القضية الفلسطينية (تعقيدات الواقع ومعضلة الحل)

25 مايو 2025آخر تحديث :
القضية الفلسطينية (تعقيدات الواقع ومعضلة الحل)

في ظل الواقع الراهن من: اختلال موازين القوى لصالح العدو وتوجه كل المجتمع الصهيوني نحو اليمين وحكومة أكثر يمينية وعنصرية وحليف أمريكي استراتيجي لا يقل عدوانية، وحرب الإبادة على غزة، وعجز النظام العربي والنظام الدولي عن ردع العدوانية الإسرائيلية، يقابله في الجانب الفلسطيني انقسام سياسي وإجتماعي وجغرافي وتفكك معسكر الحلفاء المفترضين وغياب أي حليف استراتيجي …

في ظل هكذا واقع لو تُرك الأمر للفلسطينيين والاسرائيليين بمفردهما فلا توجد أية فرصة لأن يتوصل الطرفان لأية تسوية للصراع بينهما ، فلا إسرائيل استطاعت أو تستطيع  تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع بالقوة العسكرية بعد مرور ٧٧ عام على النكبة وأكثر من مائة عام على بداية الصراع ،ولا الفلسطينيون قادرون على القضاء على اسرائيل وتحرير بلادهم حتى ضمن حدود ١٩٦٧ ،بل حتى كل جهود الوساطة  التدخلات الدولية لم تستطع وقف حرب الإبادة في غزة أو وقف المجاعة وكل ما يمكن للفلسطينيين تحقيقه مزيداً من اعتراف دول العالم بدولتهم وهي تحت الاحتلال.

انطلاقاً من ذلك وإن كان هناك فرصة لإنهاء الصراع فهذا لن يكون إلا بوجود طرف خارجي، دولة أو تحالف دولي ليفرض تسوية على الطرفين وخصوصاً على إسرائيل. وهنا تكمن المعضلة الصعبة، وهي أن الدولة الوحيدة القادرة بمفردها أو من خلال تشكيل تحالف دولي لفرض تسوية على الطرفين، هي الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الاستراتيجي للعدو، حيث فشلت كل محاولات وجهود الدول الأخرى والمنظمات الدولية في منافسة الولايات المتحدة في القيام بهذا الدور. حتى حركة حماس رأس المقاومة المسلحة في فلسطين تعترف بهذه المكانة والدور لواشنطن وتسعى لكسب اعترافها ورضاها وتعتبر أي تواصل أمريكي معها (نصر لها).

قد يسأل البعض عن الجهود التي تبذلها الرياض وباريس لعقد قمة في يونيو القادم حول الدولة الفلسطينية واعترافات متزايدة بدولة فلسطين تلوح في الأفق سواء من فرنسا أو غيرها؟ صحيح هناك حراك دولي ولكنه ليس لحل الصراع نهائياً بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، بل نعتقد أن ما سيتمخض عن هذا الحراك السعودي الفرنسي أو غيره كالمؤتمر الدولي الذي تطالب به القيادة الفلسطينية هو محاولة للتخفيف من حدة الحرب في قطاع غزة وجلب الرياض للسلام الابراهيمي مقابل وقف الحرب على غزة ونزع سلاح فصائل المقاومة في غزة وإعادة صياغة وطرح أفكار جدية مفهوم الدولة الفلسطينية من حيث الحدود والسيادة ومحاولة تبنيها من أكبر عدد من الدول قبل تقديمها لإسرائيل والولايات المتحدة لدراستها عسى ولعل أن تقبلا بالعودة لطاولة المفاوضات لإنهاء الصراع، وفي هذه الحالة ستراوغ إسرائيل كعادتها فيما تواصل الحرب والاستيطان في الضفة وحتى غزة، بمعنى أن هذا الحراك الفرنسي السعودي فقط لرفع العتب والإحراج لعجزهم عن وقف حرب الإبادة والتطهير العرقي في قطاع غزة وحتى عجزهم إدخال مساعدات انسانية للقطاع لوقف الجوع والمرض،  وفي أفضل الحالات قد يؤدي هذا الحراك السياسي لكسب مزيد من الاعتراف النظري بدولة فلسطينية تحت الاحتلال، أما إنهاء الاحتلال ونهاية الصراع فليس بيد هذه الدول بل يحتاج كما ذكرنا تحولات دولية وإقليمية جذرية لصالح عدالة القضية الفلسطينية وتغيرات في المجتمع الإسرائيلي وليس في الحكومة فقط بحيث يكون مستعداً للتخلي عن عنصريته وأوهامه التوراتية.

نخلص مما سبق عدم جدوى البحث عن حل عادل ونهائي للصراع الآن، فالعالم الذي لا يستطيع الآن وقف حرب الإبادة على غزة ومخططات التهجير ووقف تجويع أكثر من مليوني مواطن فلسطيني في القطاع بالإضافة الى مواصلة إسرائيل لمشاريع الاستيطان في الضفة…، هذا العالم وفي ظل هذا الواقع لا يستطيع إجبار إسرائيل على الانسحاب من الضفة والقدس وقطاع غزة.

المطلوب فلسطينياً إنهاء الانقسام وإنهاء سيطرة حماس على القطاع تمهيداً لوقف الحرب وتعزيز الصمود على الأرض ومنع التهجير، وإبداع أساليب مقاومة سلمية في كل مناطق التواجد الفلسطيني، ومواصلة الجهود الدبلوماسية، وتوقف طرفا المعادلة الفلسطينية منظمة التحرير ومَن هم خارجها عن الوهم بأن إقصاء أي طرف للآخر بالقوة يعتبر انتصاراً له لأن اسرائيل هي التي ستملأ فراغ غياب أي منهما.

تستطيع إسرائيل بقوتها العسكرية وتحالفاتها الدولية وخصوصاً مع واشنطن إلحاق مزيد من الخسائر بالفلسطينيين والقضاء على فصائل المقاومة وحتى انهاء وجود السلطة الفلسطينية وتستطيع إعادة احتلال القطاع وكل الضفة، ولكن علينا ألا ننسى أن كل فلسطين محتلة منذ 1967 وكل هذه الأحزاب والسلطة الفلسطينية القائمة في الضفة وغزة ليست الشعب الفلسطيني بل مجرد أدوات سياسية تسعى بالوسائل المتاحة  للوصول لحل عادل وفشلها لا يعني نهاية القضية الفلسطينية بل فشلاً لهذه الأحزاب والكيانات السياسية، وما تصاعد مظاهرات التأييد لفلسطين والتنديد بالإجرام والإرهاب الصهيوني في دول العالم والتحولات في مواقف الدول الغربية لصالح عدالة القضية الفلسطينية إلا دليلاً على فشل دولة إسرائيل في تحقيق أهدافها بتصفية القضية الفلسطينية وأن مأزق إسرائيل الوجودي لا يقل عن مأزق المشروع الوطني الفلسطيني التحرري.

الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق