عبد الواحد بلقصري في حوار مع المفكر الفلسطيني ابراهيم ابراش حول مجموعة من القضايا العربية
تحية طيبة إليك دكتور في هذا الحوار الذي سوف نضع فيه بعض الإشكاليات المعقدة التي يعيشها العالم اليوم وذلك بغاية تبيان بعض الحقائق لقرائك ولمتتبعي مقالاتك بالمغرب
السؤال رقم 1:
يعيش العالم اليوم تداعيات الحرب الروسية الاكرانية وتبعاتها الاقتصادية في نظر ك دكتور هل هاته الحرب بإمكانها إعادة ترتيب الجغرافية الجيوسياسية للعالم؟ ونهاية ما يسمى بالأحادية القطبية؟- لأن أسباب الحرب في أوكرانيا عديدة ومتشابكة فإن تداعياتها أيضاً متشعبة ومفتوحة على كل الاحتمالات. ففي هذه الحرب يتداخل الماضي مع الحاضر، السياسة مع الاقتصاد، وخلافات عِرقية تتغذى من تجربة تاريخية تعود لمرحلة ما قبل انهيار الاتحاد السوفيتي وأخرى لها علاقة بتخوفات أمنية روسية من توسع حلف الأطلسي ليضم أوكرانيا ومرابطة قواته وصواريخه النووية على الحدود الروسية، وهي تخوفات مشروعة لأن بقاء حلف الأطلسي وتوسعه بالرغم من انهيار حلف وارسو مع انهيار المعسكر الاشتراكي ليس له تفسير إلا أن الغرب يهيئ نفسه لمواجهة عدو قائم أو محتَمَل والعدو في هذه الحالة هو روسيا والصين، وفي المقابل هناك تخوفات أوروبية وأمريكية من نوايا روسيا بعد استعادتها توازنها العسكري والاقتصادي بعد ثلاثة عقود من انهيار المعسكر الاشتراكي وتوسعها نحو دول البلقان كما جرى في شبه جزيرة القرم. انطلاقاً مما سبق يمكن تفسير شدة ردة الفعل الغربية. فقبل بدء الحرب كان المعسكر الغربي ضعيفاً وفي حالة تفكك وخصوصاً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والخلافات الأمريكية الغربية في عهد الرئيس الأمريكي ترامب ولكن بعد الغزو الروسي لأوكرانيا أعاد التحالف الغربي تماسكه، وربما للمرة الأولى بعد نهاية الحرب الباردة يظهر فيه التحالف الغربي بهذا التماسك، وإلى الآن يبدو الغرب متماسكاً في مواجهة روسيا، وما كان موقف الغرب ليكون بهذا الشكل لو لم تكن هناك تهديدات حقيقية يتخوف منها الغرب وخصوصاً أمريكا التي تعرف أن زمن سيطرتها الأحادية على العالم قد انتهت وان هناك منافسين جُدد.إن كان من السابق لأوانه التنبؤ بمجريات الصراع إلا أنه حتى مع توقف الحرب العسكرية الرسمية والمباشرة في أوكرانيا فإن الغرب سيعمل على استنزاف روسيا داخلياً وبمناوشات حدودية أو داخل أوكرانيا، وستستمر حرب اقتصادية تجارية سيبرانية عالمية ستؤثر على كل دول العالم وستؤسِس لنظام دولي جديد تسوده حالة توتر وعدم استقرار. وفي اعتقادنا أن نهاية الأزمة لن تكون ربحاً خالصاً لأوكرانيا والغرب بالرغم من حالة الحشد والتجييش الغربي كما لن تكون ربحاً خالصاً لروسيا بالرغم من امتلاكها السلاح النووي والفيتو في مجلس الأمن، بل سيتم التوصل لتفاهمات حل وسط وسيبقى النظام الدولي على المدى القريب متأرجحاً ما بين الأحادية والثنائية القطبية .
السؤال رقم 2:
نعيش اليوم مناورات سياسية لحلف الناتو محاولة منه للضغط على روسيا هل توسيع قاعدته من شأنه أن يدخل العام في حرب عالمية نووية ثالثة؟- أجبنا عن جزء من هذا السؤال فيما سبق، وفي هذا السياق يجب الأخذ بعين الاعتبار أن أي حديث عن حرب عالمية ثالثة يجب أن يستبعد نمط الحربين العالميتين السابقتين كما أن الدول المشاركة في الحرب لا تعلن أنها ستخوض حرباً عالمية بل تنزلق الدول لهده الحرب حتى دون أن تكون راغبة فيها. قد يصح تسمية ما يجري على جبهة أوكرانيا بحرب ثالثة من حيث عدد الدول المشاركة فيها، فالحرب الدائرة الآن ليست بين روسيا وأوكرانيا فقط بل بين روسيا وحلف النيتو بكامله وإن كان هذا الأخير يُقاتل حتى الآن عن بُعد وليس على أراضي دوله، ولكن دون ذلك ستكون الحرب العالمية الأولى في ظل عالم معولم أو العولمة التي سعت لتحويل العالم لقرية كونية تقوم على الاعتمادية المتبادلة وتَدَاخُل العلاقات والمصالح والاقتصاد، ومن حيث نوع الأسلحة المتوفرة عند الأطراف المتحاربة، وفي اعتقادنا أن روسيا لهذا السبب لا تسعى لتوسيع نطاق الحرب خارج أوكرانيا وأوروبا أيضاً لا تريد ذلك، أمريكا الدولة الوحيدة المعنية بتوسيع مجال الحرب لتكون عالمية لأنها بعيدة عن ميدان الحرب التي لا تجري على أراضيها، ومن مصلحة أمريكا إضعاف روسيا وإضعاف أوروبا. وحتى إن تم حصر ميدان الحرب العسكرية في حدود روسيا وأوكرانيا فإن ما هو قريب من الحرب العالمية بدأت بالفعل ولكنها حرباً اقتصادية تجارية ومالية و سيبرانية ونفسية ودعائية.
السؤال رقم 3:
تعيش القدس الشريفة تدخلات همجية وحشية علي الفلسطينيين في المسجد الأقصى كيف تقرأ هاته الأحداث في هذا الوقت الراهن الذي يرتبط بالحرب الروسية الأكرانية؟
– استهداف مدينة القدس وساكنيها والمرابطين في المسجد الأقصى ليس بالفعل الجديد، فمنذ احتلال فلسطين وكل جزء من أرض فلسطين مهدد بالاستيطان والتهويد ومصادرة الأراضي، وكل مواطن فلسطيني عرضة للانتهاكات والحرمان من ممارسة حقوقه بدءا من حقه في الحياة مروراً بحقه في الحركة والعبادة والتعبير عن هويته الوطنية حتى العلم الفلسطيني بات يشكل تهديدا لهذ الكيان الغاصب، ومع كل تغير يطرأ على الأحداث في المحيط العربي أو على المستوى الدولي حتى على صعيد الحالة الفلسطينية الداخلية تستغل إسرائيل هذه الأحداث لخدمة مشروعها الإرهابي الاحتلالي بفرض سيطرتها على الأرض الفلسطينية وتهويد مقدساتها وإفراغها من ساكنيها. الاحتلال استغل الانقسام الفلسطيني وحالة الترهل السياسي وغياب التخطيط الاستراتيجي في مواجهة الاحتلال وممارساته، كذلك استغل فوضى الربيع العربي لتفتيت حالة الإجماع العربي وكي الوعي تجاه البعد القومي والإسلامي للقضية الفلسطينية وتصوير إسرائيل كأنها البلد الديمقراطي المتحضر الوحيد في المنطقة ومحاطة بدول إرهابية همجية تديرها قوى شريرة تسعى لإبادة دولتهم ،وها نحن اليوم أمام حرب روسية أوكرانية انشغل العالم بها وأثرت على مناحي عدة من شؤون العالم الاقتصادية والسياسية والحياتية وإسرائيل كعادتها تستغل كل ذلك لتمرير مخططاتها في الاستيطان والتهويد والتملص من أي استحقاقات دولية أو حقوقية أو حتى الجلوس للتفاوض لغياب الراعي الدولي والاهتمام العالمي، والأخطر من ذلك استغلالها لحرب أوكرانيا وما يسمى بالخطر النووي الإيراني لإحياء اتفاقات (السلام البراهيمي) بينها وبين الدول العربية المطبعة معها .
السؤال رقم 4:
كيف تقرأ دكتور مقتل شهيدة القلم الصحفية شيرين أبو عاقلة الصحفية المناضلة الحرة؟- كل فلسطيني مستهدف من جيش الاحتلال حتى الفلسطيني المسالم يعتبر في نظر إسرائيل عدوا يستدعي الاعتداء والتنكيل لأنه يشكل حالة صمود على الأرض التي تزعم الصهيونية ودولتها إنها أرض إسرائيل. اغتيال أبو عاقلة يعكس عقلية الجندي الإسرائيلي المدجج بالسلاح والكره والخوف من الفلسطيني، خوف من مجرد وجود الفلسطيني على أرضه، خوف من ممارسة الفعل المقاوم، خوف من نقل صورة الاعتداء الوحشي اليومي للاحتلال و الشهيدة شيرين كانت تنقل وتوثق وتفضح هذه الجرائم، الاحتلال يمارس رغبته بقتل كل فلسطيني على هذه الأرض رجال ونساء وأطفال، مسيحيين ومسلمين، يغتال الحياة والهوية والثقافة يومياً، جريمة اغتيال أبو عاقلة واغتيال كل مظاهر الحياة على الأرض الفلسطينية تستدعي نصرة ودعم للشعب الفلسطيني وتحقيق دولي جاد وحقيقي لفضح الوجه الحقيقي للاحتلال .
السؤال رقم 5:
ماهي الأسباب في نظرك التي جعلتنا في العالم العربي لم نؤسس لقيم مركزية تكرس لقيم المواطنة الفاعلة وتكون مدخلا لدول وطنية مبنية على الاندماج الوطني ؟
– ساهم الاستعمار الغربي للدول العربية في تأخر نهضة عالمنا العربي على كافة الأصعدة والمجالات ومنها تراجع مفردات المواطنة والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ولكن لم يكن هذا السبب الأوحد وإن كان عاملاً فاعلاً، فهناك أسباب ثقافية تتعلق بالموروث الاجتماعي والديني ونخب سياسية واجتماعية وظفت هذا الموروث ووضعته في حالة تعارض مع قيم المواطنة والديمقراطية، كما أن الممارسة السياسية لأنظمة حكم غالبيتها وراثية أو انقلابية عسكرية قطعت الطريق أمام المواطن العربي والعقل السياسي العربي لقبول وممارسة مبدأ الخضوع للقانون واحترامه وإن تواجد القانون فلابد من قوة تجبره على الالتزام به، ولم يتعايش المجتمع العربي في بيئة فيها القدر الكافي من ممارسة الحرية واحترام حريات الآخرين في المعتقد والممارسة، انتشار الجهل والأمية وتأثر الكثير من المجتمعات العربية بالطائفية والقبلية وسيادة قانون العشيرة ومبدأ القوة على سلطة القانون والدولة وتأثر المجتمعات بالفهم الخاطئ المتطرف للدين الذي جعل من الجهلة والمتطرفين أولي الأمر .عندما تغيب الديمقراطية والحِكامة ينتشر الفساد والمحسوبية والولاءات الشخصية وغياب وعي الشعوب بحقوقها وفقدان الثقة بالوطن ومؤسساته حتى أصبحت العلاقة بين الشعب والدولة علاقة عداء والانتماء للطائفة والعرق والقبيلة أقوى من الانتماء للوطن الذي تحول لحالة افتراضية .كل هذه العوامل ساهمت في تراجع مفاهيم الانتماء لدى المواطن العربي وشعوره بالغربة وغياب الأمان لديه ونمو نزعة العنف وللأسف يجعله يعكس ذلك في ممارساته اليومية في حالة من اللامبالاة.
السؤال رقم 6:
بعد 11 سنة من زمن ثورات الربيع العربي كيف ترى المشهد السياسي في العالم العربي؟ لا نستطيع أن نقول أن العالم العربي قبل ما يسمى الربيع العربي كان واحة من الديمقراطية والتطور والتحضر واحترام للإنسان ،وبعد مرور هذه السنوات بعد قيام ثورات ما يسمى الربيع العربي نجزم أن الوضع العربي تردى ولم يحقق ما يسمى الربيع العربي للشعب أياً من تطلعاته في العيش بكرامة وحرية واستقرار، لم نر في هذا الربيع الموهوم إلا حروباً طاحنة أكلت الأخضر واليابس وقسمت الدول العربية وتركتها مجالاً مفتوحاً بلا حماية لكل التدخلات والأجندات الخارجية وأصبحت أوطاننا ساحات لحروب دول أخرى والمواطنون يجنون الموت والفقر والدمار ويتحولون إلى مرتزقة في أوطانهم لخدمة مشاريع وأجندة خارجية. استطاعت الجماعات الإرهابية والمتطرفة والاسلاموية أن يكون لها مناطق نفوذ لنشر الإرهاب والجهل والدمار أو تكون سبباً لوجود قواعد عسكرية أجنبية على الأراضي العربية بحجة الحرب على الإرهاب، وتفشت الطائفية والعرقية بشكل غير مسبوق حتى أصبح المواطن عدوا لبني جلدته أكثر من عدائه للأجنبي الذي يحتل أرضه . ولم نلحظ تطوراً على الحالة الديمقراطية ولا الاقتصادية ولا حتى احترام لحقوق الإنسان. لا نريد العودة مجدداً لتفكيك وتحليل ما يُسمى (الربيع العربي) وهل كان ربيعاً بالفعل، وما هي النتائج المترتبة عليه بعد 11 سنة من الفوضى والخراب؟ ولكن قليلاً من التفكير بعقلانية وهدوء فيما جرى ويجري في الدول التي ضربتها فوضى (الربيع العربي) تجعلنا نكتشف كم كانت كبيرة وخطيرة المؤامرة على الأمة العربية، وكيف تم استغلال تحركات شبابية تجاوب معها غالبية الشعب تطالب بالحرية والديمقراطية وهي مطالب مشروعة ولا شك، إلى حالة فوضى مُخطط لها مسبقاً من طرف أمريكا وأدواتها المحلية والكيان الصهيوني الرابح الأكبر من هذا (الربيع) المزعوم أما الشعوب العربية فقد خسرت كثيرا دون أي مكاسب . لا يُعقل أن تكون الجماعات الإسلاموية المتطرفة تحارب في سوريا و ليبيا ومصر وتونس الخ لأن هذه الجماعات تؤمن بالديمقراطية وتريد إسقاط أنظمة غير ديمقراطية! ولا يمكن تصديق أن تركيا تدخلت في سوريا حرصاً على مصلحة الشعب السوري ولأنها ضد نظام الأسد الدكتاتوري، كما لا يمكن لعاقل أن يصدق أن أمريكا تدخلت في سوريا مثلا وأرسلت قواتها وبنت قواعد عسكرية من أجل عيون الشعب السوري ولأنها تريد نشر الديمقراطية. أيضا لا يُعقل أن العربية السعودية وقطر اللتان موَّلتا وشاركتا عسكريا وإعلاميا الجماعات المتطرفة التي قاتلت في سوريا لإسقاط نظام الأسد والقذافي ومبارك وبن علي وعلي صالح، قامتا بذلك لأن هذه أنظمة دكتاتورية ودول الخليج تؤمن بالديمقراطية وتريدها للشعوب العربية الأخرى!.
