ولد ناجي سُليمان حسين العلي، وهو اسمه الكامل في قرية الشجرة، الواقعة بين مدينتي طبريا والناصرة الفلسطينيتين، في العام 1937، وعاش فيها مدة 11 عاماً فقط، عندما دمّرت إسرائيل بلدته في النكبة عام 1948، فهُجّر منها هو وعائلته التي كانت تعمل بالزراعة باتجاه مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان، الذي كان سبباً في إبراز موهبة العلي الفنية.
تزوج من وداد صالح نصر، من بلدة صفورية الفلسطينية، وأنجب منها أربعة أولاد، هم خالد وأسامة وليال وجودي.
عادى الاحتلال منذ صغره ورسم على جدران الزنازين
“لم تكد أقدام ناجي العلي تطأ مخيم عين الحلوة في لبنان حتى بدأ معاداته للاحتلال الإسرائيلي، الذي كان سبباً في تهجيره مع عائلته من قريته، فاعتقله الإسرائيليون لأول مرة وهو لا يزال صغيراً، فقضى أغرب أوقاته في المعتقل وهو يرسم على جدران الزنزانة، كما اعتقله الجيش اللبناني أكثر من مرة، وكان هناك أيضاً يرسم على جدران السجن”.
أما بالنسبة لتعليمه فقد تلقى المرحلة الإبتدائية في مدارس صيدا، قبل أن ينقطع عن التعليم بسبب الصعوبات التي واجهته من الاعتقالات.
ولكنه تمكن في شبابه من الحصول على شهادة في ميكانيكا السيارات من طرابلس، كما درس مدة عام في الأكاديمية اللبنانية في العام 1960.
علاقته بغسان كنفاني فتحت له باب الشهرة
كان اللقاء الأول الذي جمع ناجي العلي وغسان كنفاني عن طريق الصدفة، إذ كان هناك احتفال شعبي في مخيم عين الحلوة بمناسبة “يوم فلسطين” في العام 1961، وقد حضرته مجموعة من القيادات الفلسطينية في لبنان، وعلى رأسهم كان غسان كنفاني، الذي كان أحد كُتاب القصص القصيرة، وأحد محرِّري مجلة “الحرية”، والمسؤول عن القسم الثقافي فيها.
في الوقت الذي كان يقيم العلي معرضاً بسيطاً في إحدى الخيام المهترئة عارضاً فيه بعض لوحاته ورسومات لبعض الأطفال الصغار.
ووفق ما ذكرته صحيفة “القدس العربي“، فقد زار كنفاني معرض الرسومات، وكان ناجي العلي في استقباله كونه مدرس الرسم للأطفال المشاركين في المعرض.
فلفتت إحدى الرسومات غسان كنفاني، وكانت عبارة عن خيمة على شكل هرم، ترتفع من رأسه قبضة تطالب بالثأر والتصميم والنصر، وعندما سأل عن صاحبها عرف أن ناجي العلي هو من رسمها، فقام بمساعدته بنشر إحدى رسوماته في مجلة “الحرية”، التي يعمل بها في العدد 88، في 25 سبتمبر/أيلول، فكانت بوابته نحو الشهرة.
سفره إلى الكويت ولندن
بعد عامين من لقائه بغسان كنفاني، ترك ناجي العلي لبنان متجهاً إلى الكويت، فعمل فيها رساماً كاريكاتيراً بمجلة “الطليعة” الكويتية القومية اليسارية.
وبعد 5 سنوات من العمل فيها انتقل إلى للعمل في صحيفة “السياسة” الكويتية، وظلّ يرسم الكاريكاتير فيها حتى عام 1975.
بعد ذلك عاد العلي إلى الكويت مرة أخرى، وعمل في جريدة القبس مدة عامين، قبل أن ينتقل إلى بريطانيا في العام 1985 للعمل في جريدة القبس الدولية.
وخلال هذه السنوات الطويلة التي رسم فيها أكثر من 40 ألف رسم كاريكاتيري، استمدّ العلي موضوعاته من معاناة الناس وهمومهم ومن الحالة السياسية السائدة في المنطقة، وعكس فيها انتقاد الشعوب للحكومات والقيادات العربية والفلسطينية، فرسم الكثير من الرسوم الساخرة للقادة والزعماء العرب..
سرّ الرمز حنظلة
من بين آلاف الرسوم الكاريكاتيرية، برزت شخصية “حنظلة”، التي رسمها ناجي العلي في العام 1969، خلال عمله في جريدة السياسة الكويتية.
وهذه الرسمة هي عبارة عن طفل في العاشرة من عمره مديراً ظهره وعاقداً يديه خلف ظهره، وباتت هذه الشخصية بمثابة توقيع لناجي العلي على رسوماته.
كما لقيت الشخصية شهرة واسعة في أوساط العرب والفلسطينيين بشكل خاص، فأصبح أحد رموز وأيقونات الفلسطينيين.
ويمثل حنظلة ناجي العلي عندما أُجبر على ترك وطنه، ولن يكبر إلا عندما يعود إلى وطنه، ويمثل الفقراء بسبب ملابسه الرديئة الممزقة وحفاء قدميه.
اغتيال ناجي العلي في لندن
مع بداية الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى وبينما كان ناجي العلي في طريقه إلى مقر عمله في جريدة القبس الدولية، يوم 22 يوليو/تموز 1987، أطلق شاب مجهول النار عليه فأصابه تحت عينه اليمنى، ما أدى لدخوله في غيبوبة بالمستشفى، حتى وفاته في 29 أغسطس/آب في العام ذاته.
لم تعرف الجهة التي كانت وراء الاغتيال على وجه التحديد، فقد أسفرت التحقيقات البريطانية أن الشاب الذي أطلق النار على ناجي العلي هو شاب يدعى “بشار سمارة”، وقد يكون اسمه الحركي، وبأنه كان منتسباً إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وفي نفس الوقت كان موظفاً لدى جهاز الموساد الإسرائيلي، ولم يتم التوصل إلى اسم القاتل الحقيقي وبقي حراً طليقاً.
البعض يتهم إسرائيل بالعملية، بسبب انتماء ناجي العلي إلى حركة القوميين العرب التي قامت إسرائيل باغتيال بعض عناصرها، إذ قامت صحيفة يديعوت أحرونوت عقب فشل الموساد في اغتيال خالد مشعل بنشر قائمة العمليات الناجحة التي قام بها الموساد، وكان اسم ناجي العلي من بينهم.
في الطريق المقابل يتهم البعض منظمة التحرير الفلسطينية بسبب انتقاداته اللاذعة لقادتها، وبحسب تقرير لــBBC، فإن أحد زملاء ناجي العلي حاول إقناعه قبل أسابيع من تعرضه للاغتيال بتغيير أسلوبه، فردّ عليه بنشر كاريكاتير ينتقد ياسر عرفات ومساعديه.
دفن ناجي العلي في مقبرة بروكود الإسلامية في لندن، وقبره يحمل الرقم 230191.
قبل رحيله أصدر ناجي العلي 3 كتب، ضمت مجموعة من رسومه المختارة، كما حصل على العديد من الجوائز، بينها الجائزة الأولى في معرضي الكاريكاتير للفنانين العرب في دمشق عامي 1979 و1980، وصنفته صحيفة أساهي اليابانية كأحد أشهر عشرة رسامين للكاريكاتير في العالم، وقالت إن “ناجي العلي يرسم بحامض الفوسفور” في إشارة إلى صراحته المباشرة في رسوماته، بينما قالت عنه مجلة التايم إنه الرجل الذي يرسم بعظام البشر.