مع وصول المفاوضات الرسمية المُعلنة لطريق مسدود نهاية العام الماضي – مع أن المفاوضات مأزومة منذ بداياتها الأولى وتحديدا بعد مايو 1999- ارتفعت أصوات عديدة بعضها يطالب بوقف المفاوضات نهائيا لأنها باتت مضرة بالمصلحة الوطنية وخرجت عن أهدافها الأولى ،وأصوات أخرى طالبت بحل السلطة الفلسطينية لنفس الأسباب ،وجهة أخرى قالت بالمقاومة كبديل للمفاوضات،وأخيرا تم بلورة توجه يقول بالذهاب للأمم المتحدة أو ما بات يُعرف في الخطاب السياسي الإعلامي باستحقاق أيلول،وهو ضمن خيارات سبعة تحدث عنها الرئيس أبو مازن.
فهل هذه الخيارات بدائل للمفاوضات ؟أم أوراق ضغط لتحسين الموقع والموقف للمفاوض الفلسطيني؟أم تعبير عن حالة تيه سياسي يتخبط فيه الفلسطينيون؟.
سنقارب هذه الإشكالات من خلال المحاور التالية:-
المحور الأول : المحور الأول :حول المفاوضات
المحور الثاني: المحور الثاني : هل حل السلطة بديل للمفاوضات؟
المحور الثالث: المحور الثالث :المقاومة والمفاوضات:تلازم وليس بدائل.
المحور الرابع :(استحقاق أيلول) :داعم أم بديل للمفاوضات؟
ثم خلاصة وتوصيات
المحور الأول :حول المفاوضات
لا سياسة بدون مفاوضات والقول بعدم شرعية المفاوضات بالمطلق إنما ينم عن جهل أو تضليل وخصوصا في الحالة الفلسطينية والعربية حيث التزم العرب والفلسطينيون منذ مؤتمر مدريد 1991 بخيار التسوية السلمية للصراع مع إسرائيل،المشكلة إذن لا تكمن في المفاوضات بل بأهدافها ومرجعيتها وبالأطراف المفاوضة وبالصفة التمثيلية للمفاوضين كما أن المفاوضات لا تلغي وسائل حل الصراع الأخرى بما فيها المقاومة.ما دام النظام السياسي الرسمي الفلسطيني والعربي لا يملك – أولا يريد -خيارا بديلا للتسوية السلمية فلا يجوز رفض المفاوضات من حيث المبدأ.
كل حركات التحرر في العالم مارست المفاوضات ولكن مارستها في إطار إستراتيجية وطنية تجمع ما بين المفاوضات والمقاومة وغالبا عندما كانت حركات التحرر في موقع قوة وتحقق إنجازات سياسية. في الحالة الفلسطينية فإن المفاوضات كجزء من نهج التسوية جاءت في ظروف مغايرة حيث الخلل يكمن في منطلقات التسوية واتفاقاتها وآلية تطبيقها ،ويمكن رصد الخلل فيما يلي:-
1- جاءت المفاوضات في ظل حالة تراجع لحركة المقاومة الفلسطينية ،وهو التراجع الذي بدأ منذ الخروج من بيروت 1982 وتفاقم مع حرب الخليج الثانية وانهيار المعسكر الاشتراكي.
2- جرت المفاوضات في ظل غياب إستراتيجية وطنية شمولية حيث حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى كانت ضد نهج التسوية وضد المفاوضات .
3- تعود مشكلة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية إلى التسوية بحد ذاتها،فالتسوية لم تقم على أسس واضحة ولم تكن لها مرجعية واضحة، فاتفاقية أوسلو نصت على أن التسوية تقوم على أساس قراري مجلس الأمن 242 338 ،ولم يأت في الاتفاقية ذكر للدولة الفلسطينية أو لقرار 194 الخاص باللاجئين أو بقرار التقسيم أو بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره السياسي ،ولم تتحدث عن انسحاب إسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967 بل عن إعادة انتشار وخصوصا بالنسبة للضفة الغربية،وحتى بالنسبة لقراري 242 و 338 جاء النص بصيغة (على أساس قراري مجلس …) وليس تنفيذا القرارين، والقضايا الأساسية تم تأجيلها بمعنى أنها ليست جزءا أصيلا من الاتفاق .