السؤال رقم 7:
أصبح العنف لغة التخاطب الوحيدة لدى الإنسان العربي في نظرك هل يرجع الأمر إلى النزعات الأصولية ام الى افتقار الإنسان العربي الى الحوار العقلاني الحر بسبب فشل المنظومات التعليمية في تكريس ذلك أم يرجع الأمر إلى أسباب أخرى ؟- ظاهرة موجودة بلا شك ولكنها موجودة عبر العالم، في بعض المجتمعات العربية والإسلامية وخصوصاً التي ابتليت بفوضى ما يسمى الربيع العربي أصبح العنف السياسي والاجتماعي ثقافة حلت محل ثقافة الحوار والاعتراف بالآخر، وهذا له أسباب متعددة منها: 1- غياب ثقافة الديمقراطية والمشاركة السياسية واستعمال الأنظمة السياسية للعنف ضد معارضيها والعنف يستدعي العنف، وهنا نلاحظ أن انتهاكات حقوق الإنسان والاعتقال السياسي والمعتقلات السياسية أكثر حضوراً في العالم العربي مما هي في الدول الديمقراطية. 2- انتشار الجماعات الأصولية المتطرفة التي تمجد العنف وتقدسه تحت عنوان (الجهاد) وهذه الجماعات لها مفهوم خاص للجهاد يصل لدرجة تكفير كل من يخالفها الرأي بل تكفير كل المجتمع، والتكفير يفتح المجال لكل من هب ودب من جهلة الدين لقتل الكافر أو استباحة ماله وعرضه.3- ضعف الدولة الوطنية وعدم قدرتها على حماية أفراد المجتمع وتلبية الاحتياجات الأساسية لهم استنهض انتماءات ونزعات ما قبل الدولة من طائفية وعرقية وقبلية لتحل محل الدولة وأحياناً تكون أقوى من الدولة، وهذه النزعات لا تستطيع إثبات حضورها وانتشارها واستقطاب كل المنتمين لها إلا بعنف موجه ضد مناوئيها من الطوائف والأعراق الأخرى بل وضد الدولة. 4- الاختلال في العدالة الاجتماعية وفي توزيع الثروة والتفاوت الطبقي الحاد بين قطاعات المجتمع أنتج حالة من الفقر والجوع وضيق حال دفعت الطبقات الفقيرة لمحاولة انتزاع حقوقها بنفسها ولو عن طريق العنف.5- التدخلات الخارجية سواء باسم الدين أو العرق شجع قطاعات من المجتمع للتمرد على دولتهم ومجتمعهم.
السؤال رقم 8:
طرحت التحولات الرقمية تحديا جديدا في زمننا المعولم، حيث أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تتحكم في حياة الأفراد، وتساهم في تشكيل هويتهم الاجتماعية الرقمية، ما قراءتك لهذه التحولات القيمية التي صنعت لنا ما بات يسمى “الإنسان المُرقمن”كما جاء على لسان المفكر اللبناني مصطفى حجازي.- في شهر مارس عام 2007 نشرنا بحثا في مجلة المستقبل العربي الصادرة في بيروت بعنوان: (في عصر العولمة تتجدد تساؤلات عصر النهضة: العرب و تحديات عصر العولمة، وفي هذ المقال نوهنا بأهمية مواكبة عصر العولمة وما يتضمن من ثورة معلوماتية وإلا سنبقى في ركب التخلف وأن مواكبة التطور الحضاري ليس أمراً اختيارياً بل تحدياً يجب مواجهته ومواكبته قدر الإمكان . واليوم مع ما طرأ من تطور في المجال السيبراني وخصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي فإن على العرب اقتحام هذا المجال دون تردد لأن من يمتلك وسائط التواصل الاجتماعي أو يُحسن التعامل معها يستطيع التلاعب بعقول الناس، فهذه الوسائط حلت محل وسائل الإعلام التقليدية من صحافة ورقية وإذاعات بل وباتت تنافس التلفاز، وكما قلنا حول العولمة نكرره حول وسائط التواصل بأنها سلاح ذو حدين .
كلمة أخيرة لقرائك ومتتبعينك في المغربإن كنت أشعر بسعادة كبيرة عندما أجد مؤلفاتي ومقالاتي محل اهتمام في العالم العربي وللناطقين بالعربية عبر العالم، إلا أن سعادتي تتعاظم عندما تحظى كتاباتي باهتمام ومتابعة في المغرب البلد العزيز على قلبي والذي عشت فيه حوالي ثلاثة عقود، طالباً ومحاضراً جامعياً، في المغرب تعلمت السياسة أكثر مما علمتها، ولي من الصداقات والمعارف الكثير وأفتخر بهم دائماً. كل الاحترام والتقدير للمغرب شعباً ودولة على مواقفه النبيلة تجاه شعب فلسطين وقضيته العادلة.
