إبراهيم أبراش
تابعنا بانتباه كلمات قادة الفصائل الفلسطينية في اللقاء الذي جرى ما بين بيروت ورام الله كما تابعنا ردود الفعل الشعبية والدولية على الاجتماع، وكما هي العادة تفاوتت المواقف الشعبية ما بين متفائل ومتشائم وإن كانت نغمة التشاؤم أكبر، ليس من المؤتمر بحد ذاته أو من كلمات القادة، بل لتجارب سابقة من الاجتماعات والتفاهمات وتوقيع اتفاقات مصالحة وتبادل قبلات التهنئة وإطلاق الرصاص وتوزيع الحلوى ابتهاجاً بالمصالحة وكانت النتيجة العودة لمربع الانقسام والخصومة بشكل أشد.
أما ردود الفعل العربية والدولية فكانت شبه غائبة وكأن العالم أيضاً لم يعد يثق بمثل هكذا لقاءات وينتظر ممارسات فعلية على الأرض يقتنع من خلالها أن هناك تحولاً في مواقف وسياسات الفلسطينيين، وجزء من التجاهل العربي الرسمي يعود لأن هناك مخططاً يتم إعداده لتجاوز القيادة الفلسطينية وهو ما يتبدى من خلال رفض طلب فلسطيني لاجتماع الجامعة العربية لبحث ما يجري من تطبيع ومجمل التطورات الخاصة بالقضية الفلسطينية.
لا يمكن أن نجزم بأهمية اللقاء والزعم بأنه تاريخي كما يذهب المتفائلون إلا من خلال النتائج التطبيقية لقراراته كما قال محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا في الداخل المحتل في كلمته في المؤتمر. صحيح أنه سادت في كلمات الوفود نغمة تصالحية وودية حيث كانت كلمة الرئيس أبو مازن وطنية وواضحة وشاملة وأكدت على التمسك بالحد الأدنى المتفق عليه وطنياً وهو الدولة في الضفة وغزة وعاصمتها القدس وحق العودة للاجئين كما أكدت على رفض صفقة القرن وسياسة الضم والتطبيع أيضاً لهجته التصالحية تجاه حركة حماس والجهاد الإسلامي ودعوته لهما بالانضواء في منظمة التحرير، كما كانت كلمة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية تصالحية حاول فيها تبديد الشكوك فيما يتعلق بالاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني أيضاً في تأكيده على رفض حركة حماس إقامة دولة في غزة بالرغم من الإغراءات التي عُرضت عليها، وعلى نفس المنوال كانت كلمات قادة الفصائل، ومع ذلك وحتى لا يكون اللقاء مجرد هوجة انفعالية سيتلاشى مفعولها بعد أيام في دهاليز التفاصيل واللجان التي تم تشكيلها نبدي الملاحظات التالية:
- لأول مرة بعد الانقسام ينعقد لقاء بين الفصائل بدون وساطة أو رعاية خارجية وهو ما أشار إليه أحمد مجدلاني الأمين العام لجبهة النضال الشعبي في كلمته في المؤتمر، وهذا يعني إمكانية تكرار اللقاء سواء من بيروت أو غيرها.
- تجاوز الوساطة العربية قد يعود لأن من كان يرعى المصالحة أصبح جزءاً من المحاور المتصارعة في المنطقة سواء تعلق الأمر بمصر أو بقطر، كما أن القيادة أصبحت تخشى على استقلالية القرار الوطني في ظل حالة الاستقطاب هذه.
- مشاهدتنا لقادة الفصائل واستماعنا لكلماتهم يؤكد على ضرورة تجديد وتشبيب النخب القيادية، كما تؤكد أن وجود بعض الفصائل في منظمة التحرير زيادة عددية فقط وتعبير عن حالة وفاء لمرحلة تاريخية.
- لم يتم اتخاذ أي قرار أو إجراء عملي حول كل القضايا الاساسية العالقة مع انها موجودة منذ سنوات، والإجراء العملي الوحيد هو إرسال مساعدات لقطاع غزة وهو في حد ذاته يُظهر وكأن مشكلة غزة مشكلة إنسانية حلها بمساعدات عينية ورواتب فقط !!.
- غاب عن كلمات غالبية المتحدثين وخصوصاً الرئيس أبو مازن ورئيس حركة حماس أي ذكر للانتخابات وهي في رأيي قضية مركزية ومطلب جماهيري ولا يمكن استنهاض النظام السياسي بدون الانتخابات، أما التوافق كبديل عن الانتخابات كما ذكر أحمد مجدلاني فهو لا يمثل مخرجاً الآن – كان يمكنه ذلك قبل سنوات وقد يكون مفيداً حول بعض القضايا فقط – لأن كل الأحزاب الآن مأزومة وتفتقر للشرعية وتوافق المأزومين لا يمكن المراهنة عليه، كما أن التوافق لا يؤدي لتجديد النخبة السياسية بل يكرس هيمنتها ويعيد توزيع المنافع بينها ويقطع الطريق على قوى جديدة للمشاركة في الحياة السياسية.
- كان الرئيس واضحاً في تعقيبه على أحد المتكلمين بأن المجتمعين لا يمثلون كل الشعب الفلسطيني ومطلوب التواصل مع الشعب ومشاركة فئات وشخصيات وطنية في المشاورات واللجان التي سيتم تشكيلها.
- الإحالة للجان يُضعف من أهمية اللقاء لأن الشعب تعود أن يسمع عن لجان دون أن تؤدي لمخرجات عملية وفي هذا السياق كانت كلمتا الأمين العام لحزب الشعب بسام الصالحي ومصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية واضحتين في التأكيد على ضرورة اتخاذ خطوات عملية.
- كان يجب أن تكون هناك كلمة لحركة فتح لأن الرئيس أبو مازن رئيس كل الشعب الفلسطيني ويجب أن يبقى فوق الأحزاب وكلمته تعبر عن الكل الفلسطيني وليس عن رأي حركة فتح، وأن يلقي جبريل الرجوب البيان الختامي ليس حلاً للمشكلة.
- مع تنويهنا باللقاء إلا أننا نتساءل إن كانت حالة التقارب الفصائلي وخصوصاً بين طرفي المعادلة الفلسطينية حركتي فتح وحماس يعود لقناعات حقيقية بالمصالحة وانهاء الانقسام ومواجهة الخطر الصهيوني وصفقة القرن أم أنه يعود لوجود مخطط أمريكي إسرائيلي وبعض الأنظمة العربية لخلق قيادة فلسطينية جديدة تحل محل الحركتين وسلطتيهما في غزة والضفة؟.
- بالرغم من اللهجة التصالحية في كلمات قادة الفصائل كما أشرنا إلا أنه ما زال هناك تباعد في بعض المواقف وفي هذا السياق نبدي الملاحظات التالية:
- الرئيس أبو مازن طالب بوجود قيادة موحدة لمقاومة شعبية سلمية بينما أكد إسماعيل هنية على كل أشكال المقاومة وعلى رأسها المسلحة كما تحدث عن مراكمة القدرات العسكرية لحركة حماس ونفس الأمر ورد في كلمة الأمين العام للجهاد الإسلامي زياد النحالة.
- نتمنى أن تكون هذه فجوة شكلية وخصوصاً أن الرئيس لم يدين أو يستنكر العمل المسلح كما أنه أكد على وقف التنسيق الأمني الذي كان يقف في وجه المقاومة المسلحة كما كانت تزعم فصائل المقاومة، كما أن حديث إسماعيل هنية عن المقاومة يجب أن يؤخذ في سياق ما آلت إليه المقاومة حيث أصبحت مقاومة دفاعية مقتصرة على قطاع غزة في حالة أي اعتداء إسرائيلي على القطاع وعلى حركة حماس.
- في كلمته أعاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية التأكيد بأن حركة حماس لا تعترف بإسرائيل وطالب بالخروج من اتفاقية أوسلو ونهجها، بينما منظمة التحرير ما زالت تعترف بإسرائيل ولم تعلن موقفاً رسمياً بالخروج من أوسلو والتزاماتها بالرغم من الحديث بأن المنظمة في حل من الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، لأن هذه الصيغة مبهمة، وهذا يحتاج لمزيد من التوافقات التي تأخذ بعين الاعتبار المواقف الأخيرة للمنظمة والسلطة وما جاء أيضاً في الميثاق الجديد لحركة حماس عام 2017 “وثيقة المبادئ والسياسات العامة” التي حلت محل الميثاق الأساسي للحركة.
- أشار رئيس حركة حماس إلى محور المقاومة وأشاد به وهذا يتعارض مع استقلالية القرار الوطني كما قد يثير تحفظات وانتقادات المحاور الأخرى، ويتعارض مع موقف وسياسة الرئيس ومنظمة التحرير.
- حديث السيد هنية عن رفض قيام كيان في قطاع غزة لا ينسجم مع ما يدور على أرض الواقع من رعاية قطرية لمفاوضات غير مباشرة بين حماس وإسرائيل لتثبيت هدنة بين حركة حماس وإسرائيل تكرس سلطة حماس والوضع القائم في القطاع.
وفي الختام ولأن هناك مخاطر وتخوفات حقيقية لم تبدأ فقط مع التطبيع الإماراتي مع إسرائيل بل موجودة قبل ذلك مع الاحتلال والاستيطان المتواصل منذ عام 1967 ثم صفقة القرن وسياسة الضم، والانقسام الفلسطيني الذي يتم توظيفه لتبرير التدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية كما كتبنا أكثر من مرة في مقالاتنا السابقة وهو ما أكد عليه قادة الفصائل أيضاً، لكل ذلك يجب مواصلة الجهود من الجميع وعدم الاكتفاء باجتماع الأمناء العامين للفصائل أو انتظار مخرجات اللجان التي سيتم تشكيلها، بل يتطلب الأمر حراك شعبي مساند بل وضغوط شعبية ومن المجتمع المدني لإجراء انتخابات عامة وهي ممكنة في سياق الانتخابات بالقائمة النسبية كما قال محمد بركة ولتكن معركة الانتخابات جزءاً من المعركة الشاملة مع الكيان الصهيوني.