4- علينا التذكير بأن مؤتمر مدريد وكذا اتفاقية أوسلو لم يكونا في إطار مؤتمر دولي للسلام وبالتالي لم يكونا مؤتمرات دولية ينتج عنها قرارات ملزمة وكان دور الأمم المتحدة كشاهد زور . اتفاقية أوسلو كانت محكومة بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين بمعنى أنه لا يمكن تحقيق أي تقدم إلا بموافقة الطرفين،وفي ظل اختلال موازين القوى ندرك لمصلحة من ستصب المفاوضات .
5- عدم جدية إسرائيل بالتسوية وخصوصا بعد مقتل اسحاق رابين ،ولأن إسرائيل لا تريد التصريح علنا بأنها ضد نهج السلام فقد أخذت بالمماطلة والتسويف في المفاوضات على أمل أن يقرر الفلسطينيون الخروج منها .
6- انتقال واشنطن من موقع الوسيط إلى موقع المنحاز لإسرائيل.وقد ظهر هذا جليا في عهد أوباما.
7- سوء أداء السلطة والفريق المفاوض،فالقليل من المراهنة على الاتفاقات الموقعة تم تبديده نتيجة فساد بدا ينخر السلطة منذ بداية تشكلها ونتيجة صفقات مشبوهة بين بعض رجالات السلطة وسلطات الاحتلال ،هذا بالإضافة إلى فريق مفاوض استمر منذ مدريد إلى اليوم حتى بات ورقة مكشوفة أمام الإسرائيليين وخصوصا أن كبار المفاوضين كانوا جزءا من السلطة وعلاقاتها الاقتصادية مع الإسرائيليين وكان تواجدهم داخل الأراضي المحتلة يجعلهم دائما تحت ضغط وابتزاز الإسرائيليين.
8- سلوكيات المعارضة التي لم يكن يحلو لها القيام بعمليات تفجيرية داخل إسرائيل إلا عندما تكون المفاوضات تتناول موضوعا مفصليا ،مما يدفع الإسرائيليين للتهرب من تنفيذ ما عليهم من استحقاقات بحجة الأمن وعجز السلطة مما عليها من التزامات.
9- الانقسام الذي زاد من إضعاف المفاوضين على طاولة المفاوضات.
المحور الثاني : هل حل السلطة بديل لفشل المفاوضات؟
ضمن الأطروحات التي تم تداولها بعد وقف المفاوضات كانت فكرة حل السلطة الفلسطينية ،وبالرغم من أن التوقيع على ورقة المصالحة أدى لتراجع هذا الطرح ،إلا أن حل السلطة ما زال مطروحا ليس من خلال قرار فلسطيني بحلها بل بانهيارها داخليا بدون قرار،انهيار سلطة الضفة الغربية وانهيار سلطة غزة .إن كان من المشروع والمبرر التفكير بحل السلطة إلا أن حلها لن يحل أزمة النظام السياسي الفلسطيني ،والبديل هو تغيير وظيفة السلطة وتحريرها من الإملاءات الخارجية.
أي حديث جاد عن حل السلطة الفلسطينية يجب أن لا يكون مدفوعا بحسابات حزبية ضيقة وألا يكون ردة فعل انفعالية وعاطفية أو مجرد ورقة ضغط في العملية التفاوضية المتعثرة حيث الخصم يعرف حقيقة أوضاعنا الداخلية ومحدودية قدرة القيادة السياسية على التفرد باتخاذ قرارات مصيرية،ففي ظل واقع الانقسام وتدخل الأجندة الخارجية وتشابكات القضية مع محيطها الإقليمي والدولي يجب دراسة كل خطوة بتأن وحذر .التفكير بحل السلطة مشروع ومبرر، ولكن كل توجه عملي في هذا الاتجاه يجب أن يكون مسبوقا بخلق البديل الوطني الذي سيملأ فراغ حل السلطة ،وعليه التعامل مع قضيتين :الأولى إجرائية تتعلق بالجهة ذات الاختصاص بحل السلطة ،والثانية تتعلق بتداعيات حل السلطة أو ما بعد حلها.
1 :من ناحية إجرائية
صحيح، إن تأسيس السلطة كان بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني في دورته المنعقدة من 10-12 /10/1993 أي بعد شهر من توقيع اتفاق إعلان المبادئ .إذن من ناحية نظرية يمكن القول بأن من حق منظمة التحرير التي أسست السلطة أن تصدر قرارا بإلغائها ،إلا أن الواقع سيجعل هذا الاستنتاج ساذجا لعدة أسباب يمكن اختصارها بأن منظمة التحرير التي أقامت السلطة ليست منظمة التحرير اليوم ،وان السلطة التي قامت عام 1994 ليست هي السلطة اليوم ،وإن الواقع الفلسطيني والإقليمي والدولي اليوم ليس هو الذي كان عند تأسيس السلطة.
2 :التداعيات
إذن قبل حل السلطة يجب التفكير بمن سيحل محلها،ونخشى أن لا تقوم إسرائيل بإعادة احتلال كامل للضفة في هذه المرحلة بل ستلجأ إلى ضم بعض مناطق الضفة وتنصيب أشخاص بدلا من حكومة السلطة ليقوموا بمهام السلطة على ما سيتبقى من الأرض وهي لن تعدم مثل هؤلاء ،وهناك خشية أن تتحول كل مدينة وقرية فلسطينية خارج نطاق السيطرة المباشرة للجيش الإسرائيلي إلى كانتون تسيطر عليه إحدى الجماعات الفلسطينية المسلحة ،وإسرائيل ستعزز مثل هكذا وضع .
أيضا سيُطرح موضوع الخدمات التي تقدمها السلطة ومن سيقوم بها ،خصوصا الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية ،هل ستتولاها منظمات دولية؟ أم مؤسسات أهلية ؟أم ستتكلف الأردن بها تمهيدا لدور سياسي قادم؟ وما مصير أكثر من 170 ألف موظف مدني وعسكري غالبيتهم يعتاش من وراء راتب السلطة ؟ وهل ستستمر الدول المانحة بتقديم التمويل والدعم للفلسطينيين بعد حل السلطة؟. قد يقول قائل إن منظمة التحرير ستقوم بهذه المهمة ،ونعتقد بأن هذا القول يحتاج لتمحيص فلا نعتقد بأن واقع المنظمة يسمح لها بذلك وخصوصا في ظل حالة الانقسام ووجود كثير من القوى السياسية خارج المنظمة وبعضها لا يعترف بالصفة التمثيلية للمنظمة ،كما أن إسرائيل لن تسمح لمنظمة التحرير الفلسطينية إن تخلت عن نهج التسوية والسلام بان تقوم بأي نشاط داخل الأراضي المحتلة.قد يقول قائل إن حل السلطة سيضع الشعب في حالة مواجهة مباشرة مع إسرائيل ،وهذا أمر ممكن بل يجب أن يكون ، ولكن ألا يحتاج هذه الشعب لقيادة عمل وطني تنظم المواجهة مع إسرائيل ؟ وفي ظل الانقسام من سيوجه ويقود النضالات الشعبية في الضفة وغزة بعد حل السلطة؟.
تغيير وظيفة السلطة بدلا من حلها
لا يعني ما سبق أن نتمسك بالسلطة تحت كل الظروف ونسكت على عملية تفريغها من مضمونها الوطني،ولكن بدلا من توجيه الاهتمام نحو حل السلطة يمكن العمل على تحويل وظيفتها أو إصلاحها لتصبح سلطة وطنية بمعنى الكلمة ،من خلال الإجراءات التالية :-
1- إعادة النظر بشكل التنسيق الأمني .
2- محاسبة الفاسدين وذوي المواقف المشبوهة وطنيا وبأثر رجعي.
3- توظيف أموال الدعم الخارجي للسلطة بما يخدم صمود الشعب الفلسطيني.
4- استمرار السلطة بالتمسك بالحقوق والثوابت الوطنية .
5- تفعيل منظمة التحرير وإعادة بناءها كحركة تحرر وطني .
6- إنجاز المصالحة بعيدا عن المكابرات السياسية، فأن نقدم تنازلات لبعضنا البعض أشرف وأجدى من تقديمها لإسرائيل .
