عندما تحدث الرئيس بوش في وتجاوز الشرعيةبمقر المقاطعة عن ضرورة إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967 أراح حديثه الكثيرين إلا أن ما تبع ذلك من حديث بدد فرحة الفرحين حيث فرغ اللاحق من حديثه أهمية السابق، وذلك عندما تحدث عن تعديل حدود 67 وتعويض اللاجئين بدلا من حق العودة وخصوصية وضع القدس وتجاهل الحديث عن الجدار وهي أمور تصبح تحصيل حاصل أو نتائج طبيعية لحديثه الأخطر بفشل الأمم المتحدة في حل الصراع واعتبار مبادرته هي المرجعية.وفي واقع الأمر فإن إسقاط وتجاوز الشرعية الدولية والأمم المتحدة كمرجعية لحل الصراع بعني تجاوز وشطب الاتفاقات الموقعة بين السلطة وإسرائيل منذ أوسلو حتى اليوم بل تجاوز خطة خريطة الطريق ذاتها ويعني في نفس الوقت تجاوز ورفض المبادرة العربية للسلام، وفي المحصلة فإن كلامه يشكل مبادرة جديدة تغير تغييرا جذريا في طبيعة الصراع وفي الالتزامات المترتبة على أطرافه سواء على إسرائيل كدولة احتلال أو على السلطة الفلسطينية التي ألقى بوش على عاتقها مسؤولية ما سماه محاربة الإرهاب، وأن تصبح مبادرة الرئيس بوش هي المرجعية فهذا معناه المراهنة على الوهم لأن المبادرة مرتبطة بشخصه وليس التزام من الدولة الأمريكية وبالتالي فذهابه نهاية العام يعني أن تصبح التسوية بدون مرجعية، وإذا سلمنا بمنطقه القائل بالتخلي عن الشرعية الدولية وأخذنا بمرجعيته التي عبر عنها بالأمور المشار إليها أعلاه وانه لن يتدخل بفرض شيء على الطرفين المتفاوضين، فهذا معناه أن إسرائيل ستصبح صاحبة الأمر والنهي بكل ما يتعلق بالصراع.
الشرعية الدولية لم تفشل بل تم تغييبها عمدا
لسنوات و الرئيس بوش يتلاعب بالكلمات والصياغات وخصوصا حول رؤيته لدولتين تعيشان جنبا لجنب بسلام دون أن يشير يوما لمكان وحدود ومرجعية الدولة الفلسطينية، وعندما قاربت ولايته على الانتهاء لم يتردد بصفع الفلسطينيين بعقر دارهم بنسف ثوابتهم حول الدولة بحدود 67 وحق العودة والقدس عاصمة للدولة.الرئيس بوش بنى مبادرته انطلاقا من اعتقاد بأن الشرعية الدولية فشلت بحل الصراع وحيث أن الثوابت الفلسطينية مبنية على هذه الشرعية، فمن المنطقي أن تصبح هذه الثوابت متجاوزة وعلى الفلسطينيين التخلي عنها من وجهة نظره! .
والسؤال هو هل أن الشرعية الدولية فشلت بالفعل بحل الصراع؟حقيقة الأمر أن الشرعية الدولية لم تفشل حيث تم إبعادها عنوة عن التدخل ومحاولة حل الصراع العربي الإسرائيلي.كانت محاولة الإبعاد جلية منذ اللحظة الأولى للحديث عن التسوية في نهاية الثمانينيات.فعندما نهجت منظمة التحرير الواقعية السياسية وقررت الانتقال من الشرعية التاريخية إلى الشرعية الدولية باعترافها بفرارات الشرعية الدولية عام 1988 كانت تعتقد أن هذا الانتقال سيجعل الدولة الفلسطينية بحكم الممكن وطالبت المنظمة من الولايات المتحدة أن تفتح حوارا معها لحل الصراع على أساس قرارات الشرعية الدولية، إلا أن أمريكا رفضت اعتماد الشرعية الدولية كأساس للتسوية بل رفضت أن يُسمى مؤتمر مدريد بالمؤتمر الدولي للسلام، ثم رفضت ومعها إسرائيل أن تكون مرجعية اتفاقية أوسلو قرارات الشرعية الدولية، وتم الأكفاء بإشارة مبهمة لقراري 242 و 338، كما غُيبت الأمم المتحدة كراعية للاتفاق أو مشرفة على تنفيذه.
