1-6-2007
لا يحتاج الأمر لكثير من التفكير للحكم بان المرحلة التي تمر بها القضية لفلسطينية هي من أسوء وأخطر المراحل ليس فقط لتعثر عملية السلام وتعاظم العدوان الإسرائيلي بل أيضا وهو الأخطر، الحرب الداخلية التي جعلت أي حديث عن سلطة وطنية أو حكومة وحدة وطنية فبالأحرى عن دولة مستقلة قولا لا يعبر عن الواقع ،تزامن التهديدين:تهديد الاحتلال وتهديد الاقتتال الداخلي للمشروع الوطني شجع البعض لإعادة طرح مشاريع الوصاية وبالتالي إعادة القضية الوطنية إلى نقطة الصفر، إلى ما قبل ظهور الكيانية والهوية الوطنية الفلسطينية ،محملين الفلسطينيين مسؤولية ذلك.
لقد سبق وان حذرنا من الوصاية، فقبل ثلاث سنوات كتبنا مقالا بعنوان (الانفلات الأمني دعوة للوصاية الخارجية ) وبعدها كتبنا بان خطة شارون للخروج من غزة تضع أسس تسوية جديدة تؤسِس لفصل غزة عن الضفة وتمهد لدولة غزة ثم مقالا بعنوان (حتى لا تُغيب غزة الوطن )وفيه حذرنا من توجه لإقامة إمارة حمساوية في عزة وسلطة حكم ذاتي لفتح في الضفة ،ومقالات عديدة نشرت في جريدة القدس العربية والحقائق وفي صحف محلية وفي مواقع الكترونية بالإضافة لحديثنا عن الموضوع عبر الفضائيات ـبمعنى أننا وغيرنا من المتابعين كما نلمس بأن هناك مخططا أو بديل جهاز للمشروع الوطني، تشارك فيه إسرائيل والولايات المتحدة ودول من المنطقة هدفه الالتفاف على المشروع الوطني وفكرة الدولة الفلسطينية بإعادة الأمور لما كانت عليه الحال فبل 1967 ولكن هذه المرة بأرض اقل وسيادة أقل وكرامة اقل ،وموجات الاقتتال الأخيرة كانت جزءا من المخطط الذي انجرت إليه أطراف فلسطينية داخلية عن تواطؤ أو عن جهل وغباء سياسي ،وربما كانت الرياض على علم بهذا المخطط وبالتالي كان احد أسباب دعوتها للفصائل المتقاتلة للقاء في مكة هو قطع الطريق على هذا المخطط نظرا للعلاقات التنافسية بين الرياض وكل من القاهرة وعمان،بالإضافة بطبيعة الحال لحسابات أخرى إقليمية ودولية. الصمت السعودي على ما يجري من عودة الاقتتال مجددا ووصول لقاء مكة لطريق مسدود ،دون أية محاولة سعودية لدعوة طرفي الصراع الفلسطيني للقاء مجددا في مكة لتدارك الأمر والحفاظ على اتفاق مكة ،يثير أكثر من سؤال ؟.
فهل وعت حركتا فتح وحماس المنزلق الخطير الذي تنزلقان إليه وتنزلق إليه القضية الوطنية ؟ وهل ستُغلبان صوت العقل والحكمة والمصلحة الوطنية على المصالح الحزبية الضيقة وعلى إغراءات الخارج المالية والتي لن تدوم لان هذه الأطراف الخارجية سُتغلب في النهاية مصالحها الوطنية على أية علاقة مع القوى الفلسطينية؟.وهل ستنجح حوارات القاهرة حيث فشلت حوارات مكة؟وهل عودة الاقتتال الداخلية شأن فلسطيني أم هناك أطراف خارجية –ليست إسرائيل فقط- وراء هذا الاقتتال؟ .
تعثر اتفاق مكة قد بعود لعدم معالجة المجتمعين لجذور الخلاف أو الأسباب الإستراتيجية للخلاف وتركيزهم على بند واحد من بنود وثيقة الوفاق الوطني وهو حكومة الوحدة الوطنية ،وحتى هذه بالرغم من أهميتها فقد هيمنت عليها حسابات المحاصصة وتوزيع المغانم أكثر من الاهتمام بالشراكة السياسية الحقيقية أو بوضع برنامج واضح ومتماسك للحكومة،ولكن السبب يعود أيضا بان هناك أطراف خارجية لها امتدادات داخلية تحارب بالوكالة عنها ،أرادت إفشال حكومة الوحدة الوطنية ،وعملية الإفشال في ظل الفقر والحصار وما ينتج عنهما من بطالة للشباب ،لا تحتاج إلا للمال والسلاح وهما العنصران الأكثر انتشارا وحضورا لدى القوى المتقاتلة دون غيرها .
هذا ليس حديثا مشبعا بعقلية المؤامرة كما قد يتراءى للبعض بل حديث في جوهر السياسية، والمؤامرة هي جوهر أية سياسية وخصوصا إن كانت سياسة شرق أوسطية ،ولا داع للتذكير بأكاذيب الولايات المتحدة ومؤامراتها في حرب الخليج واحتلال العراق والمؤامرات التي تحاك ما بين إيران والولايات المتحدة وأطراف أخرى على حساب شعبي العراق وفلسطين ثم لغز (فتح الإسلام) في لبنان في هذا الوقت بالذات الخ .مصير المنطقة بمجملها لا ترسمه واحدده شعوبها ولا أنظمتها بل معادلات ومصالح دولية بمشاركة من نخب محلية ،والمعادلة التي تُهيئ شروطها والتي قد ترضي أطراف متعددة وستكون على حساب المشروع الوطني – الذي أساسه دولة فلسطينية مستقلة في الضفة وغزة وعاصمتها القدس الشريف وحل عادل للاجئين – ستكون كالتالي :
1- إمارة حمساوية في غزة تحت وصاية مصرية مشددة وتعيش على المساعدات الخارجية،وهذا الأمر يحقق مطلبا حمساويا وللإخوان المسلمين حيث سيعتبر تحقيقا لبداية دولة الخلافة الراشدة،و مع هدنة طويلة المدى بين هذه الإمارة وإسرائيل لن تظهر حركة حماس وكأنها فرطت بالقضية الوطنية .
2- سلطة حكم ذاتي فيما تبقى من الضفة الغربية تقوده حركة فتح مع شكل من التقاسم الوظيفي أو وصاية دينية للأردن على الأماكن المقدسة ،وهذا الأمر قد يرضي شريحة كبيرة من قيادة حركة فتح وفصائل منظمة التحرير حيث سيمنحهم مخرجا للزعم بأن مشروعهم السياسي لم يفشل، كما سيكون في هذه السلطة متسعا لإرضاء تطلعات وغرور كل المتطلعين للمناصب والمواقع .
3- إسرائيل ستستفيد لأنها لن تصبح دولة احتلال وفي نفس الوقت لن تعود لحدود 1967 وستكون قد تخلصت من خطر دولة فلسطينية مستقلة.والولايات المتحدة والرباعية بشكل عام ستبارك هكذا خطوات ما دام الأمر سيؤدي لتخفيف التوتر
4- دول الجوار وخصوصا مصر والأردن ستتعاملان مع الموضوع من منطلق أنهما حاولا مساعدة الفلسطينيين ولكن هؤلاء لم يكونوا على قدر حمل مسؤولية قضيتهم الوطنية وبالتالي فإنهم يقبلون هذه المعادلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الحقوق الفلسطينية وبعض الضغوط والإغراءات المالية ستسهل المأمورية عليهم.
5- إيران وسوريا وغيرها من الأطراف المصنفة كدول ممانعة ،قد تسكت على هذه المعادلة او المخطط لأنه سيبقي القضية مفتوحة مما يمد من أجل توظيف القضية في حساباتهم الإقليمية والداخلية.
ومع ذلك لم يحن الوقت بعد اقطع الطريق على ما يحاك من مؤامرات ويمكن تدارك الأمر،ولقاءات القاهرة قد تكون فرصة لذلك .
