أن تعلن الأمم المتحدة عن يوم للتضامن مع الشعب الفلسطيني فهذا يعني اعتراف من غالبية دول العالم التي صوتت لصالح القرار بعدالة القضية الفلسطينية وتبني وتصديق رواية الشعب الفلسطيني ودعم نضاله السياسي في مواجهة الرواية والعدوانية الصهيونية.
بالرغم من مرور 44 عاماً على القرار رقم (32/40 ب) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثاني من ديسمبر 1977 والذي دعا لاعتبار يوم 29 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام يوماً للتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني وحقوقه في إنهاء الاحتلال وتصفية الاستعمار وتقرير المصير أسوة ببقية شعوب الأرض، وبالرغم من تتابع الأحداث والمتغيرات الدولية والإقليمية، تواصل الأمم المتحدة من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة ومعها غالبية شعوب العالم إحياء هذه الذكرى وتذكير العالم بأن الشعب الفلسطيني ما زال خاضعاً للاحتلال ومن حقه تقرير مصيره السياسي في دولة مستقلة خاصة به.
جاء هذا القرار بعد ثلاث سنوات من زيارة الرئيس أبو عمار للجمعية العامة للأمم المتحدة في الثالث عشر من نوفمبر 1974 حيث خاطب العلم بمقولته الشهيرة (جئتكم بغضن الزيتون في يد والبندقية في يد فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي) وهو الخطاب الذي شكل نقلة في التعامل الدولي مع القضية، فمن قضية إنسانية وقضية لاجئين إلى قضية سياسية وهو ما تأكد من خلال القرار (د-29 / 3236 ) في 22 نوفمبر 1974 الذي عرف حقوق الشعب الفلسطيني بأنها حقوق سياسية غير قابلة للتصرف، حيث جاء في نص القرار بأن الجمعية العامة : “
- تؤكد من جديد حقوق الشعب الفلسطيني في فلسطين، غير القابلة للتصرف، وخصوصاً :
الحق في تقرير مصيره دون تدخل خارجي.
الحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين.
- وتؤكد من جديد أيضاً حق الفلسطينيين، غير القابل للتصرف، في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها واقتلعوا منها، وتطالب بإعادتهم .
- وتشدد على أن الاحترام الكلي لحقوق الشعب الفلسطيني هذه، غير القابلة للتصرف، وإحقاق هذه الحقوق، أمران لا غنى عنهما لحل قضية فلسطين .
- وتعترف بأن الشعب الفلسطيني طرف رئيسي في إقامة سلم عادل ودائم في الشرق الأوسط .
- وتعترف كذلك بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه بكل الوسائل وفقاً لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه.
- وتناشد جميع الدول والمنظمات الدولية أن تمد بدعمها الشعب الفلسطيني في كفاحه لاسترداد حقوقه، وفقاً للميثاق… “.
وفي عام 1975 أصدرت الجمعية العامة القرار رقم (٣٣٧٦) والذي بمقتضاه أنشئت لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف بما في ذلك الحق في تقرير المصير دون تدخل خارجي، والحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين، والحق في العودة إلى دياره وممتلكاته التي شُرِّد منها .
وهكذا نلاحظ أن الاعلان عن يوم للتضامن مع الشعب الفلسطيني بُني على القرارين السابقين وأكدهما وأدخل القضية الفلسطينية في سياق جديد على مستوى طريقة تعامل المنتظم الدولي مع القضية الفلسطينية، وكل القرارات الأممية اللاحقة تأسست على هذا الإعلان .
قد يقول قائل ما قيمة هكذا قرارات أممية ما دامت لا تجد طريقاً لها للتنفيذ، وما قيمة الاحتفال بيوم الأرض وإقامة المهرجانات وتسيير المظاهرات ما دامت القضية الفلسطينية دون حل والكيان الصهيوني يواصل احتلاله لكل فلسطين؟ .
