29-8-2008
تساؤلات كثيرة أصبحت تطرح أخيرا حول العلاقة ما بين حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية و المشروع الوطني من جهة وحكومة تسيير الأعمال برئاسة وسلام فياض من جهة أخرى. فخلال اجتماعات المجلس الثوري في دورته الأخيرة(الدورة 35) ،تركز النقاش على قضايا مصيرية وجوهرية وعكس النقاش عمق الإحساس بخطورة الحالة الفلسطينية،وكانت أهم القضايا محل النقاش واقع ومصير المفاوضات مع الإسرائيليين والحالة في غزة و العلاقة ما بين تدهور المشروع الوطني ومشروع التسوية والسلطة من جانب،،وحالة الانقسام في الصف الفلسطيني وتراجع حركة فتح وتعمق أزمتها الداخلية من جانب ثان . ولكن بالإضافة لذلك كان للحكومة الفلسطينية نصيب كبير من النقاش.
اخذ النقاش موضوع الحكومة اتجاهات شتى وإن كانت التيار الأقوى صوتا هو الذي يطالب بتغيير الحكومة ويريد أن تتحول لحكومة وحدة وطنية أو حكومة المشروع الوطني بإشراك فصائل منظمة التحرير بقيادة حركة فتح،فإن أصوات أخرى فضلت الاستمرار بالابتعاد عن المشاركة لتبقى حركة فتح بعيدة عن حكومة تدفع استحقاقات مؤلمة وطنيا ولا يريدون أن تحسب على فتح ،أو لأن فتح لم تستنهض قواها بعد وما زالت غارقة في مشاكلها وقد تؤدي مشاركتها بالحكومة لمزيد من التأزم،هذا بالإضافة إلى أن أي تغيير للحكومة في ظل حالة الانقسام قد يفسر بأنه إضفاء للشرعية على حالة فصل غزة والضفة.
في حقيقة الأمر فإن وجود حركة فتح وبقية القوى السياسية الفلسطينية خارج الحكومة يطرح إشكالات عميقة حول مستقبل المشروع الوطني،ذلك أنه لا يمكن الحديث عن المشروع الوطني خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية وخصوصا حركة فتح، فتاريخيا ووطنيا ارتبطت فكرة الوطن والمشروع الوطني ما بعد النكبة بحركة التحرر الوطني الفلسطيني (فتح)،
وعندما قامت منظمة التحرير بقرار عربي، لم تكن تحمل أو تعبر عن مشروع وطني ولم تصبح كذلك إلا بعد 1968 عندما أصبحت حركة فتح تسيطر على المنظمة وقائدة لها ،وأصبح مشروع حركة فتح الوطني هو مشروع منظمة التحرير الفلسطينية.
لم تكن هذه السيطرة لحركة فتح على منظمة التحرير وقيادة العمل الوطني بسبب تفوقها العسكري بل بسبب الفكرة الوطنية التي حملتها الحركة ولم توجد واضحة ومتبلورة عند أي تنظيم فلسطيني آخر،فحركة فتح كانت الرائدة في طرح فكرة استنهاض الشعب الفلسطيني وتنظيمه ،وهي صاحبة فكرة الهوية الوطنية والكيانية السياسية ،ولها يعود الفضل في تحويل القضية من قضية لاجئين إلى قضية سياسية الخ.
خلال أربعة عقود تقريبا حصل التداخل ما بين حركة فتح ومنظمة التحرير والمشروع الوطني ،فإن كانت حركة فتح هي صاحبة الفكرة الوطنية والمشروع الوطني فإن منظمة التحرير هي التي شكلت لحركة فتح الإطار الرسمي الوطني والعربي والدولي وخصوصا بعد 1974 ،فالفكرة الوطنية للحركة تم إعادة صياغتها داخل منظمة التحرير وبمشاركة أحزاب وقوى وقيادات العمل الوطني ، والاعتراف العربي والدولي الرسمي كان بمنظمة التحرير الفلسطينية.
هذا الانسجام أو التوحد ما بين حركة فتح والمشروع الوطني ومنظمة التحرير كان يتعرض لاهتزازات وأحيانا لانشقاقات ما بين فترة وأخرى ومع ذلك بقي المشروع الوطني ومن خلال ركيزتيه:منظمة التحرير وحركة فتح محل قبول غالبية الشعب الفلسطيني. قيام السلطة الوطنية عام 1994 و وجود حركة فتح على رأسها كشف حالة من التباعد ما بين حركة فتح التي هيمنت عليها السلطة أو شغلتها السلطة من جانب، والمشروع الوطني ومنظمة التحرير من جانب آخر،فقد استقوت حركة فتح بالسلطة على منظمة التحرير،وفما بعد أصبحت حكومة السلطة تتجاوز منظمة التحرير وحركة فتح معا وبالتالي لم تعد تحمل أو تمثل المشروع الوطني.
ليس من باب التقليل من شأن القوى السياسية الأخرى سواء فصائل منظمة التحرير أو الجهاد الإسلامي وحركة حماس، فإن حركة فتح بما تحمله من فكر وطني وسطي وامتداد شعبي وعلاقات دولية واسعة ورصيد تاريخي، ما زالت هي الأقدر على قيادة المشروع الوطني وإخراج النظام السياسي من أزمته.فلسنوات لم تنجح فصائل منظمة التحرير الأخرى في الخروج من أزماتها الأيديولوجية أو تطور فكرها ومناهج عملها ،أما حركة حماس التي نالت شعبية واسعة خلال سني الانتفاضة وفازت بانتخابات شرعية ونزيهة وراهن عليها قطاع واسع من الشعب أن تُخرج النظام السياسي من أزمته، فقد أثبت الواقع أنها غير مؤهلة لحمل وحماية المشروع الوطني لان مشروعها الديني لا يتوافق مع المشروع الوطني،وهي لم تبذل جهدا في توطين الإسلام السياسي بمعنى أن تجعل مشروعها الديني جزءا من المشروع الوطني ،وحيث أنها لا تحمل مشروعا وطنيا فلم يسعفها فوزها بالانتخابات في قيادة العمل الوطني،وبان عجزها عن قيادة المشروع الوطني بعد الانتخابات التشريعية وتعمق بعد انقلاب يونيو،الذي كشف أن مشكلتها ليست فقط كما تقول مع الإسرائيليين و مع حركة فتح بل أيضا مع المحيط الرسمي العربي والدولي ومع كل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.
.إن حركة سياسية لا تعترف بشرعية وتمثيلية منظمة التحرير الفلسطينية وما أنتجت من علاقات دولية ولا تعترف بالشرعية العربية وبالشرعية الدولية ،لا يمكنها أن تؤسِس في ظل الواقع الدولي والإقليمي الراهن وفي ظل الجغرافيا السياسية لفلسطين ،دولة وطنية مستقلة في الضفة وغزة، يعترف بها العالم،لأن المشروع الوطني الفلسطيني اليوم هو نتاج للواقعية السياسية ومرتهن لتوازنات واشتراطات الشرعية الدولية والعربية وموازين القوى في المنطقة،أو بشكل آخر إنه مشروع (الممكن السياسي) وليس مشروع (ما يجب أن يكون) انطلاقا من تصوراتنا عن الحقوق التاريخية.
المطالبة بتشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة المشروع الوطني ،ليس تشكيكا أو طعنا بحكومة تسيير الأعمال ولكن المرحلة أصبح تتطلب أكثر من مجرد تسيير الأعمال والاكتفاء بحكومة توفير القوت لجموع بشرية، بقاء حركة فتح وبقية فصائل منظمة التحرير خارج السلطة أضعف الطرفين بحيث بتنا أمام حكومة بدون مشروع وطني وأمام مشروع وطني بدون سلطة وقرار،مع كل التقدير لجهود الرئيس محمود عباس للتوفيق بين الطرفين.
ندرك جيدا الحالة المأزومة لمنظمة التحرير والأوضاع الصعبة التي تمر بها حركة فتح (الجهود التي بذلتها إسرائيل لتدمير حركة فتح من الداخل أكثر بكثير مما بذلته لإضعاف القوى السياسية الأخرى)ـولكننا نستبشر بنجاح الجهود المبذولة لاستنهاض الحركة سواء من جهة البرنامج السياسي الواضح أو من جهة التخلص من تركة ثقيلة من الفساد والمفسدين، لتقوم بدورها الوطني، كما ندرك بأن بعض الأشخاص المطالبين بالمشاركة بالحكومة لا يعنيهم قرب أو بعد الحكومة الحالية عن المشروع الوطني أو رغبتهم بتحويل الحكومة لحكومة حركة تحرير تعيد الاعتبار للثوابت والهوية الوطنية،بقدر ما يريدون كرسي السلطة وامتيازاتها عندما عجزوا أن يثبتوا حضورهم الوطني أو ينالوا احترام الناس بعدما فقدوا السلطة،
ومع ذلك لا خلاص للقضية الفلسطينية ولا مخرج من الوضع المأزوم بغزة والضفة،إلا بتشكيل حكومة المشروع الوطني ،حكومة تضع جميع القوى السياسية بما في ذلك حركة حماس والجهاد الإسلامي أمام مسؤولياتها الوطنية.