بعد أقل من أسبوعين من الجولة الأخيرة للحرب الإيرانية الإسرائيلية، وهي المدة التي حددها نتنياهو لاستمرار الحرب منذ اليوم الأول للحرب، تم التوصل لوقف إطلاق النار، كلياً أو جزئيا، بمساعدة وضغط واشنطن على الطرفين ووساطة قطرية، وتم تدمير المفاعل النووية الإيرانية، مع أن هذا الأمر ما زال محل شك وحوله تتباين التصريحات حتى ما بين واشنطن وتل أبيب.
الآن تقول إسرائيل إنها انتصرت في الحرب من خلال ما جرى مع القدرات النووية الإيرانية وقتل العديد من الخبراء والعلماء في هذا المجال بالإضافة الى القادة العسكريين وما ألحقته من دمار بمواقع استراتيجية عسكرية ومدنية وقد سبق ذلك إلحاق خسائر فادحة بأذرع إيران في المنطقة والتي لم تتدخل خلال أيام الحرب الخ، كما نقول إيران أيضا إنها انتصرت من خلال قولها إن قدراتها النووية لم يتم تدميرها بالكامل وأن مخزونها من اليورانيوم المخصب بأمان وأنها ستواصل التخصيب كما أن مشهد النصر يتضمن ما ألحقته من دمار في إسرائيل سواء قصف مقرات استراتيجية عسكرية ومدنية وأماكن سكنية، حتى إن بعض الفضائيات الخليجية عملت مقارنة بين الدمار في إسرائيل والدمار في قطاع غزة!، وحالة الرعب واللجوء المتكرر للملاجئ وإغلاق المطارات وما لحق بإسرائيل من خسائر اقتصادية أيضاً ردها على التدخل الأمريكي بقصف منشآتها النووية بمسرحية قصف قاعدة العيديد في قطر .
ولكن، هل كانت المشكلة في الشرق الأوسط هو المشروع النووي الإيراني أم الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين؟
بالعودة إلى بداية ثورة الخميني ١٩٧٩ لم يكن الموضوع النووي متواجداً في السياسة الإيرانية وكانت المواقف المعلنة المعادية لأمريكا (الشيطان الأكبر) وإسرائيل تتمحور حول الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين حيث منذ الأيام الأولى للثورة أغلقت سفارة العدو وأخلت محلها السفارة الفلسطينية ورفعت شعارات تحرير فلسطين وشكلت ميليشيات مليونية باسم القدس وتحرير فلسطين، ونفس السياسة اتبعتها في الدول العربية التي فيها وجود شيعي حيث شكلت فيها جماعات مسلحة تحت عنوان محور المقاومة ووحدة الساحات وما أدى إليه هذا التواجد المسلح داخل دول مستقلة من إثارة فتن وحرب أهلية وتعرض هذه الدول لعدوان إسرائيلي كما جرى مع العراق واليمن ولبنان وسوريا، وحتى في المواجهات الأخيرة بين إيران ومحور المقاومة من جانب و إسرائيل وأمريكا من جانب آخر خلال حرب الابادة على غزة كانت إيران ومحورها يقولون إنهم يقاتلون لإسناد المقاومة في غزة!
خلال هذه المواجهة الأخيرة بين الطرفين غابت فلسطين وغزة عن المشهد بل استغل نتنياهو هذه الحرب ليبعد الأنظار كلياً عن المجازر التي ترتكبها إسرائيل يومياً في القطاع ومعاناة أهالي غزة مع الجوع وما يجري في الضفة من توسيع للاستيطان وتدمير للمخيمات وحتى الجهود السلمية التي كانت تقودها فرنسا والسعودية لتفعيل حل الدولتين توقفت وتم تأجيل المؤتمر المقرر انعقاده قبل الحرب بأيام في نيويورك كما زادت شعبية نتنياهو واليمين في إسرائيل.