وطوال سنوات الصراع ثم التسوية كانت الولايات المتحدة أكبر مساند لإسرائيل في سياستها العدوانية المنتهكة للقانون الدولي وللشرعية الدولية بشكل عام، سواء تعلق الأمر بالاستيطان أو الاعتقالات أو جدار الفصل أو رفض حضور لجان تحقيق دولية أو قوات دولية للمراقبة الخ، والرفض الإسرائيلي لتدويل القضية مصدره الخوف من تطبيق قرارات الشرعية الدولية بدءا من قرار التقسيم 181 وقرار حق العودة 194 وقراري 242 و338 وعشرات القرارات والتوصيات الصادرة عن المنتظم بما فيها قرارات تعطي الشعب الفلسطيني الحق بالمقاومة، ورفضها أيضا لأن يتعامل المنتظم الدولي مع الفلسطينيين كشعب وحالة سياسية دولية، حيث تريد من العالم أن يتعامل مع المشكلة باعتبارها مشكلة إسرائيلية داخلية، أي مشكلة دولة إسرائيل الديمقراطية مع جماعات إرهابية تهدد أمنها.
ما تفوه به الرئيس بوش خلال جولته ينسف كل الثوابت الفلسطينية، وقد جانبه الصواب عندما تحدث عن فشل الأمم المتحدة، صحيح أنه بسبب تغييب الأمم المتحدة عن مسلسل التسوية فقدت الاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير والسلطة صفتها الدولية وآلت إلى اتفاقات يحكمها مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، ولكن وحيث أن أحد طرفي العقد-إسرائيل- أخل بالتزاماته ولم تنفذ الاتفاقات الموقعة، في هذه الحالة تعود القضية لنقطة المنطلق أي إلى ما قبل توقيع الاتفاقات، قضية شعب خاضع للاحتلال وتعود الأمم المتحدة كحَكم في الموضوع وهذا يعني أن قرارات الأمم المتحدة حول فلسطين- وخصوصا قرار التقسيم 181 وقرار عودة اللاجئين وقراري مجلس الأمن 242 و 338 الخ، ما زالت سارية المفعول ويمكن للشعب الفلسطيني والدول العربية المعنية أن تعيد تفعيل هذه القرارات، بل يمكنهم أن تصرفوا عقلانيا أن يمارسوا حقهم المشروع بمقاومة الاحتلال.
تصريحات بوش ستؤجج الخلافات في الجبهة الفلسطينية الداخلية
كثيرة هي التداعيات الخطيرة التي ستترتب على رؤية بوش وخصوصا إن تم التعامل معها من الجانب الفلسطيني – وهذا ما لا نتوقعه – فنخشى وضمن الشروط التي وضعها للتسوية والدولة الفلسطينية أن تأول الأمور لدولة غزة فهي المنطقة الوحيدة المتصلة وينطبق عليها مفهوم الدولة ذات الحدود المؤقتة، إلا أن الوصول لهذه الدولة المسخ سيكون عبر تقليص تدريجي للصلاحيات السياسية والسيادية للحكومة الشرعية في رام الله وتأجيج الصراع والحرب الداخلية الفلسطينية حول مَن سيحكم غزة الدولة الموعودة ؟.
لا نروم ترويج اليأس أو إرباك القارئ بتحليلات تعسفية، ولكن معرفتنا بالعقل السياسي والإستراتيجي الإسرائيلي والأمريكي هو ما يدفعنا لدق ناقوس الخطر القادم وخصوصا إذا ما قمنا بعملية تشبيك ما بين تصريحات الرئيس بوش وتصريحات أولمرت عندما ربط التقدم بمسار التسوية بقدرة الرئيس أبو مازن على وقف إطلاق الصواريخ من غزة وعمل المزيد لوقف ما تسميه إسرائيل بالإرهاب. فعلى مستوى المصالحة الوطنية
فمن المعلوم انه بعد نجاح حركة حماس بالانتخابات التشريعية في يناير 2006 تم مقاطعة الحكومة الحمساوية وكان من شروط الرباعية والمنتظم الدولي للتعامل معها أن تعترف هذه الأخيرة بقرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة، وحوصر قطاع غزة وتم تجويع مليون ونصف مليون من السكان لهذا السبب، أيضا فإن الرئيس أبو مازن يشترط قبل فتح حوار مع حركة حماس أن تعترف الحركة بقرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة.فكيف سيكون عليه الحال اليوم بعد أن أعلن الرئيس بوش أن الشرعية الدولية وما أنبنى عليها من اتفاقيات أصبحت متجاوزة ولم تعد مرجعية للتسوية ؟.
