26-5-2006
يبدو أن الدول العربية استمرأت العيش بالمشاكل فيما بين بعضها البعض حتى أنها إن لم تجد مشكلة خلقتها وإن كانت مشكلة صغيرة كبروها وأفسحوا المجال للدول الخارجية المعادية أو المنافسة ،المتصيدة بالماء العكر كما يقول المثل، للتدخل كوسيط أو حليف لهذا الطرف أو ذاك ،وبطبيعة الحال لا تتدخل الدول الأجنبية إلا لمصالح تريد تحقيقها ،وعندما تتدخل هذه الدول لان العرب هيئوا لها فرص التدخل أو ناشدوها بالتدخل، أو تتدخل الأمم المتحدة عندما تصبح القضية محل الإشكال مهددة للسلم العالمي كما يقولون،تنتصب أمامنا نظرية المؤامرة ونقول بان هناك مؤامرة خارجية على الأمة العربية والإسلامية .
فحيث حكم العرب العقل والحكمة تم حل النزاعات العربية الخلافية سلميا ،منها مشاكل حدودية بين الدول الخليجية وبعضها البعض وبين بعضها واليمن مثلا ،وبالنسبة لنزاعات أخرى غابت الحكمة عن القادة وأغلقوا باب الحوار الداخلي أو الحلول داخل البيت العربي مما أفسح المجال لتدويل القضايا الخلافية سواء بالنسبة للنزاعات الداخلية كالسودان والصومال ولبنان أو المشاكل البينية كالمشكلة بين العراق والكويت ،وقد رأينا ما آلت إليه الأمور في هذه البلدان نتيجة التدخل الخارجي الذي أخذ تارة اسم حماية الأقليات وحقوق الإنسان وتارة أخرى حفظ السلم العالمي وحينا اسم حق الشعوب بتقرير مصيرها الخ وفي جميع الحالات كان القانون يتداخل مع المصالح السياسية للدول الكبرى المتحكمة بالنظام الدولي ،ذلك أن القواعد القانونية الدولية حمالة أوجه وهو ما أصبح يسمى بازدواجية المعايير عند تطبيق الشرعية الدولية وخصوصا من طرف الدول العظمى. في ظل عالم متغير وقضايا دولية معاصرة غير معهودة عند وضع قواعد الفانون الدولي العام، تصبح لكل قضية أو مشكلة دولية خصوصيتها وبالتالي مداخل خاصة واستثنائية في المعالجة.
ما يدفعنا للكتابة حول هذا الموضوع هو ما وصلت إليه مشكلة الصحراء بين المغرب من جانب والجزائر وجبهة البوليساريو من جانب آخر.فبداية جرت محاولات لتعريب النزاع ولم تنجح إلا بدخول ليبيا على الموضوع لفترة محددة ثم خروجها منها ،وبعد ذلك جرت محاولة أفرقة القضية حيث وجدت منظمة البوليساريو (الجمهورية الصحراوية) مكانا لها في منظمة الوحدة الإفريقية ،أيضا لحين من الزمن حيث سحبت كثير من الدول الإفريقية اعترافها ،وأخيرا تم تدويل القضية باستلام مجلس الامن لملف القضية وأرسلت وفود أممية متعددة ووضعت تقارير واقتراحات ولكن دون نتيجة،فالتوتر بقي سيد العلاقات المغربية الجزائرية وجموع من الصحراويين استمرت تعاني في مخيمات داخل الجزائر أو على الحدود ،ودول أجنبية وخصوصا فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية توظف هذا الخلاف بين الجارين العربيين المسلمين لابتزاز كليهما وبيعهما مزيدا من السلاح.
لا غرو أن من مهام الأمم المتحدة وخصوصا مجلس الأمن التدخل عندما يصل نزاع ما لدرجة يهدد السلم العالمي ،ولكن في ظل السيطرة الأمريكية على مجلس الأمن تصبح هناك انتقائية في تحديد طبيعة النزاعات المهددة للسلم العالمي وفي توقيت التدخل وفي طبيعة التدخل ،الأمر الذي يؤدي لتداخل القانون الدولي مع المصالح كما ذكرنا،وعليه فإن هذا الاهتمام الدولي بمشكلة الصحراء ما كان أن يكون لولا وقوف قوى خارجية نافذة لا ترغب بان تعرف منطقة المغرب العربي وخصوصا المغرب والجزائر استقرارا يهيئهما للتفرغ للتنمية والبناء الداخلي وخصوصا أن البلدين يتمتعان بكثافة سكانية وثروات طبيعية ومعدنية ونفطية وموقع استراتيجي مما يؤهلهما للعب ادوار قيادية في المنطقة العربية ،وبالفعل لعب البلدان هذا الدور ،فالدبلوماسية الجزائر كانت متميزة في كثير من القضايا العربية والمغرب حقق استقرارا سياسيا ملحوظا بالإضافة لإنجازاته في مجال الانتقال الديمقراطي ودوره المتميز في عهد الملك الحسن الثاني في راب الصدع العربي واحتضان قمم عربية وإسلامية متميزة.