عبد الواحد بلقصري يحاور المفكر الفلسطيني ابراهيم ابراش حول مجموعة من القضايا الدولية والعربية المعاصرة تحية طيبة إليك دكتور في هذا الحوار الذي سوف نضع فيه بعض الإشكاليات المعقدة التي يعيشها العالم اليوم وذلك بغاية تبيان بعض الحقائق لقرائك ولمتتبعي مقالاتك بالمغرب
السؤال رقم 1:
يعيش العالم اليوم تداعيات الحرب الروسية الاكرانية وتبعاتها الاقتصادية في نظر ك دكتور هل هاته الحرب بإمكانها إعادة ترتيب الجغرافية الجيوسياسية للعالم؟ ونهاية ما يسمى بالأحادية القطبية؟- لأن أسباب الحرب في أوكرانيا عديدة ومتشابكة فإن تداعياتها أيضاً متشعبة ومفتوحة على كل الاحتمالات. ففي هذه الحرب يتداخل الماضي مع الحاضر، السياسة مع الاقتصاد، وخلافات عِرقية تتغذى من تجربة تاريخية تعود لمرحلة ما قبل انهيار الاتحاد السوفيتي وأخرى لها علاقة بتخوفات أمنية روسية من توسع حلف الأطلسي ليضم أوكرانيا ومرابطة قواته وصواريخه النووية على الحدود الروسية، وهي تخوفات مشروعة لأن بقاء حلف الأطلسي وتوسعه بالرغم من انهيار حلف وارسو مع انهيار المعسكر الاشتراكي ليس له تفسير إلا أن الغرب يهيئ نفسه لمواجهة عدو قائم أو محتَمَل والعدو في هذه الحالة هو روسيا والصين، وفي المقابل هناك تخوفات أوروبية وأمريكية من نوايا روسيا بعد استعادتها توازنها العسكري والاقتصادي بعد ثلاثة عقود من انهيار المعسكر الاشتراكي وتوسعها نحو دول البلقان كما جرى في شبه جزيرة القرم. انطلاقاً مما سبق يمكن تفسير شدة ردة الفعل الغربية. فقبل بدء الحرب كان المعسكر الغربي ضعيفاً وفي حالة تفكك وخصوصاً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والخلافات الأمريكية الغربية في عهد الرئيس الأمريكي ترامب ولكن بعد الغزو الروسي لأوكرانيا أعاد التحالف الغربي تماسكه، وربما للمرة الأولى بعد نهاية الحرب الباردة يظهر فيه التحالف الغربي بهذا التماسك، وإلى الآن يبدو الغرب متماسكاً في مواجهة روسيا، وما كان موقف الغرب ليكون بهذا الشكل لو لم تكن هناك تهديدات حقيقية يتخوف منها الغرب وخصوصاً أمريكا التي تعرف أن زمن سيطرتها الأحادية على العالم قد انتهت وان هناك منافسين جُدد.إن كان من السابق لأوانه التنبؤ بمجريات الصراع إلا أنه حتى مع توقف الحرب العسكرية الرسمية والمباشرة في أوكرانيا فإن الغرب سيعمل على استنزاف روسيا داخلياً وبمناوشات حدودية أو داخل أوكرانيا، وستستمر حرب اقتصادية تجارية سيبرانية عالمية ستؤثر على كل دول العالم وستؤسِس لنظام دولي جديد تسوده حالة توتر وعدم استقرار. وفي اعتقادنا أن نهاية الأزمة لن تكون ربحاً خالصاً لأوكرانيا والغرب بالرغم من حالة الحشد والتجييش الغربي كما لن تكون ربحاً خالصاً لروسيا بالرغم من امتلاكها السلاح النووي والفيتو في مجلس الأمن، بل سيتم التوصل لتفاهمات حل وسط وسيبقى النظام الدولي على المدى القريب متأرجحاً ما بين الأحادية والثنائية القطبية .
السؤال رقم 2:
نعيش اليوم مناورات سياسية لحلف الناتو محاولة منه للضغط على روسيا هل توسيع قاعدته من شأنه أن يدخل العام في حرب عالمية نووية ثالثة؟- أجبنا عن جزء من هذا السؤال فيما سبق، وفي هذا السياق يجب الأخذ بعين الاعتبار أن أي حديث عن حرب عالمية ثالثة يجب أن يستبعد نمط الحربين العالميتين السابقتين كما أن الدول المشاركة في الحرب لا تعلن أنها ستخوض حرباً عالمية بل تنزلق الدول لهده الحرب حتى دون أن تكون راغبة فيها. قد يصح تسمية ما يجري على جبهة أوكرانيا بحرب ثالثة من حيث عدد الدول المشاركة فيها، فالحرب الدائرة الآن ليست بين روسيا وأوكرانيا فقط بل بين روسيا وحلف النيتو بكامله وإن كان هذا الأخير يُقاتل حتى الآن عن بُعد وليس على أراضي دوله، ولكن دون ذلك ستكون الحرب العالمية الأولى في ظل عالم معولم أو العولمة التي سعت لتحويل العالم لقرية كونية تقوم على الاعتمادية المتبادلة وتَدَاخُل العلاقات والمصالح والاقتصاد، ومن حيث نوع الأسلحة المتوفرة عند الأطراف المتحاربة، وفي اعتقادنا أن روسيا لهذا السبب لا تسعى لتوسيع نطاق الحرب خارج أوكرانيا وأوروبا أيضاً لا تريد ذلك، أمريكا الدولة الوحيدة المعنية بتوسيع مجال الحرب لتكون عالمية لأنها بعيدة عن ميدان الحرب التي لا تجري على أراضيها، ومن مصلحة أمريكا إضعاف روسيا وإضعاف أوروبا. وحتى إن تم حصر ميدان الحرب العسكرية في حدود روسيا وأوكرانيا فإن ما هو قريب من الحرب العالمية بدأت بالفعل ولكنها حرباً اقتصادية تجارية ومالية و سيبرانية ونفسية ودعائية.