7- تفعيل المقاومة الشعبية في كل ربوع الوطن .
8- مقاطعة شاملة للمنتجات الإسرائيلية .
9- إشراك كل الأحزاب والقوى السياسية في حكومة السلطة ،حتى لا تبقى السلطة محسوبة كسلطة فتح فقط.
10- واهم خطوة في هذا السياق هو توحيد مرجعيات السلطة بالالتفاف حول قيادة وطنية واحدة موحدة تتمسك بالثوابت وعدم الخضوع للشروط الإسرائيلية والأمريكية ،سواء تعلق الأمر بالاستيطان أم بغيرها من المسائل .
إذن ،بديل حل السلطة هو تحويل وظيفتها لتصبح جزءا من حركة نهوض وطني شعبي شامل تدخل في مواجهة ساخنة مع إسرائيل وهذا هو جوهر فكرة السلطة الفلسطينية كما وردت في النقاط العشر للبرنامج المرحلي لمنظمة التحرير عام 1974 الذي تحدث عن سلطة وطنية مقاتلة على أية ارض نحررها أو تعطى لنا،ولتُقدِم إسرائيل أو الدول المانحة على حل السلطة أو خلق سلطة بديلة تابعة لهما ،آنذاك ستتحملان مسؤولية انهيار التسوية والسلام .خلال عملية تغيير وظيفة السلطة ومع الأخذ بعين الاعتبار ردود الفعل الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية ،نكون قد هيأنا البديل الذي سيملأ فراغ انهيار السلطة. ونعتقد أن كثيرين من داخل السلطة بما فيهم عناصر الأجهزة الأمنية مستعدون ليقوموا بهذا الواجب الوطني إن لمسوا إرادة سياسية تعمل في هذا الاتجاه.
المحور الثالث :المقاومة والمفاوضات:تلازم وليس بدائل.
من حيث المبدأ لا تناقض بين السعي للسلام وامتلاك القوة أو اللجوء إليها،ولا تناقض بين القول بالمقاومة وممارستها والقول بالسلام وتوظيف كل أدوات حل الصراع الأخرى كالمفاوضات والوساطة والتحكيم.واقع العلاقات بين الدول وحتى داخل المجتمع الواحد تؤكد على عدم التناقض بين السلام وامتلاك القوة أو السعي إليها.من يقول بالسلام كخيار استراتيجي ويسعى له مجردا من أوراق القوة وأهمها وحدة الشعب حول هذا الخيار والبقاء على الخيارات الأخرى ولو كإمكانية محتملة، لن يحقق سلاما لشعبه بل استسلاما أو استقرارا مؤقتا،ومن يقول بالمقاومة كإستراتيجية ويمارسها موسميا وفصائليا وبدون وحدة وطنية وبدون مشروع ورؤية للسلام لن يجلب للشعب إلا مزيدا من المعاناة وسيحرم الشعب من توظيف القوى المؤيدة لعدالة القضية الوطنية.
المقاومة حق مشروع لكل شعب يخضع للاحتلال ولكن المهم وجود إستراتيجية وطنية للمقاومة ،واليوم إن كانت الظروف لا تسمح بالمقاومة المسلحة فيمكن تفعيل المقاومة السلمية،وهي اليوم ضرورية وممكنة ليس كبديل عن خيار التسوية والمفاوضات بل كداعم لهما وخصوصا ونحن على أبواب ما يسمى (استحقاق أيلول) فأيلول لن يكون استحقاقا منجزا للهدف إن لم تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة انتفاضة أو مقاومة سلمية شعبية تبدأ منذ اليوم ويواكبها حراك واسع لفلسطيني الشتات وخصوصا في أوروبا والأمريكتين.
الفلسطينيون وحدهم بين كل شعوب الأرض اختلفوا وانقسموا على أمور يجب أن تكون محل توافق وطني لأنها بطبيعتها لا تقبل التعارض ،فقد انقسموا حول المقاومة المسلحة وانقسموا حول خيار السلام وانقسموا حول الموقف من الشرعية الدولية وينقسمون اليوم حول المفاوضات.
