الدولة الفلسطينية :التباس المفهوم وصعوبة التأريخ
ملخص البحث
لعقود طويلة انشغل الفلسطينيون بالكفاح من اجل الاستقلال، وكانت فكرة الوطن بما تحمله من طهرية ورومانسية أكثر حضورا من فكرة الدولة ،فمفهوم الوطن لا يتطابق دائما مع مفهوم الدولة ، وعليه كثرت الدراسات التاريخية حول تاريخ النضال الفلسطيني ، فيما قل التأريخ للدولة الفلسطينية ككيان سياسي وقانوني محدد المعالم وقائم بذاته .
تهدف دراستنا هذه إلى التأريخ للدولة الفلسطينية ، ونظرا لقدم الصراع في فلسطين وحول فلسطين ، وللتداخلات ما بين الوطن بالمفهوم القطري والوطن بالمفهوم القومية والإسلامي ، فقد اقتصرنا على التأريخ لمفهوم الدولة الفلسطينية في الفكر السياسي الفلسطيني الحديث ، وتحديدا منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية 1964 حتى الآن. فخلال أربعين سنة فقط طرح الفلسطينيون –وتعاملوا مع-ستة تصورات ومشاريع للدولة الفلسطينية ، وهي : (1) -في الميثاق القومي الفلسطيني 1964فلسطين ما بعد التحرير ستكون جزءا من دولة الوحدة العربية ،(2) -وفي الميثاق الوطني الفلسطيني 1968 ،فلسطين بحدودها عام 1948 هي وطن الشعب العربي الفلسطيني ، (3) -ومنذ 1971 تم تبني هدف فلسطين الديمقراطية العلمانية التي يعيش فيها اليهود والمسيحيين والمسلمين على قدم المساواة ، (4)- وفي عام 1974 تم تبني البرنامج المرحلي الذي يقول بسلطة وطنية فلسطينية على أي جزء من ارض فلسطين ، (5) -وفي إعلان الاستقلال بالجزائر 1988 تم ينبني هدف الدولة الفلسطينية المستقلة حسب قرارات الشرعية الدولية ، (6) -وأخيرا في خارطة الطريق تم الحديث عن دولة مؤقتة ستقام عام 2005 .
هذا التعدد في التصورات والاستعداد للمساومة على أرض الدولة وشعب الدولة ، أربك السياسة الفلسطينية وأربك المتعاملين معها ، وأحدث انقساما داخليا ما بين السلطة والمعارضة حول الموضوع ، ولم يخدم كثيرا القضية الفلسطينية ، الأمر الذي يتطلب الاتفاق على استراتيجية وطنية حول موضوع الدولة ، حتى لا تبقى ورقة للمساومة مستقبلا .
د/ إبراهيم ابراش
أستاذ العلوم السياسية
جامعة الأزهر – غزة
جامعة محمد الخامس – الرباط- سابقا
الدولة الفلسطينية :التباس المفهوم وصعوبة التأريخ
مقدمة
الدولة الفلسطينية ، حالة خاصة بين الدول سواء من حيث التأريخ لها ككيان سياسي مستقل ومحدد المعالم ، أو من حيث واقع النضال الفلسطيني المتطلع لتجسيد الدولة حقيقة سياسية وقانونية لا مجرد حلم يُقاتل من اجله . فتداخل الهويات وتعدد الانتماءات وتعاقب أشكال الهيمنة والاحتلال في فلسطين وعلى فلسطين ،بالإضافة إلى تعدد المرجعيات التي تشرعن حقنا في دولة ، ما بين شرعية تاريخية وشرعية دولية وشرعية تفاوضية …،كل ذلك يجعل مقاربة موضوع الدولة بعيدا عن العواطف والأيديولوجيات ، أمرا محفوفا بمخاطر سوء الفهم والتشكيك . ومع ذلك وإنصافا للتاريخ وتحريرا له من الأيدولوجيا فالموضوع يحتاج إلى دراسات معمقة لتأكيد الحق الفلسطيني في دولة مستقلة من جانب ،ولتبديد وهم مريح ينتاب البعض بان الدولة على الأبواب من جانب أخر .
ونظرا لمحدودية صفحات هذا البحث ـ فسنتناول التاريخ الحديث لهدف أو مشروع الدولة الفلسطينية ، حيث سنلاحظ انه خلال أربعين سنة فقط – من الميثاق القومي 1964 إلى خارطة الطريق 2003- طرح الفلسطينيون -أو قبلوا بالتعامل مع- ستة تصورات أو مشاريع للدولة الفلسطينية ،حتى جاز القول والتساؤل ، ماذا يريد الفلسطينيون ؟ وما هو مفهوم الدولة في الفكر السياسي الفلسطيني الحديث ؟.
لم يتوسع الميثاق القومي لعام 1964ثم الميثاق الوطني الفلسطيني لعام ،1968 فيما يخص مستقبل فلسطين بعد التحرير، و يعود ذلك إلى خصوصيات المرحلة وهي مرحلة المد القومي والدعوة للوحدة العربية ، أيضا حساسية بعض الحكومات العربية من موضوع الدولة الفلسطينية بل رفضها القاطع للموضوع ، بالإضافة إلى أن بحث موضوع فلسطين ما بعد التحرير بالتفصيل يدخل في إطار المرحلة النهائية للثورة الفلسطينية وهي مرحلة معركة التحرير الحاسمة والتي قالت عنها الثورة الفلسطينية إنها لن تقوم اليوم أو غدا بل هي مهمة الأجيال القادمة وحيث أن هذه المعركة لن تكون فلسطينية خالصة بل حرب تحرير عربية، لذا لم يكن مسموحا للثورة أن تحسم بالأمر لوحدها .
وعليه ، لم يكن غريبا أن مسألة الدولة ككيان قانوني وسياسي ، كمؤسسات وسلطات سياسية وحدود وعلاقات دولية الخ ، لم تشغل كثيرا المفكرين السياسيين ولم توضع ضمن سلم اهتمامات الفصائل الفلسطينية ( الأحزاب) ، حيث أنشغل الجميع بموضوع تحرير الوطن وإقامة الدولة على حساب الانشغال بالدولة بحد ذاتها ، وهذا يفسر أيضا غياب الدراسات القانونية والدستورية حول الدولة الفلسطينية، إلا ما تعلق بالقانون الدولي كمرجعية لتشريع وجود الدولة . وعندما أفرزت آلية التسوية بعد توقيع اتفاقية اوسلو الآمال بقرب قيام الدولة ، احتاج الفلسطينيون إلى خبراء قانونيين وسياسيين من الدول العربية والأجنبية لوضع ألأسس والسياسات العامة للدولة المنشودة !.
كثيرة هي المؤشرات الواضحة والدالة على أن الهدف الأساس لحركة المقاومة الفلسطينية عند انطلاقتها الأولى كان استنهاض الوطنية الفلسطينية وتوريط الأنظمة العربية في معركة التحرير، أما فكرة الدولة الفلسطينية فلم تكن حاضرة عند مفجري الثورة ،حيث ان بعض الدول العربية لم توافق على تأسيس منظمة التحرير إلا بعد أن أعطتها هذه الأخيرة تأكيدات بأنها لن تمارس سيادة على الضفة وغزة ، أضف إلى ذلك أن حالة المد الوطني والقومي كانت تحول ومجرد التفكير بدولة فلسطينية لا تشمل كل فلسطين ، وهذا ما أكد عليه الميثاق الوطني الفلسطيني حيث رفض بشكل قاطع كل مشاريع التسوية بما فيها قرار التقسيم وقراري مجلس الأمن 242 و338 .
اصطدام الثورة الفلسطينية بالواقع ،وخصوصا بعد أحداث الأردن وسلبية الموقف الرسمي العربي، دفع بحركة فتح – اكبر فصائل الثورة الفلسطينية – إلى تحيين الهدف الوطني الاستراتيجي ووضعه موضوع التداول والممكن ولكن من خلال صياغة جديدة له اعتقدت فتح أنها ستجد استحسانا من أطراف يهودية عالمية وأطراف دولية ، وهذه الصياغة أو الهدف هو فلسطين الديمقراطية العلمانية التي تلحظ لليهود المقيمين في فلسطين نفس الحقوق التي هي للعرب الفلسطينيين. مع أن الثورة الفلسطينية بررت تبني هذا الهدف باعتبارات إنسانية، إلا أن الواقع يدل على أن السبب هو بداية تحسس فتح بعدم جدوى المراهنة على البعد القومي العربي الرسمي لوحده وكذا بروز تيار في الساحة الفلسطينية يراهن على ما سماهم اليهود غير الصهاينة ووجود إمكانية بالاعتماد عليهم لخلق نوع من المصالحة التاريخية ما بين اليهود والفلسطينيين . (1)
بسبب الرفض القاطع الذي قوبل به شعار / هدف فلسطين الديمقراطية ، تم التحول عن هذا الهدف وذلك بطرح ما سمي سياسة المرحلية وفكرة السلطة الوطنية مباشرة بعد حرب أكتوبر ، وقد شرعت هذه الفكرة / الهدف المرحلي الطريق أمام وضع مسألة الدولة الفلسطينية موضع التساؤل ،سواء من حيث مرتكزات شرعيتها أو من حيث حجمها أو من حجم مكوناتها الخ وقد دشن هذا التنازل الذي حمل عنوان الواقعية السياسية الطريق نحو مشاريع تسوية متعددة بعضها يشير مباشرة للدولة الفلسطينية وبعضها الآخر يُستنتج منه إمكانية قيام دولة فلسطينية ، وكانت آخر الأفكار السياسية هي خارطة الطريق المطروحة اليوم والتي تشير بوضوح إلى قيام دولة فلسطينية ، ولكن أية دولة ؟ وبأية سيادة وبأي حدود؟.
أولا : دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية
1- الجذور التاريخية للفكرة
تعتبر حركة “فتح” أول جهة فلسطينية تحدد هدف النضال الفلسطيني بإقامة دولة ديمقراطية تتعايش فيها كل الطوائف بتساو، ومع ذلك فان تفحص تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية قبل 1948 يشير إلى وجود مواقف تعبر عن نزعة إنسانية للتعايش بين جميع المواطنين بغض النظر عن الدين أو العرق، ففي الشهادة التي قدمها الفلسطينيون إلى لجنة (بيل ) عام 1937، عبر الفلسطينيون عن رغبتهم بإقامة فلسطين موحدة ديمقراطية متعددة الأديان، ونفس الموقف عبرت عنه المذكرة التي قدمها “حزب الدفاع” الفلسطيني إلى لجنة وودهيد في مايو 1938، حيث طالبت المذكرة بإقامة دولة يتعايش فيها العرب واليهود بسلام وتضمن للجميع حقوقهم الدستورية والقانونية بغض النظر عن الديانة، وتكرر المطلب الفلسطيني بفلسطين الموحدة ألا طائفية عام 1948 خلال وساطة برنادوت لحل النزاع .
إلا أن حرب 1948 والبشاعة الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، ورفض الإسرائيليين لأية إمكانية للتعايش مع الفلسطينيين في فلسطين واحدة، وما لحق بالشعب الفلسطيني من عذاب وآلام ومحن على يد الدولة الصهيونية ، كل هذا خلق تراكمات من الأحقاد وآلا لام النفسية عند الشعب الفلسطيني والعرب عامة، وهو الأمر الذي تمخض عنه بحكم الواقع والمنطق، ظهور مواقف متشنجة تجاه اليهود عُبر عنها بأشكال الرفض المتكررة لأي تفاوض أو تعايش عربي معهم بل ودفع أحيانا ببعض التيارات السياسية لان تضع كل من اليهودية والصهيونية في سلة واحدة وتطالب بالثائر منهم – حركة القوميين العرب في الخمسينات – (2). وفي ظل هذه الأجواء النفسية كان ولا بد أن يشوب الموقف الفلسطيني تجاه الإسرائيليين شيئا من الغموض اتسم بعدم التمييز- ولو من ناحية تكتيكية دعائية ـ بين اليهودية كدين وبين الصهيونية كحركة عنصرية فاشية تسعى لتجسيد نفسها ناطقة باسم اليهودية العالمية وممثلة لليهود في كل مكان. وبقي الفكر السياسي الفلسطيني في نظرته لمصير يهود فلسطين قاصرا عن تحديد موقف واضح، وكثيرا ما كان الحديث عن التحرير وما بعد التحرير يتسم بالغموض وأحيانا يعتبر من القضايا المؤجلة التي لم يحن الوقت لبحثها وتحديد موقف منها. وعليه كان مطلوب توضيح الصورة وتحديد موقف من يهود فلسطين بعد التحرير .
يعود الأساس والمنطلق لطرح مفهوم فلسطين الديمقراطية أذن إلى ضرورة وضع صياغة جديدة للتصور الفلسطيني لليهود(3)، وإعادة تحديد لمعسكر الخصم ومعسكر الأصدقاء، وهذا راجع إلى طبيعة الاحتلال الصهيوني لفلسطين. فخلافا لكل أنواع الاستعمار الأخرى، حيث كانت هزيمة قوات الاحتلال تؤدي إلى خروج القوات المستعمِرة وترك البلاد لأصحابها ،فان طبيعة الاحتلال الاستيطاني الاجلائي لفلسطين كان يطرح بإلحاح إشكالية مصير اليهود في فلسطين ،هؤلاء الذين لم يكونوا مجرد عدة آلاف من الجنود بل مجموعة بشرية متكاملة أو شعب قيد التكون ، أقاموا في فلسطين وولدت أجيال فيها وقطعوا صلتهم ببلدانهم الأصلية وشكلوا أغلبية سكان فلسطين بحيث أصبح السكان الأصليين-الفلسطينيون- يشكلون أقلية ، وبالتالي كان من الصعب القول بأن التحرير يعني طرد كل اليهود من فلسطين، ذلك أن حل المشكلة الفلسطينية يجب ألا يكون على حساب خلق مشكلة يهودية جديدة ستوظفها القوى المعادية ضد الثورة وضد حركة التحرر العربية . ولأن الثورة الفلسطينية لا تخاطب فقط الشعب الفلسطيني بل تخاطب اليهود والرأي العام العالمي فكان عليها أن توضح تصورها لمصير اليهود في فلسطين بعد التحرير .
وحيث انه لم يعد من الممكن ومن المقبول أن تماطل الثورة الفلسطينية كثيرا حول طبيعة فلسطين الغد حيث كانت اليهودية العالمية تستغل هذا السكوت لمصلحة إسرائيل، فقد طُرح بشكل جدي ومسئول ضرورة تحديد موقف، ومن هنا كلفت حركة التحرر الوطني الفلسطيني “فتح” أحد قادتها – أبو اياد – بطرح فكرة فلسطين الغد، وتم الإعلان لأول مرة عن الفكرة في مؤتمر صحفي عقده أبو اياد يوم العاشر من أكتوبر 1968، أعلن فيه أن الهدف الاستراتيجي للثورة الفلسطينية هو دعم إنشاء دولة ديمقراطية على امتداد فلسطين التاريخية، يعيش فيها العرب واليهود في وفاق دون أي تمييز عنصري.(4)
وبهذا حددت “فتح” هدفا فلسطينيا خالصا للنضال متجاوزا الغموض والالتباس السابقين، وقد أعادت تأكيد هذا الهدف بصورة أكثر جلاء وتحديدا في بداية عام 1969 معلنة :(نحن نقاتل في سبيل إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية يعيش فيها الفلسطينيون بكل طوائفهم … مسلمين ومسيحيين ويهود في مجتمع ديمقراطي تقدمي، ويمارسون عباداتهم وأعمالهم مثلما يتمتعون بحقوق متساوية ). وتأكيدا من فتح على إنسانية الهدف استطرد نفس البيان قائلا :(إن ثورتنا الفلسطينية لتفتح قلبها وفكرها لكل بني الإنسان الذين يريدون أن يعيشوا في المجتمع الفلسطيني الحر الديمقراطي وان يناضلوا في سبيله بصرف النظر عن اللون أو الدين أو العرق)(5).
وقد أشارت كافة التصريحات الصادرة عن “فتح” بخصوص الدولة الديمقراطية على أن المكون الأساس لمفهوم دولة فلسطين الديمقراطية، هو تأكيد الطابع الإنساني للثورة الفلسطينية، وإبطال دعاوى الحركة الصهيونية التي تسعى لوضع كل اليهود في سلة واحدة وبالتالي اعتبار أن المصلحة اليهودية في احتلال فلسطين واحدة ،ولا حل للمسألة اليهودية إلا بفلسطين اليهودية الصافية التي تمتد من النيل إلى الفرات لتتمكن من استيعاب أكبر عدد من يهود العالم،كما سعت “فتح ” إلى تحطيم الفكرة الخاطئة عن هدف الثورة الفلسطينية بأنها ضد اليهودي بغض النظر عن معتقداته أو أفكاره، ووضحت “فتح” أنها ضد الصهيونية كأفكار عنصرية شوفينية، وليست ضد اليهودية كدين، كما أكد أبو إياد في مقابلة له مع صحيفة الطليعة المصرية، بان الثورة الفلسطينية تستنكر اضطهاد الإنسان، والتمييز العرقي والديني، وأبدى استعداد “فتح” لتقديم العون إلى اليهود وتزويدهم بالسلاح والقتال إلى جانبهم ضد مضطهديهم.(6)
يبدو أن فكرة التعايش بين اليهود والعرب في دولة واحدة لم تُستوعب جيدا من أطراف فلسطينية وعربية عديدة إلا بعد مرور بعض الوقت، ذلك أن الإحساس العام الفلسطيني والعربي بقي مشبعا بصور القهر والاضطهاد والوحشية التي أنزلها الإسرائيليون بالعرب، فذكرى دير ياسين وكفر قاسم ومآسي حربي 1956 و1967وفقدان الأرض والوطن ومعاناة التهجير الخ استمرت عالقة بالأذهان، بل إن كل يوم جديد يمر يأتي معه بمزيد من الألم النفسي الدافع للحقد على الإسرائيليين والرافض لأي فكرة للتعايش معهم . وغالبا فإن المواطن العادي لا يعنيه كثيرا أو يحفل بأن يدقق في هوية الإسرائيلي صهيوني هو أم لا ….فمن يقيم على ارض فلسطين ويُشرد أصحابها ليحل محلهم هو مستعمِر صهيوني بغض النظر عن معتقداته الفكرية والأيديولوجية ، لان هويته الاستعمارية وصهيونيته العملية تكمن في تواجده في فلسطين مختارا، وبناء على هذا، من الصعب إزالة تراكمات سنين طويلة من العداء والتوتر بمجرد رفع شعار إنساني حضاري ، وخصوصا أن هذا الموقف الإنساني الفلسطيني لم يعره الطرف الآخر كبير اهتمام أو يتجاوب مع دوافعه الإنسانية بمواقف إنسانية متشابهة .
