هناك الكثير من الغموض والتكتم في المفاوضات التي تجري حول ما تسمى (حرب غزة) أو الحرب بين حماس وإسرائيل. فبعيداً عن تحليلات ضيوف الفضائيات الناطقة بالعربية الذين أغلبهم يجتهدون دون علم وفي كل ساعة وعلى كل فضائية لهم رأي وفي كل مرو بقولون إن الصفق على الأبواب حلال ساعات أو أيام، مما يجعلهم شركاء في تضليل المشاهدين، وبعيداً عن تسريبات الصحف والقنوات الإسرائيلية وأكاذيب المسؤولين الاسرائيليين ومسؤولي الإدارة الأمريكية منذ بايدن وبلنكن إلى ترامب ووتكوف… لا أحد يعرف بالضبط الأطراف الرئيسية غي المفاوضات ولا موضوعات التفاوض.
في البداية أبعدوا منظمة التحرير عن المفاوضات ثم الأمم المتحدة وأي تمثيل دولي كما أبعدوا مصر أو فضلت الابتعاد لمعرفتها حقيقة المؤامرة التي تُحاك ليس فقط لقطاع غزة بل لكل القضية الوطنية الفلسطينية وحتى لمصر، وأخيراً تدور مفاوضات في جزيرة سردينيا بحضور إسرائيل وقطر وواشنطن فقط.
المفاوضات الحقيقية هي التي تجري بين هذه الأطراف وليس ما يقال إنها مفاوضات مع حركة حماس، فهذه الأخيرة، بعد أن تم تفكيك محور الإسناد وتدمير قدراتها العسكرية ومعها تدمير القطاع وما لحق بسكانه من موت وجوع، أصبحت مجرد شاهد زور مشارك بالباطن في مؤامرة تتجاوز حماس والقطاع.
مع أنه لم يتم الكشف عن كل بنود صفقة ويتكوف ولا توجد نصوص مكتوبة عن رد حماس وشروطها لإتمام الصفقة المعطلة منذ مايو، إلا أن ما تسرب من رد حماس، التي تتصرف وكأنها منتصرة في الحرب وفي موقع القوة دون اهتمام بما يجري من موت ودمار وجوع في قطاع غزة، يدور حول تعديلات بمئات الأمتار على خريطة إعادة انتشار جيش الاحتلال وزيادة في عدد الأسرى الفلسطينيين المطلوب الإفراج عنهم وخصوصاً من ذوي المحكوميات العالية.
وحتى لو افترضنا صحة هذه التعديلات وعدم وجود ما هو خفي، فهل تستحق كل هذا الموت والجوع لأهالي غزة حيث سموت كل يوم حوالي مائه مواطن؟ وأي انجاز أو انتصار ستزعمه حماس لو تم إطلاق سراح هؤلاء الأسرى الفلسطينيين، وأين سيتم الإفراج عنهم؟ هل إلى الضفة الغربية وقطاع غزة حيث قتلت إسرائيل أو أعادت اعتقال غالبية من تم إطلاق سراحهم في الصفقات السابقة؟ أم سيتم نفيهم خارج الأراضي الفلسطينية وفي هذه الحالة هل توجد دول مستعدة لاستقبالهم؟ أما التعديلات على حدود إعادة الانتشار لجيش الاحتلال وحتى وقف إطلاق النار ذاته فهي مهزلة، حيث تعلن إسرائيل والوسطاء أنه وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة ستين يوماً، وإسرائيل لم تلتزم يوماً بأي اتفاق مع الفلسطينيين حتى مع الذين يعترفون بها وبينهم اتفاقات موقعة بضمانات أمريكية ودولية.
ما لا يتم الحديث عنه صراحة أن الدوحة وواشنطن وتل أبيب هم المفاوضون والمخططون الرئيسيون ويتفاوضون حول ترتيبات تتجاوز قطاع غزة ويوظفون حركة حماس ويوعدونها بالبقاء في المشهد لخدمة مخطط يهدف لتصفية القضية الفلسطينية وإعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط.
إسرائيل تحارب وتتفاوض دفاعاً عما تعتبره مشروعها الصهيوني وعن دول إسرائيل، وأمريكا تساند إسرائيل وتحارب معها وتشارك قي المفاوضات دفاعاً عن مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وقطر قامت بدور عراب الانقسام الفلسطيني لإفشال حل الدولتين وتتفاوض الآن التزاماً منها بدور وظيفي لصالح واشنطن وإسرائيل حتى تحافظ على وجودها كدولة وتضمن استمرار حمايتها واستقرار نظامها السياسي، في المقابل تحارب حركة حماس وتتفاوض دفاعاً عن الحركة والحزب وما تسميه مشروعها الإسلامي حتى لو ضحت بالوطن الفلسطيني حيث لا تعترف عقيدتها بالوطن والوطنية ،وتضحي حتى بالشعب وتعتبر كل الذين يستشهدون ويموتون جوعاً مجرد خسائر تكتيكية في سبيل بقاء الحركة وقيادتها وما تعتبره مشروعها وعقيدتها .
Ibrahemibrach1@gmail.com