المحور الرابع :(استحقاق أيلول) :داعم أم بديل للمفاوضات؟
بعد توقف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية رسميا نهاية سبتمبر 2010 انهمك العقل السياسي الفلسطيني الرسمي بالبحث عن مخارج لازمة المفاوضات،ذلك أن حالة ألا مفاوضات وألا مقاومة وفي ظل الانقسام لن تؤدي إلا لمنح فرصة لإسرائيل لتواصل عمليات الاستيطان والتهويد .كان الذهاب للأمم المتحدة احد الخيارات التي طرحها الرئيس أبو مازن في أكتوبر من نفس العام للحفاظ على حيوية القضية سياسيا ولتوظيف حالة الكراهية والرفض من طرف الرأي العام العالمي للسياسة الإسرائيلية ،فكان ما يسمى باستحقاق أيلول وقد أكد الرئيس انه لن يذهب للأمم المتحدة إلا إذا بقيت المفاوضات متوقفة ،ومنذ ذالك التاريخ والرئيس أبوم مازن يقوم حراك دبلوماسي لا يمل ولا يكل استعدادا لأيلول ،ويواكب هذا الحراك تصريحات متوالية من رئيس الوزراء سلام فياض حول استكمال بناء مؤسسات الدولة واستعداد الفلسطينيين لتولي شؤونهم السياسية والاقتصادية في إطار دولة مستقلة.
ما تسمى استحقاقات أيلول القادم لا تؤسَس على أية اتفاقات أو التزامات أو وعود دولية واضحة ومحددة بقدر ما هي ورقة ضغط لتحسين موقف المفاوض الفلسطيني ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خيار التسوية وما ارتبط بها من مؤسسات ومصالح .وبالتالي من المبالغة نعت الذهاب للأمم المتحدة في أيلول بالاستحقاق بمعنى أن الدولة ستكون نتيجة لاتفاقات وقرارات سابقة متفق عليها وحان وقتها.وإن كانت هناك استحقاقات قادمة في أيلول فيجب أن تبنى على الجهد والنضال الفلسطيني أكثر من بنائها على وعود أمريكية وأوروبية .
لا يعني هذا التقليل من أهمية الذهاب لمجلس الأمن وأهمية الاشتغال على الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ،أيضا يجب استثمار ما أُنجِز دوليا سابقا وإن كان هزيلا حتى لا تستغل إسرائيل فراغ غياب الحراك السياسي والدبلوماسي لتحميل الفلسطينيين مسؤولية التهرب من السلام . لقد أكد الرئيس أبو مازن أن مراهنته على استحقاقات أيلول لا تخرج عن التزامه بنهج السلام وبالشرعية الدولية وان ذهابه مباشرة للمنتظم الدولي –مجلس امن وجمعية عامة – هو تغيير في أدوات خيار السلام وليس خروجا عنه وهو تصحيح لمسار مفاوضات استمرت لعقدين من الزمن بدون مرجعية واضحة وبالتالي فاستحقاقات أيلول ليس سوى تحديد لمرجعية المفاوضات وليس بديلا عنها لأن المفاوضات ستعود حتى لو صدر قرار دولي، أو هو جبهة جديدة لمعركة سلام طويلة سيكون أيلول القادم بدايتها وليس نهايتها.أما لماذا أيلول تحديدا؟فهذا ما بينه أكثر من مسئول فلسطيني بالقول إن استحقاق أيلول مبني على ثلاثة مرتكزات :الأول إعلان اوباما العام الماضي عن أمنيته في أن يرى دولة فلسطينية بدا من أيلول القادم 2011 والثاني أن الرباعية أعلنت بعد وقف المفاوضات وفي إطار حثها على عودة المفاوضات أن هذه المفاوضات ستبدأ في أيلول 2010 وتنتهي في أيلول 2011 والثالث أن برنامج الحكومة الثالثة عشر – حكومة فياض- في أيلول 2009 حدد موعد أيلول –سبتمبر موعدا لاستكمال بناء مؤسسات الدولة.
