حوار خاص بأوتار مع معالي وزير الثقافة الفلسطيني أ-د/ إبراهيم أبراش
حاوره : رضا محافظي
قراءنا الأعزاء , كما عودناكم ومن خلال مجلتكم الرائدة أوتار العربية نستضيف خلال هذا العدد معالي وزير الثقافة الفلسطيني الذي سيفتج لنا باب البوح بكل صدق وإخلاص كبير , بعدما سألناه عن عدة قضايا : ثقافية ,اجتماعية , سياسية واقتصادية تخص الحبيبة فلسطين ذاك الجرح العربي العميق ليكون حوارنا معه على الشكل التالي , شاكرين له تواصله الدائم بوفاء كبير لمجلته العربية أوتار
سعادة الوزير، مرحبا بكم في بيت “أوتار العربية” ضيفا كريما. نود أن نبدأ بهذا السؤال
1/: يعيش البيت الفلسطيني انقساما خطيرا لم يعرفه من قبل، أصاب الأمة العربية الإسلامية بنوع من الأسى و الإحباط ، و كان مسوغا للبعض من أجل الشماتة و التشفي. ما السبيل، في نظركم، إلى لم الشمل و العمل من جديد يدا بيد لمواجهة مشاريع الاحتلال الصهيوني الرامية الى طمس هوية الشعب و البلد و الى ابتلاع الأرض؟
أنا سعيد بالتواصل مع “أوتار العربية “،وبالنسبة للسؤال ،فلا شك أن ما جرى ويجري أمر خطير وغير مسبوق على كافة المستويات ،أن تتحول التعددية السياسية التي هي مظهر ديمقراطي وحضاري، إلى صراعات سياسية تناحرية ،وان يصبح الدم الفلسطيني غير محرم على الفلسطيني ،وأن تتعدد وتتناقض الشرعيات ،وتتعدد استراتيجيات العمل الوطني وتتعدد السلطات ،وتشكك كل منها بالأخرى ،واحدة كافرة وأخرى خائنة وغير وطنية الخ ،كل هذا يعتبر مؤشرا خطيرا يدل على للانحدار الذي وصلت إليه النخبة السياسية والنظام السياسي ،لو كانت هذه الأحداث تجري في بلد عربي مستقل لكان من الممكن إدراجها في سياق واقع حال المجتمعات العربية التي لا تخلو من أزمات سياسية وحروب أهلية ،ولكن أن تحدث هذه الأمور في بلد تحت الاحتلال ،فهذا هو الأخطر في الموضوع ،لأن معناه إحلال أعداء داخليين (وطنيين )محل العدو الخارجي الذي يحتل الأرض ،ومعناه أيضا تغيير مفهوم و طبيعة الصراع .
مع إدراكنا لخطورة الحالة وتعقدها وتدخل أطراف خارجية لصيرورة الأمور إلى ما هي عليه والعمل الدءوب لهذه الأطراف لاستمرار حالة الانقسام الفلسطيني ،إلا أننا نؤمن أن لا بديل عن الحوار والمصالحة لاستعادة وحدة النظام السياسي وحماية المشروع الوطني ،الحسم العسكري للخلافات الفلسطينية خطير ومرفوض.
كما أن ما حدث يعتبر اعتداء على التاريخ الفلسطيني برمته ، هذا التاريخ المعمد بدماء الشهداء ، وهذا بالطبع هو ما يرمي إليه الاحتلال .
2/ العمل الثقافي من بين أهم مواقع المقاومة لأي شعب من الشعوب واقع تحت الاحتلال. كيف ترون تفعيل العمل الثقافي في ظل الاحتلال الإسرائيلي و في ظل حصار شديد و ضعف و قلة موارد مالية ؟ و ما هي أهم محاور الإستراتيجية الثقافية للحكومة الفلسطينية عامة و وزارة الثقافة خاصة في مواجهة المشروع الثقافي الصهيوني الموجه إلى الصغير و الكبير في الأرض المحتلة و خارجها؟
طبيعة صراعنا مع الاحتلال واختلال موازين القوى العسكرية لصالح الاحتلال يتطلب من إعادة النظر في مفهوم المقاومة بتوسيع مفهومها ودلالتها لتصبح المقاومة الثقافية والتحدي الثقافي مكونا أساسيا للمقاومة الفلسطينية ،المقاومة والتحدي الثقافي لا يقل أهمية عن المقاومة المسلحة في ظل الظروف الراهنة ،لأن العدو لا يقاتلنا من اجل احتلال الأرض فقط بل يخوض ضدنا معركة أكثر شراسة وهي معركة لتشويه ثقافتنا الوطنية وسرقة تراثنا وتزييف تاريخ المنطقة موظفا كل ما يملك من إمكانيات مادية وإعلامية وعلاقات خارجية ،ربما ما يظهر على السطح هي المواجهات العسكرية لأنها ذات ضجيج وفرقعة ويسقط فيها قتلى وجرحى ،ولكن المعركة الأشد شراسة هي البعيدة عن وسائل الإعلام ،إنها معركة ضد كل ما يرمز لثقافتنا وهويتنا .ولذا فإن وجود استراتيجية ثقافية لا يقل أهمية عن وجود استراتيجية أمنية وسياسية ،وللأسف لم يكن هناك اهتمام من طرف السلطة بأهمية المواجهة الثقافية،وبالتالي كان من الملح أن تولي وزارة الثقافة اهتماما بالاستراتيجية الثقافية ،وبالفعل تم وضع استراتيجية بعيدة المدى ومنها تمت صياغة خطة لمدة 3 سنوات ،وحيث أن إعداد هذه لخطة جاء بعد الانقلاب العسكري لحماس في غزة فقد وضعنا عنوانا لهذه الخطة (في ثقافتنا الوطنية متسع للجميع ) وذلك في محاولة منا للحفاظ على وحدة الثقافة الوطنية والحيلولة دون تأثير الصراعات السياسية على الحالة الثقافية . أهم مكونات هذه الخطة :دعم المراكز الثقافية القائمة وإنشاء مراكز جديدة وخصوصا في المناطق النائية ودعم الفرق الفنية بمختلف تخصصاتها ،فضح كل السياسيات الإسرائيلية المستهدفة لتراثنا وهويتنا ،حماية المناطق الأثرية والتراثية ،تعزيز العلاقات الثقافية مع الدول الشقيقة والصديقة والجهات الدولية المعنية بالثقافة والتراث ،لتدريب الأطر الفلسطينية أو تمويل مشاريع ثقافية ،أو للتعريف بالسياسات الإسرائيلية المهددة لثقافتنا وهويتنا ،أيضا تضمنت الخطة إنشاء صندوق التنمية الثقافية وإصدار قانون حماية التراث الخ.
ويحب أن نذكر بأن اهتمامنا بالجانب التربوي والتعليمي لا يقل أهمية عن جهودنا الثقافية ، ويجب أن نعترف بأن جهودنا في مجال التعليم والتربية ووضع تصور للمنهاج الفلسطيني يأخذ في الاعتبار المستقبل الفلسطيني المعتمد على التكنلوجيا كأساس لنظام التعليم والتربية .
إلا أنه وكما يعلم الجميع فأن الاحتلال يعيق كل مسعى وطني حتى وإن كان ثقافيا ،كما أن مناطق السلطة تعاني بشكل عام من أزمة مالية ،وبالنسبة لوزارة الثقافة فإن موازنتها هي الأقل بين الوزارات حيث تشكل 2 بالألف من الموازنة العامة ،الأمر الذي يعيق من قدرة الوزارة على القيام بواجباتها خير قيام .