اليوم حيث تحج وفود من حركتي فتح وحماس وبقية الفصائل للقاهرة بعد أن تبين أن الحج لمكة لم يكن مباركا بالرغم من كل الكلمات التي قيلت آنذاك حول خصوصية وقدسية المكان وبالتالي قدسية ما يتم الاتفاق عليه ،فما الذي يضمن أن تنجح حوارات القاهرة في حل الإشكالات التي لم ينجح لقاء مكة في حلها؟.
ليس تشكيكا بالدور المصري بالرغم من إلحاح السؤال حول التواجد المصري تحديدا في قطاع غزة دون الضفة مثلا ،وعلى كل حال فالفلسطينيون بفشلهم في حل مشاكلهم هم الذين استنجدوا بالمصريين وجعلوا قضيتهم ملف تابع للمخابرات المصرية !وبالرغم من فشل العديد من اتفاقات التهدية الداخلية والتي رعتها مصر سابقا ،وبالرغم أيضا من تداخل التهدئة الداخلية مع التهدئة مع إسرائيل وقدرة مصر على الضغط على الفلسطينيين بل ما هو أكثر من الضغط، وعدم قدرتهم على الضغط على إسرائيل أو انتزاع ضمانات منها مقابل تعهد فلسطيني بوقف إطلاق الصواريخ ،بالرغم من كل ذلك وبعد تعثر لقاء مكة وتأكد فشل الحل الداخلي وعجز الرئيس أبو مازن أن يكون حاكما وحكما وتراجع دور الشرعية الدولية ودور الرباعية ووهم المبادرة العربية للسلام …، ليس أمام المتقاتلين في قطاع غزة إلا العودة لما هو مرسوم ومخطط أي الدور المصري .
إن صدقت نوايا الضيف والمُضيف يفترض الذهاب مباشرة لجوهر الموضوع وجوهر الموضوع ليس الاقتتال الداخلي بل مسبباته ،ومسبباته هي غياب إستراتيجية عمل وطني وعدم الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني والتي سماها الموقعون عليها بوثيقة الشرف ! ولكن هذه نصف الحقيقة أو الجزء الفلسطيني من المشكل والجزء الثاني هو رفض وتهرب إسرائيل من التسوية ومن أية اتفاقات سابقة ،فلو التزمت إسرائيل بالاتفاقات السابقة وطبقت اتفاق أوسلو ولواحقه أو خطة خارطة الطريق ،لقطعت الطريق على حماس وكل من يرفع شعارات المقاومة ولعززت من نهج الرئيس أبو مازن وسلطته، وهنا تكمن صعوبة مهمة الضيف المصري حيث أن نجاحه في فرض شروط على ضيوفه فيما يتعلق بالمهمة المزدوجة – الهدنة الداخلية والهدنة مع إسرائيل – مرتبط بقدرته على نزع ضمانات من إسرائيل مباشرة أو عبر الوسيط الخفي – واشنطن – بان شيئا في نهاية النفق.
اقتصار دور المصريين على وقف الاقتتال الداخلي يعنى هدنة جديدة أو استراحة مقاتلين فقط وبالتالي ديمومة المشكل الفلسطيني الداخلي الذي يعزز الرسالة التي تقول بان الفلسطينيين غير قادرين على حكم أنفسهم بأنفسهم وبالتالي يجب البحث عن بديل ،و والبديل كما سبقت الإشارة تعزيز دعوات الوصاية العربية أو التدخل الدولي ،وفي هذا رسالة سلبية وخطيرة قد تثير أكثر من سؤال حول الدور المصري ،وما نتمناه أن يتم في القاهرة بحث جوهر القضية وهو المشروع الوطني الفلسطيني ، وان يتم البناء على ما تم التوصل إليه في لقاء مكة، بالرغم من تواضعه، وان تكون الرباعية العربية والجهد العربي حاضران في دعم ما يتم الاتفاق عليه ،وفي هذه الحالة لن يكون دور المصريين مجرد دور الوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين بل قوة تضاف للموقف الفلسطيني .