لكن … الذهاب إلى مجلس الأمن أو الجمعية العام لانتزاع اعتراف بدولة فلسطينية اعتمادا على الوعود أو الالتزامات الأمريكية والأوروبية سيكون مراهنة غير مضمونة النتائج فهذه الوعود لا يمكن الركون إليها وقد جربنا وعودا أكثر وضوحا وكانت موثقة ومكتوبة ومع ذلك لم يتم الالتزام بها .السياسة الأمريكية ومواقف أوباما تحديدا خلال العام الماضي وهذا العام بانت عن تراجع وضعف شديد في التزامها بعملية السلام وبموقع الوسيط النزيهة لدرجة استعمالها لحق الفيتو في مجلس الأمن ضد قرار يطالب بإدانة الاستيطان ،كما أن دور الرباعية تراجع بحيث تم اختزالها بالموقف الأمريكي.
لا غرو أيضا أن اللجوء للمنتظم الدولي وجعل الشرعية الدولية مرجعية للعملية السلمية أمر مهم وضروري بل هو تصحيح لخطا بدا منذ أوسلو واستمر حتى اليوم ولكن يجب أن لا ينتابنا وهم مريح بأن اللجوء للشرعية الدولية سيحل المشكلة وستقوم الدولة مباشرة ،هنا نذكر بعشرات قرارات الشرعية الدولية حول فلسطين لم تُطبق حتى اليوم.
حبل الشرعية الدولية طويل ومعركتها لا تقل صعوبة عن المعارك العسكرية ،وبالتالي يجب عدم وضع كل البيض في سلة واحدة ،سلة للشرعية الدولية بل يجب اشتقاق وسائل نضالية مواكبة للعمل الدبلوماسي واهم هذه الوسائل المقاومة الشعبية والمصالحة . إن ما بين الرغبة بالذهاب للشرعية الدولية للاعتراف بالدولة وقيام الدولة ثلاث محطات أو معارك كبرى على الفلسطينيين خوضها والاستعداد لها:
أولا : تمتين الجبهة الداخلية بالمصالحة ذلك أن ذهاب الفلسطينيين للأمم المتحدة في ظل الانقسام سيشكك في كل ما يُقال حول استعداد الفلسطينيين لتحمل مسؤولية قيام دولة ،فكيف سيحكمون أنفسهم بأنفسهم وهم غير قادرين على توحيد أنفسهم في إطار إدارة سلطة حكم ذاتي؟،كما أن عدم سيطرة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير على كل مناطق الدولة الموعودة وعدم تمثيلها لكل الشعب واقعيا سيضعف من مصداقيتهما،وهناك خشية أن يتم تفصيل الدولة القادمة بما يتوافق مع واقع الانقسام الفلسطيني.
ثانيا:صيغة القرار الذي سيُقَدم لمجلس الأمن أو للجمعية العامة وصيغة القرار الذي سيصدر عنه/عنها ،وهل سيكون القرار الصادر متوافقا مع قرار إعلان الدولة في الجزائر من حيث تضمنه لكل قرارات الشرعية الدولية ولحق عودة اللاجئين والقدس عاصمة للدولة؟أم سيتحدث عن دولة تقوم على تفاهمات سابقة تخص اللاجئين والقدس وتبادل الأراضي؟.
ثالثا:ما بعد صدور القرار والذي نخشى ألا يتضمن حق عودة اللاجئين ولن يتضمن اعترافا بالقدس الشرقية عاصمة للدولة،كيف سيتحول لحقيقة ؟هل ستقوم الدولة مباشرة أم ستجرى مفاوضات قد تستغرق سنوات وخلالها ستعود إسرائيل للمماطلة مجددا ،وآنذاك سيكون الفلسطينيون سجلوا على أنفسهم تنازلات موثقة دوليا فيما إسرائيل تستمر بالمماطلة؟.
إلا أن اخطر ما نخشاه أن يتم تبديد الآمال القليلة التي بنيت على العودة للشرعية الدولية وان يتم تبديد الجهود التي بذلت للاعتراف بالدولة الفلسطينية حسب المواصفات الفلسطينية،يتم تبديد كل ذلك بعودة الفلسطينيين مجددا لطاولة المفاوضات نتيجة ضغط أمريكي وتحت عنوان مبادرة جديدة للتسوية أو مؤتمر دولي للسلام،وفي هذه الحالة سيتم الإعلان عن تأجيل عرض القضية الفلسطينية على مجلس الأمن إلى حين رؤية ما ستسفر عنه المفاوضات الجديدة والتي قد تستمر لسنوات.
من باب التفكير والاستدراك وليس من باب التشكيك فإن قلقا ينتابنا من طريقة إدارة ملف استحقاق أيلول ونخشى أن يؤدي سوء إدارة الملف وغياب الرؤية الواضحة للهدف من الذهاب للأمم المتحدة لإفقاد هذا الاستحقاق أهميته وإفقاده قوة الدافعية قبل الوصول للتاريخ المحدد .
حتى يكون أيلول استحقاقا واجبا وحتى لا نصاب بنكسة جديدة ،و لأن استحقاق أيلول يتعلق بقضايا تمس وجود ومصير الشعب الفلسطيني ،ونظرا للتشنج الصهيوني والرفض الأمريكي لهذا التوجه الفلسطيني ،فإن استحقاق أيلول معركة حامية الوطيس يجب الاستعداد لها وحُسن إدارتها.وفي هذا السياق نبدي الملاحظات والتساؤلات التالية:-
1. هل استحقاق أيلول خيار استراتيجي أم ورقة ضغط؟
كثيرا ما نسمع من الرئيس ومن مسئولين في المنظمة انه إذا أوقفت إسرائيل الاستيطان أو اعترفت بدولة فلسطينية أو طرحت أية جهة مبادرة جديدة للتسوية تتضمن وقف الاستيطان فإن المنظمة ستعود للمفاوضات وستتخلى عن استحقاق أيلول !.وفي رأينا أن هذا القول خطير وخطأ من حيث التكتيك السياسي لأنه يُفقد استحقاق أيلول أهميته ويظهره وكأنه مجرد ورقة ضغط لدى المنظمة وليس خيارا استراتيجيا ،هذا الأمر يجعل كثيرا من الدول لا تأخذ مأخذ الجد التهديد الفلسطيني بالذهاب لمجلس الأمن ويجعلها تتردد في اتخاذ موقف من الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
2. حتى الآن من غير الواضح هل ستبحث الجمعية العامة موضوع الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية أم أن مجلس الأمن وبضغط من واشنطن سيقطع الطريق على الجمعية العامة ،وفي حالة صيرورة الموضوع عند الجمعية العامة فهل سيناقَش الموضوع ضمن اجتماع عادي للجمعية وفي هذه الحالة ستصدر الجمعية قرارا أو توصية غير ملزمة تضاف لعشرات التوصيات التي لم تنفذ حول الشأن الفلسطيني كقرار التقسيم 181 لعام 1947 وقرار عودة اللاجئين 194 لعام 1949 ؟ أم ستجتمع الجمعية تحت عنوان (الاتحاد من أجل السلام )؟ وآنذاك يمكن للجمعية إصدار قرارات ملزمة .
3. لا تجتمع الجمعية العامة تحت عنوان (الاتحاد من أجل السلام) إلا إذا كانت هناك حالة او صراع يهدد السلام العالمي،كالسابقة المشهورة في حرب كوريا 1950 ،وعلى هذا الأساس إذا أراد الفلسطينيون قرارا ملزما لإسرائيل وواشنطن يجب خلق ظروف نضالية منذ الآن تدفع العالم للمسارعة لبحث الصراع في الشرق الأوسط خوفا من تداعياته على السلام العالمي ،وفي هذا السياق نقترح تفعيل المقاومة السلمية وانتفاضة حجارة .إن لم يحدث ذلك فلن تنعقد الجمعية العامة لتمنحنا القرار الذي نريد أو ستجتمع لتصدر توصية مبهمة يمكن لكل طرف تفسيرها كما يريد.
4 – في حالة الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن الشروط الفلسطينية يُفترض أن تسقط كل الاتفاقات الموقعة مع الإسرائيليين في إطار اتفاق أوسلو وتوابعه بما في ذلك نهاية سلطة الحكم الذاتي،وفي ذلك يجب على السلطة عدم الخوف من تصريحات ليبرمان وغيره المهددة بإلغاء الاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين، فهذه الاتفاقيات لم تجلب لنا كفلسطينيين إلا المعاناة، .وعليه،يجب على منظمة التحرير والحكومة الجيدة – في حالة تشكلها- الاستعداد لمرحلة ومعركة جديدة ما بعد أيلول مرحلة تجسيد الدولة على الأرض حقيقة كمؤسسات وقوانين وعلاقات خارجية،أو بمعنى آخر الانتقال من الحكم الذاتي للسيادة .