لا ريب أن طرح شعار الدولة الديمقراطية العلمانية وإن كان يعبر عن مواقف إنسانية وحل حضاري إلا أن تحويله إلى واقع كان بحاجة إلى تغيير جذري في المواقف والعقليات والى حدوث مصالحة تاريخية ودينية، وهو الأمر الذي وضحه ياسر عرفات في كلمته المشهورة في الأمم المتحدة عام 1974 ، فبعد أن أكد على المكون الإنساني لهدف الثورة الفلسطينية بإقامة دولة ديمقراطية بالقول :(إننا ندين كل الجرائم التي ارتكبت ضد اليهود وكل أنواع التمييز الصريح والمقنع الذي عانى منه معتنقو اليهودية)، ولكنه أوضح في نفس الوقت الصعوبات التي تواجه تحقيق هذا الهدف الذي يبقى كحلم بعيد المنال، حيث استطرد قائلا : (فلماذا لا أحلم يا سيدي الرئيس، وآمل والثورة هي صناعة تحقيق الأحلام والآمال. فلنعمل معا على تحقيق الحلم في أن أعود مع شعبي من منفاي لأعيش مع هذا المناضل اليهودي ورفاقه، ومع هذا المناضل الراهب المسيحي وإخوانه، في ظل دولة واحدة ديمقراطية يعيش فيها المسيحي والمسلم في كنف المساواة والعدل والإخاء).
بعد جدل واسعة داخل صفوف الثورة الفلسطينية استطاعت “فتح” وبدعم من القوى الفلسطينية، أن تدمج شعار فلسطين الديمقراطية ضمن قرارات المجالس الوطنية الفلسطينية ويصبح بالتالي هدفا استراتيجيا للثورة الفلسطينية ، ولكن إلى حين.
2- فلسطين الديمقراطية في مقررات المجالس الوطنية الفلسطينية.
من المعلوم أن الميثاق الوطني الفلسطيني اهتم بتحديد طبيعة الصراع وأطرافه وباستراتيجية حل الصراع أكثر من اهتمامه بمستقبل فلسطين المحررة سواء فيما يتعلق بطبيعة نظام الحكم أو علاقة فلسطين ببقية الدول العربية ، إلا أن بعض مواده تطرقت إلى اليهود الفلسطينيين وأعطت لهؤلاء الحق بالعيش في فلسطين المحررة، فالمادة الخامسة حددت أولا الفلسطينيين بشكل عام بأنهم :- (المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى عام 1947 سواء من اخرج منها أو بقي فيها، وكل من ولد لأب عربي فلسطيني)، ثم عرفت المادة الموالية اليهود الفلسطينيين انطلاقا من التعريف العام للفلسطينيين بالقول:-( اليهود الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى بدء الغزو الصهيوني لها يعتبرون فلسطينيين).
ونظرا لما اعتبر نقصا آو غموضا في نصوص الميثاق فيما يتعلق بفلسطين المحررة وضح المجلس الوطني في دورته الرابعة – يوليو 1968 – بأن هدف النضال الفلسطيني هو :
1 -تحرير الأرض الفلسطينية بكاملها وممارسة سيادة الشعب العربي الفلسطيني عليها.
2 – حق الشعب الفلسطيني العربي في أن يقيم لنفسه على أرضه المجتمع الذي يرتضيه وأن يقرر موقفه الطبيعي من الوحدة العربية …)
مع أن فكرة الدولة الفلسطينية الديمقراطية بعد التحرير ظهرت عام 1968، إلا أنه لم يتم تبنيها رسميا إلا في الدورة الثامنة للمجلس الوطني الفلسطيني في مارس 1971، ذلك أن عام 1968 كان عام انتصارات ومد ثوري بالنسبة للثورة الفلسطينية الأمر الذي كان لا يعطي أي مبرر لشعار فلسطين الديمقراطية والذي اعتبر بمثابة تنازل عن مبادئ الثورة ، كما أن شدة الصدام مع العدو كان يجعل أية فكرة للتعايش مع اليهود تجد رفضا لدى قطاع واسع من الفلسطينيين والعرب.
وهكذا بدأت القوى التي تتبنى هدف فلسطين الديمقراطية تعزز مواقعها داخل المجلس الوطني الفلسطيني وتؤثر على قراراته باتجاه الاقتراب من تبني الشعار المشار إليه رسميا ، ففي الدورة الخامسة للمجلس حُدد هدف النضال الفلسطيني بأنه (إقامة المجتمع الديمقراطي الحر في فلسطين بجميع الفلسطينيين،مسلمين مسيحيين ويهود)..،وفي الدورة السادسة للمجلس قدمت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين مذكرة للمجلس حددت فيها أن هدف النضال الفلسطيني (إقامة دولة فلسطين الموحدة بعد إزالة الكيان الإسرائيلي وتقضي على التمييز العرقي والعنصري، وتعتمد على حل ديمقراطي للتناحر القائم يستند إلى تعايش الشعبين العربي واليهودي) وفي تقرير اللجنة السياسية والإعلامية للدورة السادسة للمجلس الوطني في القاهرة 1969 ورد بند حول الدولة الديمقراطية، إلا أنه لم يقَر من قِبل اللجنة الخاصة التي كلفت بدراسته، إلا أن البيان الختامي لهذه الدورة، أكد على إصرار الشعب الفلسطيني على (المضي في ثورته إلى أن يتم تحقيق النصر و إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية البعيدة عن كل أشكال التمييز الديني العنصري).
بسبب اشتداد الأزمة في الأردن وحاجة الثورة الفلسطينية لتكتل كل قواها وعدم إثارة أي طرف فلسطيني أو عربي، أرجأت منظمة التحرير مسألة تبني هدف الدولة الديمقراطية بشكل رسمي، ومع أن البيان الصادر عن القيادة الموحدة لحركة المقاومة في مايو 1970 وازن ما بين ديمقراطية المجتمع الفلسطيني بعد التحرير و إيمان الفلسطينيين بالوحدة العربية، إلا انه حذر بأن المجتمع الصهيوني متعصب ومتشنج ومن الصعب أن تخرج منه قوى تقدمية يمكنها أن تُحدث تغييرا في مواقفه، هذا يعني التأكيد على أن هدف الثورة الفلسطينية هو تصفية الكيان الصهيوني سياسيا وعسكريا واجتماعيا ونقابيا وثقافيا .
مع تفجر الصراع ما بين الثورة والنظام الأردني بعد سنوات من المحاولات الفاشلة لخلق نوع من التعايش بين الطرفين وهو صراع كان حتميا نظرا للتناقض الحاد بين الطرفين فكرا وممارسة ، بدأت الثورة تشعر أن مواقعها التي بنت عليها مجمل استراتيجيتها معرضة للانهيار والتصفية، وأن التحرير أبعد مما كانت تتصوره. هذا الأمر دفع بالإضافة إلى عوامل أخرى إلى تعزيز طرح فلسطين الديمقراطية وإلى البحث عن دعم الرأي العام الدولي وعن أنصار للنضال الفلسطيني داخل صفوف الإسرائيليين ، بعد أن ثبت أن بعض الأشقاء العرب أكثر قسوة من الإسرائيليين ! وإن كان من ضمن أسباب تردد الثورة الفلسطينية في تبني هدف فلسطين الديمقراطية أخذها بعين الاعتبار رفض التيارات المحسوبة على الأنظمة العربية لهذا الهدف، فإن سلبية الواقع العربي تجاه المجزرة التي حلت بالفلسطينيين في الأردن(7) لم يترك مبررا لمراعاة مواقف الآخرين، فالثورة انطلاقا من تقييمها الخاص للمرحلة التي تمر بها ولمصالحها، تبنت بثبات هدف فلسطين الديمقراطية ضاربة بعرض الحائط كل الاعتراضات التي انصبت على هذا الهدف “الشعار”” .
بخروج حركة المقاومة الفلسطينية من الأردن لم يبق مبرر للاستمرار في سياسة الغموض والتردد التي وسمت فكر الثورة قبل ذلك ، وأصبحت الثورة مطالبة بتوضيح مواقفها واستراتيجيتها تجاه عدد من القضايا الحيوية ومن بينها “”شعار الدولة الفلسطينية الديمقراطية “. وكانت الدورة الثامنة للمجلس الوطني فرصة لوضع النقاط على الحروف بالنسبة لعدد من المسائل، وكان أهمها تبني شعار فلسطين الديمقراطية بصورة رسمية، فتحت عنوان مستقل “”الدولة الديمقراطية الفلسطينية”” أكد المجلس الوطني بأن الكفاح الفلسطيني ليس كفاحا عرقيا أو مذهبيا ضد اليهود ولهذا (فإن دولة المستقبل في فلسطين المحررة من الاستعمار الصهيوني هي الدولة الفلسطينية الديمقراطية التي يتمتع الراغبون في العيش بسلام فيها بنفس الحقوق والواجبات ضمن إطار مطامح الأمة العربية في التحرير القومي والحدة الشاملة) .وقد اعتبر أبو عمار تبني الدورة الثامنة للمجلس الوطني الفلسطيني لهدف فلسطين الديمقراطية بأنه حدث حضاري، إلا أن هذا لم يحسم الأمر بين التيارات المتعددة في الساحة الفلسطينية حيث كان هناك أعداء ومعارضون لهذا الشعار، كما تباينت الصورة حول مضمون الدولة الديمقراطية بعد التحرير وعلاقتها العربية وأيديولوجيتها الفكرية .
3- شكل ومضمون فلسطين الديمقراطية .
ولان “فتح” هي التي طرحت لأول مرة هدف فلسطين الديمقراطية كان عليها أن توضح مفهومها للدولة المنشودة وأن تجيب على العديد من التساؤلات والاستفسارات التي أثارها هذا الهدف الجديد. في مقالات ثلاث نشرتها مجلة “فتح” نصف الشهرية في مطلع عام 1970(8)، حاولت أن توضح مفهومها لفلسطين الديمقراطية إلا أنها في نفس الوقت أشارت إلى الصعوبات التي تكتنف هذا التحديد، والمجازفة التي تصاحب إعطاء تعريف واضح ومحدد في هذا الوقت لفلسطين الجديدة والمحررة وهي بهذا تُقر بالصعوبات التي تكتنف الوصول إلى هذا الهدف في ظل الواقع الصهيوني لدولة العدو، فقبول الصهاينة بالتعايش مع الفلسطينيين في دولة واحدة هو أمر يبقى غير معول عليه وفي عالم الغيب، ذلك أنه خلال سنوات الكفاح المسلح للوصول لهذا الهدف (هل سيزداد موقف اليهود الفلسطيني تصلبا أم أنه سيصبح أكثر مرونة وتقبلا للتغير؟) .
وحتى لا تثير حركة فتح الأنظمة والحركات القومية والثورية العربية،وحتى لا يعتبر موقفها الجديد توددا لليهود وللغرب ،رسمت “فتح” معالم فلسطين الغد التي سيتم تحريرها وإقامة المجتمع الديمقراطي فيها،فهي فلسطين المعروفة خلال الانتداب البريطاني، وهي لن تكون جزيرة منعزلة في بحر العالم العربي ، بل أنها ستؤلف جزءا من العالم العربي وستتوحد في نهاية المطاف مع غيرها من البلاد العربية، كما أنها ستناهض الإمبريالية في المنطقة وستنضم إلى صفوف البلدان الثورية التقدمية، كما نفت “فتح” بشدة أن تكون الدولة المنشودة بديل عن تحرير كامل التراب الفلسطيني، فهي ستقام على كل فلسطين وهي بهذا ليست الضفة الغربية أو قطاع غزة المحتلتين أو الاثنين معا، ذلك أن فلسطين المحتلة سنة 1948 لا تقل أهمية عن الأجزاء المحتلة سنة 1967، كما أن “فتح” ترفض أي تفسير يمكن الاستشفاف منه القبول بدولة فلسطينية بجانب دولة الصهاينة وذلك (أن كل ترتيب يؤدي إلى تكييف مع دولة المستوطنين المعتدية هو ترتيب غير مقبول ومؤقت).(9)
وبالنسبة لحق المواطنة في الدولة الديمقراطية، حددت فتح بوضوح :(إن جميع اليهود والمسلمين والمسيحيين من المقيمين في فلسطين أو المشردين عنها بالقوة سوف يكون لهم الحق بالمواطنية الفلسطينية)، وهذا التحديد كما هو واضح يعطي الحق لجميع الفلسطينيين المغتربين بالعودة إلى فلسطين كمواطنين كاملي المواطنة، كما أنه يعطي هذا الحق لجميع الإسرائيليين المقيمين حاليا في فلسطين، أو يكونوا مقيمين عند التحرير .ــ وهم أغلبية سكان فلسطين ــ إلا أنه يشترط فيهم التخلي عن العقيدة الصهيونية الشوفينية. وقد أكد أبو اياد أن المواطنة الفلسطينية ( لن تكون وقفا على اليهود التقدميين والمعادين للصهيونية فحسب، بل سوف تشمل الصهيونيين الحاليين من الذين يعربون عن استعدادهم للتخلي عن أيديولوجيتهم العنصرية) . هذا التفاؤل المبالغ فيه يدخل ضمن مراهنة الثورة الفلسطينية وتحديدا “فتح” على أن الكثير من اليهود الإسرائيليين سوف يغيرون مواقفهم ويؤيدون فلسطين الجديدة في نهاية المطاف .
وتوافقا مع فكر “فتح” وتصورها الأيديولوجي، فقد تجنبت تحديد نظام الحكم وأيديولوجية المجتمع الفلسطيني في فلسطين الديمقراطية ذلك أن الفلسطينيين أثناء مسيرة التحرير وبعد إنجاز النصر (سوف يقررون نظام الحكم وطبيعة التنظيم السياسي والاقتصادي والاجتماعي في وطنهم المحرر)، إلا أنها أوضحت بأن فلسطين الديمقراطية والتقدمية لن تكن تيوقراطية أو إقطاعية أو أرستقراطية، كما أنها ستنبذ العنصرية والشوفينية، والاضطهاد أي كان نوعه، وتعتقد فتح بأن عملية التحرير هي التي ستفرز من تلقائها المناخ المطلوب لنظام حكمها المستقبلي (أن حرب التحرير الشعبية تولد القيم والمواقف الجديدة)(10) .
ولتبعد “فتح” أي التباس أو تشويه لهدف فلسطين الديمقراطية، وحتى لا تذهب الظنون أن الدولة الفلسطينية نقيض لعروبة فلسطين، فإنها حذرت من الوقوع في خطأين قد يلصقان بمفهوم الدولة الفلسطينية الديمقراطية :-
الأول : أن فلسطين الديمقراطية اللاطائفية ليست هي الدولة المتعددة الأديان أو المزدوجة القومية، (فالمجتمع الفلسطيني الجديد لن ينشأ حول ثلاث ديانات للدولة أو حول قوميتين). فهو وإن كان يرفض التعصب الديني أو العرقي، وينفتح على جميع الأديان. فإنه (لا ينوي توزيع المناصب السياسية وغيرها من الوظائف وفقا لنسب دينية معينة).وفتح بهذا ترفض النموذج اللبناني وتعتبره نموذجا غريبا عن الثورة كل الغرابة .
الثاني : هو الاعتقاد بأن فلسطين الديمقراطية الجديدة ستكون بديلا عن التحرير، لان فلسطين هذه هي الهدف النهائي للتحرير، فهي ستأتي تتويجا للكفاح المسلح وتصفية الكيان الصهيوني ،وعليه فأنها- فلسطين الديمقراطية – تتنافى مع بعض الطروحات التي يروج لها من يسمون “يهود غير صهاينة” والذين يدعون لإسرائيل مجردة من طابعها الصهيوني أو المعقمة على غرار ما يدعو إليه يوري افنيري (11)
“وتحذر” “فتح” بأن هذه الطروحات هدفها تضليل الفلسطينيين، وأن الشرط الأساسي لفلسطين الغد هو القضاء على الجذور والأسس السياسية والاقتصادية والعسكرية للدولة الصهيونية فالدولة الديمقراطية لا تعني بأي شكل من الأشكال تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين .(12)
ونظرا لهيمنة الفكر الثوري والمواقف الجذرية فلسطينيا وعربيا واعتبار الحديث عن التسوية السلمية من المحرمات ولو كانت في إطار قرارات الشرعية الدولية ، فقد شددت “فتح” على أن فلسطين الديمقراطية لن تكن منحة من هذا الطرف أو ذاك ولن تكون محصلة حلول سلمية أو تسويات سياسية، بل أنها ستأتي تتويجا للكفاح الفلسطيني المسلح، فهي نتيجة له وهدفا في نفس الوقت، ولولا هذا النضال لما كان من الممكن فهم وبالأحرى تقبل هذا المفهوم – فلسطين الديمقراطية – ففلسطين الديمقراطية خطة قتال وتحرير، ولا سبيل لها إلا بحرب الشعب طويلة الأمد (وحتى لو تدخلت ظروف طارئة، كاجتماع عدة تناقضات في لحظة زمانية واحدة، بحيث انهار الكيان الصهيوني، ولم يكن قد اكتمل بعد طريق حرب الشعب ــ وهو احتمال بعيد ولكنه قائم نظريا ــ، فإن الذي لا احتمال غيره، هو أنه لا يمكن الوصول إلى صيغة فلسطين الديمقراطية إلا بحرب الشعب الطويلة وحدها)(13).
إلى جانب “فتح” حظي شعار فلسطين الديمقراطية كما أسلفنا بتأييد منظمات فلسطينية متعددة، أهمها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية، كما تعرض لانتقادات خصوصا من قِبل المنظمات القومية في الساحة الفلسطينية. بالنسبة للقوى المؤيدة ترى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أن الدولة الفلسطينية الديمقراطية بعد التحرير تعني حرية العيش للمواطنين فيها بغض النظر عن الدين أو العرق، وهذا شيء محتم، لان كل يهودي يعيش في فلسطين مع وصول المعركة إلى نهايتها له حقوقه المتساوية والكاملة مع بقية سكان فلسطين من الأديان الأخرى، إلا أن الجبهة الشعبية في نفس الوقت تؤكد على ضرورة أن يأخذ شعار فلسطين كجزء من الوطن العربي ووحدته وحياته الاشتراكية مداه، وحذرت من إظهار فلسطين الديمقراطية وكأنها انتزاع لفلسطين من الوطن العربي، أو بناء كيان خاص ومنفصل ومزدوج القومية دون هوية عربية وذلك باسم الديمقراطية .(14)
وتولى الجبهة الشعبية اهتماما بالمكون الإنساني لشعار فلسطين الديمقراطية حيث ترى (أن مضمون هذا الشعار وترجمته العملية هي في توفير حل ديمقراطي للمسألة اليهودية في فلسطين)، وهذا يؤكد إنسانية ولا عنصرية حركة التحرر الفلسطينية، فهي غير معادية لليهود كيهود، ولا تستهدف أبادتهم أو رميهم في البحر كما تروج الدعاية الصهيونية، وإنما هدفها تحرير فلسطين من الصهيونية وإقامة مجتمع تقدمي ديمقراطي يوفر التحرر الاقتصادي والاجتماعي الكامل لكافة مواطنيه وهو بهذا (يكون قد قدم الحل العلمي.. والحل الإنساني الديمقراطي التقدمي للمشكلة اليهودية)(15).