3/القضية الفلسطينية خاصة جدا بطبيعتها و محل اهتمام العالم بأسره، و نتيجة ذلك أن هناك تدخلات متعددة الأطراف. من مظاهر تلك التدخلات المساعدات المالية، الثقافية على وجه الخصوص، التي تقدمها الدول و المنظمات المختلفة. هل يمكن في نظركم القيام بالفعل الثقافي بمعزل عن مصدر الأموال المقدمة؟
هذه إحدى الإشكالات التي نواجهها في عملنا الثقافي ،فالأزمة الاقتصادية الخانقة والحصار الإسرائيلي يجعلان للدول والجهات الخارجية المانحة دورا أساسيا في المجتمع الفلسطيني ،فعندما تعجز السلطة عن تلبية كل الاحتياجات الأساسية،تضطر المؤسسات الثقافية والأفراد وكل مؤسسات المجتمع المدني للبحث عن مصادر تمويل خارجية ،ولا تستطيع الوزارة أو الحكومة بشكل عام بمنع هذه المؤسسات من تلقي مساعدات خارجية وخصوصا أن السلطة نفسها تعيش على المساعدات الخارجية .الخطورة لا تكمن بالمساعدات بحد ذاتها ولكن بالشروط التي تفرضها الجهات المانحة سواء كانت شروطا مكتوبة كتلك التي تضعها الجهات المانحة الأجنبية والأمريكية خصوصا ،حيث تأخذ من متلقي المساعدة تعهدا مكتوبا بألا تذهب المساعدات لدعم جماعات أو أنشطة إرهابية ،وهم يقصدون بالإرهاب المقاومة،وأحيانا تكون شروطا ضمنية حيث يعمل متلقي المنحة على تكييف نشاطه بما لا يتعارض مع أجندة وسياسيات الجهة المانحة ،بمعنى وجود رادع ذاتي ،حتى يكسب رضاها ولا تتعرض المنحة للتوقف،وهذا الأمر ينطبق على الجهات المانحة الأجنبية والعربية والإسلامية ،فحتى المساعدات التي تقدمها دول عربية وإسلامية إنما تصب في خدمة ألأجندة السياسية لهذه الدول وأحيانا تتعارض هذه الأجندة مع المصلحة الوطنية الفلسطينية .
هناك خطورة أخرى في الموضوع ،فإن كان جائزا تدخل الجهات المانحة في المؤسسات الخدمية من صحة وتشغيل واقتصاد الخ ،فلا يجوز ان تتدخل في الشأن الثقافي ،ففي الحالة الفلسطينية يصبح من الخطر أن تُقاد الثقافة الوطنية بعقلية القطاع الخاص أو (الأنجيوز) – مؤسسات التمويل الخارجي- لأن الثقافة الوطنية وحدة واحدة ويجب أن يكون الاشتغال عليها ضمن استراتيجية ثقافية وطنية ،وللأسف فالجهات الخارجية أصبحت تمول مراكز ثقافية ومؤسسات بعيدا عن وزارة الثقافة وغالبا تحدد الجهات المانحة مجالات صرف الأموال المخصصة .
4/ الأطفال مجتمع المستقبل و هم محل اهتمام أطراف مختلفة للتأثير عليهم ثقافيا و سياسيا في اتجاهات مختلفة بما في ذلك استهدافهم من طرف العدو الصهيوني لخلق مجتمع مستقبلي يقبل بواقع ثقافي و حضاري معين أساسه التخلي عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ما هي نظرتكم إلى هذا الجانب و ماذا تنوون القيام به من أجل استرجاع الطفل الفلسطيني إلى بيئته و حضارته؟
بالتأكيد فإن الأطفال الفلسطينيين هم الشريحة الأكثر معاناة من الاحتلال ومن الأحداث الداخلية ،فقد لعب الأطفال دورا أساسيا في انتفاضة الحجارة حتى تم تسميتهم أطفال الحجارة ،والأطفال هم الأكثر معاناة من الحصار وتوغلات الجيش الإسرائيلي وحملات المداهمة وإطلاق الرصاص وقصف الطائرات ،والأطفال هم الأكثر تضررا من نقص المواد الغذائية والصحية ،وكل طفل فلسطيني هم أبن أو أخ شهيد أو معطوب أو أسير ،فكيف ستكون نفسية أطفالنا في ظل هذه الأجواء .يضاف إلى ذلك ما يتعرض له الأطفال من حملات إعلامية مباشرة وغير مباشرة من خلال الفضائيات المعادية أو شبكة الانترنيت ،هدفها زعزعة إيمانه بقضيته وتشكيكه بتاريخه وهويته وثقافته الوطنية ،وللأسف فإن بعض القوى السياسية الفلسطينية تقوم بدور سلبي في هذا المجال ،حيث تمارس تنشئة اجتماعية وسياسية أكبر من قدرة الطفل على استيعابها أو تنشئه باتجاه واحد تجعل منه إنسانا منغلق التفكير وفاقد القدرة على التواصل مع الآخرين الذين يخالفونه الرأي .
