في مثل هذا اليوم من عام 1988 أعلن الرئيس الراحل أبو عمار في المجلس الوطني في الجزائر عن وثيقة إعلان استقلال دولة فلسطين على الأراضي الفلسطينية مع الاعتراف والالتزام بكل قرارات الشرعية الدولية، وبذلك تم الانتقال من الشرعية الثورية والتاريخية إلى الشرعية الدولية ومن نهج التحرير بالمقاومة المسلحة إلى المراهنة على المفاوضات والتسوية السياسية.
آنذاك فتحت واشنطن قناة تواصل مباشر مع الفلسطينيين في تونس، ولكنها رفضت أن يكون الوفد الفلسطيني تحت عنوان أو ممثلا لدولة فلسطين بل وافقت على التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية التي تتهمها بالإرهاب وعندما كانت المنظمة تمارس العمل الفدائي في فلسطين وخارجها وتمثل حركة تحرر وطني!
وعندما تم عقد مؤتمر مدريد 1991 تم أيضا رفض حضور وفد يمثل دولة فلسطين وقبلوا بعد مماطلة حضور وفد يمثل المنظمة من داخل الأراضي المحتلة. وفي أوسلو كان التفاوض بين إسرائيل والمنظمة كما كان التوقيع على الاتفاق في واشنطن بين الطرفين، حتى وثيقة الاعتراف المتبادل نصت على أن تعترف منظمة التحرير بدولة إسرائيل مقابل اعتراف هذه الأخيرة بمنظمة التحرير ممثلة للفلسطينيين وليس اعتراف دولة بدولة.
وفي نصوص اتفاق أوسلو لم ترد كلمة الدولة الفلسطينية أو الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى الأساس الذي قام عليه الاتفاق لم يكن كل قرارات الشرعية الدولية كما كانت تصر وتطلب منظمة التحرير بل فقط قراري مجلس الأمن غير الملزمين 242 و338 حتى يتجنبوا قرار التقسيم 181 وقرار عودة اللاجئين 194.
ومع اقتراب نهاية المرحلة الانتقالية لاتفاق أوسلو في مايو 1999 حيث كان يفترض بدء التفاوض على قضايا الوضع النهائي ،وتهرب إسرائيل من المفاوضات ،لمح ابو عمار وتواصل مع عدة دول حول نيته الإعلان من طرف واحد عن قيام الدولة الفلسطينية على حدود 1967 ،ولكن واشنطن هددت ابو عمار في حالة اتخاذه هذا القرار بفرضها ومعها إسرائيل عقوبات قاسية تصل لحد إنهاء وجود السلطة الفلسطينية، كما قامت بالطلب من دول عربية وخصوصا مصر بالضغط على ابو عمار، وبالفعل هددت مصر ومن خلال مكالمة تليفونية حادة بين الرئيس مبارك وأبو عمار بأنها لن تعترف بدولة فلسطين ان تم الإعلان عنها من طرف واحد !.
لقد قبلت واشنطن الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وهي مصنفة أمريكيا كمنظمة إرهابية وتفتح لها مقرا فيها وتتواصل مع قياداتها حتى إن الرئيس أبو عمار زار البيت الأبيض عدة مرات والتقي برؤساء امريكيين وهو ما فعله أيضا ألرئيس ابو مازن، ولكنها ترفض الاعتراف بدولة فلسطينية على أي شبر من أرض فلسطين حتى وهي تحت الاحتلال ومنزوعة السلاح! والسبب الرئيس من وراء هذا الرفض هو عدم الاعتراف بأن الضفة وقطاع غزة أراضي محتلة بل تعاملوا معها كأراضي متنازع عليها.
واليوم وبعد 37 عام من إعلان الاستقلال يمكن تفسير التصرف الإسرائيلي في الضفة والتصرف الأمريكي في قطاع غزة و رفضهما الاعتراف بالدولة الفلسطينية لأن الدولتين ومنذ مؤتمر مدريد ١٩٩١ ثم أوسلو ١٩٩٣ لا تعتبران أن قطاع غزة والضفة أراضي فلسطينية محتلة بل أراضي متنازع عليها ،وهذا ما شجع اسرائيل مواصلة الاستيطان وصولاً لتسمية الضفة يهودا والسامرة وأنها جزء من أرض إسرائيل وبداية ضمها ،وهو أيضاً ما شجع ترامب على التفكير بتهجير سكان القطاع وتحويله لمنتجع سياحي وإطلاق يده بالتصرف في القطاع بموافقة إسرائيلية، فالقطاع بالنسبة له أرض بلا صاحب ومتنازع عليه.
قد يقول البعض أن ترامب أعلن رفضه ضم اسرائيل للضفة، وهذا كلام صحيح، ولكنه في نفس الوقت لا يعترف بدولة فلسطينية في الضفة ولم يقل إن الضفة أرض فلسطينية محتله وسبق له أن اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل مقر السقارة الامريكية لها بل ما زال يتعامل مع الضفة وقطاع غزة كأرض متنازع عليها.
أيضاً قد يقول البعض إن عديد القرارات الدولية تعترف بالضفة والقدس والقطاع كأراضي محتلة كما اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين دولة مراقب عام 2012 ثم اعتراف حوالي 160 بدولة فلسطين.
بالرغم من أهمية هذه القرارات والاعترافات إلا أنه لا يوجد أي قرار دولي ملزم وتبقى أقرب للتوصيات، كما أنه اليوم وفي ظل الهيمنة الأمريكية لم تعد الشرعية الدولية مرجعية لعودة الحقوق لأصحابها وحتى غابت قدرتها على فض الصراعات بالطرق السلمية، بل أصبحت القوة والمصالح الدولية تعلو على الشرعية الدولية ، ومع ذلك فحق الشعب الفلسطيني لن يضيع والعالم يتحرك لصالحنا كما أن القوة وموازينها غير ثابتة، وأقوى ورقة يملكها الشعب الفلسطيني هي صموده وثباته داخل وطنه حيث عدد الفلسطينيين يفوق عدد اليهود مما يجعل دولة الكيان أمام خيارين أحلاهما مر لها: إما الانفصال عنهم مما سيؤدي لدولة فلسطينية، أو الضم والاحتلال مما سيفقد الدولة هويتها اليهودية ويحولها لدولة عنصرية ، وحتى مبادرة ترامب لن تحل المشكلة ولن تحقق السلام لا في غزة وفلسطين ولا قي الشرق الأوسط.
Ibrahemibrach1@gmail.com