قد يقول قائل إن نزاع الصحراء هو الوحيد من بين نزاعات المنطقة لا علاقة له بنظرية المؤامرة لأنه يدرج في إطار الشرعية الدولية ومبدأ حق تقرير المصير، وما كان أن يتحول لقضية دولية لو لم تحض جبهة البوليساريو باعتراف أنظمة عربية وأفريقية بل ومدهم إياها بالمال والسلاح، لا شك أن هناك شيئا من الحقيقة في هذا القول ولكنها حقيقة نسبية تحتاج إلى توضيح،وقبل الحديث عن الأبعاد القانونية لمشكلة الصحراء من المفيد التطرق لبدايات ظهور المشكلة وتحديد طبيعتها .
من المعروف أن مشكلة الصحراء بدأت منتصف السبعينيات حيث أن قرار اسبانيا الخروج من الصحراء – من المعروف ان المغرب كله كان مستعمرا حيث كانت فرنسا تحتل الوسط والجنوب و اسبانيا تحتل مناطق في جنوب المغرب وأخرى في الشمال وتمت تصفية الاستعمار من هذه المناطق بطريقة متدرجة – تزامن مع وجود علاقات متوترة بين المغرب والجزائر من مخلفات حرب الرمال وخلاف أيديولوجي كإفراز للصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي،وبالتالي وجدت الجزائر في قضية الصحراء وفي وجود جبهة صحراوية تريد ملء الفراغ الناتج عن خروج اسبانيا من منطقة الصحراء، فرصة لتصفية حسابات قديمة مع المغرب وفرصة لإظهار مكانتها إفريقيا ودوليا كنصيرة لحركات التحرر الوطني ،ومما ساعدها على لعب هذا الدور وجود المعسكر الاشتراكي والأنظمة الموالية له في إفريقيا ،فهذه الأخيرة ساندت الطرح الجزائري حول الصحراء دون أن يكون لها أي معرفة بحقيقة القضية ،فالتضامن الأيديولوجي والإغراءات المالية والموقف المسبق من المغرب والذي كان يصنف النظام المغربي كنظام صديق للغرب ومساند للأنظمة العميلة للغرب في إفريقيا الخ، كان وراء الدعم الذي وجدته السياسة الجزائرية وجبهة البوليساريو من دول إفريقية وعربية مما سهل على جبهة البوليساريو اكتساب عضوية منظمة الوحدة الإفريقية ، وانطلاقا منها الوصول إلى المحافل الدولية .
لاشك أن الدبلوماسية المغربية لم تكن موفقة تماما في التعامل مع مشكلة الصحراء دوليا في السنوات الأولى للمشكلة، وهذا على عكس النجاح الذي عرفته القضية وطنيا ،إلا أن وصول النزاع إلى المطالبة بإعمال مبدأ تقرير مصير الصحراء تحت إشراف الأمم المتحدة لا يعود لتقصير الدبلوماسية المغربية فقط بقدر ما يعود لغياب الحكمة وحسن النية لدى الجزائر وخصوصا المؤسسة العسكرية التي رغبت بتوظيف مشكلة الصحراء لحسابات سياسية داخلية وكورقة وأداة ضغط في نزاعها مع المغرب ويعود أيضا لوجود رغبة لأطراف خارجية باستمرارية النزاع كما اشرنا،ولولا ذلك لكان من الممكن أن تُحل المشكلة في حينها بما يرضي كل الأطراف .
أوشكت قضية الصحراء أن تُطوى نهائيا عندما تمكن المغرب من تحويل المنطقة المتنازع عليها من صحراء إلى مدن متحضرة تزخر بالمدارس والمصانع ،لولا الموقف الجزائري المتصلب وتبني قوى نافذة ورسمية في دول أوروبية و الولايات المتحدة الأمريكية للقضية وإثارتها مجددا وتحويلها إلى قضية دولية ، فهذه الدول أمدت البوليساريو بسلاح اخطر بكثير وأقوى من الرشاشات والمدفعية والصواريخ ، لقد أمدته بالشرعية الدولية حيث أعطت لمغاربة يقطنون الصحراء صفة شعب وانطلاقا من ذلك أعطتهم الحق في تقرير مصيرهم .ومن هنا ودون أن يُفهم من كلامنا أننا ضد أن يعيش سكان الصحراء حياة أفضل ،كنا نتمنى على الإخوة سكان الصحراء ألا يكونوا أداة في يد سياسات خارجية وان لا يصدقوا أن هذه القوى الخارجية تتحرك بدوافع إنسانية أو برغبة صادقة في تطبيق الشرعية الدولية ، بل عليهم أن يدركوا أن تبني بعض القوى في الغرب لقضيتهم لا ينفصل عن سياسة أمريكا والغرب في دعم قوى المعارضة العربية والإسلامية من أعراق وأجناس واتجاهات شتى لتوظيفهم لخدمة المصالح الإمبريالية في المنطقة ،كما نتمنى عليهم من كان منهم داخل الوطن المغربي أو من كانوا خارجه ، أن لا ينجروا وراء إغراءات الاستفتاء وتقرير المصير ، لأنه إن ربحت البوليساريو الاستفتاء لا يعني هذا مكسبا للصحراويين ،بل سيكون الرابح لقلة تطمح للسلطة والجاه أما غالبية الصحراويين فستكون أوضاعهم في الدولة الصحراوية الموهومة أسوء بكثير من أوضاعهم في إطار الوطن الأم . أيضا لا يسعنا إلا أن نستغرب ممن يتبنون أطروحة الانفصال ففي طرحهم هذا يسيرون ضد منطق العصر الذي يسير نحو التوحد والتكتلات الكبرى ، بل نستغرب أن تتبنى دول مغاربية أطروحة انفصال الصحراء بينما ترفع شعارات وحدة المغرب العربي ووحدة الأمة العربية .
حق تقرير المصير:تباين التفسيرات وتعدد التطبيقات
من المعلوم أن حق الشعوب في تقرير مصيرها طرح في إطار المنتظم الدولي بداية القرن العشرين حيث ورد في مبادئ الرئيس الأمريكي ويلسون نهاية الحرب العالمية الأولى وكانت مبررات طرحه البحث عن وسيلة للتعامل مع الأمم التي كانت خاضعة للإمبراطوريات المتواجدة آنذاك وخصوصا الإمبراطورية العثمانية ،ثم تبنته الأمم المتحدة في ميثاقها ووردت الإشارة إليه بصيغة عامة ، وتم الربط ما بين حق تقرير المصير وتصفية الاستعمار وصدر بهذا الشأن قرارات متعددة منها قرارات تخص الشعب الفلسطيني،ولم يكن هناك إشكال في الاستناد لهذا الحق لتمارس الشعوب الخاضعة للاستعمار النضال بكافة أشكاله لنيل استقلالها وخصوصا أن العلاقة الاستعمارية بين الدول الأسيوية والإفريقية الخاضعة للاستعمار والدول المستعمُرة كانت جلية ،فالدول الخاضعة لاستعمار كان لها مِن التمايز العرقي أو الديني ومِن التاريخ الخاص بها ما يعطيها الحق بان تقرر مصيرها بنفسها، ،بمعنى أن تقرير المصير يعني حرية اختيار الشعب /الأمة لأسلوب حياته وكيفية تجسيد ،وهذا المعنى هو الذي تأكد في سنة 1966 حيث صدرت عدة برتوكولات حول الحقوق السياسية الاجتماعية والاقتصادية وفيها تم توسيع مفهوم حق تقرير المصير ليصبح حق الشعوب بتقرير مصيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون ربط الموضوع بالاستعمار بمفهومه الكلاسيكي .
إن المتتبع للممارسة الواقعية لهذا الحق عبر تاريخه سيلاحظ:-
أولا : إن هذا الحق منح بداية للأمم أو الشعوب بمعنى الجماعات القومية التي أُجبرت على الخضوع لقوميات أخرى في مرحلة المد الاستعماري وترفض الخضوع وترغب بالحفاظ على هويتها وشخصيتها الوطنية أو استعادة استقلال كانت تتمتع به قبل أن تقع تحت الاحتلال.