كما أكدت الجبهة الشعبية على المضمون الأيديولوجي لفلسطين الغد التي ستحكمها المبادئ الماركسية اللينينية التي لا خيار عنها في مرحلة التحرير والنضال وفي مرحلة ما بعد التحرير، (فلسطين المحررة ستكون جزءا من مجتمع عربي ثوري جديد… إن المجتمع العربي الجديد الديمقراطي الاشتراكي سيكون قادرا بالاستناد إلى مبادئ الماركسية اللينينية على توفير الحل لكل مشكلات الفقر والتخلف والاضطهاد والاستغلال التي يعاني منها إنسان هذا الوطن… وأن اليهود في فلسطين بعد التحرر سيمارسون شأنهم شأن غيرهم كافة حقوقهم الديمقراطية كمواطنين في مجتمع ديمقراطي اشتراكي).(16)
وأكدت الجبهة الشعبية بدورها على أن الوصول إلى فلسطين الديمقراطية لن يتم إلا بالكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية ضد الصهيونية والإمبريالية والرجعية.
ومن نفس المنطلق تبنت الجبهة الديمقراطية شعار فلسطين الديمقراطية، بل كانت اسبق من الجبهة الشعبية في ذلك، ولعبت دورا مهما من أجل تثبيت هذا الشعار في مقررات المجالس الوطنية الفلسطينية، فقبيل انعقاد الدورة السادسة للمجلس الوطني في القاهرة قدمت الجبهة مشروع قرار للمجلس تحت عنوان “حل ديمقراطي للقضية الفلسطينية ” دعت فيه إلى إقامة دولة فلسطينية الموحدة بعد القضاء بالكفاح المسلح على الكيان الصهيوني، واعتبر المشروع أن هذه الدولة تمثل حلا ديمقراطيا للتناحر القائم (بين الشعبين العربي واليهودي) كما تطرق المشروع إلى إعطاء الحق لليهود والعرب بتطوير ثقافتهم القومية، والجبهة الديمقراطية بذلك اختلف طرحها عن طرح “فتح” الذي يجعل التعاون بين اليهود والعرب على أساس المواطنة دون الإقرار بأي حقوق قومية لليهود.
وفي يناير 1970، أعادت الجبهة الديمقراطية، تحديد مفهومها للحل الديمقراطي وأكدت على أن الحل الديمقراطي (يرفض كل الحلول الشوفينية سواء تعلق الأمر بالتوسع الإسرائيلي أو بذبح اليهود ورميهم في البحر، كما يرفض أيضا الحل الرجعي الذي قدمه قرار مجلس الأمن ، ويوضح نايف حواتمة طبيعة الحقوق المتساوية التي ستعطي لليهود والعرب حيث سيكون (لكل منهم حرية تطوير ثقافته القومية بروح ديمقراطية وتقدمية)، وانطلاقا من هذا التصور دعا نايف حواتمة إلى الحوار مع المنظمات الإسرائيلية المعادية للصهيونية كحزب راكاح -الحزب الشيوعي الإسرائيلي- وجماعة ماتزين .(17)
أثار طرح الجبهة الديمقراطية للعلاقة بين مواطني فلسطين بعد التحرير والقائمة على الإقرار بوجود قومية يهودية كثيرا من اللغط والمعارضة داخل صفوف حركة المقاومة الفلسطينية، ذلك أن الإقرار بوجود قومية يهودية يعطي الحق لليهود للمطالبة بأن يكون لهم وطن مستقل ويتجاوز كون أن اليهودية هي دين وليست قومية كما تدعي الحركة الصهيونية ، و كان أشد المعارضين لشعار فلسطين الديمقراطية في الساحة الفلسطينية، هم القوميون، من منطلق أن فلسطين الديمقراطية وبالتعريفات التي أعطيت لها يتناقض مع عروبة فلسطين ومع القومية العربية والوحدة العربية .
ترى طلائع حرب التحرير الشعبية (الصاعقة)، بأنه بالرغم من أن البحث في هذا الموضوع سابق لأوانه، إلا أنها تبدي تحفظها تجاه الدولة الفلسطينية الديمقراطية لان (مثل هذه الدولة تتنافى مع الوحدة العربية التي تؤمن بها، فهي تسعى إلى إقامة دولة عربية واحدة لا حواجز فيها ولا حدود تفصل بين أقطارها، وكل حل للقضية الفلسطينية لا يتفق مع هذا المنطق يبقى حلا مرفوضا من الناحية الفكرية بالنسبة للطلائع)، وبينت الصاعقة أنها (ليست ضد اليهود في فلسطين كشعب) ولكنها ضد الصهيونية، والحل الذي تراه مناسبا هو الحل الاشتراكي باعتباره الحل الإنساني الذي يكفل لليهود العيش بسلام وضمن حقوق متساوية مع العرب في إطار المجتمع العربي الاشتراكي .(18)
أما موقف جبهة التحرير العربية فقد اتسم برفض صارم لشعار الدولة الفلسطينية الديمقراطية، وقام هذا الرفض على خلفية قومية وانطلاقا من تحليل موضوعي لطبيعة المجتمع الصهيوني، واستحالة نجاح أي مراهنة على نبذ اليهود لصهيونيتهم وهو الشرط اللازم للعيش في فلسطين المحررة معهم، وهي من منطلق رؤيتها للصهيونية كنفي لوجود الشعب الفلسطيني، ومن منطلق أن المجتمع الصهيوني القائم على الاغتصاب والعدوان هو مجتمع مضطهِد وظالم بمجموعة، تؤكد استحالة العيش مع هذا المجتمع، فالنقيضان لا يمكن أن تجمعهم أرضية مشتركة أو قيم واحدة.
ولم تنظر جبهة التحرير العربية نظرة جادة للمكون الإنساني وراء رفع هذا الشعارـ ولكنها أولت اهتماما بمشاريع التسوية المطروحة في الساحة العربية وربطت بين هذا الشعار وتلك المشاريع المشبوهة وخصوصا قرار مجلس الأمن رقم 242، باعتبار أن الحل الخارجي للقضية الفلسطينية من خلال هذا القرار بحاجة إلى حل داخلي و”فلسطين الديمقراطية” توفر هذا الحل الداخلي .(19)
ورأت الجبهة أن فصائل المقاومة الفلسطينية التي رفعت هذا الشعار، خضعت لضغوطات خارجية، لتطرح “بديلا واقعيا “بدلا من ” “لا واقعية وخيالية” شعاراتها السابقة حول تحرير كامل التراب الفلسطيني، وفي هذا ترى الجبهة أن الإلحاح على طرح “”البديل الواقعي”” ــ وكأن هدف تحرير فلسطين هدف غير واقعي ــ (محاولة مشبوهة لاستباق الصيغ السلمية والصور الصدقة للمستقبل ودفع الثورة لتحديد مستقبلها وفق معطيات وإمكانيات لا تشكل شيئا بالنسبة للمعطيات والإمكانيات الهائلة التي ستوفرها استمرارية الثورة وديمومتها .(20)
وتنهي جبهة التحرير العربية تحليلها الرافض لشعار الدولة الفلسطينية الديمقراطية بالقول أن هذا المشروع ــ الدولة الديمقراطية ــ يمثل احتياطيا للحركة الصهيونية تلجا إليه فيما لو أعدمت الوسائل الكفيلة بوقف الكفاح المسلح والمقاومة العربية وهو لن يكون في أحسن الأحوال أكثر من تسوية تراعي فيها المصالح الاستعمارية والصهيونية، على حساب حركة الثورة العربية.(21)
مع عدم تجاهلنا لأهمية العامل الإنساني في تبني هدف “فلسطين الديمقراطية”” وعقلانية هذا العامل في إطار التعامل مع القضية دوليا، إلا أننا نعتقد وكما بينا أن الدافع الرئيسي وراء تبني هذا الشعار والهدف هو تلمس بعض العناصر القيادية في م.ت.ف. وفي فتح تحديدا التي كان لها نصيب الأسد في ممارسة الكفاح المسلح وفي التعامل مع الأنظمة العربية والتصادم معها ،تلمسهم الفجوة الكبيرة ما بين إمكانيات الثورة والشعب الفلسطيني من جهة و تحرير فلسطين عسكريا وإرجاع اليهود من حيث أتوا من جهة أخري ، كان تبني هذا الهدف الجديد بداية مسلسل التسوية، أو بداية التنازلات وهي إن كانت تنازلات مغلفة بالاعتبارات الإنسانية والدولية، ومصاحَبة بضجيج شعارات الكفاح المسلح وحرب الشعب، إلا أن المراقب الحصيف لا يمكنه إلا أن يربط ما بين تبني هذا الشعار وأحداث الأردن وسلبية الموقف العربي من هذه الأحداث، حيث كانت مجازر أيلول 1970 أبلغ رسالة للثورة الفلسطينية بأن تعيد النظر فيمن تعتبرهم حلفاء وأن تعيد النظر بالمراهنة على الجماهير الشعبية العربية التي ستخوض حرب التحرير الشعبية !.
فما يؤكد ما نذهب إليه من أن تبني هدف «فلسطين الديمقراطية» كان منطلق سياسة التسوية هو أن من تشجعوا له لأول مرة ودافعوا عنه وروجوا له، هم اليوم على رأس الفريق المفاوض الفلسطيني، وهم أشد المتحمسين لنهج التسوية السياسية، وهم نبيل شعت ومحمود عباس- أبو مازن-، فنبيل شعت كان أول من كتب مدافعا عن فلسطين الديمقراطية” وأبو مازن أول من قاد وتبنى سياسة الاتصال ” بالقوى اليهودية غير الصهيونية” وكان وراء تثبيت هذا المطلب في قرارات المجلس الوطني الفلسطيني، وهو الذي رعى وما زال المفاوضات مع الأمريكيين والإسرائيليين ثم مسلسل التسوية منذ مدريد حتى اليوم حيث يترأس الحكومة الجديدة ( حكومة خارطة الطريق).
بالرغم من التنازل المتضمن في هدف فلسطين الديمقراطية، وبالرغم من كونه حلا حضاريا، فإنه لم يجد إلا كل رد ورفض من الكيان الصهيوني، الذي قام على عقيدة شعب الله المختار، و عمل ويعمل على إقامة دولة يهودية نقية خالصة، وكان لا بد من التفكير في اتجاه جديد للتسوية يأخذ بعين الاعتبار ضرورة الفصل ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن كيف يمكن الفصل بين شعبين يعيشان على ارض واحدة هذا لا يكون إلا بدولتين، والقول بدولتين يعني التنازل عن جزر من ارض فلسطين لتقوم عليها الدولة الصهيونية .
ولم يكن من اليسير تمرير هذا التنازل الجديد وأن يقبل به الفلسطينيون والجماهير العربية، إلا أن حرب أكتوبر 1973 هيئت المناخ لتمرير هذا التنازل تحت شعار مرحلية النضال، والمزاوجة ما بين الهدف الاستراتيجي والهدف المرحلي، فكيف ذلك؟
ثانيا
من الدولة الديمقراطية على كامل فلسطين
إلى السلطة الوطنية على جزء من ارض فلسطين
1- الأسباب الموضوعية والذاتية لسياسة المرحلية
إذ كانت هزيمة 1967 العربية أعطت دفعة لاستراتيجية الكفاح المسلح ومنحت الثورة الفلسطينية الصاعدة الثقة بالنفس وباستراتيجيتها الكفاحية، فإن حرب أكتوبر 1973 عملت على إفقاد الثورة الفلسطينية شيئا من الثقة بقدرتها أو بقدرة النظام العربي الرسمي والشعبي على تحرير كامل فلسطين من خلال إستراتيجية الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية، فحرب أكتوبر وبالرغم من الانتصار العسكري النسبي الذي حققته إلا أنها أثبتت عدم القدرة ليس فقط على القضاء على إسرائيل بل عدم القدرة على استعادة الأراضي العربية المحتلة عام 1967عن طريق الحرب ،ليس ذلك بسب منعة إسرائيل وقوتها بل أيضا لاعتبارات دولية وطبيعة وعمق علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، ومحدودية الالتزام السوفيتي بدعم العرب في حربهم ضد إسرائيل.
لقد أعادت حرب أكتوبر للجيوش والأنظمة العربية المشاركة في الحرب شيئا من الاعتبار الذي فقدته في حرب يونيو1967 ، بالمقابل فقدت الثورة الفلسطينية شيئا من بريقها ،وفي نفس الوقت جعلت هذه الحرب الأنظمة العربية أكثر واقعية في نظرتها للصراع مع إسرائيل،وأخذت تعمل على استغلال انتصارها في أكتوبر لفك ارتباطها القومي بمفهومه التقليدي بالقضية الفلسطينية والتخلي عن مسئوليتها الرسمية التي تعني في المفهوم الشعبي تحرير فلسطين ، سواء من خلال التوجه مباشرة نحو الحل السلمي مع إسرائيل كما حدث مع مصر أو بطريقة غير مباشرة من خلال تهميش دور وفعالية الثورة الفلسطينية وإفقادها القدرة على التفرد بالتعامل مع الصراع مع إسرائيل ومحاولة إلحاقها بالاستراتيجية الرسمية العربية تمهيدا للدخول بتسوية تحت الوصاية العربية ، كما حدث مع سوريا واصطدامها مع الثورة الفلسطينية في لبنان.
وهكذا استبقت الثورة الفلسطينية ما كانت تعتقد انه آت ويُخطط له، وتحركت مباشرة وقبل أن تبرد فوهات البنادق على مستويين : الأول تجنب محاولات تهميشها ومحاصرتها محليا وعالميا، وذلك بالعمل على تعزيز وجودها في لبنان وربط علاقات متينة مع الحركة الوطنية اللبنانية التي لم تكن علاقاتها طيبة مع سوريا، ومن جهة أخرى تليين مواقفها السياسية أو تغيير خطابها السياسي وذلك بإرسال رسائل علنية وسرية تعبر عن استعدادها لأنصاف الحلول وذلك من خلال ما سمي بسياسة المراحل أو المرحلية التي أعلن عنها في البرنامج المرحلي عام 1974.
وجدت هذه السياسة استحسانا سواء من الأنظمة العربية التي سارعت لعقد قمة عربية اعتبرت فيه م.ت.ف ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني لتعيد بذلك الأنظمة صياغة العلاقة ما بين القومي والوطني وتقديم الثاني على الأول بالزعم أن الفلسطينيين هم الذي طلبوا أن تكون المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني،هذه الخطوة مهدت الطريق أمام الأنظمة العربية لدخول سياسة التسوية السلمية دون حرج ، كما أن سياسة المرحلية لقيت مباركة دولية، حيث تم استقبال أبو عمار في الجمعية العامة للأمم المتحدة و قوبِل استعداده للحل السلمي بالترحاب، وكانت عبارته ( غصن الزيتون في يد والبندقية في يد) تختزل تحولا استراتيجيا في نهج الثورة الفلسطينية، واستعدادها لإعادة النظر في ثوابت سابقة، لو وجدت تجاوبا إسرائيليا أو أمريكيا آنذاك ،لأنه لا يعقل أن أبو عمار ذهب إلى الأمم المتحدة لمطالبتها بالقضاء على إسرائيل ! .
ولكن هل تمكنت المنظمة من الجمع ما بين غصن الزيتون والبندقية ؟ وهل تطور الأحداث عزز من طرح منظمة التحرير ومراهناتها ، أم أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن ؟ .
اعتبرت الثورة الفلسطينية أن المرحلية كحلقة وسط في الطريق إلى تحقيق الهدف النهائي لا تتناقض مع استراتيجية الثورة أية ثورة ما دامت لم تتخل عن هدفها النهائي، ذلك أن السياسة الواعية والثورية الملتزمة بقضايا شعبها مطلوب منها في كل مرحلة من المراحل أن تحدد الحلقة المركزية للنضال انطلاقا من تصورها لحجم مختلف أطراف الصراع في كل مرحلة ومدى نمو القوى الذاتية للثورة وقدرتها على تحقيق الهدف الاستراتيجي والاستفادة من كل التناقضات التي يفرزها تطور الصراع،كما أن تحديد هدف مرحلي للثورة يصبح ضروريا للإجابة عن التساؤلات المطروحة في كل مرحلة أو جولة من جولات الصراع، ذلك أن الهدف النهائي مع مشروعيته وضرورة التشبث به فقد لا يمكن الوصول إليه دفعة واحدة، وقد وعت كل الثورات العالمية جدوى المرحلية في النضال و الدخول في مساومات تفرضها متطلبات المرحلة دون أن يغيب عن الأنظار الهدف الاستراتيجي.فالرسول الكريم لم يجد غضاضة في توقيع معاهدات صلح والقبول بالمرحلية عندما كان المسلمون ضعفاء ، وعندما تقوى المسلمون ونكث الأعداء بالمواثيق عاد المسلمون للثوابت وللأهداف الاستراتيجية ، أيضا القوى الثورية التي تعتبر صراعها مع العدو صراعا مصيريا وحالة من التناقض الذي لا حل له إلا بنهاية أحد طرفي الصراع قبلت المرحلية ، فقد انتقد لينين (نفسه) ما يروج من قول بأن المساومة مرفوضة ماركسيا، واعتبر هذا القول تافها ينبع عن ضيق الأفق ولا ينطبق على الواقع.(22)ومن المعلوم أن الثورة الفيتنامية دخلت في مساومات، وقبلت بمرحلة أهدافها إلا أنها لم تتخل عن أهدافها الاستراتيجية، ذلك أن المساومة والقبول مرحليا بأهداف أقل تواضعا عن الهدف الاستراتيجي ، قد لا يعبر بالضرورة عن ضعف الثورة بل عن ضعف الخصم، ويصبح على الثورة آنذاك أن تستغل هذه المرحلة لتعبئة قواها وتعزيز مواقفها استعدادا للمرحلة القادمة.
بالرغم من أن الحديث عن مرحلة أهداف النضال الفلسطيني، فرض نفسه بصورة جدية إثر حرب أكتوبر وما تمخض عنها من تطورات عسكرية وسياسية ونفسية كما سبقت الإشارة فإن المكون الفلسطيني في نهج المرحلية النضالية كان حاضرا قبل 1973، والمتمثل بالإحساس بالبون الشاسع ما بين الإمكانيات الفلسطينية وبين الأهداف الاستراتيجية للثورة الفلسطينية. وهذا الإحساس بالفرق ما بين الهدف والإمكانيات كان وراء قول عبد الناصر لياسر عرفات ( كم تظن أنه يلزمكم من السنين كي تدمروا الدولة الصهيونية، وتبنوا دولة موحدة ديمقراطية على كامل فلسطين المحررة ؟). كما اخذ عبد الناصر على المقاومة الفلسطينية ممارسة سياسة غير واقعية واعتبر أن دويلة في الضفة الغربية وغزة هي أفضل من لاشيء.(23
ويبدو أن فكرة القبول بإقامة دولة فلسطينية على جزء من فلسطين، كانت تمثل قناعة لدى بعض الفلسطينيين حتى قبل حرب أكتوبر 1973، وما حرب أكتوبر إلا الفرصة التي اهتُبلت لتظهر هذه القناعة، فالمكون العربي في القبول بالمرحلية كان الحافز للمكون الفلسطيني ليعبر عن نفسه مكرها للحفاظ على الهوية . فقد انتقد أبو أياد، قادة الحركة الوطنية الفلسطينية السابقين لعدم قبولهم بإقامة دولة فلسطينية كما نص على ذلك قرار التقسيم لعام 1947، معتبرا أن الرفض العربي السابق للحلول الوسط نوع من السلبية والمزايدة، وان الرفض قد يكون طريقة للهروب من المشاكل والتزيي بزي النقاء العقائدي، كما يعترف أن فاروق قدومي قدم للجنة المركزية لحركة فتح بعد حرب يونيو 1967 مباشرة تقريرا يقترح فيه القبول بتأييد قيام دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة إذا أعادتهما إسرائيل للعرب، إلا أنه لم يبث في الموضوع آنذاك. (24)
يدافع أبو أياد عن المرحلية باعتبارها سياسة واقعية تنطلق من الأخذ بعين الاعتبار موازين القوى، وتطور الأحداث والابتعاد عن الرومانسية وإن كانت رومانسية ثورية، ويعطي أبو إياد أهمية لمحدودية العمل الفدائي، ومقدرته على تحقيق الأهداف الاستراتيجية ويرى ( أنه كائنا ما كانت انطلاقة وبأس حر ب العصابات ضد الدولة الصهيونية، فإنها تظل في المستقبل المنظور دولة لا تُقهر، ولهذا فإن عدم توقع المرور بمراحل مؤدية إلى الهدف الاستراتيجي الذي هو إقامة دولة ديمقراطية على كامل فلسطين أمر من قبيل الوهم والخيال)( 25)، وفي نفس سياق تبرير أبو اياد للمرحلية ودفاعه عنها، فإنه يرى أن إقامة سلطة وطنية فلسطينية تشكل ضربة قاسمة للأيدلوجية الصهيونية القائمة على رفض وجود الشعب الفلسطيني، لأن الإقرار بهذه السلطة الوطنية الفلسطينية معناه الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني، ووجود شعب فلسطيني يشكك في مصداقية مجمل الأيديولوجية الصهيونية، بالإضافة إلى هذا فإن امتلاك الفلسطينيين لأية بقعة محررة سيتيح لهم مجالات ومتنفسا لتنشق نسمة الحرية والابتعاد عن أدوات القمع والوصاية العربية، ذلك أن خطورة العيش في الغربة والشتات على الشعب الفلسطيني لا تقل خطورة عن فقدان الأرض، ويعبر أبو إياد عن دهشته لرفض أطراف فلسطينية لمرحلية النضال، ففي خطاب وجهه لسكان مخيم تل الزعتر في لبنان ، عندما كانت قضية السلطة المرحلية موضع بحث، وكان سكان المخيم يرفضونها قال ( منذ خمسة وعشرين سنة وانتم تعيشون في المنفى، إنها خمسة وعشرون سنة من الإحباطات والمذلات والحرمان، ولكنكم تواصلون رفضكم لكل حل بالتسوية حتى ولو كان مؤقتا، أليس انه من العجيب الخارق أنكم تفضلون العيش في أرض غريبة على الإقامة في منطقة محررة من وطنكم الأصلي ؟)(26)
لا غرو أن يكون أبو اياد من رواد الواقعية الثورية وهو الذي تحمل مسؤولية أساسية عن العمل الفدائي والسري منه على الخصوص وكان من أكثر الزعماء الفلسطينيين تفهما لواقع الأنظمة العربية ، ومع ذلك فان واقعيته اتسمت بشيء من التفاؤل حيث تكلم عن الدولة الفلسطينية والسلطة الوطنية وكأنها جاهزة وتنتظر الفلسطينيين أن يقبلوا بها أو أن هذه الدولة من حيث وجودها مرتبطة بقرار من الثورة الفلسطينية !!.
وانطلاقا من نفس المكون الفلسطيني وراء القبول بالمرحلية، والمتمثل بغياب الانتصار في معركة التحرير الكامل على المدى المنظور، كانت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين سباقة في استشعار هذا الخلل الكامن بين الإمكانيات والهدف الاستراتيجي، فمنذ 1971 طالبت الجبهة الديمقراطية بأسلوب غير مباشر بضرورة المرور بالمرحلية وتحديد موقف فلسطيني يملأ الفراغ الكامن بين الإمكانيات والهدف وتجيب عن متطلبات المرحلة وتفوت الفرصة على قوى عربية تطمح للحلول محل الدور الفلسطيني ، حيث رأت الجبهة الديمقراطية بأن شعار التحرير الكامل لفلسطين (بات مهددا بالتحول إلى مجرد موقف لفظي طالما بقيت الثغرة الاستراتيجية في تصور المقاومة لحربها الوطنية بمثل هذا الاتساع، فبين شعار التحرير الكامل ومعطيات الوضع الراهن للنضال الفلسطيني مرحلة وسيطة ترد الأنظمة العربية عليها بمطلب إزالة آثار العدوان على قاعدة الحل السلمي بينما تقفز المقاومة عليها بكلام يتحدث عن متابعة النضال حتى النهاية ورفض كل الحلول التصفوية والتسويات)(27).
وهكذا جاءت حر ب أكتوبر لتؤكد على محورية المكون العربي في نهج سياسة المرحلية وهو الاسم الملطف للتسوية السلمية، فهذه الحرب رفعت من رصيد الأنظمة العربية على حساب الثورة الفلسطينية، ذلك أن ما استطاعت ان تنجزه هذه الحرب عسكريا ـ بالرغم من محدودية أهدافها ومنجزاتها ـ كان أقوى تأثيرا مما أنجزته الثورة خلال سنوات،ولأول مرة أصبحت الدولة الإسرائيلية تشعر بعدم قدرتها على فرض سياسة الأمر الواقع وأُجبرت على الاعتراف بوقائع كانت تتجاهلها سابقا، ويمكن إيجاز أهم ما ترتب عن حرب اكتو بر 1973 بما يلي:
أولا : أكدت هذه الحرب أن إسرائيل ليست بالقوة التي لا تقهر وهذا ما عزز ثقة الجماهير العربية بنفسها وبجيوشها من ناحية وخلق تيارا ضاغطا داخل إسرائيل يعمل من أجل إجبار الحكومة الإسرائيلية على التخلي عن سياستها التوسعية وضرورة تقديم تنازلات للعرب مقابل السلام.
ثانيا : إلا أن هذه الحرب في الوقت الذي بينت فيه أن إسرائيل ليست بالقوة التي لا تقهر إلا أنها أكدت القناعة بأن القضاء النهائي على دولة إسرائيل غير ممكن في المدى المنظور، ليس بفعل القوة الذاتية لها ولكن بفعل علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية وغياب علاقة استراتيجية مشابهة بين العرب والاتحاد السوفيتي بالإضافة إلى غياب وحدة الاستراتيجية العربية ووحدة الهدف(28).
ثالثا : عززت الحرب وما أدت إليه من توتر في السلام العالمي المطالب الدولية بضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة ـ التي هي المطلب الرئيسي لكل من سوريا ومصر ـ كثمن للسلام ورفض مشروعية احتلال الأراضي بالقوة، كما لعبت النتائج الاقتصادية لهذه الحرب ـ حظر البترول ـ دورا في تعزيز المطالبة بتهدئة الأوضاع واستقرارها في المنطقة حتى لا تتعرض واردات العالم الرأسمالي من البترول للخطر.
وكانت فترة ما بعد أكتوبر 1973 هي مرحلة إعطاء الأولوية للعمل السياسي على حساب العمل العسكري، وأصبح الحديث عن انسحاب إسرائيلي من الأراضي العربية محتلة هو حديث الساعة ومحور النقاش السياسي والاتصالات الدبلوماسية،إلا أنه من المفيد أن نشير أن جل الحديث عن الحل السلمي والانسحاب الإسرائيلي كان مصدره الدول الأوروبية أو قرارات الأمم المتحدة أو الدول العربية أما إسرائيل فكانت السلبية المطلقة هي التي تحكم مواقفها. ومع ذلك فإن مسألة الانسحاب أصبحت مطروحة والمراهنة على الضغط على الولايات المتحدة لتجبر إسرائيل على الانسحاب كان قاعدة أي تفاؤل بالتسوية، وكان المطلوب من الثورة الفلسطينية أن تعبر عن موقفها من هذا الموضوع، ذلك أن أي انسحاب إسرائيلي من الأراضي المحتلة سيضع هذه الأرض أمام خيارات ثلاثة :
الأول : أن تعود الأرض المسترجعة إلى طرف عربي ويضمها إليه وخصوصا أن الأردن لم يكن يخفي مطامعه في ذلك بل كان يعتبر الضفة الغربية جزءا من المملكة الأردنية. (29
الثاني : أن يتقدم طرف فلسطيني من خارج م.ت.ف. لينصب نفسه ناطقا باسم الشعب الفلسطيني أو تنصبه إسرائيل أو أحد الدول العربية، وهذا أيضا مرفوض فلسطينيا.
الثالث : أن تتقدم الثورة الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني لتقيم سلطتها على أية أرض يتم تحريرها.
فضلت م.ت.ف. الخيار الثالث باعتباره يرد على متطلبات المرحلة، ويقطع الطريق على المتربصين بالثورة الفلسطينية والطامعين في سلب شرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني حيث أكد أبو عمار ( أن قيام السلطة الوطنية لشعبنا فوق أرضه أمر حتمي ولن يفرض على شعبنا مهما كانت التحديات مشروع المملكة المتحدة تحت حكم أو وصاية أو فيدرالية أو كونفدرالية مع النظام الهاشمي … سوف تقوم السلطة الوطنية فورا فوق كل شبر فلسطيني يتم جلاء العدو عنه باتجاه تحرير بقية الأرض الفلسطينية).30)
ويبدو أن الثورة الفلسطينية كانت واعية لطبيعة الحلول السياسية المطروحة، وتعدد هذه الحلول والتي لا تتفق مع تصور الثورة الفلسطينية لمرحلية النضال، والثورة ميزت بين التحرك السياسي الضروري للإجابة على تساؤلات المرحلة وللتجاوب مع المواقف المتقدمة نسبيا للرأي العام العالمي تجاه المسألة الفلسطينية وبين الحل السياسي المطروح ضمن الاختلال في موازين القوى لمصلحة العدو. والتحرك السياسي يتطلب أقصى درجات المرونة والبراغماتية السياسية للخروج من الـ “لا” التي التصقت بالحركة الوطنية الفلسطينية ورمي الكرة في ميدان الخصم، كما أن النتائج المترتبة على الرفض الفلسطيني في تلك المرحلة كانت ستصب في مصلحة إسرائيل، كما أن المشاريع المطروحة لم يطرحها الفلسطينيون بل طرحت من خارج الثورة الفلسطينية وكان من المطلوب أن تجيب الثورة الفلسطينية عليها.
2- السلطة الوطنية المقاتلة مرحلة نحو الهدف أم تغيرا في الهدف؟
فلأن الثورة الفلسطينية لا تملك قوة الرفض الفاعل فإن ( هذا يفترض بالضرورة أن نطرح موقفا ملموسا وطنيا وثوريا كفيلا بإحباط كافة الحلول الاستسلامية التصفوية) وفي نفس الوقت الإجابة على متطلبات المرحلة الذي يتحدد بـ (أننا نناضل من أجل دحر الاحتلال الصهيوني وتصفيته عن الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة عام 1967… وفي الوقت ذاته تمكين شعبنا الفلسطيني في جميع الأراضي التي يتم تحريرها وانسحاب العدو منها ومن تقرير مصيره بنفسه على هذه الأراضي وإقامة سلطته الوطنية الفلسطينية المستقلة عليها).(31)
وفي هذا السياق انتقدت الجبهة الديمقراطية الذين يطرحون شعارات لا تتناسب مع واقع المرحلة والإمكانيات الذاتية والذين يسترون عجزهم وراء شعار التحرير الكامل ولا يقبلون بمرحلية النضال، ذلك أن مهمة التحرير مهمة عربية ولا تقتصر على الشعب الفلسطيني وحده. وفي ظل عدم القدرة العربية على التحرير أو غياب الإرادة، يجب أن لا يختزل النضال الفلسطيني بحيث يصبح فقط (عامل تثوير وتأجيج لنضال الجماهير العربية) أو يفرض على الثورة الفلسطينية و الشعب الفلسطيني الانتظار حتى تتبدل موازين القوى، بل يتحتم أن يبرز الشرط الفلسطيني لتحقيق الانتصار والشرط الفلسطيني في ظل الظروف الحالية كما ترى الديمقراطية يتحدد بـ (تعبئة كامل الطاقات الثورية للشعب الفلسطيني بتوفير قاعدة ارتكاز ثابتة ومحررة في المناطق التي تقيم فيها غالبية الشعب على أرض وطنه)(32).
إلا أن الحديث عن السلطة الوطنية ووصفها بالمستقلة والمقاتلة كان مجرد طلاء خارجي تجميلي لإقناع الجماهير بالقبول بالهدف المرحلي، لان دولة يفرزها واقع دولي ومشروطة بشروط اقلها إنهاء حالة الحرب، كيف يمكن أن تكون دولة مقاتلة أو تنعت بالأرض المحررة! كما أن الحديث عن السلطة الوطنية والقبول بها كان يقترن بالإقرار بالمأزق الذي تعيشه استراتيجية الكفاح المسلح الفلسطيني، فسياسة المرحلية هي أذن خروج من مأزق واعتراف بواقع غير مناسب لاستراتيجية الثورة وهذا ما عبر عنه نايف حواتمة أو ما يمكن أن يستنتج من حديثه في كلمة ألقاها في ديسمبر 1973 حيث جاء فيها (من الضروري الحصول على وجود وطني مستقل لان الظروف الحالية غير مواتية لحرب شعبية، ولا يمكن الآن إقامة كيان وطني فلسطيني على مجمل الأراضي الفلسطينية، يجب أيضا القبول بجزء من هذه الأراضي مهما كانت مساحتها، إن حصلنا عليه عبر نضالنا أو أعطى لنا)(33).
ومن هنا لا تجد الجبهة الديمقراطية حرجا بأن تكون الدولة الفلسطينية نتيجة تسوية، وهي تنتقد هنا المتخوفين من التسويات الذين يعطون لهذه الأخيرة صفات الدوام والثبات، بينما كل التسويات مصيرها الزوال ولا توجد تسوية خالدة، فالتسوية هي نتيجة أو محصلة موازين قوى، واختلال القوى مستقبلا لمصلحة الثورة سيدفعها لإسقاط كل المعاهدات والمواثيق التي تشعر أنها مجحفة في حقها بل وإحراقها(34 . كما لعب المكون الدولي دورا في دفع حركة المقاومة الفلسطينية نحو القبول بالمرحلية، حيث مورست عليها ضغوطا دولية وعربية لتطرح أهدافا اكثر واقعية، وكان الأصدقاء اشد تأثيرا في ضغوطهم نظرا لاعتماد الثورة الفلسطينية في تحركها السياسي ومتطلباتها المادية على هؤلاء الأصدقاء (فالحركة الفلسطينية لا تتطور في الخلاء، فلها في العالم أصدقاء، فلا بد لنا إذ ذاك أن نقيس بدقة طاقتنا على التأثير على الأحداث بدون أن نخدع أنفسنا، والحال هو أن كافة أصدقائنا تقريبا يحضونا على التسوية أو على الأقل على مراعاة المراحل)(35).
انطلاقا من كل هذه المستجدات وعلى قاعدة هذه المكونات/المتغيرات الفلسطينية و العربية والدولية، انعقد المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشر في يونيو 1974، لينظر في الموضوع وليحدد موقفا يجيب على التساؤلات المطروحة. نظرا لأن صيغة التسوية المطروحة دوليا آنذاك وهي قرار مجلس الأمم 242، كانت مرفوضة فلسطينيا وحتى لا يلتبس الأمر ويقرن الإقرار بالمرحلية بقرار 242 المرفوض لكونه يتعامل مع القضية الفلسطينية كقضية لاجئين، فقد جاء قرار المجلس الوطني الفلسطيني بالقبول بالهدف المرحلي مقترنا بتأكيد رفض قرار 242 مع توضيح أسباب هذا الرفض حيث جاء في قرارات المجلس الوطني المذكور :
1 – تأكيد موقف منظمة التحرير السابق من قرار 242 الذي يطمس الحقوق الوطنية والقومية لشعبناـ ويتعامل مع قضية شعبنا كمشكلة لاجئين، ولذا يرفض المجلس التعامل مع هذا القرار على هذا الأساس في أي مستوى من مستويات التعامل العربية والدولية بما في ذلك مؤتمر جنيف.
2 – تناضل م.ت.ف. بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح لتحرير الأرض الفلسطينية وإقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على كل جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها، وهذا يستدعي إحداث المزيد من التغيير في ميزان القوى لصالح شعبنا ونضاله.
3 – تناضل منظمة التحرير ضد أي مشروع كيان فلسطيني ثمنه الاعتراف والصلح والحدود الآمنة والتنازل عن الحق الوطني وحرمان شعبنا من حقوقه في العودة وحقه في تقرير مصيره فوق ترابه الوطني.
4 – إن أية خطوة تحريرية تتم هي لمتابعة تحقيق استراتيجية م.ت.ف. في إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية المنصوص عليها في قرارات المجالس الوطنية السابقة.
يلاحظ أن قرارات المجلس الوطني أعلاه، شددت على إضفاء صفات ثورية على السلطة الوطنية التي ستقام، من منطلق أنها ستأتي تتويجا للنضال بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح، أي أنها لن تكون منحة من أحد، بالرغم من أن حرب أكتوبر لم تحرر أرضا ليقام عليها سلطة وطنية بل أنها مهدت الطريق لتسوية سياسية، والثورة الفلسطينية لم تكن في وضع يسمح لها بتحرير الأرض بل إن العدو أصبح يتحرك بيسر خارج فلسطين ليغتال القيادات ويدمر المؤسسات الفلسطينية ، أيضا فأن نفس المادة لا تتحدث عن دولة بل عن (سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة)، كما إنها لا تحدد حدودا واضحة لهذه الدولة ــ السلطة ــ فهي ستقام (على كل جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها) !، وهذه السلطة أيضا لن تقام حالا بل تتطلب (إحداث المزيد من التغيير في ميزان القوى لصالح شعبنا ونضاله)، ويرفض المجلس الوطني أن تكون السلطة الوطنية نتيجة تسوية أو قبول بالأمر الواقع، فهي لن تكن نتيجة تفاوض مع العدو أو الصلح معه أو الاعتراف به، وأخيرا فإن هذه السلطة المقاتلة هي مرتكز للاستمرار في النضال من أجل إقامة الدولة الديمقراطية العلمانية.
إن المتمعن في شروط الهدف المرحلي الذي حددته م.ت.فسيفاجأ بالثغرة الموجودة بين حقيقة تصورات التسوية المطروحة بعد أكتوبر73 والقوى الفاعلة فيها من جهة و شروط الهدف الفلسطيني المرحلي من جهة أخرى، فالوضع المترتب عن أكتوبر عربيا ودوليا لم يكن يعزز الطرح الفلسطيني للحل المرحلي وخصوصا أن الطرف العربي الرئيسي – مصر ــ كان لا يخفي أن أهدافه من الحرب لا تتعدى تحريك الوضع السياسي للدخول في تسوية سياسية من اجل استعادة سيناء في أفضل الحالات -وهذا ما تم في كامب ديفيد-، وإسرائيل والولايات المتحدة لم يبدو منهم ما يدل على إمكانية القبول ليس بالشروط الفلسطينية بل حتى الاعتراف بــ م.ت.ف. وبحقوق الشعب الفلسطيني، فما كان مطروحا بعد أكتوبر لم يكن إلا مجرد تصورات ومبادرات ضخمها العرب وأنصارهم بينما الواقع كان ابعد ما يكون عن الحل السلمي بمفهوم الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني وإقامة سلطة وطنية مقاتلة.
ويبدو أن تشدد المجلس الوطني الفلسطيني في تحديد مواصفات الهدف المرحلي، كان متأثرا بحدة المعارضة التي كانت تواجه به سياسة المرحلية ، وخصوصا من قبل التنظيمات التي شكلت لاحقا “”جبهة الرفض””(36) والمدعومة من أطراف عربية ــ وخصوصا العراق ــ الذي اعتبر القبول بالسلطة الوطنية كهدف مرحلي في ظل موازين القوى المتواجدة هو بمثابة القبول بالحل السلمي وتخليا عن أهداف التحرير الكامل، وقد تزعم معسكر الرفض الفلسطيني الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
تنطلق الجبهة الشعبية في رفضها لمشروع السلطة الوطنية من تحليل علمي لنتائج حرب أكتوبر وطبيعة القوى الفاعلة وتصوراتها للتسوية، فترى أن موضوع التسوية بعد أكتوبر ليس حتميا، وحتى لو كان هناك تسوية، تتساءل الجبهة ألا يمكن للعامل الذاتي المحلي الفلسطيني العربي أن يوقف قطار التسوية المتناقضة مع مصالح الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة؟ وهي ترى أن هذا ممكن والحل الثوري في ظل وجود تسوية هو محاربة وإجهاض هذا التسوية.
كما فندت الجبهة الشعبية الزعم الشائع بأن التسوية بعد حرب أكتوبر أصبحت على الأبواب ، معتمدة في ذلك على التناقضات الواسعة بين وجهة النظر الإسرائيلية ووجهة النظر العربية حتى لو كانت متمثلة بوجهة نظر السادات، وترى أن هذا التناقض بين وجهتي النظر يشكل عقبة حقيقية في وجه التسوية، وتضيف إلى هذا وجود تباعد ما بين الصيغة السوفيتية للحل والصيغة الأمريكية، وهي ترى انه حتى في حالة افتراض أن السوفيت اخضعوا وجهات النظر الأمريكية والإسرائيلية لتصوراتهم للحل، فما هو سقف الموقف السوفيتي؟.(37)
وعليه ، رأت الجبهة الشعبية أن للسوفيت وجهة نظر معينة من قرار 242 لا ترقى إلى الطموحات الفلسطينية، وحتى لو عدل السوفييت رؤيتهم لهذا القرار فإن ميزان القوى الراهن لن يسمح بالوصول إلى هدف السلطة الوطنية وانسحاب إسرائيل من كامل الأراضي العربية بدون اعتراف أو صلح مع العدو أو الإقرار بحدود آمنة ومناطق مجردة من السلاح.
وتنتقد الجبهة الشعبية سذاجة الذين يرون أن الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة مؤكد وقريب المنال بحيث أن المطروح أمام الثورة أحد خيارين :إما أن تترك هذه الأراضي ليحكمها الملك حسين وإما أن تقيم عليها الثورة سلطة وطنية! وترى لو أن الموضوع بهذه البساطة فإنه من الطبيعي اختيار الحل الثاني، إلا أن الجبهة الشعبية ترى أن الخطأ يكمن في القول بأن الحل السلمي سيتمخض عنه انسحاب إسرائيلي من الضفة الغربية وقطاع غزة، ذلك أن إسرائيل إن قررت الانسحاب فإنه (لا يمكن أن يتم إلا لسلطة رجعية أو سلطة مستسلمة) (38). ومن نفس المنطلق طرحت الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة موقفها من نهج المرحلية، فترى أن الرفض لا يوجه أساسا للسلطة الوطنية أو لمرحلية النضال، ولكن الانتقاد منصب أساسا على الشروط والصيغة التي عليها ستقام هذه الدولة، ذلك أن المرفوض هو السلطة الوطنية التي تتمخض عن تسوية سياسية وكبديل عن حرب التحرير، ويؤكد أحمد جبريل ـ الأمين العام للمنظمة ــ (إن طرح شعار السلطة الوطنية خاصة بعد حرب أكتوبر هو طرح مرتبط بالتسوية الأمريكية التي تهدف إلى إنهاء الصراع العربي ــ الصهيوني لصالح تثبيت الوجود الصهيوني في الأراضي العربية، وهنا تكمن الخطورة لان طرح الشعار بعد حرب تشرين جعله مرتبطا بشكل مباشر بنقطتين مركزيتين نحن نرفضهما تماما وهما : المشاركة في مؤتمر جنيف وتمرير التسوية الأمريكية ونجاحها)(39).
ويبدو أن الأحداث عززت من طرح الجبهة الشعبية وجبهة الرفض عموما، حول نقطة واحدة هي أن الوضع الدولي والعربي بعد حرب أكتوبر لم يؤد إلى انسحاب إسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة، حيث أن الواقع أظهر محدودية التسوية المطروحة ووهم المراهنة على الضغوط الدولية أو على إنسانية أمريكا، أو قوة الضغط الاقتصادي العربي، ومع ذلك تبقى إيجابية تحديد سياسة مرحلية آنذاك لتقوم بوظيفة المناورة السياسية والتكتيك الضروري لحشد أكبر عدد من الأصدقاء وتجنب ما يحاك ضد الثورة، وليس باعتبارها استراتيجية تدفع المقاومة الفلسطينية للانجرار إلى المناورات الأمريكية التي تلوح للعرب ما بين الفينة والأخرى بمشاريع وهمية لتنتزع منهم التنازل تلو التنازل دون تحقيق أي إنجاز فعلي، إلا أن ما يؤخذ على قوى المعارضة إنها لم تشق طريقا بديلا واعتبرت أن التمسك بالمبادئ والثوابت الأساسية أهم من أي إنجاز صغير يعيد بعض الحقوق وتتجاهل هذه المنظمات ان من لا ستطيع تحقيق القليل لا يمكنه تحقيق الكثير .
ويبدو أن الجبهة الشعبية نفسها اعترفت بجدوى تبني الهدف المرحلي وهذا ما أكده جورج حبش في كلمته أمام المجلس الوطني الفلسطيني في دورته السادسة عشر في الجزائر حيث جاء فيها (نحن نقول نعم لبرنامجنا الوطني المرحلي، الذي اقر في الدورة الرابعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني ونقول نعم كذلك لميثاقنا الفلسطيني الذي آمل من مجلسنا هذا أن يعلن تشبثا به وببرنامجنا المرحلي).
لقد تأكد فيما بعد أن الأخذ بسياسة المرحلية لم يكن مجرد مناورة أو تكتيك كما حاول البعض تصويرها ، بل كانت تعبر عن استعداد حقيقي للتعامل مع نهج التسوية السياسية ،ذلك أن مقررات المجلس الوطني الفلسطيني اللاحقة بدلا من اتخاذ مواقف متصلبة بعد افتضاح حقيقة المواقف الأمريكية الإسرائيلية وسراب التسوية الذي انكشف، بدلا من ذلك انساقت وراء تقديم مزيد من التنازلات وتخلت عن كثير من الشروط التي وضعتها للهدف المرحلي-السلطة الوطنية المقاتلة- بل إنها لم تعد تَقرن الهدف المرحلي بالهدف الاستراتيجي باعتبار الأول قاعدة ارتكاز نحو الوصول للثاني، وفيما بعد حذفت كلمة مرحلية عند الحديث عن الهدف الفلسطيني الذي أصبح “إقامة دولة فلسطينية مستقلة” وهذا ما ظهر جليا في مقررات المجالس الوطنية ابتداء من الدورة الثالثة عشر ،فالفقرة الحادية عشر من البيان السياسي لتلك الدورة دعت لمواصلة النضال الفلسطيني (من أجل استعادة الحقوق الوطنية لشعبنا وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته الوطنية المستقلة فوق ترابه الوطني)، وفي تحديد مجال الحقوق الفلسطينية التي على المنظمة السعي لتحقيقها، عرفتها بأنها (الحقوق التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ سنة 1974 وخاصة القرار 3236) وقد اعتبرت قرارات هذه الدورة أول تحول واضح في مفهوم الحقوق الفلسطينية من حقوق تاريخية إلى حقوق مستمدة من الشرعية الدولية أو تجمع بينهم.
تكررت نفس الصياغات لهدف النضال الفلسطيني باعتباره إقامة دولة فلسطينية مستقلة دون تحديد كون هذه الدولة هي مجرد هدف مرحلي ودون ذكر الهدف الاستراتيجي – الدولة الديمقراطية العلمانية على كامل التراب الفلسطيني- كما أن السند القانوني لحقوق الشعب الفلسطيني بما فيها حقه في إقامة دولته المستقلة إذا اعتمد في بيان الدورة الثالثة عشر للمجلس على الحقوق التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنه في دورته السادسة عشرة في الجزائر فبراير 1983بنى هذا السند القانوني بالإضافة إلى ما سبق على قرارات القمم العربية، حيث جاء في بيان المجلس (التمسك بحقوق الشعب الفلسطيني بما فيها حقه بالعودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة بقيادة م.ت ،وهي الحقوق التي أكدتها قرارات القمم العربية)، وهذا يدفع للتساؤل وأين الميثاق الوطني وقرارات المجالس الوطنية السابقة؟ وأين الشرعية التاريخية التي تستمد منها الحقوق؟(40).ومع ذلك يمكن فهم الإشارة إلي قرارات القمم العربية ،إذا أخذنا بعين الاعتبار الظرفية التاريخية لتلك الدورة ، فقد عقدت والثورة تمر بأسوأ الظروف بعد الخروج من بيروت ،كما عقدت دورة المجلس ومشروع السلام العربي- مشروع فهد- ما زال يروج في الساحة .
ويبدو أنه كلما تدهور الوضع العربي وضعفت قوة الفعل العربية وتأزمت علاقات الثورة الفلسطينية بالأنظمة العربية، كلما كانت م.ت.ف أكثر استعدادا لتليين مواقفها وتخفيف شروطها لتصبح أكثر قبولا عند الرأي العام العالمي ولتبقى في واجهة الأحداث وتبقي الكرة دائما في شباك الخصم، وخصوصا بعد معركة بيروت وانتظار الأعداء أن تكتمل الحلقة وأن يؤدي الانحسار العسكري للمنظمة لإنهائها سياسيا، إلا أن المنظمة وبالرغم من الانتقادات الشديدة لسياستها بعد بيروت اثبت قدرتها على الولادة من جديد من خلال تقديمها لتصورات سياسية وأقدامها على خطوات عملية من خلال نسج علاقات جديدة مع أطراف نبذت سابقا -الأردن ومصر -،مع ما صاحب هذه العلاقات والتحولات من جدل واسع في الساحة الفلسطينية.
ففي الدورة السادسة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني يلاحظ أن البيان الختامي للمجلس لم يتطرق إلى قرار242 أو يندد به وهو ما دأبت قرارات المجلس السابقة على فعله ،آما تصور المجلس للحل فهو يتم عن طريق عقد مؤتمر دولي، ونلاحظ هنا أن المجلس يتحدث عن حل للقضية الفلسطينية وليس مجرد مبادرة سياسية وكانت صياغة المجلس لأهداف النضال الفلسطيني في تلك الدورة على الشكل التالي (يرى المجلس أن إيجاد حل عادل لقضية فلسطين والشرق الأوسط لابد وأن يقوم على أساس ضمان حقوقنا الوطنية في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية فوق ترابنا الوطني الفلسطيني، كما يرى أن الإطار المناسب للوصول إلى هذا الحل، هو عقد مؤتمر دولي تحت راية الأمم المتحدة وعبر مجلس الأمن بمشاركة كافة الأطراف المعنية بما فيها م.ت.ف على قدم المساواة، وعلى أساس قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بقضية فلسطين… ويؤكد في هذا الصدد رفضه لاتفاقيات كامب ديفيد والحكم الذاتي ومبادرة الرئيس الأمريكي ريغان والمشاريع والقرارات التي لا تضمن حقنا في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة).
إن أهم ما يثير الانتباه في هذا البيان – مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة المرحلة والحصار المفروض على الثورة الفلسطينية – أنه إذا كان هدف تحرير كامل فلسطين متضمن في القرارات السابقة للمجالس الوطنية بما فيها دورة الجزائر، من خلال نص التمسك بحقوق الشعب الفلسطيني بما فيها حق العودة وتقرير المصير والدولة الفلسطينية والذي يعني ضمنيا وجود حقوق أخرى غير الدولة الفلسطينية، فإننا نجد صياغة البيان الأخير حصرت الحقوق الفلسطينية بحق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهذا التبدل في الصياغة له معناه، وخصوصا إذا ربطناه بما يليه عند الحديث عن “”حل”” للقضية تشارك فيه كافة الأطراف المعنية.(41)
ونشير هنا إلى أن الحديث عن القبول بمؤتمر دولي كإطار لحل الصراع ليس بالأمر الجديد، فقد طرح وفد من المجلس الوطني الفلسطيني في مايو 1982 أفكارا أو تصورا لحل القضية الفلسطينية، عرضها أمام الندوة العالمية للحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في باريس، واعتبرت هذه الأفكار أو المقترحات الفلسطينية أن الدولة الفلسطينية شرط أساسي للسلام العالمي وتتلخص هذه الأفكار في :
أ – الانسحاب الإسرائيلي من كل الأراضي العربية المحتلة وتسليمها إلى الأمم المتحدة.
ب – تؤتمن الأمم المتحدة على الأراضي المنسحب منها لمدة لا تزيد عن 12 شهرا تقوم خلالها بالتنسيق مع منظمة التحرير الفلسطينية، بأجراء الترتيبات اللازمة لتمكين شعب فلسطين من ممارسة حقه في تقرير مصيره بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ج- إذا أقر شعب فلسطين إقامة دولته المستقلة يتم إعلانها ودخولها إلى الأمم المتحدة.
د – يعقد بعد ذلك مؤتمر دولي بأشراف الأمم المتحدة يضم الأطراف المعنية لبحث القضايا الواجب بحثها.
هـ -أن يكون المرجع القانوني لهذا المؤتمر هو :
1 – ميثاق الأمم المتحدة وإعلان حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف وقواعد القانون الدولي.
2 – عدم جواز الاستيلاء على (أو ضم) أراضي الغير بالقوة .
3 – قرارات الأمم المتحدة .
4 – رأي محكمة العدل الدولية في الأمور التي يختلف فيها واعتبر مقدمو هذه الأفكار أنها مستقاة من قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في دوراته المنعقدة منذ 1974 وما بعدها.(42)
ثالثا
من مرحلية النضال إلى البحث عن دولة فلسطينية
في إطار قرارات الشرعية الدولية .
1- الطريق الصعب نحو شرعية دولية غير واضحة المعالم
إذا كان القبول بالمرحلية كمبدأ أقرته قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، إلا أن الخلاف استمر حول علاقة المرحلي بالاستراتيجي و آلية المفاوضات وكيفية الوصول لهذا لهدف المرحلي والصيغة التي يتم بها، وهو الأمر الذي احتدم في الساحة الفلسطينية وما زال إلى اليوم بعد توقيع اتفاقية اوسلو وما تلاها ، إلا أن الاتجاه الذي غلب في بداية الأمر هو الذي فصل بين مفهوم مرحلية النضال وبين التسوية السياسية، وفي الواقع فأن كثيرا من الالتباس والغموض اكتنف تحديد الحد الفاصل بين مرحلية النضال باعتبارها سياسة تكتيكية تهدف إلى تعزيز المواقف النضالية من أجل استمرارية النضال لتحقيق الهدف الاستراتيجي وبين التسوية السياسية، بمعنى إنهاء النزاع ووضع حد له باتفاقات ومعاهدات تؤدي إلى اعتراف متبادل بين الأطراف، وإلغاء الكفاح المسلح كأسلوب لحل النزاع.