الخلاصة والتوصيات
العمل السياسي وخصوصا في حالة كالحالة الفلسطينية فعل مركب ومعقد ،تكون فيه كل الخيارات مطروحة.ومن هنا فإن المفاوضات والمقاومة وإعادة النظر بوظائف السلطة والذهاب للأمم المتحدة كلها أمور مترابطة وتسير جنبا لجنب،فالعلاقة بين هذه الأمور ليست علاقة تعارض أو أن كل منها بديل للآخر بل علاقة تكاملية.ما يجعل العلاقة تكاملية بما يُمكِن من الاستفادة من كل منها هو وجود إستراتيجية وطنية تنسق وتوفق بينهم.ونؤكد مرة أخرى بان المشكلة لا تكمن في أي من هذه الوسائل النضالية والسياسية بل تكمن في النظام السياسي الفلسطيني وتكمن في أزمة القيادة والمرجعيات لهذا النظام.ما يجري داخل النظام السياسي الفلسطيني من تفاعلات تؤثر سلبا أو إيجابا على الموقف الدولي من القضية الفلسطينية ،فالمنتظم الدولي لا يمنح حقوقا سياسية للشعوب تلقائيا بل يُضطر للاعتراف بحقوق الشعوب التي تناضل دفاعا عن حقوقها ويُضطر للتدخل إذا ما شعر أن السلم والأمن الدوليين مهددان بالخطر.
وفي هذا السياق نقدم التوصيات التالية:
أولا:ضرورة إنجاح المصالحة الفلسطينية ليس كمصالحة بين فتح وحماس بل كمصالحة تعيد بناء المشروع الوطني استراتيجيا.
ثانيا :ضرورة التمسك بخيار السلام والتسوية السلمية وخصوصا في ظل هذه المرحلة التي تشهد متغيرات عربية مفتوحة على كل الاحتمالات.
ثالثا :القول بخيار التسوية السلمية وبالمفاوضات كآلية من آلياتها لا يتعارض مع تفعيل المقاومة الشعبية السلمية سواء على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل أو داخل الضفة والقدس،وخصوصا إن كان هناك إصرار فلسطيني على الذهاب للأمم المتحدة في أيلول.
رابعا:ضرورة تغيير طاقم المفاوضات بإشراك القوى السياسية الأخرى في عملية التفاوض،وبتغيير فلسفة المفاوضات ،فلا يجوز أن يبقى المفاوضون الفلسطينيون من لون سياسي واحد وخصوصا بعد المصالحة،وأن يبقى نفس الفريق الذي فاوض لعشرين عاما وبات صفحة مقروءة للإسرائيليين.
خامسا:يجب الإصرار على الذهاب لمجلس الأمن أو الجمعية العامة سواء لاستصدار قرار ملزم أو اعتراف واضح بدولة فلسطينية مستقلة على كامل الضفة الغربية وعاصمتها القدس الشرقية أو رفع الصفة التمثيلية من مراقب لعضوية كاملة،بغض النظر إن تمت العودة للمفاوضات أم لا.ذلك أن هذا القرار سيشكل مرجعية دولية ملزمة لأية مفاوضات قادمة.
سادسا:ضرورة أن يتضمن أي قرار أو اعتراف بدولة فلسطينية حق عودة اللاجئين الفلسطينيين حتى لا يكون هذا القرار أو التوصية محطة من محطات التنازل بطلبنا ويُسجل علينا، دون ضمانة بتطبيق القرار. وضرورة أن يكون قرارا ملزما وليس مجرد توصية،وجود قرار جديد لا يتضمن ثوابت الإجماع الوطني سيدخلنا في دوامة جديدة وقد توظفه إسرائيل للمطالبة بإلغاء القرارات الدولية السابقة وخصوصا قرار التقسيم رقم 181 وقرار عودة اللاجئين رقم 194.
28/06/2011
Ibrahemibrach1@gmail.com
Ibrahem-ibrach@hotmail.com