هذه تساؤلات مشروعة ولكن، الشرعية الدولية وقراراتها لا تنوب ولا هي بديل عن النضال الفعلي والواقعي للشعب الفلسطيني ولكل الشعوب التي تناضل من أجل الحرية والاستقلال بل إن هذا القرارات تحث الشعوب الخاضعة للاحتلال على مقاومة الاحتلال بكل الوسائل الممكنة، إنها تُشهِر الحق وتعترف به وتروجه عبر العالم وتمنح لأصحابه منصة للتعبير عنه والتواصل مع العالم، وسلبية أو تقصير الشرعية الدولية يجب ألا يدفعنا لطي صفحة الأمم المتحدة وأي نشاط سياسي ودبلوماسي دولي، فحتى لو كانت الأمم المتحدة شبه مشلولة وفيها ازدواجية في التصرف، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني بسبب التأثير الأمريكي، إلا أن قرارات الأمم المتحدة بما فيها الإعلان عن يوم للتضامن مع الشعب الفلسطيني لا تسقط بالتقادم أو بتغير موازين القوى الإقليمية والدولية، ووجودها يشكل أرضية ومرجعية يمكن للشعب الفلسطيني ودول وشعوب العالم المناصرة لعدالة القضية الفلسطينية البناء عليها والانطلاق منها لمواجهة عدوانية دولة إسرائيل التي هي عضو في الأمم المتحدة، وعلى الأقل فإن هذه القرارات تضع في يد الدبلوماسية الفلسطينية وكل المساندين لعدالة القضية الفلسطينية ورقة قوية وأساساً لفضح إسرائيل وممارساتها وزيف روايتها في المحافل الدولية وعند الرأي العام العالمي.
اليوم وفي ظل تعثر عملية السلام وفشل تسوية حل الدولتين فإن استمرار العمل بالإعلان عن اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني يضع أمام الشعب الفلسطيني مرجعية وأساساً للعودة لقرار التقسيم، فالإعلان عن يوم التضامن يوم التاسع والعشرين من نوفمبر ليس مصادفة فقد جاء متزامناً مع ذكرى التقسيم يوم التاسع والعشرين من نوفمبر 1947، وكأن الأمم المتحدة تريد التأكيد على قرار التقسيم وانتهاك إسرائيل له من خلال سيطرتها على كل فلسطين، وبالتالي فإن الإعلان عن يوم التضامن وما تبعه من قرارات بالإضافة إلى أن قرار التقسيم 181 لم يتم الغائه وما زال موثقاً ومعترفاً به يمنح الشعب الفلسطيني مبرراً بالمطالبة باعتماد قرار التقسيم أساساً للتسوية السياسية كما (هدد) أو أعلن الرئيس أبو مازن في خطابه الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة إن لم تلتزم إسرائيل بحل الدولتين.
إحياء اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني يحافظ على حضور القضية الفلسطينية واسم فلسطين في المحافل الدولية وفي الضمير العالمي، كما يؤكد أن القضية الفلسطينية ما زالت بدون حل وأن غالبية دول العالم ما زالت تدعم الشعب الفلسطيني في مطالبه العادلة، وهذا يؤكد أن احتلال إسرائيل لكل فلسطين لا يعني نهاية القضية وأن القوة لا يمكنها تثبيت حق للاحتلال .
وأخيراً، إن كان إحياء هذه المناسبة هذا العام يأتي في ظل تعثر عملية السلام و في ظل موجة من التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني حيث إن الدول المُطبِعة الجديدة توغلت في علاقاتها مع الكيان الصهيوني حتى أصبحت مواقفها أدنى بكثير من الموقف الدولي بل وتتعارض مع قرارات الشرعية الدولية حول فلسطين ، إلا أنه أيضا يأتي متزامناً مع تزايد التحركات الشعبية ومنظمات حقوق الإنسان المناصرة للشعب الفلسطيني وحملات المقاطعة متعددة الأشكال لإسرائيل في مختلف دول العالم بما فيها أوروبا والأميركتين، أيضاً تزايد عدد الدول التي تعترف بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة .