محور المقاومة وإسرائيل وبروباغندا (الحرب الشاملة)

5 سبتمبر 2023آخر تحديث :
محور المقاومة وإسرائيل وبروباغندا (الحرب الشاملة)

ما بين الفينة والأخرى يتردد الحديث عن حرب شاملة في الشرق الأوسط كما ورد في الأيام الأخيرة على لسان قادة فلسطينيين وإسرائيليين، فما المقصود بالحرب الشاملة؟ وهل الظروف ناضجة بالفعل لهكذا حرب أم أن الأمر مجرد بروباغندا لتحقيق أهداف داخلية عند الطرفين؟ وقبل الاستطراد نُذكِر بأن كل القيادات الفلسطينية وفي كل الفصائل كانت تقول بأن استمرار إسرائيل في سياستها العدوانية ستؤدي لتفجير المنطقة واندلاع حرب شاملة، قالوا ذلك عند ضم القدس وعند اقتحامات المسجد الأقصى وبعد كل جريمة ترتكبها عصابات الاحتلال ضد المواطنين سواء في القدس أو جنين أو نابلس ومع كل مشروع استيطاني وبعد كل اغتيال لقيادي فلسطيني الخ، ومع ذلك يستمر العدو في جرائمه ولم يحدث الانفجار والحرب بل بالعكس يزداد الإقليم خضوعا لإسرائيل وهذا ما لمسناه في موجات التطبيع الأخيرة.

 منذ سنوات تم تجاوز مصطلح الصراع العربي الإسرائيلي حيث أصبح واقعياً وفعلياً مقتصراً على الجبهة الفلسطينية، ولا يغير في واقع الأمر وجود (محور المقاومة) و بقايا الحديث عن الصراع العربي الإسرائيلي أو الحديث عن التضامن الشعبي العربي مع فلسطين، وحتى على هذا المستوى فإن الصراع والحرب ليست شاملة وفي إطار استراتيجية وطنية بالنسبة للنظام السياسي الرسمي بطرفيه سلطة غزة والسلطة الفلسطينية، حيث ألزم الطرفان أنفسهم باتفاقات مع إسرائيل تحد من حالة الصراع، كاتفاق أوسلو  في الضفة واتفاقيات الهدنة مع حماس في قطاع غزة، مما جعل حالة الصراع والحرب على المستوى الرسمي الفلسطيني أقرب لمعادلة (اللا حرب واللا سلم)، ولكنها حرب مفتوحة ومتواصلة بالنسبة للإسرائيليين الذين لا يلتزمون بأي اتفاقات أو يفسرونها بما يتوافق مع عقيدتهم الأمنية ومفهومهم للأمن، أيضاً هو صراع مفتوح بالنسبة للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده خصوصاً في الضفة الغربية.

معادلة أو حالة (اللا حرب واللا سلم) لا تدوم طويلاً وتسمح لكل الأطراف بتعظيم قوتهم وتقوية الجبهة الداخلية انتظاراً للحظة الحاسمة لكسر هذه المعادلة إما بتوقيع اتفاقية سلام أو بالحرب، وحيث إنه في حالة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا توجد مؤشرات على إمكانية تسوية سياسية تنهي الصراع، بالرغم من مبالغة البعض الساذجة بأن التطبيع السعودي سيتزامن مع تسوية سياسية وإنهاء حالة الصراع، في هذه الحالة فاحتمال الحرب هو الأقرب، ولكن السؤال متى ستكون الحرب؟ وشكل الحرب وأطرافها؟ وأين نضع حديث القيادي الحمساوي العاروري وحديث رئيس وزراء الكيان الصهيوني عن حرب شاملة في هذا السياق؟

فقد تحدث نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، يوم الجمعة 25 أغسطس 2023، عن جهوزية المقاومة للحرب الشاملة. و “إن المقاومة جاهزة للحرب الشاملة وإسرائيل ستمنى بهزيمة غير مسبوقة، مضيفاً، نحن نتجهز للحرب الشاملة”..

هذه التصريحات تزامنت مع تهديدات إسرائيلية باغتيال نائب رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشيخ صالح العاروري، لاتهامه بقيادة العمليات في الضفة، وكان رد العاروري إن الذي يفكر في الاغتيالات يعلم أن هذا قد يؤدي إلى حرب إقليمية، مرجحاً أن حكومة الاحتلال بصدد اتخاذ مجموعة خطوات ستُفضي إلى حرب شاملة في المنطقة”,وفي حوار مع قناة الميادين قال ملمحاً إلى حالة التنسيق الموجودة بين أعضاء محور المقاومة: “نحن نتجهّز للحرب الشاملة، ونناقش ذلك في الغرف المغلقة مع كل الأطراف والمكوّنات، التي لها علاقة بهذه الحرب”.

و في الجانب الإسرائيلي ونقلاً عن القناة /13/ العبرية في الثلاثين من أغسطس أن نتنياهو دعل لاجتماع (الكبيت) لمناقشة سيناريوهات اندلاع حرب شاملة و “أن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) في اجتماعه مطلع سبتمبر سيناقش المخططات العسكرية الإسرائيلية للتعامل مع معركة شاملة محتملة على جبهات متعددة” و “أن الجيش الإسرائيلي يسعى لوضع مخطط لسيناريو محتمل، يشمل تقديرات حول التهديدات المحتملة إذا ما اندلعت مواجهة عسكرية مع “حزب الله” وتطورت لتشمل قطاع غزة والمناطق الحدودية مع سوريا، والاستعدادات الإسرائيلية لمثل هذا السيناريو” ونقلت القناة عن مصادر أمنية “مطلعة” أن قيادة الجيش الإسرائيلي ستعرض على الكابينت، في اجتماع مقرر خلال الأسابيع المقبلة، “السيناريو المرجعي” المحتمل لحدث أمني طارئ على شاكلة حرب شاملة على جميع الجبهات.

بالرغم من كل مؤشرات التوتر و تسخين الخطاب والجبهات إلا أن الحديث عن (الحرب الشاملة) لا يعدو مجرد بروباغندا لتبليغ رسائل تهديد للخارج والظهور بمظهر القوة ورسائل للداخل لتطمين الجبهة الداخلية، لأن الحرب الشاملة إسرائيلياً لا تخضع لقرار من نتنياهو وحكومته وخصوصاً في ظل الانقسام الداخلي في إسرائيل، بل سيكون قراراً أمريكياً أيضاً، ولا نعتقد أن واشنطن جاهزة لحرب شاملة، وحتى إسرائيلياً فمن الأفضل لهذا الكيان الاستمرار بنهجه العدواني أو الحروب الجزئية، سواء ضد الفلسطينيين في الضفة واستكمال المشاريع الاستيطانية أو في غزة واستمرار حصارها وتحييدها بالإغراءات المالية والاقتصادية، أو على الجبهات الأخرى كجنوب لبنان وسوريا، وهي تحقق إنجازات في هذه الحروب باستثناء المقاومة الوطنية المتصاعدة في الضفة.

أما على الجبهة الأخرى والتي يفترض أنها (محور المقاومة) وليس حركة حماس فقط، فنعتقد أن حال هذا المحور يشبه حال دول الطوق و(جبهة الصمود والتصدي والتحدي) العربية في الستينيات والسبعينيات. فكيف ستكون حرباً شاملة للرد على اغتيال العاروري تشارك فيها إيران التي لم ترد على اغتيال قاسم سليماني أكبر قادتها العسكريين، ولم ترد بعد تفجير مراكز حيوية داخل إيران، ولم ترد على مقتل العشرات من العسكريين الإيرانيين بقصف إسرائيلي على سوريا؟ وكيف ستشارك إيران بحرب شاملة وهي شريك لواشنطن في التآمر على العراق والدول العربية خلال فوضى الربيع العربي؟ وكيف تشارك إيران في الحرب دفاعاً عن الفلسطينيين وهي التي تخوض مفاوضات عسيرة مع واشنطن والغرب لترفع عنها العقوبات في سياق ما يسمى الملف النووي؟

وأي حرب يخوضها حزب الله المشتبك بحرب باردة مع غالبية الشعب اللبناني والمشغول بالدفاع عن حليفته سوريا، وقد جرب الحزب واللبنانيون الحرب ونتائجها المدمرة عام 2006 عندما قال حسن نصر الله أنه لو علم ان عملية خطف جنديين اسرائيليين كانت ستؤدي الى جولة العنف التي استمرت 34 يوماً ‘لما قمنا بها قطعاً.

وهل سوريا جاهزة لحرب شاملة وهي التي تتعرض لحروب من عدة أطراف، فبالإضافة الى القصف الإسرائيلي شبه اليومي وحربها ضد تركيا والجيش الأمريكي المتواجد على أراضيها وجيش سوريا الديمقراطية (قسد) وعشرات الجماعات الدينية الإرهابية بالإضافة الى تردي الأوضاع الاقتصادية.

أما بالنسبة لحركة حماس، فهي لا تمثل كل الشعب الفلسطيني ولا يحق للعاروري أن يتحدث عن استعداد لحرب شاملة نيابة عن الشعب وقد سبق وأن اتفقت فصائل المقاومة بأن قرار الحرب يجب أن يكون بالتوافق الوطني، كما أن حركة حماس التي وقعت هدنة مع الاحتلال للحفاظ على سلطتها في غزة، لا أعتقد أنها جادة في حديثها عن الاستعداد للحرب الشاملة وخصوصاً أن أهالي غزة جربوا الحروب ونتائجها الكارثية ويعرفون جيدا (انتصارات) المقاومة في هذه الحروب.

إذن خطاب الحرب الشاملة والتي تعني وجود استعدادات لدى الطرفين لخوضها والانتصار فيها ما هو إلا خطاب دعائي يسعى كل طرف لتوظيفه لأغراض سياسية داخلية. نتنياهو يريد وضع حد لمظاهرات المعارضين من خلال التلويح بخطر وجودي يهدد الدولة كما يسعى لابتزاز واشنطن والغرب بمزيد من صفقات السلاح والمال كما يريد التغطية على جرائم حكومته تجاه الفلسطينيين وعلى الانتقادات والمعارضات المتصاعدة ضد السياسة العنصرية لإسرائيل في الغرب وتضليل الرأي العام المحلي والدولي قبيل شنه حربا شاملة على الفلسطينيين في الضفة، وبالنسبة للعاروري فيسعى الى تثبيت حضوره داخل حركة حماس كزعيم صاعد وواعد في ظل تراجع مكانة القيادات التقليدية التي استقر أغلبها في تركيا وقطر، وفلسطينيا كقائد وطني وإقليمي يستطيع تحدي إسرائيل، كما يريد التغطية على ما آلت اليه الأمور في القطاع بسبب سلطة حماس، أيضا إعطاء مصداقية لما تقوم به حماس في الضفة وإظهار الأمر وكأنه جزء من مواجهة شاملة مع الاحتلال وليس تآمرا على السلطة ومنظمة التحرير.

هذا لا يعني عدم إمكانية وقوع حرب في المدى القريب ولكنها ستكون حربا شاملة على الفلسطينيين وخصوصا في الضفة الغربية وإن حدثت أية ردة فعل عسكرية من (محور المقاومة) وهذا مالا نتوقعه قد توسع إسرائيل عدوانها من طرف واحد بحرب سريعة وخاطفة على عدة جبهات كما جرى في حرب حزيران 1967، فهل (محور المقاومة) مستعد لهذه الحرب نأمل ذلك! وإن كنت لا أعتقد ذلك. 

لو كانت حركة حماس تعتقد بقرب حرب شاملة فمن المفترض تمتين الجبهة الداخلية بالوحدة الوطنية والتنسيق على أعلى المستويات لوضع استراتيجية شاملة للمواجهة، بدلا من المراهنة على (محور المقاومة)، فهذا المحور وفي ظل ظروفه المُشار إليها أعلاه لن يكون أكثر من مساند، والفلسطينيون هم الذين سيكونون في الواجهة.

وأخيرا لماذا تتحدث حركة حماس عن حرب شاملة في حالة اغتيال قيادات حمساوية ولا تباشرها اليوم ردا على الممارسات الإرهابية الصهيونية في الضفة وردا على تهويد المسجد الأقصى وردا على حصار قطاع غزة؟ وهل القيادات أهم من الوطن؟،     

Ibrahemibrach1@gmail.com

الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق