمير ما دمرته إسرائيل، وهذا مشهد تكرر لأربعة مرات خلال 14 سنة.
أهم الدروس التي يمكن استخلاصها :
1- أن كل فلسطين ما زالت تحت الاحتلال بما فيها قطاع غزة وأن الصراع مع إسرائيل لم ينتهي وأن عملية التسوية السياسية فاشلة .
2- إن الكيان الصهيوني نظام عنصري إرهابي لا يحترم أي قوانين وشرائع دولية ولهذا فقد أدانت المنظمات الحقوقية الدولية هذا الكيان وطالبت بفتح تحقيق حول الجرائم التي ارتكبها جيشه في قطاع غزة.
3- وهم او اسطورة محور المقاومة حيث وللمرة الرابعة تواجه فصائل المقاومة في غزة العدوان لوحدها دون ان يسندها مباشرة أي طرف من محور المقاومة، ولو تم فتح جبهات اخرى ضد إسرائيل لتغيرت النتائج كثيرا .
4- غياب استراتيجية وطنية فلسطينية للمقاومة حيث كان الدخول في الحرب بقرار من حركة حماس والحوارات حول الهدنة أو التهدئة كان مع حماس فقط وكأن الحرب فقط بين حماس وإسرائيل.
5- بالرغم من صمود المقاومة والشعب لاحدى عشر يوماً إلا أن الضرر الذي الحقته إسرائيل بقطاع غزة يفوق كثيرا ما الحقته صواريخ المقاومة بها، وان خطاب النصر كان معنويا فقط والشعب في غزة دفع ثمن هذه المواجهة وكل المواجهات. حتى النصر المعنوي أو نصر الصمود لم يتم استثماره وتوظيفه على المستوى الوطني والدولي بسبب الانقسام وغياب الاستراتيجية الوطنية.
6- كل الحروب على غزة كانت خارج السياق الوطني وتخدم إسرائيل ومشروع حركة حماس ـ وبالتالي كانت تؤدي لتكريس الانقسام الفلسطيني وتعزيز سلطة حماس في غزة.
7- لا يمكن المراهنة على الأمم المتحدة والمنتظم الدولي ولا على الانظمة العربية والإسلامية حيث الجميع وقف متفرجا باستثناء مناشدات بوقف العدوان وتصريحات إدانة.
السؤال رقم 2:
كيف يمكن قراءة التطبيع الذي قامت به العديد من الدول العربية مع الاحتلال الاسرائيلي .هل في نظرك يدخل هذا المشروع ضمن مشروع
الشرق الأوسط الكبير الذي تخطط له إسرائيل أم ترجع الأسباب إلى الأوضاع السياسية الذي تعيشها دولة الاحتلال ؟
- بالتأكيد فإن ما جرى غير بعيد عن الإدارة الامريكية ورؤيتها بتشكيل شرق أوسط جديد تكون إسرائيل جزءا منه وهو هدف لم يتغير مع تغير الإدارات الأمريكية من جمهورية إلى ديمقراطية.
ما يميز موجة التطبيع الأخيرة –الإمارات والبحرين والسودان والمغرب- عن سابقاتها – مصر والأردن- أن هذه الأخيرة كانت في حالة حرب ومواجهة مباشرة مع إسرائيل والتطبيع كان جزءاً من اتفاقات تسوية سياسية وترسيم حدود كما أن تطبيع هذه الدول كان رسمياً ولم يؤثر على المواقف الشعبية الرافضة لإسرائيل، أما التطبيع الأخير فكان من دول ليست في حالة حرب مع إسرائيل ولا تربطها حدود معها ، وبالتالي فإن تطبيعها لم يكن له مبرر حتى بمفهوم المصلحة لأنه لا يوجد عند إسرائيل ما تقدمه للدول العربية المطبعة غير موجود عند دول العالم الأخرى وخصوصا دول الغرب وعلى رأسه أمريكا ، كما أن هذا التطبيع يضر بالقضية الفلسطينية لأنه يترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة إسرائيل ويعزز من النفوذ الإسرائيلي داخل هذه الدول ولن تكون العلاقة متكافئة بينها وبين إسرائيل، ونعتقد ان الضغط الذي مارسته إدارة ترامب على هذه الدول كان له دور أساسي في التطبيع وخصوصا أنه ضغط مشفوع بتهديدات أمنية ووعود بحماية هذه الأنظمة أو تقديم مساعدات مالية لها أو مساندتها في المشاكل التي تواجهها كما جرى مع المغرب ووعد ترامب بالاعتراف بمغربية الصحراء. لذا فإن هذا التطبيع كان لمصلحة إسرائيل وستكتشف الدول المطبعة قريبا النتائج المدمرة للتطبيع وأن أمريكا وإسرائيل لن يضمنا أمنها واستقرارها بل إن التطبيع سيفاقم مشاكلها الداخلية أو مع دول الجوار.
السؤال رقم 3:
بعد 10 سنوات من ثورات الربيع العربي وانتهاء ما سمي بالحلم العربي .بدئت تطفو إلى السطح أنظمة يهيمن فيها الحكم العسكري
(مصر.الجزائر..)في نظرك ماهي الأسباب التي جعلت هاته الأنظمة العسكرية تظهر بهذا الشكل في زمن مابعد الموجة الثالثة للديمقراطية؟
- هناك عدة أسباب ولا يمكن رهن الموضوع بسبب واحد كما أن وضع المؤسسة العسكرية ما بعد فوضى الربيع العربي يختلف من دولة إلى أخرى ، ويمكن الحديث عن عدة اسباب لتعثر المسار الديمقراطي وعودة العسكر ونظم مستبدة أو حالة فوضى في ظل وما بعد ما يسمى الربيع العربي
1- قوة وسيطرة المؤسسة العسكرية في هذه الدول وتحكمها في مفاصل الدولة حتى ما قبل ما يسمى الربيع العربي
2- ضعف وفشل المؤسسات المدنية في تحسين الواقع المرير لمواطني تلك الدول سواء كانت مؤسسات مجتمع مدني أو أحزاب سياسية أيضاً ضعف مؤسسة الرئاسة والمجالس التأسيسية التي أفرزتها حركات الربيع العربي وولائها لأجندات حزبية ضيقة أو لأجندة خارجية أدى لإضعافها وعدم ثقة الشعب فيها
3- ضعف ثقافة الديمقراطية في المجتمعات العربية
4- التدخلات الخارجية سواء على مستوى الدول أو الأجندات الخاصة بالإسلام السياسي التي جعلت هذا الثورة أسيرة لتلك التدخلات وأفقدت الشعب للشعور بالأمان الذي حققه بعد ذلك الجيش ولو نسبيا.
السؤال رقم 4:
أعطت المقاومة الفلسطينية درسا للإنسانية في عدالة القضية بالرغم مع أنها تعرضت لمجموعة من حملات التشويه وجعلت العالم ينبهر
بمستويات تنظيماتها وشرعيتها القانونية .كيف يمكن بناء وعي مجتمعي انطلاقا من فكر المقاومة والتي شكلت مرجعا نضاليا وفكريا
متميزا ؟
- المقاومة الفلسطينية ليست فقط العسكرية بل شعبية متعددة الأوجه وفي الحرب الاخيرة شملت المقاومة كل ربوع فلسطين في داخل الخط الأخضر –عرب إسرائيل كما يطلق عليهم- وفي الضفة والقدس وفي غزة ، وكانت المقاومة حسب خصوصية كل منطقة، والمقاومة بهذا المعنى عبرت عن صمود أسطوري للشعب الفلسطيني على كافة المستويات والتصدي لكل الانتهاكات الاسرائيلية، \فاعا عن القدس وحي الشيخ جراح، التصدي لعمليات الاستيطان وسطو المستوطنين على الأراضي والممتلكات الفلسطينية، الدفاع عن الأماكن المقدسة والآثار التاريخية، كل ذلك هو ما خلق حالة دعم للحق الفلسطيني وأثار العالم ضد الجرائم الاسرائيلية .
تفاعل العالم مع المقاومة والصمود الفلسطيني لأن المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها حق تدعمه الشرائع السماوية والوضعية وتدعمه مؤسسات المجتمع الدولي والتمسك بهذا الحق على المستوى الرسمي والشعبي الفلسطيني يدفع بتلك المؤسسات إلى دعم وتأييد هذا الحق، وخصوصا والعالم يشهد عنصرية وجرائم وإرهاب إسرائيل التي لم تتورع عن قتل المدنيين وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها .
نعم الأمر يحتاج لبناء وعي مجتمعي بمفهوم المقاومة وجعلها ثقافة وسلوك يومي في مواجهة الاحتلال بحيث يكون صموده وتمسكه بالبقاء في بيته وعلى أرضه نمط من المقاومة ومقاطعة منتجات الاحتلال هو مقاومة والتمسك بالتراث الفلسطيني مقاومة، كما يحتاج الامر لتوسيع حملات مقاطعة إسرائيل في الخارج ومزيد من حث منظمات حقوق الإنسان الدولية والرأي العام العالمي على دعم ومساندة عدالة الشعب الفلسطيني وتعرية العنصرية الإسرائيلية .
السؤال رقم 5:
هل في نظرك أصبح دور مصر هامشي في القضية الفلسطينية بالنظر إلى المتغيرات الجيوسياسية التي عرفتها المنطقة ؟
الدور المصري لا يمكن تجاهله أو تهميشه نظراً للبعد التاريخي والجغرافي والإنساني الذي بين مصر وفلسطين وخصوصا قطاع غزة ويجب أن لا ننسى أن إسرائيل احتلت قطاع غزة عام 1967 وكان القطاع تحت حكم إداري مصري ، كما أن مصر المنفذ الوحيد المتاح خاصة لسكان قطاع غزة على العالم الخارجي ، وجامعة الدول العربية والعالم الخارجي يقر لمصر بدور في قطاع غزة وظهر ذلك جليا في التفويض الدولي لمصر بإدارة ملف الاعمار والتهدئة بين الفلسطينيين واسرائيل خاصة بعد الحرب الأخيرة على غزة ، ويجب أن لا ننسى أن مصر رعت لملف المصالحة الفلسطينية لسنوات عدة ومعرفتها بخبايا الأمور الفلسطينية يجعلها صاحبة دور مركزي وهام وذلك لاعتبارات تاريخية وجغرافية وخاصة بالأمن القومي المصري كما سبق الذكر. ونعتقد انه سيكون لمصر دورا كبيرا وخطيرا في تحديد مصير قطاع غزة بل ومستقبل حل الدولتين وما ستؤول إليه الأمور في قطاع غزة سيحدد طبيعة الدولة الفلسطينية المستقبلية .
السؤال رقم 6 :
كيف يمكن بناء دولة العدالة الاجتماعية في العالم العربي والتي أصبحت قضية ملحة أكثر من ذي قبل في زمن وباء كورونا كوفيد 19؟
لا يمكن تحقيق دولة العدالة الاجتماعية بدون الديمقراطية وسيادة القانون واحترام المواطنة وهذا لا يتم إلا بوجود انتخابات نزيهة وشفافة والتحرر من سطوة المال السياسي والأجندة السياسية الخارجية التي تضرب بالصميم مبدأ سيادة الشعب.
والعدالة الاجتماعية لا تبدأ بقرارات فوقية ولكن بتوعية من خلال توعية شعبية بالحقوق الأساسية للمواطنين والواجبات تجاه الدولة وهنا يأتي دور المنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني والاعلام النزيه والحر وحتى مناهج التعليم بحاجة للتطوير لأدراج مفاهيم العدالة والديمقراطية والمواطنة في كافة المراحل التعليمية وذلك يساهم في خلق جيل واعي ومنفتح من الشباب القادر على التغيير .
ودولة العدالة الاجتماعية لا تتحقق مرة واحدة، مثلها مثل الديمقراطية والتنمية الشمولية والحداثة، بل هي سيرورة تراكمية والمهم توفر الوعي المجتمعي وعند الأحزاب السياسية بأهميتها وضرورتها، والبدء بخطوات متدرجة بدء من التنشئة الاجتماعية والسياسية إلى الانتخابات النزيهة والمؤسسات الدستورية.
كلمة أخيرة
اليوم أصبح الإعلام بكل أشكاله يلعب دوراً مهماً وخطيراً في توجيه الرأي العام والتأثير عليه ولم يعد مجرد ناقل للخبر بل أصبح صانعا للخبر ، وهنا يأتي دور الإعلام الموضوعي والنزيه والذي يعبر عن هموم وتطلعات المجتمع ويشكل حالة من الوعي لدى الجمهور ، وفي هذا السياق نوجه كل التحية والتقدير لجريدتكم و للدور الذي تقوم به في عملية التنوير وربط المتابعين بما يدور في العالم بكل شفافية . بواسطةأ-د/ إبراهيم أبراش – العالم24