يرجع جزء من هذا الغموض إلى إحساس قادة حركة المقاومة الفلسطينية بأنه في الوقت الذي لا يمكن فيه أن يؤدي التوازن الحالي للقوى إلى تحقيق أي هدف مقبول فلسطينيا وغير متناقض مع الميثاق الوطني الفلسطيني ومقررات المجلس الوطنية وأنه إذا ما حدث أن أُجبرت إسرائيل لتقديم تنازلات ترابية فإن هذا سيكون مقابل الاعتراف بها ووضع حد للكفاح المسلح، مع توفر هذا الإحساس فإن لا أحد من قادة المقاومة الفلسطينية كان يجرؤ على الإعلان صراحة عن الاستعداد للاعتراف بإسرائيل نظرا للرفض الشعبي العارم لمثل هذه الخطوة، ونظرا لان مبرر وجود الثورة الفلسطينية وديمومتها قام على كونها النقيض للوجود الصهيوني. ومن هنا كَثُر الغموض في التصريحات التي تحاول أن تبلغ رسالة لإسرائيل وأمريكا تعبر عن الاستعداد للاعتراف بإسرائيل إذا ما قدمت تنازلات للفلسطينيين، وفي نفس الوقت تخفي هذه الرغبة عن الجماهير الفلسطينية لحين التأكد من حصول التنازل الإسرائيلي أو وجود رغبة حقيقية في تقديم هذا التنازل وهو الأمر الذي لم يحدث إلا بشكل غامض من خلال تصريحات أوروبية وأمريكية -كورقة التطمينات الأمريكية ــ أو من خلال تصريحات لإسرائيليين من معسكر السلام الذين ليس لهم وزن في الحياة السياسية الإسرائيلية.
ومن هذا المنطلق توالت التصريحات المطاطة والمبهمة والتي تتضمن استعدادا للاعتراف بإسرائيل مقابل دولة فلسطينية على جزء من التراب الفلسطيني كهدف نهائي للنضال الفلسطيني، وهو الأمر الذي يستشف من قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في عمان والذي تحفظت عليه فصائل فلسطينية متعددة- وقد سبق أن أشرنا لهذا المؤتمر- الذي اعتبر حقوق الشعب الفلسطيني منحصرة في حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، واعتبر (أن الإطار المناسب للوصول إلى هذا الحل هو عقد مؤتمر دولي تحت راية الأمم المتحدة وعبر مجلس الأمن بمشاركة كافة الأطراف المعنية).
هذا وقد اعتبرت الجبهة الديمقراطية أن المؤتمر قد عبر عن وجهة نظر العناصر اليمينية في م.ت.ف وأنه اقرب إلى وجهة نظر طرف واحد – فتح – أكثر مما يعبر عن الإجماع الفلسطيني، ورأت الجبهة أن قرارات هذا المجلس (قاصرة عن الاستجابة لمطامح أوسع قطاعات شعبنا في تعميق الخط الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية) و أن غموض القرارات الصادرة عن المجلس (يفسح المجال للعناصر اليمينية في قيادة م.ت.ف للإمعان في توجهاتها الاستسلامية الهادفة إلى التكيف مع سياسات المحاور الرجعية العربية والبحث عن نقاط تقاطع وهمية مع مخططات التسوية الأمريكية(43) .
كما ربطت الجبهة بين انعقاد المجلس الوطني في عمان وبين الاتصالات التي تجري داخل الساحة العربية من قِبَل (المحور الأردني ـ المصري)، الساعي للانخراط في محادثات مع الأمريكيين وربما الإسرائيليين للوصل إلى حل على أساس قاعدة القرار 242، واعتبرت الجبهة أن أهم المخاطر المصاحبة لهذه التحركات (كون الآفاق مسدودة تماما أمام أية إمكانية جدية لاسترداد أي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة في أمد قريب)(44). ومن هنا كانت الانتقادات التي وجهت إلى التحركات التي تحاول أن تُعطي القبول المبدئي بالمرحلية صفة التسوية النهائية تنبع من منطلق أن شروط التسوية العادلة لم تتوفر بعد سواء كانت شروط عسكرية أم شروط نفسية ، ذلك أن التسوية (هي محصلة علاقات وقوى وحقائق فعل بين طرفين أو أكثر تخلق الإحساس بالحاجة للاتفاق على شيء ما بشروط أو مواصفات إما مشتركة أو على الأقل مقبولة لدى جميع الأطراف)(45) .
ولأن الواقع العربي اتسم بالتردي والضعف في مواجهة التحالف الأمريكي الصهيوني فقد رفضت الثورة جميع الحلول المسماة سلمية والتي تقف وراءها إسرائيل وأمريكا، لأن هذه الحلول تهدف استغلال الضعف في الموقف العربي لتفرض عليه مزيدا من التنازلات وتجهض أية إرادة قتالية عند العرب، فهي حلول لا تقبل حتى ببقايا حركة مقاومة أو بوجود نفسا وطنيا، وقد استمرت الثورة الفلسطينية على رفض جميع الحلول السلمية المطروحة سواء من خلال 242 أو مبادرات كمبادرة روجرز أو مشاريع الدولة في الضفة والقطاع وغيرها من المشاريع، إلى أن حدثت حرب أكتوبر وبدأت حركة المقاومة تنظر نظرة مختلفة للعمل السياسي وطرحت برنامجها المرحلي.أما المرحلية التي قبلت بها غالبية فصائل المقاومة فهي تعني أنك لا تستطيع الوصول إلى هدفك دفعة واحدة بل يجب برمجة النضال حيث أن (كل مرحلة تحقق إنجازا يقودك إلى المرحلة التي تليها، هذا الكلام يتطلب عدم رفع شعارات غير قابلة للتنفيذ لان رفع الشعار غير القابل للتنفيذ يجهض المرحلة التالية)(46). هذه المرحلية يجب أن لا تكون على حساب الهدف الاستراتيجي ذلك لأنه (إذا تغير الهدف الأساسي تغير كل شيء) كما أن الهدف المرحلي لا يعني التخلي عن الكفاح المسلح لأن أي تنازل إسرائيلي إن حدث سياسيا فإنه لن يكون إلا (على أرضية وقاعدة القوة العسكرية التي تجعل من موقفهم موقفا حديا والتي تجعل التوازن في القوى قادرا على إيصال المفاوضات إلى الأهداف العربية الفلسطينية المنشودة)(47).
كما ارتبط الحديث عن المرحلية بتأكيد رفض الاعتراف بإسرائيل، ذلك أن تحقيق الهدف المرحلي يجب أن لا يكون ثمنه اعتراف أو صلح مع إسرائيل، ومن هنا رفضت م.ت.ف. كل الضغوطات التي مورست عليها من أجل أن تعترف بإسرائيل صراحة أوان تغير بنود الميثاق الوطني بما يفيد ذلك – وهذا الرفض للاعتراف بإسرائيل معناه أن لا تكون أية تنازلات إسرائيلية نتيجة تسوية متفاوض عليها لان (التسوية المتفاوض عليها هي خارج البحث، وستظل كذلك طالما لم يتغير ميزان القوى بصورة ملحوظة لصالحنا)(48).
ويضع خالد الحسن خطا احمرا يجب أن لا تتعداه أية مناورة سياسية في إطار السعي للهدف المرحلي، ، وأن تبقى هذه المناورات والاتصالات ضمن دائرته ولا تتخطاه، هذا الخط هو الاعتراف القانوني بدولة العدو الصهيوني (أن هذا الاعتراف من المحرمات في قاموسنا الفلسطيني وفي قاموسنا العربي، وفي قاموسنا الإسلامي، الاعتراف بالعدو الصهيوني يعني إقفال الملف، يعني التسوية النهائية، يعني بقاء دولة العدو الصهيوني .. وهذا ما لا يجوز أن يقع)(49).
وفي نفس السياق يميز خالد الحسن بين السلام وبين الأمن، بين السلام الذي يسعى إليه الشعب الفلسطيني والعربي و الأمن بمفهومه الإسرائيلي الأمريكي، فهذا الأخير مرتبط بموازين القوى وعلاقاتها بحركة تحقيق المصالح المادية من منطلق ذاتي، وحسب هذا المفهوم تطغى المصلحة الذاتية على المصلحة المشتركة، ويكون الاستقرار القائم على الأمن مفروضا من قبل قوة مهيمنة على القوى الأخرى، كما أنه يبقى أمنا مزعزعا قابلا للتضعضع مع أي اختلال جديد في ميزان القوى، أما الاستقرار القائم على السلام (فيمثل حالة فكرية ونفسية تنمو بقوة القناعة الفكرية والنفسية المرتبطة بالعدالة وبقوة الحق، وبذلك يكون عامل القوة في تحقيق السلام عاملا ذاتيا للطبيعة السلامية للأفكار التي أعطت الحلول القائمة على الحقوق والعدالة والمنطلق من الفهم الصحيح لطبيعة الصراع وخصوصياته)(50).
ومن الملاحظ هنا أن خالد الحسن كان يتهرب من قول حقيقة هو يعلمها وهي استحالة أن تكون تسوية تعيد ولو جزءا من الأرض دون مفاوضات ودون اعتراف بإسرائيل بل انه عندما كان مكلفا بالشؤون الخارجية للمجلس الوطني الفلسطيني كان من أول من فتح حوارا مع الأوروبيين والأمريكيين وكان يطلب منهم أن يكونوا وسطاء لفتح قنوات تفاوض مع الإسرائيليين . كانت التصريحات الفلسطينية آنذاك بمثابة جس نبض، سواء للشارع الفلسطيني أو للساسة الإسرائيليين والأمريكيين وكان تتضمن تنازلات مغلفة بكبرياء الثوار المقهورين الذين لم تأت الرياح بما تشتهي سفنهم.
مع أن مرحلية النضال مبررة ومقبولة نضاليا فإنه يجب التأكيد بأن هذه المرحلية والقبول بأهداف اقل من الهدف الاستراتيجي، يفترض أن تأتي كتتويج لانتصارات جزئية تحققها قوى الثورة الذاتية أو المعسكر التقدمي العالمي، وهي في هذا تختلف عن الحلول التي تطرح لتسوية النزاع من قبل أطراف خارج قوى الثورة أو من طرف الخصم نفسه وهو الأمر الذي اتسمت به سياسة المرحلية في الساحة الفلسطينية، وأوجد الخلط والالتباس في المسيرة الفلسطينية و تباينت الاجتهادات حول تطبيق سياسة المرحلية، ذلك أن الطرف العربي الذي انضج وأوجد الخلل النسبي في ميزان القوى في حرب أكتوبر 1973 لم ينظر للمبادرات السياسية باعتبارها خطوة مرحلية نحو الهدف الاستراتيجي، بل أرادها تسوية نهائية للصراع تريحه من عبء التزامه بالقضية الفلسطينية،أو تسوية تعبر عن نظرة إقليمية واقعية وهو الأمر الذي تكشف من خلال كامب ديفيد والمشاريع التي طرحت في المنطقة والتي توجت بمؤتمر مدريد وما تلاه.
ولان الثورة الفلسطينية أرادت أن تستفيد من انتصار ليس انتصارها بالأساس ،فإنها وقعت في مأزق الحلول السياسية وحاولت أطراف عربية ودولية الاستفادة من رغبة م.ت.ف. في القبول بأهداف أقل من هدفها الاستراتيجي، فمارست عليها أقسى الضغوط لانتزاع تنازلات تحرف ت.م.ف عن مسيرتها النضالية، ولتدفعها للاعتراف بالأمر الواقع تحت شعار الواقعية .
لقد منح تواجد الثورة الفلسطينية في لبنان هامشا واسعا من المناورة أو التكتيك السياسي، بحيث كانت تتحدث في الوقت نفسه عن الكفاح المسلح وتحرير فلسطين وعن المرحلية والقبول بسلطة على جزء من أرض فلسطين،إلا أن هذه السياسة إن كانت تحافظ على صورة المنظمة عند الجماهير كحركة تحرير ترفض التنازل والتفريط بالحقوق، إلا أنها لم تكن مقنعة أو مقبولة تماما من كل الأنظمة العربية ولا من الأطراف الأجنبية وخصوصا إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية. وفي ظل هذا الموقف الغامض عملت حرب أكتوبر على نقل مركز ثقل الفعل إلى الأنظمة العربية التي وظفت نتائج أكتوبر لتثميرها سياسيا، ونشطت الدبلوماسية الأمريكية لفك الارتباط ما بين القوات الإسرائيلية من جهة والقوات المصرية والسورية من جهة أخرى ،ففي يناير 1974 وبفضل جولات كسنجر المكوكية تم توقيع الاتفاق الأول على فك الارتباط على الجبهة المصرية ، وفي مايو 1974 تم توقيع اتفاقية فصل القوات على الجبهة السورية ، وفي سبتمبر1975 حدث اتفاق فصل القوات الثاني على الجبهة في سيناء .
كانت الاتفاقيات المشار إليها خطوة أخرى في طريق فك الارتباط ما بين القضية الفلسطينية وبعدها القومي الرسمي العربي ، حيث نصت المادة الثانية من اتفاقية سيناء الثانية على تعهد الطرفين(بعدم استخدام القوة و التهديد بها أو الحصار العسكري في مواجهة الطرف الأخر ) ،وقد أدركت الثورة الفلسطينية الأبعاد السياسية والخطيرة لهذه الاتفاقات ، ففي بيان صادر عن اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي للمنظمة حول اتفاق سيناء لفك الارتباط جاء إن هذا الاتفاق ( لم يكن على الإطلاق مجرد خطوة عسكرية في إطار ما يسمى بفصل القوات بل يعد في الحقيقة اتفاق سياسي يجمد حالة الحرب مع العدو الصهيوني على جبهة واحدة …كما ينطوي على أخطار حقيقية تهدد السيادة القومية ومستقبل النضال القومي)(51).
وتوالت الخطوات الدافعة بالصراع العربي -الصهيوني نحو تسوية ضمن شروط أمريكية وإسرائيلية لا تلبي حتى الشروط الدنيا للسلام العادل بالمفهوم الفلسطيني والعربي،تسوية تهدف إلى حصار الثورة الفلسطينية ولملمة الحالة الثورية الفلسطينية والعربية وتدفع بالثورة الفلسطينية إما لإعادة النظر بسياسة الرفض والتحدي التي تنتهجها وإما أن تتعرض للحصار والتصفية .وكانت اتفاقية كامب ديفيد الضربة القاصمة في البعد القومي للقضية الفلسطينية حيث وضعت الاتفاقية الثورة الفلسطينية أمام حقيقة لم يعد مجال لإخفائها وهي أن العامود الفقري للأمة العربية وقائدة نضاله التحرري القومي واكبر قوة عسكرية عربية ….اعترفت بإسرائيل وخرجت من ساحة المواجهة العسكرية، فلم تكن الاتفاقية تعني فقط خروج مصر من ساحة المواجهة بل استغلت إسرائيل الاتفاقية لتنفرد بالثورة الفلسطينية وخصوصا أن الاتفاقية جاءت في وقت كانت العلاقات متوترة ما بين المنظمة وسوريا بسبب الملف اللبناني ، لقد كان لاتفاقية كامب ديفيد مفاعلها القوية والسلبية على مسارين :الأول سياسي حيث سارعت الأنظمة العربية بمباركة وضغط أمريكي إلى بلورة مبادرة سياسية تعترف بإسرائيل وبقرارات الشرعية الدولية، والثاني عسكري حيث أخذت إسرائيل تخطط لتصفية الوجود العسكري، ل م-ت- ف وقد تزامن الحدثان تقريبا، الأول مؤتمر فاس 81 والثاني غزو لبنان 82 وهو تزامن ليس مصادفة بطبيعة الحال .
على الرغم من أن وجود الثورة الفلسطينية في لبنان ساعد على تمتعها بقدر من المناورة والمواجهة و خلق حالة من الثقة بالنفس اكبر بكثير من الإمكانيات العسكرية الحقيقية التي تملكها ،وكان مصدر القوة والثقة بالنفس ،بالإضافة إلي عدالة القضية والتفاف الجماهير حول الثورة و تحالفها مع الحركة الوطنية اللبنانية وعلاقاتها المتميزة مع دول المعسكر الاشتراكي واحتكاكها القتالي المباشر مع العدو انطلاقا من جنوب لبنان ، إلا أن دخول الجيش الإسرائيلي لبنان صيف 1982واجباره مقاتلي الثورة الفلسطينية على ركوب البحر بعيدا عن ساحة المواجهة في ظل صمت عربي مريب إن لم يكن تواطؤ من البعض ،وما تلا ذلك من انشقا قات داخل حركة فتح ،كل ذلك شجع دعاة التسوية السلمية على الكشف عن أوراقهم والعمل بحرية ووضوح مستغلين الأوضاع المزرية للثورة الفلسطينية والحالة النفسية المتردية للشعب الفلسطيني الذي عاش أيام عويصة ومذلة وهو يرى مقاتليه يطردون من لبنان وإسرائيل تنفرد بهم داخل الوطن بممارسات إرهابية .
فبتنسيق أمريكي عربي مع تيار التسوية داخل الساحة الفلسطينية والعربية عقد مؤتمر فاس أو ما سمي مبادرة السلام العربية وفيها اعترفت الأنظمة العربية بوضوح بقرارات الشرعية الدولية وما استتبع ذلك من اعتراف بإسرائيل واستعداد هذه الدول بحل الصراع بالطرق السلمية .لقد شرع مؤتمر فاس الأبواب أمام نهج التسوية السلمية وكشف عما كانت الأنظمة تريده ولا تجرؤ على التصريح به أو فعله ، ذلك أن غالبية الأنظمة العربية ومنذ أن وقع السادات اتفاقية كامب ديفيد وهي تريد أن تنهج نهجه وتتخلص من عبء المسؤولية تجاه شعارات ومواقف وأهداف ألزمت نفسها بها في المرحلة السابقة،ومن عبء المسؤولية تجاه الشعب الفلسطيني ،إلا أن التواجد المسلح للفلسطينيين في لبنان والعمليات البطولة على الحدود ودخل الوطن كانت هي الحائل أمام السير على درب السادات وخصوصا بعد اغتياله ، وكان مطلبا إسرائيليا وأمريكيا ورسميا عربيا إزالة هذا العائق …وهذا ما حدث ، فما أن ضُربت الثورة في لبنان وتشتت مقاتلوها حتى فُتح الباب على مصراعيه للتسوية السياسية ، وتغلغل فكر التسوية في الساحة الفلسطينية دون مواربة ولم يعد من المحرمات ، ولم يعد الحديث يدور عن المفاضلة بين خيار التحرير والحرب وخيار التسوية بل ما بين التسوية السلمية العادلة والتسوية غير العادلة ، ولكن هل للضعيف في معادلة الصراع أن يفرض مفهومه للعدل وللسلام؟.