ثانيا:لا يوجد ما يؤكد بان حق تقرير المصير يعني الاستقلال أو الانفصال ،وفي جميع الحالات التي طبق فيها لا يوجد تطابق في الحالات بل كان يعود لكل امة اختيار نمط حياتها ومعيشتها وطريقة حكم نفسها بنفسها،فهناك شعوب اختارت الاستقلال التام وجماعات أخرى وجدت بالحكم الذاتي ضالتها ،بينما جماعات أخرى فضلت البقاء تحت سيادة الدولة المسيطرة، ولنا بما حدث في ايرلندا الشمالية أخيرا نموذجا حيث اتفق الطرفان المتصارعان على تقاسم السلطة تحت التاج البريطاني.
ثالثا: ينقسم حق تقرير المصير إلى داخلي وخارجي ،والخارجي هو ما اشرنا إليه من حق الشعوب الخاضعة للاستعمار الأجنبي تقرير مصيرها والذي قد يأخذ شكل الاستقلال التام ،أما الداخلي فهو حق الجماعات المتمايزة ثقافيا داخل البلد الواحد تقرير مصيرها في نطاق الدولة فحق تقرير المصير الداخلي لا يتضمن حق الانفصال عن إقليم الدولة،لأن الانفصال يتعارض مع مبدأ أساسي في القانون الدولي وهو الوحدة الترابية والسيادة. فإعمال هذا المبدأ على أية جماعة تطالب بتقرير مصيرها يعني إحداث حالة من الفوضى وعدم الاستقرار الدولي وخصوصا أن غالبية دول العالم تعرف حالة من التعايش المشترك بين جماعات دينية أو أثنية مختلفة.
رابعا:مبادئ القانون الدولي العام بما فيها حق تقرير المصير تتكيف مع المتغيرات الدولية بما لا يمس مع الجوهر بطبيعة الحال ،مثلا مفاهيم السيادة والاستقلال والقانون الاقتصادي الدولي وحقوق الإنسان الخ ،تُفهم وتطبق اليوم في ظل العولمة وتطور تقنيات الاتصال وتطور الاقتصاد الدولي بطريقة مغايرة لما كانت عليه منتصف القرن العشرين.
خامسا:حتى بالنسبة للحالة الفلسطينية ،فمع أن القضية الفلسطينية من اعدل القضايا وقد صدرن عشرات القرارات الدولية المساندة للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره ،فقد عجز المنتظم الدولي عن إجبار إسرائيل على التعامل مع هذا الحق بما يعني دولة مستقلة ذات سيادة على كامل التراب الفلسطيني ،بل حتى على مستوى الضفة والقطاع هناك صعوبات تواجه الاستقلال الفلسطيني في هذه المناطق . وقد سبق لمنظمة التحرير أن طرحت عام 1971 هدف الدولة الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني يتعايش فيها المسلم واليهودي والمسيحي ،بمعنى أن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والمواطنة قد تكون حلا وتطبيقا لمبدأ تقرير المصير . ليس ذلك فحسب بل مع تعثر مسيرة التسوية اليوم على قاعدة دولتين تجدد الحديث عن دولة واحدة لقوميتين أو دولة كل مواطنيها على أساس الحقوق المتساوية للجميع.
وعليه يمكن القول بأن حق تقرير المصير وجد كمبدأ ليمنح حرية الاختيار للشعب الذي يشكل أمة متميزة ويَخضع بالقهر لأمة أخرى ، أما القول بان هناك شعبا صحراويا مُحتلة أرضه من حقه أن يقرر مصيره بغض النظر عن حسابات ومواقف الدول المجاورة، فهو قول تعوزه الدقة ،فلا يوجد شعب صحراوي بالمفهوم القانوني لكلمة شعب حتى يمكن أن نقول إن من حقه تقرير مصيره ، إن ما يوجد هم مغاربة يسكنون الصحراء كما يوجد جزائريون يسكنون الصحراء أو سعوديون أو أمريكيون الخ ، فلا يعقل إذن أن نعطي لكل من سكنوا الصحراء أن يقرروا مصيرهم و يؤسسوا دولة خاصة بهم وإلا لتطلب الأمر إعادة النظر في الخريطة السياسية لكل دول العالم بحيث يعاد تأسيسها مناخيا وتضاريسيا لأنه لا تخلو دولة من سكان يقطنون الصحراء أو يسكنون الجبال أو السهول ،وإذا ما منح الحق لسكان الصحراء بتأسيس دولة فما الذي يمنع من أن يمنح نفس الحق لسكان الجبال وسكان السهول !.حتى أن جبهة البوليساريو لم تجد أي خصوصية تميز ما تسميه الشعب الصحراوي لتنسب إليها دولتها المنشودة فسمتها الجمهورية الصحراوية.