وأخيراً تم التوصل لوقف إطلاق نار بوساطة قطرية في أقل من أسبوعين، وخلال الحرب وفي المداولات حول وقفها لم يتم ذكر اسم فلسطين أو غزة ولا جبهة الإسناد بل وانكشف مستور العداء بين الطرفين بأنه صراع حول المصالح ومناطق النفوذ وإثبات الحضور في الشرق الأوسط الجديد والنظام الدولي الجديد، أما شعب فلسطين وقضيته الوطنية فهم ضحايا هذا الصراع وستتم تفاهمات واتفاقات بين إيران وإسرائيل ومعها الولايات المتحدة على حساب القضية الفلسطينية.
عندما يؤكد ترامب أنه لا يسعى لتغيير النظام في إيران فهو في المدى القريب صادق لأن واشنطن تحتاج لإيران كعدو مفترض حتى تبرر تواجدها في الخليج وهيمنتها على مخزونه في ثرواته تحت الأرض وثرواته المالية وقطع الطريق على تمدد النفوذ الروسي والصيني وأمريكا دائماً تحتاج لعدو في المنطقة، كان قديماً يتجسد بالخطر الأحمر زمن الاتحاد السوفيتي وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي صنعوا أكذوبة خطر سلاح الدمار الشامل عند عراق صدام حسين، وبعد سقوط نظام صدام واحتلال العراق ثم اختلاق خطر الإرهاب الإسلامي بالرغم أنها صانعة القاعدة وداعش ثم جاء التلويح بالخطر الإيراني ،والى حين اصطناع عدو جديد فواشنطن والغرب يحتاجون إيران كعدو وخطر يهدد المنطقة والسلام العالمي كما يزعمون.
أيضاً إيران كانت بحاجة إلى وجود (الشيطان الأكبر) ووجود الخطر اليهودي وضرورة تصديها لهذا الخطر المزدوج، واستغلت شعاراتها الداعمة لفلسطين للتغلغل في الدول العربية وتشكيل جماعات مسلحة لمواجهة إسرائيل وأمريكا بينما في حقيقة الأمر وظفت القضية الفلسطينية وأذرعها في المنطقة لخدمة مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
بالرغم من شساعة مساحة إيران والتي تتجاوز مليون وستمائة ألف كيلو متر مربعاً وعدد سكانها حوالي مائة مليون نسمة وقدراتها الحربية والاقتصادية الكبيرة وتحالفاتها الخارجية الخ جنحت القيادة الإيرانية أخيراً إلى وقف إطلاق النار حتى وإن كان هشا لإنقاذ شعبها ومقدراتها وأبدت الاستعداد للجلوس إلى طاولة المفاوضات ،واذا كانت إسرائيل صادقة في مزاعمها أنها حققت أهدافها خلال أقل من أسبوعين من الحرب فكيف لم تستطع القضاء على القدرات العسكرية لحركة حماس بعد عشرين شهر من الحرب على قطاع غزة الذي مساحته ٣٦٥ كيلو متر مربع فقط وسكانه الذين لا يتجاوز عددهم ٢ مليون ونصف نسمة ،كما لم تستطع القضاء عليها طوال ٣٨ سنة من وجودها؟! أم أن إسرائيل ما زالت بحاجة لحركة حماس كعدو مفترض حتى تستكمل مشروعها كاملا في الضفة وتهجير أهالي القطاع؟
وأخيراً نكرر ما سبق أن كتبنا حوله ،لا نلوم العدو لأنه قوي بل يجب أن نلوم أنفسنا لأننا ضعفاء ،وفيما يتعلق بإيران فلا تلام لأنها تبحث وتعمل لصالح شعبها ومصالحها الاستراتيجية وحتى إن وظفت القضية الفلسطينية لهذا الهدف ومدت نفوذها وسيطرتها في دول عربية ،بل يجب أن ننتقد واقعنا الفلسطيني المترهل الذي سمح لإيران وغيرها التدخل في شؤوننا الداخلية وتحويل فصائل بكاملها لأدوات في خدمة المشروع الإيراني ونلوم الأنظمة العربية لتخليها عن الشعب الفلسطيني ووقوفها موقف المتفرج على ما يجري من تصفية للقضية الفلسطينية.
Ibrahemibrach1@gmail.com