2- البحث عن الدولة :من متاهات الشرعية الدولية إلى متاهات الشرعية التفاوضية
بعد عشرات اللقاءات والمؤتمرات والاتفاقات العلنية والسرية حول السلام ،وما صاحبها من أحداث جسام كالانتفاضة الأولى وحرب الخليج الثانية وانهيار النظام الإقليمي العربي و الاتحاد السوفييتي… ، أجبرت أمريكا الخصوم على الجلوس علنا على طاولة المفاوضات في مدريد أولا ثم في اوسلو وتم توقيع اتفاق إعلان المبادئ بين الفلسطينيين والإسرائيليين ،وهو الاتفاق الذي قامت على أساسه منذ 1994سلطة الحكم الذاتي في مناطق من الضفة والقطاع .وكان حديث الساعة فلسطينيا قبل مايو 1999 – تاريخ نهاية المدة المحددة لاتفاق إعلان المبادئ وبداية التفاوض على قضايا الوضع النهائي -هو موضوع الدولة الفلسطينية ،هل ستقوم يوم الخامس من مايو أم ستؤجل ؟وإذا قامت فكيف ستتصرف إسرائيل ، وان لم تقم فكيف ستواجه السلطة الفلسطينية شعبها من يساندها منه ومن يعارضها؟ وما هي الأسانيد القانونية والإمكانات الموضوعية لقيامها ؟ وهل في بنود اتفاق أوسلو ما يدعم موقف السلطة الفلسطينية في قيام الدولة بحلول الرابع من مايو ؟ وهل هذه الدولة ستحقق السلام المنشود ؟. وحيث انه لا مواعيد مقدسة عند الإسرائيليين، وخصوصا إذا كانت هذه المواعيد تفرض عليهم التزامات تتعلق بالأرض المحتلة، فقد مر الرابع من مايو وبالتالي المدة المتفق عليها للحكم الذاتي وفشلت مفاوضات كامب ديفيد وما تلاها من اتفاقات ، واندلعت الانتفاضة لتؤكد فشل المراهنة على السلام الأمريكي الإسرائيلي ،ثم جاءت وثيقة تنت وتقرير ميتشل وخارطة الطريق وما زالت أسئلة كثيرة وعميقة ومعقدة تضغط على الإنسان الفلسطيني وتجعله في موقف الانتظار والترقب دون أن يستطيع لملمة أفكاره وشحذ قدراته العقلية لاتخاذ موقف وهو على يقين من سلامة هذا الموقف ، والأمر لا يتعلق بالإنسان الفلسطيني أو العربي العادي بل نلمس حالة الإرباك عند القياديين الفلسطينيين الذين تتباين مواقفهم وتلتبس تصريحاتهم من كان منهم في المعارضة أو في السلطة .
إن أي نقاش وطني عقلاني حول السلطة والحكم الذاتي في هذه المرحلة يفترض أن لا يتمحور حول ،مع السلطة أو ضد السلطة ، بل يجب أن يكون حول عمل السلطة وكيفية تطويرها ،أو بمعنى آخر التمييز ما بين السلطة الوطنية كجهاز وركن أساس لا يمكن تصور قيام دولة أو كيان سياسي بدونها من جهة وكيفية أداء السلطة لعملها ونزاهة الأشخاص القائمين بأمرها من جهة أخري.وفي هذه الحالة يفترض أن يكون إجماع وطني فلسطيني – بل وقومي عربي و إسلامي – حول مبدأ وجود السلطة – بغض النظر عن ممارسيها -، وحق الاختلاف حول كيفية عملها وبرامجها وأشخاصها الخ ، وقد أبانت السياسة الصهيونية في عهدي باراك وشارون أنها ضد وجود سلطة وطنية فلسطينية ذات مصداقية حتى وإن كانت منبثقة عن اتفاقات أوسلو .
من الواضح أن وضع السلطة وضع لا تحسد عليه وخصوصا بعد الاجتياح الإسرائيلي للضفة في نهاية فبراير 2002، فهي ليست سلطة سياسية كاملة الصلاحيات بل سلطة مقيدة بشروط والتزامات تعرقل قيامها بمهامها كسلطة سياسية بمعنى الكلمة . ومن جهة أخرى فإن الدولة عادة ما تأتي بعد تحقق الركنيين الآخرين للدولة وهما الأرض والشعب ، فهي تأتي لتمارس السيادة على الأرض والشعب ،أما في الحالة الفلسطينية فقد وجدت السلطة أولا في ظروف معقدة وبصلاحيات محدودة ،وينتظر منها استكمال عناصر الدولة ،أي استكمال تحرير الأرض ولملمة شتات الشعب .
هذه خصوصية لا تخلو من تناقض وتعقيد ذلك أن السلطة الفلسطينية وجدت في إطار تسوية وضمن اتفاقية تكبل تحركها وتجعل كل خطوة من خطواتها وخصوصا ذات الطابع السيادي مرهونة بالموافقة الإسرائيلية والأمريكية ، فيما الشعب الفلسطيني يريدها أن تقوم بمهمة مزدوجة مهمة سلطة وطنية تحريرية وسلطة سياسية تأسيسية ،وهي مهمة جد صعبة إذ أخذنا بعين الاعتبار التحديات الداخلية والخارجية التي تعترض عمل السلطة . وانطلاقا من هذه الصعوبة حدث شطط في التحليل عند من تعامل مع موضوع السلطة والحكم الذاتي ،بحيث أن هيمنة الأيديولوجيا والمواقف المسبقة والصراعات الحزبية جعلت مقاربات الموضوع تقع في السببية الفجة وتصدر أحكاما كلية اعتمادا على مقاربات جزئية .
إن الفهم العميق للتحولات الدولية والإقليمية يدفعنا إلى القول إن التحدي الذي يواجه الشعب الفلسطيني وهو يخوض نضالا سياسيا – وعسكريا ضمن ما هو متاح وكإمكانية يجب عدم إسقاطها – لتأسيس دولته الوطنية المستقلة لا يقل عن التحدي الذي واجهه عندما كان يتبنى استراتيجية الكفاح المسلح ضد الصهيونية والإمبريالية لتحرير وطنه ، وسنكون واهمين إذ اعتقدنا أن القوى التي حالت بين الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته في مرحلة الكفاح المسلح ستساند هذا الشعب في تأسيس وطنه بالطرق السلمية ،ذلك أن معارضتها لم تكن لان الشعب الفلسطيني يريد أن يُقيم دولته عن طريق الكفاح المسلح بل كانت معارضة لمبدأ قيام الدولة الفلسطينية ، سواء كانت هذه القوى تتجسد بإسرائيل أو بالولايات المتحدة الأمريكية أو بدول غيرها من داخل المنطقة ، وقد أثبتت الأحداث ذلك مع كامب ديفيد الثانية وقبلها ، حيث رفضت إسرائيل و أمريكا الاعتراف بدولة فلسطينية يعلنها الفلسطينيون على مناطق الحكم الذاتي ، كما ترددت الدول العربية في دعم الموقف الفلسطيني بخصوص إعلان الدولة من طرف واحد حتى لا يثيروا غضب أمريكا (52) ، ولولا صمود الشعب الفلسطيني وعدم تنازله عن حقوقه لتبخر حلم الدولة.
لا شك أن حق الشعب الفلسطيني في كامل فلسطين حق لا يمارى فيه ،ولكن علينا أن نعترف وأن نتعلم من التاريخ أن الشعوب لا تحيى فقط على الأهداف والشعارات كما أن الأهداف لا تتحقق بمجرد ترديد المطالبة بها ودبج الأشعار والتنظيرات حولها ،ولكنها-الشعوب- تعيش في واقع وتتعامل مع واقع، ليست الإرادة الذاتية الفاعل الوحيد فيه مع أنه الفاعل الأساس أحيانا، . والأهداف المشروعة إن لم تُصاحَب بممارسة عقلانية وأدوات تنفيذية ومراكمة إنجازات ، فأنها ستتحول إلى أضغاث أحلام وستتآكل مشروعيتها عبر الزمن . وعليه فإن أي إنجاز على ارض الواقع مهما كان صغيرا فانه سيُبقي الأمل في النفوس متقدا وستبقى الصلة قائمة ما بين الأهداف الوطنية المشروعة من جهة وواقع الحياة اليومية والتعامل اليومي من جهة أخرى .
إن ما بين التحرير الكامل من جهة والاستسلام لمشيئة الخصم من جهة أخرى، كثير مما يمكن عمله من أجل فلسطين ،سواء في إطار الواقع الجديد داخل مناطق الحكم الذاتي أو في إطار قرارات الشرعية الدولية ، وفي جميع الحالات على الفلسطينيين أن يعتمدوا على أنفسهم بالدرجة الأولى ،وان يضعوا حدا لحالة انتظار المنقذ القومي العربي أو الفاتح الإسلامي أو المحرر الأممي ، أو انتظار تدخل العناية الإلهية لتقذف اليهود بحجارة من سيجيل تجعلهم كعصف مأكول !.ومن هنا على الفلسطينيين أن يُحسنوا إدارة معركة الحفاظ على الهوية والوطن ،هذا الأخير الذي ليس هو الأرض فقط ، فهذه قد تتعرض للاحتلال أو يفارقها المواطن قسرا ،بل هو بالإضافة إليها ، إحساس بالانتماء ،وشعور بهوية، واستعداد للعطاء في كل الظروف والأحوال،والفلسطينيون اليوم في ظل استحقاقات أوسلو المؤلمة عليهم أن يؤكدوا كما كانوا دائما أنهم كالعنقاء التي تنهض من تحت الرماد فيما الاعتقاد أنها ماتت .
بناء الدولة، مسؤولية مزدوجة ،مسؤولية السلطة ومسؤولية المواطن ،فالمواطن الفلسطيني سواء كان مواطنا عاديا أو منتميا إلى حزب أو تنظيم ، عليه أن يدرك أن تأسيس دولة أو كيان سياسي لا يكون إلا بوجود سلطة وطنية ،وان أي سلطة في العالم لا بد لها من صلاحيات للقيام بمهامها بما في ذلك ممارسة القسر والإكراه ،فالسلطة تقترن دائما بالقوة وتحيل إليها (لا سلطة دون تسلط) ،ولكن في إطار القانون والمؤسسات وبما يخدم المصلحة الوطنية ،وعلى المواطن الفلسطيني أن يعرف أيضا أن السلطة لا يمكنها أن تقوم بعملها بدون قوانين يجب أن تحُترم وبدون مؤسسات يجب أن تُصان . وإذ كان يجوز الاختلاف حول الشأن السياسي ،فلا يجوز الاختلاف حول ضرورة بناء وتأسيس الدولة ،وقوى المعارضة الفلسطينية التي تتوفر على الوعي والحس الوطني مما يجعلها تميز ما بين هذين النوعين من المعارضة :معارضة ممارسات السلطة ومعارضة بناء الوطن ،إن كل جهد في اتجاه بناء الإنسان الفلسطيني والمؤسسات الفلسطينية والدولة الفلسطينية هو عمل وطني وللوطن ومن الخطأ الإحجام عنه بحجة أن يجير لمصلحة تنظيم محدد أو توجه سياسي محدد ،وعلى قوى المعارضة أن تربي أعضاءها على احترام مؤسسات ورموز السلطة الوطنية ،و إن شاءوا يعارضوا سياساتها وبرامجها وممارسات مسئوليها ،فحيث أن الشعب الفلسطيني يرفض الخضوع لسلطة الاحتلال فعليه أن يقبل بسلطة وطنية لأن ما بينهما هو الفوضى والخراب والحرب الأهلية لا سمح الله .
لم يعد خافيا على أحد أن قبول إسرائيل بحكم ذاتي فلسطيني وبسلطة فلسطينية لا يعني أنها تهيئ الوضع للاستقلال الفلسطيني ،أو أنها تدرب الفلسطينيين على كيفية حكم أنفسهم بأنفسهم ، بل قبلت بذلك مناورة وخوفا من أن تضطر لتقديم تنازلات أكثر ، ولذا فهي وكما رأينا لن تدخر جهدا لإفشال تجربة الحكم الذاتي وستمارس سياسة الأرض المحروقة بتضييق سبل العيش أمام غالبية الشعب داخل مناطق الحكم الذاتي وإطلاق يد المستوطنين لينهبوا الأرض ويمارسوا الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني حتى يتمرد الشعب على السلطة الوطنية أو يضطر لمغادرة الوطن ومن يتبق منهم يتحولوا إلى (عرب إسرائيل ) ولكن دون حقوق المواطنة .وعليه فإن الطريق أمام الفلسطينيين ما زال صعب وشاق ومهمتهم لإعادة بناء الدولة على جزء من أرض الوطن تحتاج إلى تضافر كل الجهود ،جهود فلسطينيي الداخل وجهود فلسطينيي الشتات ،تحتاج إلى جهود السلطة وجهود المعارضة ،تحتاج إلى جهود السياسيين والمثقفين والمبدعين وكل الكفاءات التي شتتها الاحتلال أو أبعدتها الممارسات السيئة لبعض المتنفذين في السلطة الفلسطينية.
لا شك أن السلطة الفلسطينية في وضع لا تحسد عليه ذلك انه بالرغم من أن عناصر الدولة الأساسية شبه متوفرة :الأرض والشعب والسلطة السياسية بالإضافة إلى قرار التقسيم وتأييد دولي يتزايد كل يوم ،إلا أن خصوصية القضية وبنود اتفاق أوسلو يجعل اعتراف إسرائيل والاعتراف الدولي المسبق -وخصوصا الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة – شرطا أساسيا لقيام الدولة الفلسطينية ،وهو الأمر الذي يدفعنا إلى القول إن الدولة الفلسطينية لن تقوم بمجرد الإعلان عن قيامها -حيث أُعلن عن قيامها قبل ذلك عدة مرات كان أخرها إعلان الجزائر 1988- بل أن قيامها فعلا وممارستها لسيادة حقيقية على الأرض والشعب ما زال يحتاج إلى إرادة فلسطينية جماعية والى برنامج وحدة وطنية مرحلي يكثف العمل فلسطينيا وعربيا ودوليا في هذه المرحلة الدقيقة للقضية الفلسطينية،بل لا نبالغ إن قلنا إن قيامها يحتاج إلى نضال لا يقل عن النضال الذي خاضه الفلسطينيون منذ قيام الثورة إلى اليوم ، و يبدو أن كثيرين من العرب والفلسطينيين لا يدركون خطورة المرحلة وأهمية قيام دولة فلسطينية مستقلة على ارض فلسطين ولو على شبر من ارض فلسطين ، إن الدولة الفلسطينية اليوم وفي ظل انهيار البعد القومي للقضية وفي ظل انشغال العالم بقضايا أخرى غير القضية الفلسطينية وفي ظل التحالف الإستراتيجي المتين ما بين إسرائيل وأمريكا لم تعرفه العلاقات بين الدولتين من قبل ، في ظل هذه الظروف يمكن أن تكون-بل يجب أن تكون- الدولة الفلسطينية مهمة نضالية وواجب قومي و إسلامي و أنساني.
وبفعل انتفاضة الأقصى تحرك المنتظم الدولي مجددا وأصدر عديدا من القرارات التي وإن كانت لا ترق إلى طموحات الشعب الفلسطيني فإنها في ميزان القوى الراهن تعتبر إنجازا يمكن للفلسطينيين التمسك به ليقيموا عليه دولتهم المستقلة ومن أهم هذه القرارات القرار رقم 1397 بتاريخ 13/3/2002 الذي صدر عقب اجتياح إسرائيل لمناطق السلطة الفلسطينية ، فلأول مرة يشير قرار صادر عن مجلس الأمن إلى أن حل النزاع في المنطقة لن يكون إلا بقيام دولتين ،فلسطينية وإسرائيلية، تتعايشان بسلام جنبا إلى جنب ، وقد تبع هذا القرار مواقف أوروبية وأمريكية تنطلق من نفس الرؤية.
ولكن في نفس الوقت هناك مؤشرات مقلقة تشير إلى توجه أمريكي وإسرائيلي لتغيير مفهوم المناطق المحتلة وبالتالي المناطق التي من الممكن أن تقام عليها دولة فلسطينية ، وبانت هذه المؤشرات عقب الاجتياح الإسرائيلي لمنطق السلطة في الضفة وغزة نهاية فبراير 2002 ، حيث صدر قرار مجلس الأمن رقم 1402 الذي يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من مناطق السلطة، وما زالت إسرائيل تماطل في الانسحاب ، إن الخوف يتأتى من أن يحل القرار الأخير محل القرار 242 وتحل (مناطق السلطة) محل (الأراضي المحتلة عام 67 )– كل الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة – ، وتأكدت التخوفات مع شروع إسرائيل بإقامة الجدار العازل مع بداية 2003 ، وهذا الجدار لن يترك بيد الفلسطينيين إلا حوالي 42% من مناطق الضفة مقسمة إلى ثلاثة كانتونات منعزلة عن بعضها ،تتحكم إسرائيل بالطرق الرابطة بينها.
لا شك أن الحديث الأمريكي والإسرائيلي عن دولة سواء ضمن خارطة الطريق او ما ورد في وثيقة جنيف التي وقعها وفد فلسطيني ووفد إسرائيلي غير رسمي في أكتوبر 2003، بعد خطوة متقدمة للمواقف السابقة ، إلا انه يجب الحذر من فهم وتفسير مفهوم الدولة ، ففي الوثيقتين هناك حديث عن دولة دون سيادة ومنزوعة السلاح ، وإن كان دولة منزوعة السلاح أمرا مفهوما ومقبولا لمرحلة انتقالية ، إلا أن ما لا يفهم وما يعد خطيرا الحديث عن دولة دون سيادة ، فعدم ممارسة الحكومة- السلطة- الفلسطينية سيادة على أرض الدولة يدفع للتساؤل ولمن السيادة على الأرض ؟ وهنا تبرز الخطورة ، فقد يفسر الأمر بان الأرض هي ارض دولة إسرائيل و السيادة بالتالي لإسرائيل ، وعليه تصبح الدولة مجرد اسم لحكم ذاتي ثقافي .
ومن جهة أخرى نتخوف من أن تطرح إسرائيل فكرة الدولة ثنائية القومية ، ولكن ليس على مستوى فلسطين التاريخية أو إسرائيل ، بل على مستوى الضفة وغزة ، بحجة أن هناك شعبان يتصارعان على هذه الأرض – المستوطنون والفلسطينيون- ومن هنا على المفاوضون الفلسطينيون الحذر من إضفاء أي شرعية على الوجود الاستيطاني مهما كان محدودا ، فالاعتراف بشرعية أي مستوطنة معناه منحهم الحق بالسيادة على الأرض التي يقيمون عليها مما يمهد لفكرة الدولة الثنائية القومية المشار إليها.