ونحن في وزارة الثقافة نولي اهتماما لثقافة الطفل وهناك عدة برامج في هذا المجال ممولة من جهات خارجية ولكن تحت إشراف الوزارة ،وقبل شهرين تقريبا أقامت الوزارة المعرض الدولي لكتاب الطفل في مدينة رام الله ،وتم رصد مبلغ 60 ألف دولار لشراء آلاف الكتب والتي سنقوم بتوزيعها على مكتبات الأطفال والمراكز الثقافية،وقامت وزارة الثقافة بتأسيس 75 مكتبة أطفال موزعة في مختلف مناطق السلطة في الضفة والقطاع ،كما تقوم الوزارة سنويا بعمل مسابقات أدبية وفنية للأطفال ويتم تقديم جوائز للمتفوقين ،كما ترسل الوزارة أطفالا للمشاركة بمهرجانات وأنشطة في الدول الشقيقة والصديقة،وهناك تنسيق بين وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم في بعض الأنشطة التي تخص الأطفال .
كما أن وزارة الثقافة تنسق الجهود مع كل مؤسسات رعاية الأطفال وبخاصة مع مؤسسة القطان المختصة في مجال ثقافة الطفل ، وهناك بالإضافة إلى ذلك جمعيات عديدة تقوم بالمهمة نفسها .
5/للمجتمع الفلسطيني جزء هو منه لكنه بعيد عنه، هم الفلسطينيون الموجودون في مختلف البلدان الذين لا يمكنهم حاليا العودة إلى الوطن.كيف الارتباط بأولئك على الدوام ،ثقافيا على الخصوص، و كيف يمكن استثمار مجهوداتهم الفكرية و الأدبية في خدمة القضية الفلسطينية؟
عندما نتحدث عن الشعب الفلسطيني فنحن نتكلم عن أكثر من عشر ملايين فلسطيني نصفهم تقريبا خارج الوطن أي في الشتات ،وعندما نتحدث عن الثقافة الفلسطينية فنحن نتحدث عن ثقافة كل الشعب لأن الثقافة الوطنية لا تتجزأ ،لا شك أن البعد عن الوطن وخصوصا لجيل لم يُولد في فلسطين ولم تتح له الفرصة لزيارتها قد يؤثر على الإحساس بالانتماء ،ولكن الفلسطيني في الشتات بشكل عام متمسك بثقافته الوطنية بما فيها الهوية ،وهو يناضل من أجل قضيته الوطنية ويتمسك بثقافته الوطنية حتى بدون أن يطلب أحد منه ذلك ،فالانتماء ليس وظيفة يقوم بها المواطن بل واجب وطني يُمارس تلقائيا وأحيانا لا شعوريا،ومع ذلك فنحن نقوم بالتواصل مع أهلنا في الشتات بعدة طرق وبما هو متاح لنا من إمكانيات ،فهناك ملحقون ثقافيون في بعض البلدان ،وإقامة أنشطة ثقافية وخصوصا أسابيع ثقافية في الخارج وزيارات متكررة لمسئولين من الوزارة لأماكن الشتات الفلسطيني .أيضا الدور الثقافي تقوم به سفاراتنا في الخارج وأصدقاء القضية ،كما يشارك فلسطينيو الشتات في تمثيل الشعب الفلسطيني في المهرجانات والأنشطة التي تقام خارج الوطنية ،وأخيرا تسلم الشاعر محمود درويش جائزة 7 نوفمبر من الرئيس التونسي زين العابدين وهذا موضع مفخرة لكل الشعب الفلسطيني.
6/ينتظر أن يتم عقد مؤتمر قريب حول القضية الفلسطينية، هو ما تعارف العالم على تسميته “مؤتمر الخريف”. هل ستشهد القضية تطورات ايجابية في نظركم أم أن المؤتمر لن يغدو أن يكون محطة مثل المحطات السابقة يستغلها الطرف الإسرائيلي من أجل الدعاية و ربح الوقت و لا يستفيد منها الطرف الفلسطيني شيئا يعود بالفائدة على الشعب المحاصر من كل الجهات؟
التوجه لمؤتمر الخريف القادم – إن عُقد في موعده المفتَرض لا يعني بالضرورة الذهاب للمساومة على الأهداف المشروعة أو التنازل عن ما تم التوافق على أنها ثوابت المشروع الوطني وهي الدولة المستقلة في حدود 1967 بما فيها القدس الشرف وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين ،بل التجاوب مع دعوات سواء كانت أمريكية أو دولية لتحريك عملية السلام المتعثرة .لا شك أن في التفكير الاستراتيجي الأمريكي والإسرائيلي تصورات و رغبة بتحقيق هذه التصورات ،وهي تصورات لحل لا يلبي الحقوق المشروعة للفلسطينيين وحتى لا ينسجم مع ما تم الاتفاق عليه مسبقا كاتفاقية أوسلو أو خطة خارطة الطريق هذا ناهيك عن تلبيتها وانسجامها مع المبادرة العربية للسلام ،والطرف الخصم يريد توظيف حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية والانقسام في الموقف العربي وعدم تماسك الموقف الأوروبي والدولي ،لتمرير ما عجز عن تمريره عندما كان الوضع أفضل حالا ،وما يؤكد هذه التخوفات الغموض المقصود سواء لجهة تاريخ عقد المؤتمر أو مرجعية المؤتمر أو أطرافه أو موضوعاته.
ومع ذلك يجب خوض هذه المعركة التفاوضية حتى لا تحملنا إسرائيل مسؤولية فشل العملية السلمية ،وهي بدأت ذلك من خلال التلويح بأن التشدد الفلسطيني في المفاوضات التمهيدية للمؤتمر سيكون سببا في فشل المؤتمر.وبالتالي يجب التمييز ما بين المفاوضات ونتائج المفاوضات ،ويجب الانتظار بالرغم من كل التخوفات السابقة ،لنرى النتائج ،وبالتأكيد إن كانت النتائج تمس بالثوابت أو تفرط بها ،فلن تُقبل من الشعب الفلسطيني ،وستضع القيادة في وضع حرج ،ولكن علينا أن لا نستبق الأمور ولننتظر .
7/ستكون القدس عاصمة للثقافة العربية سنة 2009، و ستكون تلك فرصة جميلة لتحريك العمل الثقافي و الاستفادة منه على أصعدة مختلفة. كيف هو التحضير لهذه المناسبة خاصة بعد الخلافات التي ظهرت منذ تشكيل اللجنة التحضيرية التي رفض الشاعر محمود درويش رئاستها حين أنشئت؟
اللجنة الوطنية للتحضير للاحتفالية التي شكلها الرئيس أبو مازن هي تحت رئاسته الشرفية وقد أعتذر الشاعر الكبير محمود درويش عن رئاستها الفعلية لأسباب خاصة بانشغالاته الكثيرة وليس لسبب آخر ،وأخيرا شكل السيد الرئيس لجنة تنفيذية من 1ا عضوا لاستكمال إجراءات الاستعداد للاحتفالية ،واللجنة تشتغل على إنجاز شعار الاحتفالية والموقع الالكتروني خلال أيام ،وسيعلن عن بدء الاستعدادات الفعلية للاحتفالية نهاية هذا الشهر ،ونحن مصممون أن تكون انطلاقة الاحتفالية في بداية عام 2009 من مدينة القدس نظرا لما للموضوع من رمزية ثقافية وسياسية ،حيث القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة .
بالرغم من قصر المدة والتحديات التي يفرضها الاحتلال والمعيقات المتوقعة منه ،إلا أن الاستعدادات قائمة على قدم وساق وهناك لجان متعددة تعكف على إعداد كل الأنشطة سواء داخل القدس أم في مناطق الضفة أم في الشتات ،وإن كان التركيز على مدينة القدس إلا أننا نزمع على نقل القدس لكل عاصمة وبلدة عربية حتى يشارك الجميع في هذه المناسبة التي ستذكر الجميع بأن هناك وطنا محتلا وان القدس الشريف محتل ويَُهود بشكل متسارع .
8/كيف تنوون، كوزير للثقافة، الاستفادة من تظاهرة “القدس عاصمة للثقافة العربية 2009” لترسيخ دعائم عمل ثقافي جاد بفلسطين بعيدا عن الحزبية و الصراعات السياسية؟
يجب أن نذكر في البداية أن العائق الكبير لتنفيذ كل طموحاتنا الثقافية يتمثل في الاحتلال الذي يفرض قيودا صارمة على تنقل الفلسطينيين ، وهو يعمد إلى فرض الحصار الثقافي منذ بداية الاحتلال وحتى الآن في صورة منع استيراد المطبوعات العربية ، وحظر تصدير الورق إلى قطاع غزة مما يعيق الحركة الثقافية ، بل يصيبها بالشلل الكامل كما يحدث الآن في غزة .
عندما تُجمع الدول العربية بالرغم مما بينها من خلافات سياسية ،على القدس عاصمة للثقافة العربي،فهذا معناه أن في القدس ما هو مشترك بين كل الدول العربية ،ففيها الرمزية الدينية والعربية والإنسانية وفي القدس أيضا رمزية سياسية باعتبارها عاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة ، فإذا كان العرب ينظرون للقدس هذه النظرة فحري بالفلسطينيين والمثقفين خصوصا أن توحدهم القدس والنضال من اجل القدس.هذه الرمزية التوحيدية للقدس حاضرة في الاستعدادات التي تقوم بها اللجنة الوطنية لاحتفالية القدس – ووزارة الثقافة جزء منها – حيث تسعى لإشراك الجميع بغض النظر عن دينهم أو انتمائهم الحزبي ،ونحن في وزارة الثقافة بدأنا بالاتصال بالمثقفين والفرق الفنية ومؤسسات المجتمع المدني لتحديد أولويات العمل في مدينة القدس،كما باشرنا بتشكيل لجنة في قطاع غزة للقيام بأنشطة ثقافية خلال عام 2009 .
المشكلة ليست عند وزارة الثقافة بل عند القوى السياسية المعارضة وخصوصا حركة حماس ،حيث ترفض هذه الحركة المشاركة بأي أنشطة ثقافية تقوم بها أو تشرف عليها وزارة الثقافة ،لأنها ترى أن وزارة الثقافة جزء من حكومة غير شرعية .ويبدو أن هذه القوى المغلقة فكريا غير قادرة على التمييز بين السياسة والثقافة ،ويأبون إلا أن يسيسوا كل شيء حتى الثقافة .
9/ الا ترون أنه يجب الربط الوثيق بين النشاط الثقافي و المحيط الأكاديمي من أجل إعطاء الأول عمقا أكبر و قوة أشد لبلوغ الأهداف المرجوة منه؟ هل من خطوات من طرفكم في هذا المجال ؟
بالتأكيد ،وهنا يجب أن نذكر بأن كثيرا من المثقفين هم أكاديميون في نفس الوقت،وهناك مجالات عمل مشترك بين النشاط الثقافي والأكاديمي ،فمن الجامعة يتخرج المثقفون بكل تخصصاتهم ،وفي الجامعة يتم تدريس المسرح والموسيقى والتراث والرسم الخ ،وفي حرم الجامعة يتم استضافة فرق فنية ومبدعون للمشاركة بندوات فنية ،وعندنا في وزارة الثقافة برنامج من هذا النوع ،حيث تنسق الوزارة ما بين مفكرين مبدعين والجامعات ،حيث يلقي المفكرون ندوات على الطلبة أو تحليل ومناقشة أهم كتبهم ،والوزارة تغطي التكاليف ألازمة .
أيضا تم تشكيل لجنة وزارية تضم وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم لاختيار مقتطفات من دواوين الشعراء الفلسطينيين لإدراجها ضمن المنهاج المقرر في المدارس.
10/ كيف هو التعاون بينكم و بين الدول العربية في المجال الثقافي؟
هناك بروتوكولات موقعة بين وزارة الثقافة ووزارات ثقافة عربية ،وهناك تبادل زيارات وغالبا من الطرف الفلسطيني للخارج ،حيث لا يتمكن ألأشقاء من دخول مناطق السلطة ،كما أن الدول العربية تستضيف مثقفين وخصوصا شعراء وفنانين للمشاركة في مناسبات ثقافية ،مثلا ، وجهت الجزائر وفي إطار احتفالها بالجزائر عاصمة للثقافة العربية،دعوة لاستضافة أسبوع ثقافي فلسطيني في الأسبوع الأول من الشهر القادم – ديسمبر- وأبدت استعداها لتغطية تكاليف إقامة وتذاكر سفر الوفد البالغ عدده حوالي 70 شخصا.وبشكل عام تحتاج العلاقة الثقافية بيننا وبين الأشقاء العرب إلى مزيد من التطوير مع تجاوز الحساسيات السياسية التي تعيق أحيانا تطوير العلاقات الثقافية .
11/ هل من رسالة توجهونها الى المثقف العربي عموما و الكاتب و الأديب العربي خصوصا بشأن القضية الفلسطينية؟
لأنني أومن بأن المثقفين هم ضمير الأمة ،أتمنى أن يتعامل المثقفون مع القضية الفلسطينية بعيدا عن الحسابات والتجاذبات السياسية .لا شك أن المثقف يصبح سياسيا أحيانا دون أن يخطط لذلك ،إلا أن هناك هامش كبير للالتقاء بين المثقفين على ثوابت الأمة والقضية الفلسطينية من أهم هذه الثوابت ،وليترك المثقفون السياسيين ليتصارعوا فيما بينهم أو ليحاول كل منهم تحقيق أهداف الأمة بالطريقة التي يراها مناسبة ،وليبقى المثقفون ثابتين على المواقف والثوابت .
12/ كلمتكم الأخيرة لقراء مجلة أوتار؟
أوتار مجلة تابعتها منذ بداية تأسيسها ونشرت فيها بعض مقالاتي ،وكانت وما زالت مجلة تتسم بالموضوعية والحياد والبحث عما يوحد الأمة العربية ،وأتمنى من قراء المجلة أن يُعملوا العقل في كل ما يقرءون و يشاهدون ،فالمجلات والفضائيات أصبحت لا تحصى والجهات الممولة والمُنشأة لها متعددة ومتضاربة المصالح ،ولذا يجب تحكيم العقل، ليس للوصول للحقيقة المطلقة ،فالحقيقة في السياسة أمر بعيد المنال ،بل للحقيقة النسبية واستبعاد كل ما من شأنه إثارة الفتنة والتحريض بين أبناء أمتنا العربية التي هي اليوم المستهدف الرئيس ليس فقط من الصهيونية والأطماع الأمريكية بل من أطراف أخرى متعددة.
تنبيه هاااام :
هذا الحوار خاص بمجلة أوتار العربية ويمنع منعا باتا نقله الى اي موقع آخر