إن إعمال حق تقرير المصير في المنطقة العربية وداخل كل بلد عربي دون روية سيكون له أبعاد خطيرة ليس لأنه يتناقض مع الفكر القومي الوحدوي والسعي للوحدة العربية و المغاربية ،بل لان إعماله من طرف دول المنطقة وفي إطار المناكفات السياسية سيؤدي لانقلاب السحر على الساحر ،سينقلب على هذا الدول نفسها ،لأنه سيشجع بعض الجماعات العرقية أو الدينية وبدعم خارجي على المطالبة بحق تقرير المصير ضد وحدة هذه الدول،ولا داع للتذكير بطبيعة البنية الثقافية الطائفية والعرقية لغالب الدول العربية ،ولا داع للتذكير بالمخططات الاستعمارية الموضوعة لبلقنة دول المنطقة بتفتيتها لدويلات بعدد ما بكل دولة من طوائف دينية وأقليات عرقية .
إن ما ندافع عنه هو وحدة شعوب الأمة العربية والإسلامية التي يهددها خطر الاستعمال المشوه والمشبوه لمبادئ في القانون الدولي أو قرارات ل(الشرعية الدولية)، كالتدخل باسم حماية حقوق الإنسان أو باسم حماية الأقليات أو باسم حق تقرير المصير أو إعمال مبدأ الاستفتاء في غير محله. وفي هذا السياق كان يمكن لجبهة البوليساريو أن تجد تفهما اكبر لو أخذت شكل حركة سياسية مغربية تناضل من اجل تحسين أوضاع المغاربة سكان الصحراء ومساواتهم ببقية سكان المغرب ، بل سيكون موقفهم مفهوما ومقبولا نسبيا لو قالوا إنهم يناضلون من اجل تغيير نظام الحكم ،إلا أن ما لا يقبل هو تجزئة الوطن تحت أي ذريعة كانت .
وأخيرا وبعد أكثر من ثلاث عقود من النزاع الذي استنزف كثيرا من موارد البلدين وحال دون أي تقارب جاد بين البلدين الجارين بل كان سببا في تعثر اتحاد المغرب العربي،وبعد سنوات من المساعي الدولية مع جيمس بيكر واقتراحاته المتعددة والتي تركزت حول إجراء استفتاء والتي وصلت لطريق مسدود ، تبنى مجلس الأمن القرار رقم 1754 بتاريخ 30 /4/2007 والذي يدعوا الطرفين للدخول في مفاوضات جادة للتوصل لحل عادل على أساس الشرعية الدولية وحق تقرير المصير ،وقد أشار قرار مجلس الأمن للمبادرة المغربية التي قدمت له يوم 11 /4/2007 أي قبل ايام من صدور القرار ،مما يعني ان مجلس الأمن وجد في المبادرة المغربية ما يلبي المتطلبات الدولية لحل النزاع وخصوصا الأخذ بمبدأ الحكم الذاتي للمناطق الصحراوية كأحد تطبيقات حق تقرير المصير كأساس للتسوية .
ونعتقد أن المبادرة المغربية وضعت الأساس الذي يمكن أن ينهي النزاع ،ومن يدقق بهذه المبادرة سيجد أنها تلبي تطلعات أي جماعة تريد أن يُعترف لها بخصوصية ،بل وصل الأمر أن منحت المبادرة لسكان الصحراء وفي إطار الحكم الذاتي الموسع الممنوح أن يشكلوا حكومة محلية ويكون لهم وزير أول وبرلمان وجهاز قضائي .ونتمنى أن تُحكم الأطراف الثلاثة للنزاع صوت العقل ويتفرغوا لبناء مجتمعاتهم وان يأخذوا العبرة مما يجري في دول شقيقة سمحت للدول الخارجية أن تتدخل لحسم مشاكلها الداخلية أو مع جيرانها وكان ما يدمي القلب من تدمير لوحدة واستقلال هذه الدول واستنزاف لخيراتها .
د/ابراهيم ابراش