خاتمة
بعد أربعين سنة من قيام الثورة الفلسطينية المعاصرة ، وبعد عشر سنوات من بداية تطبيق مسلسل التسوية في إطار اتفاقية اوسلو ، وبعد ثلاث انتفاضات – انتفاضة 1987و انتفاضة النفق ثم انتفاضة الأقصى – وبعد ثلاث سنوات دامية هي عمر انتفاضة الأقصى ،وبعد مأزق خارطة الطريق …، تأكدت حقيقة ان الصراع يدور حول الدولة الفلسطينية ، تكون أو لا تكون ، وموضوع الدولة مرتبط عند الفلسطينيين بالهوية والوجود ، وبالتالي الصراع بالنسبة للفلسطينيين هو أن يكونوا أو لا يكونوا ، فيما هو غير ذلك عند الإسرائيليين ، فالإسرائيليون لهم دولتهم المستقلة المعترف بها من غالبية دول العالم ، ومدججة بالسلاح بما فيه السلاح النووي ، دولة تجد كل الحماية من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا .
بالرغم من عدم ثبات الفلسطينيين على تعريف ثابت لحقوقهم المشروعة ، وانتقالهم من الشرعية التاريخية إلى الشرعية الدولية إلى الشرعية التفاوضية … وما يصاحب ذلك من أرباك في الحقل السياسي الفلسطيني ، سواء من حيث انقسام الساحة على أساس مفهوم الدولة واستراتيجية الوصول إليها ،أو من حيث مخاطبة العالم بخطاب واحد ، إلا ان الوجه الآخر للمسالة هو توق الفلسطينيين للسلام واستعدادهم لتقديم تنازلات مؤلمة ، إن كان الأمر سيؤول إلى دولة مستقلة تؤمن لهم حياة كريمة . إن ما هو دون الدولة بالنسبة للفلسطينيين يعني الاحتلال أو الفوضى وهو ما يرفضه الفلسطينيون .
اليوم هناك ما يزيد عن ثلاثة ملايين ونصف فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة – بالإضافة إلى أكثر من مليون في إسرائيل- وهؤلاء شعب كامل الهوية ، وقد أثبت التاريخ ، والتاريخ شهادة حق تبدد الزيف وأوهام الايدولوجيا ، أن لا الهزائم العسكرية ولا تعاقب الزمن ، يلغي هوية الشعوب أو يضعف انتمائها لأوطانها ، فالصرب ومسلمو البوسنة والهرسك ،والأكراد ، والشيشان ،و دول البلطيق وشعوب الجمهوريات الآسيوية من الاتحاد السوفييت ، الخ ، لم يكن احد يسمع عنهم إلا القليل ، وها هم اليوم يؤسسون أوطانا ، أو يعيدون بناء أوطانهم مجددا بعد عشرات السنيين من التغييب القسري . فكيف إن كان الأمر يتعلق بشعب كالشعب الفلسطيني في عراقته وفي ارتباط هويته بالأرض و بالدين وبالقومية ، وعلى الإسرائيليين أن يأخذوا العبرة من الفلسطينيين داخل إسرائيل ، حيث لم تتمكن إسرائيل بعد خمس وخمسين سنة أن تغيب هويتهم أو تطمسها.
الهوامش
1)- من الملفت للانتباه أن أبو مازن مهندس التسوية في إطار أوسلو وما لحقه من اتفاقات ثم رئيس وزراء في السلطة ، هو نفسه الذي طرح لأول مرة قضية الاتصال باليهود غير الصهاينة ثم بالإسرائيليين، وكان وراء إدراج بنود في مقررات المجلس الوطني الفلسطيني المتعاقبة تسمح بذلك .
2)- شخصت حركة القوميين العرب الصراع في فلسطين بأنه صراع بين العرب واليهود فـ ( معركة الثأر من اليهود لا تنحصر في حربنا ضد اليهود في إسرائيل ، بل إنها معركة شاملة ضد كل يهودي أثيم وخاصة القاطنين في مختلف أجزاء الوطن العربي ) .
– نشرة الثأر الناطقة باسم الحركة ،24/4/1958
(3) – نبيل شعت ،نحو فلسطين ديمقراطية ،شؤون فلسطينية ،عدد-2-،ص:6.
(4) – أبو اياد (صلاح خلف) ــ فلسطيني بلا هوية ــ مطبعة الكاظمية الكويت ، ــ ص : 220.
(5) -كلمة “فتح” في المؤتمر الثاني لنصرة الشعوب العربية ــ في القاهرة ــ يناير 1969 ــ انظر كتاب فتح السنوي ــ 1969 ــ ص : 111.
(6)- محمد رشيد ــ نحو فلسطين ديمقراطية ــ مركز الأبحاث ــ م.ت.ف. ـ /1970 ـ ص : 14.
(7) – يصف أبو اياد في كتابة (فلسطيني بلا هوية) الأثر الذي تركه حديثة للقادة العرب عن المجازر التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني في الأردن عام 1970 (كانت وجوههم ساكنة باردة ونظراتهم غائبة أو لا مبالية صحيح أنهم كانوا يصغون إلى بأدب، ولكن إصغاء متجرد غير آبه جعلني استشعر البرودة في ظهري، أصحيح أن من أراهم أمامي هم زعماء الأمة العربية الساخطة المنكرة لهذه المأساة الرهيبة التي يعيشها الشعبان الأردني والفلسطيني).
(8) -صدرت المقالات الثلاثة متوالية في التواريخ التالية : 20/11/1969 و1/1/1970 و19/1/70 وكانت بتوقيع محمد رشيد .
(9) – نفس المصدر ، ص: 39
(10) – محمد رشيد ، مرجع سابق ، ص:40/41 .
(11 )- نفس المصدر ، ص:44
(12) – محجوب عمر ، فلسطين الديمقراطية :هدف ،خطة،وحتمية تاريخية ،شؤون فلسطينية ،عدد 42/42 ،ص:70
(13) – نفس المصدر ،ص: 80.
(14) – جورج حبش ، جريدة الهدف، عدد 22، تاريخ 20/12/69
(15) – ورد في : ناجي علوش ، مناقشات حول الثورة الفلسطينية ، بيروت ،1975 ، ص:156
(16) – الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ،النظام الداخلي ، ص:9 .
(17) – نايف حواتمة ،نحو حل ديمقراطي للقضية الفلسطينية ،مجلة الحرية ، 12/1/1970.
18) – غازي خورشيد ،دليل حركة المقاومة الفلسطينية ،مركز الأبحاث الفلسطيني ، بيروت ،1971 ،ص:102.
( (19) – جبهة التحرير العربية ،الطريق القومي لتحرير فلسطين ، بيروت ، دار الطليعة ، 1970 ، ص:110.
(20) – نفس المصدر ،ص:114/115.
(21) – نفس المصدر ،ص:130.
(22) – لينين ـ مختارات ـ الجزء الثاني، دارا التقدم، موسكو، ص 5، حيث يقول حول الموضوع ( إن المساومات كثيرا ما تفرضها الظروف بصورة لا ندحه عنها على الحزب المناضل ومن السخافة الامتناع عن قبول ” تسديد الدين أقساطا” … وان مهمة الحزب الثوري حقا لا تفرض إعلان الامتناع عن كل مساومة.. بل تفرض معرفة الحزب كيف يبقى،عبر جميع المساومات ما دامت محتمة لا مندوحة عنها مخلصا لمبادئه الطبقية، لمهمته الثورية).
(23) – أبو إياد، فلسطيني بلا هوية، مرجع سابق، ص 135.
(24) -المصدر- نفسه ، ص 218-219.
(25) – المصدر نفسه، ص 220.
(26) – المصدر نفسه، ص 225.
(27) – الحرية، 15/3/1971.
(28) – من المعلوم أن حر ب أكتوبر حدثت في ظل مقاطعة واعتراض بعض الدول العربية ـ الأردن وليبيا ـ على المساهمة فيها، كما أن التنسيق الذي ظهر بين دول المواجهة ـ سوريا ـ ومصر ـ في بداية المعركة بدأ في الانهيار قبل وضع حد للمعارك الدائرة.
(29)- في مارس 1972، طرح الأردن مشروعا سماه المملكة العربية المتحدة، يقوم على أساس وحدة ضفتي الأردن في مملكة واحدة يمثل شرق النهر القطر الأردني، وغرب النهر القطر الفلسطيني وفتح المجال لأي أرض فلسطينية تتحرر ويرغب أهلها في الانضمام إلى المملكة تحت عرش الملك حسين ،وقد انتقدت الثورة الفلسطينية هذا المشروع لأنه يتجاوز تمثيلية م.ت.ف للشعب الفلسطيني وينساق ضمن المخططات الإمبريالية الصهيونية لتصفية المسألة الفلسطينية.
(30) – السيد ياسين ( إشراف) ، الدولة الفلسطينية، رؤية مستقبلية ـ مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ، القاهرة ،1980، ص 32.
(31) – نايف حواتمة ـ المقاومة الفلسطينية أمام التحديات الجديدة ـ ندوة شؤون فلسطينية ـ عدد 30 ص – 8-9.
(32) – الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ـ التقرير النظري والسياسي والتنظيمي ـ المؤتمر الوطني العام الثاني ،أيار1981 ، بيروت ، دار أبن خلدون ،ص 242-249.
(33) – كازافييه بارون ،الفلسطينيون شعبا،ترجمة عبد الله اسكندر،دار الكتاب ، بيروت،1978 ، ص : 29.
(34) ـ نايف حواتمة ، شؤون فلسطينية عدد 30 ،ص : 32.
(35) – أبو اياد ، فلسطيني بلا هوية ، مرجع سابق ،ص : 217.
(36) – تمثلت جبهة الرفض الفلسطينية آنذاك بكل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية القيادة العامة، وجبهة التحرير العربية.
(37) – جورج حبش ، المقاومة الفلسطينية أمام التحديات الجدية -ندوة – شؤون فلسطينية عدد 30 ،مرجع سابق ،ص : 17.
(38) -نفس المصدر ، ص : 17.
(39) – حديث لأحمد جبريل مع مجلة إلى الأمام ، بيروت 12 / 7 / 1974 ،ورد في (الدولة الفلسطينية رؤية مستقبلية ) ،مرجع سابق ،ص :33.
(40) ــ قبل تبني البرنامج المحلي في 1974، دأبت كل المنظمات الفلسطينية ومقررات المجالس الوطنية على التنديد بأي حل أو تسوية تدعو لإقامة دولة فلسطينية على جزء من فلسطين وكان أي حديث من هذا القبيل يعد ضربا من الخيانة، فالدورة الثانية عشر للمجلس الوطني في يناير 1973 مثلا دعت إلى (النضال ضد عقلية التسوية وما تفرزه من مشروعات تستهدف قضية شعبنا في تحرير وطنه أو مسخ هذه القضية بمشروعات الكيانات أو الدولة الفلسطينية على جزء من ارض فلسطين والتصدي لهذه المشروعات بالكفاح المسلح وبالنضال السياسي الجماهيري والمرتبط به).
(41) ــ نشير إلى أن دورة المجلس الوطني في عمان – نوفمبر 1984 -لم تشارك فيها جميع الفصائل الفلسطينية بعكس دورة الجزائر حيث امتنع عن الحضور جزء من حركة فتح – المنشقون -والصاعقة والجبهة الشعبية القيادة العامة، وجبهة النضال الشعبي – وهم ما يطلق عليهم التحالف الوطني وكذلك التحالف الديمقراطي لم يحضر هذا الاجتماع وهو مكون من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والحزب الشيوعي الفلسطيني.
وقد صدر في دمشق بتاريخ 13/12/1984 بيانا موقعا من قبل كل من – خالد الفاهوم، عبد المحسن ابو ميزر ،محمد خليفه، طلال ناجي، واحمد اليماني وهم يمثلون التحالف الوطني (المنشقون) أكدوا فيه على عدم شرعية مجلس عمان.
(42) – خالد الحسن ، الدولة الفلسطينية شرط أساسي للسلام العالمي ، أوراق سياسية رقم 8 ، ص : 64
نلاحظ أن نفس الكاتب -خالد الحسن – تطرق إلى هذا الموضوع في محل آخر ولكنه عند الحديث عن المرجعية القانونية للمؤتمر الدولي والتي عددها بأربعة مرجعيات ،أضاف مرجع جديد وهو حق العمل من أجل توحيد فلسطين في دولة ديمقراطية واحدة. أنظر :
خالد الحسن ، مستقبل السلام في الشرق الأوسط ، أوراق سياسية 4 ، ص : 46.
ومن المعلوم أن خالد الحسن كان من دعاة الواقعية في الساحة الفلسطينية ومن المتحفظين على استراتيجية الكفاح المسلح ومع ذلك عندما وقعت اتفاقية أوسلو كان من اشد المعترضين لها وتوفي وهو معارض لها ومعارضته ليست ضد التسوية السلمية من حيث المبدأ بل ضد أسلوب التفاوض وغياب الضمانات الدولية وعدم الاهتمام بالبعد الدولي للقضية بالإضافة إلى اعتبارات شخصية .
(43)- بيان صادر عن المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، على اثر انعقاد المجلس الوطني الفلسطينية في عمان
(44 )- الحرية ، المصدر السابق ، ص : 5.
(45) ـ كمال عدوان – فتح، الميلاد والمسيرة ، شؤون فلسطينية عدد 17 ، ص :90.
(46) – خالد الحسن ، أوراق سياسية رقم 9 ـ مرجع سابق ، ص : 180.
(47) – نفس المصدر ، ص : 170.
(48) – أبو اياد ، فلسطيني بلا هوية ، مرجع سابق ، ص :226. إلا أن أبو إياد صرح خلال انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في عمان، قائلا : “السلام مقابل الأرض المحتلة”” ولا يمكننا أن نفهم من هذا إلا أن الحصول على الأرض المحتلة سيكون مقابل مفاوضات واعتراف. وإلا كيف سيتحقق السلام دون ذلك؟
(49) – خالد الحسن ، أوراق سياسية عدد: 7 ، مرجع سابق ، ص : 13
(50) – هاني مندس ،”تسوية سيناء وأوهام التسوية الوطنية ” مجلة شئون فلسطينية عدد50/51 -أكتوبر /نوفمبر 1975 ،ص : 77.
51 )– تناقلت ولصحافة ووكالات الأنباء أن الرئيس الأمريكي قام بتوبيخ الرئيس الفلسطيني بشدة لكون هذا الأخير رفض الانصياع للشروط الأمريكية والإسرائيلية لنجاح القمة ، وفي اليوم الموالي لفشل – تعليق –قمة كامب ديفيد الثانية طالب أعضاء من مجلس الشيوخ الأمريكي بوقف المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لسلطة الحكم الذاتي في حالة إقدام هذه الأخيرة على الإعلان عن قيام دولة فلسطينية من طرف واحد ، كما هدد كلنتون وبشكل فج بإعادة النظر في علاقة أمريكا بالسلطة الفلسطينية ووقف كل دعم لها .
(52) خلال الانتفاضة تبدت أوجه من البطولة لرجال من الأجهزة الأمنية دخلوا الوطن مع مجيء السلطة ،وأبلوا بلاء حسنا دفاعا عن الوطن مثل العميد السبعاوي والعقيد أبو حميد في غزة وابو جندل في مخيم جنيين وغيرهم كثيرون .
المراجع
الكتب:
– بارون.كازافييه (1978)،الفلسطينيون شعبا،ترجمة عبد الله اسكندر،دار الكتاب ، بيروت.
– خلف. صلاح -أبو أياد (دون تاريخ)- ــ فلسطيني بلا هوية ــ مطبعة الكاظمية، الكويت.
-لينين ـ مختارات : الجزء الثاني، دار التقدم، موسكو.
-رشيد .محمد (1970) ، نحو فلسطين ديمقراطية ، مركز الأبحاث في م.ت.ف ،بيروت.
-الحسن .خالد ،الدولة الفلسطينية شرط أساسي للسلام العالمي، (1984)، أوراق سياسية ،رقم 8 ،مطلعة الأنباء ،الكويت.
-الحسن .خالد ،أوراق سياسية ، عدد: 7، مطلعة الأنباء ،الكويت.
– ياسين. السيد – إشراف- (1980)،الدولة الفلسطينية، رؤية مستقبلية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ، القاهرة.
– خورشيد .غازي(1971)،دليل حركة المقاومة الفلسطينية ،مركز الأبحاث الفلسطيني ، بيروت .
(6)- رشيد .محمد (1970)، نحو فلسطين ديمقراطية ، مركز الأبحاث في م.ت.ف،بيروت.
علوش.ناجي(1975)، مناقشات حول الثورة الفلسطينية ، دار الطليعة ،بيروت .
المقالات :
– جبريل .أحمد ، مجلة إلى الأمام ، بيروت 12 / 7 / 1974 ،ورد في (الدولة الفلسطينية رؤية مستقبلية ) .
– حبش جورج ، المقاومة الفلسطينية أمام التحديات الجديدة -ندوة – شؤون فلسطينية عدد 30 .
– حبش. جورج ، جريدة الهدف، عدد 22، تاريخ 20/12/69.
– حواتمة. نايف ـ المقاومة الفلسطينية أمام التحديات الجديدة ـ ندوة شؤون فلسطينية ـ عدد 30 .
– حواتمة. نايف ،نحو حل ديمقراطي للقضية الفلسطينية ،مجلة الحرية ، 12/1/1970.
ـ عدوان.كمال، فتح:الميلاد والمسيرة ،شؤون فلسطينية ،عدد 17 ، 1973.
-عمر.محجوب،فلسطين الديمقراطية:هدف ،خطة،وحتمية تاريخية ،شؤون فلسطينية ،عدد 42/42 .
– شعت.نبيل ،نحو فلسطين ديمقراطية ،شؤون فلسطينية ،عدد-2.
– مندس .هاني ،”تسوية سيناء وأوهام التسوية الوطنية ” مجلة شئون فلسطينية عدد50/51 -أكتوبر /نوفمبر 1975.
– نشرة الثأر الناطقة باسم حركة القوميين العرب، 24/4/1958.
– مجلة الحرية ، أعدد مختلفة.
– جريدة القدس العربي ، لندن،3/10/91
وثائق وتقارير
– الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ـ التقرير النظري والسياسي والتنظيمي ـ المؤتمر الوطني العام الثاني ،أيار1981 ، دار أبن خلدون، بيروت.
– كلمة “فتح” في المؤتمر الثاني لنصرة الشعوب العربية ــ في القاهرة ــ يناير 1969 ــ انظر كتاب فتح السنوي ــ 1969.
– جبهة التحرير العربية ،الطريق القومي لتحرير فلسطين ، بيروت ، دار الطليعة ، 1970 .
– الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ،النظام الداخلي .
– بيان صادر عن المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، على اثر انعقاد المجلس الوطني الفلسطينية في عمان.