ندرك جيدا أن الرئيس أبو مازن لن يعتمد مرجعية بوش بديلا عن المرجعية الدولية والثوابت الفلسطينية، ولكن مطالبته لحركة حماس بالعودة للحوار على أساس الاعتراف بالثوابت الفلسطينية قد يواجه بالرد:وكيف نلتزم بثوابت لا تعترف بها الولايات المتحدة التي ترعى وتقود عملية التسوية التي تلتزمون بها؟ الرد على هذا الإشكال في نظرنا لا يكمن بالهروب من المصالحة تحججا بهذه الذريعة، بل بالإصرار على الثوابت والمصالحة على أساسها لتثبيت وتقوية موقف الرئيس أبو مازن وحركة فتح وكل القوى الوطنية في مواجهة مخطط بوش، مع إدراك حرج وصعوبة الموقف الذي سيواجه دعاة المصالحة الوطنية.
ربط التسوية بالحسم في موضوع غزة
لا يمكن فصل ما تحدث عنه الرئيس بوش في رام الله بما تحدث عنه هو و أولمرت أثناء المؤتمغزة والسلطة الطرفين في فندق الملك داوود عندما تم ربط التقدم بمسار التسوية بوقف الصواريخ من غزة، و ربط نجاح التسوية بوقف ما سمياه بالإرهاب.والسؤال هو كيف يمكن للسلطة الوطنية وعلى رأسها الرئيس أبو مازن وقف إطلاق الصواريخ من غزة والسلطة هناك ليست سلطته ؟وحتى على مستوى الأمن في الضفة، كيف يمكن للحكومة الفلسطينية التي لا تملك السيادة على الأرض والبشر أن تفرض الأمن العام حسب التصور الذي تريده إسرائيل التي تملك السيطرة الفعلية على كل الضفة الغربية ؟.إنها مطالب تعجيزية ولا شك وإسرائيل ومعها الولايات المتحدة يرميان من وراء ذلك رمي الكرة بالملعب الفلسطيني وافتعال حرب أهلية وخصوصا في قطاع غزة.
حسب التصور الإسرائيلي فإن نجاح التسوية مرتبط بقدرة الرئيس أبو مازن على وقف صواريخ غزة والمقاومة بشكل عام ،وحتى يتمكن الرئيس من القيام بذلك ليس أمامه إلا طريقين ،الأولى الحوار وإعادة توحيد الموقف الفلسطيني على الثوابت الوطنية بما فيها الموقف من المقاومة ،وكما رأينا فإن تصريحات بوش عمقت من هوة الخلاف الداخلي وجعلت المصالحة أشد تعقيدا وخصوصا أن إسرائيل لا تريد المصالحة بل تعمل على تعميق الانفصال .أما الطريقة الثانية فهي الحسم بالقوة مع حكم حماس لغزة وهذا خيار يرفضه الرئيس ويرفضه كل وطني فلسطيني.والنتيجة بقاء التسوية في حالة تعثر والمفاوضات تستمر إلى ما لا نهاية مع استمرار الاستيطان وسيمر عام 2008 دون نتائج، وهذه ما تريده إسرائيل.
ومع ذلك وبالرغم من حالة الإرباك التي أوجدتها تصريحات بوش عند النخبة السياسية، فإن الطريق الوطني غير مسدود إن توفرت الإرادة الوطنية بالوفاق على الثوابت الوطنية سواء رضي الرئيس بوش أم لم يرضى، هو زائل وحقوقنا المشروعة هي الثابت بثبات من يتمسك بها.