السؤال رقم 3:
تعيش القدس الشريفة تدخلات همجية وحشية علي الفلسطينيين في المسجد الأقصى كيف تقرأ هاته الأحداث في هذا الوقت الراهن الذي يرتبط بالحرب الروسية الأكرانية؟
– استهداف مدينة القدس وساكنيها والمرابطين في المسجد الأقصى ليس بالفعل الجديد، فمنذ احتلال فلسطين وكل جزء من أرض فلسطين مهدد بالاستيطان والتهويد ومصادرة الأراضي، وكل مواطن فلسطيني عرضة للانتهاكات والحرمان من ممارسة حقوقه بدءا من حقه في الحياة مروراً بحقه في الحركة والعبادة والتعبير عن هويته الوطنية حتى العلم الفلسطيني بات يشكل تهديدا لهذ الكيان الغاصب، ومع كل تغير يطرأ على الأحداث في المحيط العربي أو على المستوى الدولي حتى على صعيد الحالة الفلسطينية الداخلية تستغل إسرائيل هذه الأحداث لخدمة مشروعها الإرهابي الاحتلالي بفرض سيطرتها على الأرض الفلسطينية وتهويد مقدساتها وإفراغها من ساكنيها. الاحتلال استغل الانقسام الفلسطيني وحالة الترهل السياسي وغياب التخطيط الاستراتيجي في مواجهة الاحتلال وممارساته، كذلك استغل فوضى الربيع العربي لتفتيت حالة الإجماع العربي وكي الوعي تجاه البعد القومي والإسلامي للقضية الفلسطينية وتصوير إسرائيل كأنها البلد الديمقراطي المتحضر الوحيد في المنطقة ومحاطة بدول إرهابية همجية تديرها قوى شريرة تسعى لإبادة دولتهم ،وها نحن اليوم أمام حرب روسية أوكرانية انشغل العالم بها وأثرت على مناحي عدة من شؤون العالم الاقتصادية والسياسية والحياتية وإسرائيل كعادتها تستغل كل ذلك لتمرير مخططاتها في الاستيطان والتهويد والتملص من أي استحقاقات دولية أو حقوقية أو حتى الجلوس للتفاوض لغياب الراعي الدولي والاهتمام العالمي، والأخطر من ذلك استغلالها لحرب أوكرانيا وما يسمى بالخطر النووي الإيراني لإحياء اتفاقات (السلام البراهيمي) بينها وبين الدول العربية المطبعة معها .
السؤال رقم 4:
كيف تقرأ دكتور مقتل شهيدة القلم الصحفية شيرين أبو عاقلة الصحفية المناضلة الحرة؟- كل فلسطيني مستهدف من جيش الاحتلال حتى الفلسطيني المسالم يعتبر في نظر إسرائيل عدوا يستدعي الاعتداء والتنكيل لأنه يشكل حالة صمود على الأرض التي تزعم الصهيونية ودولتها إنها أرض إسرائيل. اغتيال أبو عاقلة يعكس عقلية الجندي الإسرائيلي المدجج بالسلاح والكره والخوف من الفلسطيني، خوف من مجرد وجود الفلسطيني على أرضه، خوف من ممارسة الفعل المقاوم، خوف من نقل صورة الاعتداء الوحشي اليومي للاحتلال و الشهيدة شيرين كانت تنقل وتوثق وتفضح هذه الجرائم، الاحتلال يمارس رغبته بقتل كل فلسطيني على هذه الأرض رجال ونساء وأطفال، مسيحيين ومسلمين، يغتال الحياة والهوية والثقافة يومياً، جريمة اغتيال أبو عاقلة واغتيال كل مظاهر الحياة على الأرض الفلسطينية تستدعي نصرة ودعم للشعب الفلسطيني وتحقيق دولي جاد وحقيقي لفضح الوجه الحقيقي للاحتلال .
السؤال رقم 5:
ماهي الأسباب في نظرك التي جعلتنا في العالم العربي لم نؤسس لقيم مركزية تكرس لقيم المواطنة الفاعلة وتكون مدخلا لدول وطنية مبنية على الاندماج الوطني ؟
– ساهم الاستعمار الغربي للدول العربية في تأخر نهضة عالمنا العربي على كافة الأصعدة والمجالات ومنها تراجع مفردات المواطنة والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ولكن لم يكن هذا السبب الأوحد وإن كان عاملاً فاعلاً، فهناك أسباب ثقافية تتعلق بالموروث الاجتماعي والديني ونخب سياسية واجتماعية وظفت هذا الموروث ووضعته في حالة تعارض مع قيم المواطنة والديمقراطية، كما أن الممارسة السياسية لأنظمة حكم غالبيتها وراثية أو انقلابية عسكرية قطعت الطريق أمام المواطن العربي والعقل السياسي العربي لقبول وممارسة مبدأ الخضوع للقانون واحترامه وإن تواجد القانون فلابد من قوة تجبره على الالتزام به، ولم يتعايش المجتمع العربي في بيئة فيها القدر الكافي من ممارسة الحرية واحترام حريات الآخرين في المعتقد والممارسة، انتشار الجهل والأمية وتأثر الكثير من المجتمعات العربية بالطائفية والقبلية وسيادة قانون العشيرة ومبدأ القوة على سلطة القانون والدولة وتأثر المجتمعات بالفهم الخاطئ المتطرف للدين الذي جعل من الجهلة والمتطرفين أولي الأمر .عندما تغيب الديمقراطية والحِكامة ينتشر الفساد والمحسوبية والولاءات الشخصية وغياب وعي الشعوب بحقوقها وفقدان الثقة بالوطن ومؤسساته حتى أصبحت العلاقة بين الشعب والدولة علاقة عداء والانتماء للطائفة والعرق والقبيلة أقوى من الانتماء للوطن الذي تحول لحالة افتراضية .كل هذه العوامل ساهمت في تراجع مفاهيم الانتماء لدى المواطن العربي وشعوره بالغربة وغياب الأمان لديه ونمو نزعة العنف وللأسف يجعله يعكس ذلك في ممارساته اليومية في حالة من اللامبالاة.
السؤال رقم 6:
بعد 11 سنة من زمن ثورات الربيع العربي كيف ترى المشهد السياسي في العالم العربي؟ لا نستطيع أن نقول أن العالم العربي قبل ما يسمى الربيع العربي كان واحة من الديمقراطية والتطور والتحضر واحترام للإنسان ،وبعد مرور هذه السنوات بعد قيام ثورات ما يسمى الربيع العربي نجزم أن الوضع العربي تردى ولم يحقق ما يسمى الربيع العربي للشعب أياً من تطلعاته في العيش بكرامة وحرية واستقرار، لم نر في هذا الربيع الموهوم إلا حروباً طاحنة أكلت الأخضر واليابس وقسمت الدول العربية وتركتها مجالاً مفتوحاً بلا حماية لكل التدخلات والأجندات الخارجية وأصبحت أوطاننا ساحات لحروب دول أخرى والمواطنون يجنون الموت والفقر والدمار ويتحولون إلى مرتزقة في أوطانهم لخدمة مشاريع وأجندة خارجية. استطاعت الجماعات الإرهابية والمتطرفة والاسلاموية أن يكون لها مناطق نفوذ لنشر الإرهاب والجهل والدمار أو تكون سبباً لوجود قواعد عسكرية أجنبية على الأراضي العربية بحجة الحرب على الإرهاب، وتفشت الطائفية والعرقية بشكل غير مسبوق حتى أصبح المواطن عدوا لبني جلدته أكثر من عدائه للأجنبي الذي يحتل أرضه . ولم نلحظ تطوراً على الحالة الديمقراطية ولا الاقتصادية ولا حتى احترام لحقوق الإنسان. لا نريد العودة مجدداً لتفكيك وتحليل ما يُسمى (الربيع العربي) وهل كان ربيعاً بالفعل، وما هي النتائج المترتبة عليه بعد 11 سنة من الفوضى والخراب؟ ولكن قليلاً من التفكير بعقلانية وهدوء فيما جرى ويجري في الدول التي ضربتها فوضى (الربيع العربي) تجعلنا نكتشف كم كانت كبيرة وخطيرة المؤامرة على الأمة العربية، وكيف تم استغلال تحركات شبابية تجاوب معها غالبية الشعب تطالب بالحرية والديمقراطية وهي مطالب مشروعة ولا شك، إلى حالة فوضى مُخطط لها مسبقاً من طرف أمريكا وأدواتها المحلية والكيان الصهيوني الرابح الأكبر من هذا (الربيع) المزعوم أما الشعوب العربية فقد خسرت كثيرا دون أي مكاسب . لا يُعقل أن تكون الجماعات الإسلاموية المتطرفة تحارب في سوريا و ليبيا ومصر وتونس الخ لأن هذه الجماعات تؤمن بالديمقراطية وتريد إسقاط أنظمة غير ديمقراطية! ولا يمكن تصديق أن تركيا تدخلت في سوريا حرصاً على مصلحة الشعب السوري ولأنها ضد نظام الأسد الدكتاتوري، كما لا يمكن لعاقل أن يصدق أن أمريكا تدخلت في سوريا مثلا وأرسلت قواتها وبنت قواعد عسكرية من أجل عيون الشعب السوري ولأنها تريد نشر الديمقراطية. أيضا لا يُعقل أن العربية السعودية وقطر اللتان موَّلتا وشاركتا عسكريا وإعلاميا الجماعات المتطرفة التي قاتلت في سوريا لإسقاط نظام الأسد والقذافي ومبارك وبن علي وعلي صالح، قامتا بذلك لأن هذه أنظمة دكتاتورية ودول الخليج تؤمن بالديمقراطية وتريدها للشعوب العربية الأخرى!.
السؤال رقم 7:
أصبح العنف لغة التخاطب الوحيدة لدى الإنسان العربي في نظرك هل يرجع الأمر إلى النزعات الأصولية ام الى افتقار الإنسان العربي الى الحوار العقلاني الحر بسبب فشل المنظومات التعليمية في تكريس ذلك أم يرجع الأمر إلى أسباب أخرى ؟- ظاهرة موجودة بلا شك ولكنها موجودة عبر العالم، في بعض المجتمعات العربية والإسلامية وخصوصاً التي ابتليت بفوضى ما يسمى الربيع العربي أصبح العنف السياسي والاجتماعي ثقافة حلت محل ثقافة الحوار والاعتراف بالآخر، وهذا له أسباب متعددة منها: 6- غياب ثقافة الديمقراطية والمشاركة السياسية واستعمال الأنظمة السياسية للعنف ضد معارضيها والعنف يستدعي العنف، وهنا نلاحظ أن انتهاكات حقوق الإنسان والاعتقال السياسي والمعتقلات السياسية أكثر حضوراً في العالم العربي مما هي في الدول الديمقراطية. 7- انتشار الجماعات الأصولية المتطرفة التي تمجد العنف وتقدسه تحت عنوان (الجهاد) وهذه الجماعات لها مفهوم خاص للجهاد يصل لدرجة تكفير كل من يخالفها الرأي بل تكفير كل المجتمع، والتكفير يفتح المجال لكل من هب ودب من جهلة الدين لقتل الكافر أو استباحة ماله وعرضه.8- ضعف الدولة الوطنية وعدم قدرتها على حماية أفراد المجتمع وتلبية الاحتياجات الأساسية لهم استنهض انتماءات ونزعات ما قبل الدولة من طائفية وعرقية وقبلية لتحل محل الدولة وأحياناً تكون أقوى من الدولة، وهذه النزعات لا تستطيع إثبات حضورها وانتشارها واستقطاب كل المنتمين لها إلا بعنف موجه ضد مناوئيها من الطوائف والأعراق الأخرى بل وضد الدولة. 9- الاختلال في العدالة الاجتماعية وفي توزيع الثروة والتفاوت الطبقي الحاد بين قطاعات المجتمع أنتج حالة من الفقر والجوع وضيق حال دفعت الطبقات الفقيرة لمحاولة انتزاع حقوقها بنفسها ولو عن طريق العنف.10- التدخلات الخارجية سواء باسم الدين أو العرق شجع قطاعات من المجتمع للتمرد على دولتهم ومجتمعهم.
السؤال رقم 8:
طرحت التحولات الرقمية تحديا جديدا في زمننا المعولم، حيث أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تتحكم في حياة الأفراد، وتساهم في تشكيل هويتهم الاجتماعية الرقمية، ما قراءتك لهذه التحولات القيمية التي صنعت لنا ما بات يسمى “الإنسان المُرقمن”كما جاء على لسان المفكر اللبناني مصطفى حجازي.- في شهر مارس عام 2007 نشرنا بحثا في مجلة المستقبل العربي الصادرة في بيروت بعنوان: (في عصر العولمة تتجدد تساؤلات عصر النهضة: العرب و تحديات عصر العولمة، وفي هذ المقال نوهنا بأهمية مواكبة عصر العولمة وما يتضمن من ثورة معلوماتية وإلا سنبقى في ركب التخلف وأن مواكبة التطور الحضاري ليس أمراً اختيارياً بل تحدياً يجب مواجهته ومواكبته قدر الإمكان . واليوم مع ما طرأ من تطور في المجال السيبراني وخصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي فإن على العرب اقتحام هذا المجال دون تردد لأن من يمتلك وسائط التواصل الاجتماعي أو يُحسن التعامل معها يستطيع التلاعب بعقول الناس، فهذه الوسائط حلت محل وسائل الإعلام التقليدية من صحافة ورقية وإذاعات بل وباتت تنافس التلفاز، وكما قلنا حول العولمة نكرره حول وسائط التواصل بأنها سلاح ذو حدين .
كلمة أخيرة لقرائك ومتتبعينك في المغربإن كنت أشعر بسعادة كبيرة عندما أجد مؤلفاتي ومقالاتي محل اهتمام في العالم العربي وللناطقين بالعربية عبر العالم، إلا أن سعادتي تتعاظم عندما تحظى كتاباتي باهتمام ومتابعة في المغرب البلد العزيز على قلبي والذي عشت فيه حوالي ثلاثة عقود، طالباً ومحاضراً جامعياً، في المغرب تعلمت السياسة أكثر مما علمتها، ولي من الصداقات والمعارف الكثير وأفتخر بهم دائماً. كل الاحترام والتقدير للمغرب شعباً ودولة على مواقفه النبيلة تجاه شعب فلسطين وقضيته العادلة.