مقدمة
تستحضر أزمة المشروع الوطني والحديث عن إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية حقيقة تاريخية وهي أن المشروع الوطني الحديث منذ بداياته الأولى مع منظمة التحرير عام 1964 لم يكن مشروعا وطنيا خالصا ولم يكن ميثاق المنظمة برنامجا وطنيا خالصا،فدوما كانت المحددات الخارجية العربية والإقليمية والدولية حاضرة في تأسيس وتطور النظام السياسي الفلسطيني . هذا الاستحضار للتاريخ مفيد ونحن بصدد التفكير بإعادة بناء وتفعيل المشروع الوطني من خلال عنوانه الرئيس منظمة التحرير، فسقوط أنظمة ودول عربية وإقليمية وصعود أخرى ،وانهيار نظام دولي وصعود آخر ،كل ذلك لا يغير من حقيقة قوة تأثير المحددات الخارجية في القضية الفلسطينية وفي الخيارات الكبرى للشعب والقيادة . إن قوة تأثير العوامل الخارجية في النظام السياسي الفلسطيني نلاحظها اليوم من خلال ارتهان المصالحة بالحالة العربية والإقليمية،فالفلسطينيون عجزوا عن تحقيق المصالحة اعتمادا على الذات،وهكذا تنقل ملف المصالحة من السودان إلى اليمن إلى مكة ثم القاهرة فالدوحة ،حتى السينغال حاولت لعب دور في عملية المصالحة. كما أن الانجازات التي تم تحقيقها من خلال مواجهة العدوان على غزة والتصويت لصالح فلسطين في الأمم المتحدة لم يتولد عنها دينامكية ذاتية لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من تفاهمات المصالحة،وينتظر أطراف المصالحة تطور الأوضاع في مصر ليعودوا إلى طاولة الحوار،ولا ندري هل ستصبح المصالحة في حكم المؤجل ما استمرت الأوضاع غير مستقرة في مصر ؟ وما هو الحال إن تدهورت الأمور أكثر في مصر ؟. وفي نفس السياق فإن التصويت لصالح الاعتراف بفلسطين دولة مراقب سيغير من أولويات القيادة والشعب خصوصا أولوية إعادة بناء منظمة التحرير، لصالح أولوية تجسيد مؤسسات الدولة .وكما سنوضح لاحقا فإن القرار ألأممي وبالرغم من عدم الزاميته إلا أنه سيجعل مركز ثقل الاهتمام والعمل السياسي متجها نحو الدولة وليس منظمة التحرير. الجزء الأول البيئة التمكينية والفرص المتاحة لإعادة بناء المنظمة كمدخل للمصالحة نتائج العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منتصف نوفمبر 2012 الذي توج بصفقة تهدئة بين حركة حماس وإسرائيل واعتبرتها حركة حماس نصرا لها ولنهج المقاومة،ثم التصويت لصالح قرار فلسطيني يمنح فلسطين صفة دولة مراقب وهو ما اعتبرته منظمة التحرير نصرا لنهجها السياسي السلمي،كلا الحدثين استنهضا حالة شعبية وحدوية حتى وإن كانت عاطفية، قد تشكل حالة ضغط على النخب السياسية تدفعها لتحريك ملف المصالحة ،وخصوصا أن مباركة حركة حماس خطوة الرئيس بالذهاب إلى الأمم المتحدة لها دلالة سياسية حيث تضمر اعترافا من حماس بهدف الدولة في قطاع غزة والضفة،كما أن صفقة التهدئة التي وقعتها حماس بوساطة مصرية تتضمن رسائل سياسية وخصوصا فيما يتعلق بوقف ( الأعمال العدائية) بين الطرفين – غزة وإسرائيل- حيث تضمر وقف المقاومة أو الأعمال المسلحة وهذا احد مطالب أو شروط الرباعية للاعتراف بحركة حماس. وهكذا إن كانت كلا الخطوتين من حماس تؤشران إلى تجسير الفجوة في المواقف بين منظمة التحرير وحركة حماس إلا أن تضخيم حركة حماس للنصر العسكري الذي حققته من خلال أطلاق الصواريخ على مدن إسرائيلية ثم بنود صفقة الهدنة تتضمنان أيضا عناصر قد تدفع نحو مزيد من تكريس الانقسام الجيوسياسي بين غزة والضفة ،وهو الأمر الذي يثير تخوفات من معادلة جديدة ستترتب عن صفقة الهدنة ستعيد ترتيب علاقة قطاع غزة بمصر وإسرائيل والضفة الغربية . في الجهة الأخرى، فإن (نصر) الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة هو حصيلة دبلوماسية الرئيس أبو مازن وكذلك حصيلة التعاطف الدولي مع معاناة أهل غزة وصمودهم في مواجهة الممارسات العدوانية الإسرائيلية ،وهي أمور وظفها الرئيس أبو مازن في خطابه قُبيل التصويت على القرار. النصر السياسي في الأمم المتحدة سيفرض تحديات على منظمة التحرير ومجمل النظام السياسي ،فإن كان عزز من موقف الرئيس أبو مازن ومن خيار السلام الذي يؤمن به إلا أنه سيؤدي تدريجيا إلى تهميش دور المنظمة بحيث ستصبح (الدولة) مرجعية للفلسطينيين كما أن دول العالم ستنحو نحو مزيد من التعامل مع مؤسسات الدولة كممثل للشعب بدلا من منظمة التحرير. بالإضافة إلى ما سبق فإن الاعتراف بفلسطين دولة مراقب سيطرح إشكالات قانونية وسياسية ذات صلة بمكانة منظمة التحرير ودورها المستقبلي وعلاقتها بالدولة من جانب وبالسلطة من جانب آخر . هذه المستجدات ستضاف إلى الإشكالات القديمة حول التمثيل والمرجعيات الفلسطينية،الأمر الذي يجعل كل محاولة للتصدي لمعالجة أزمة التمثيل الفلسطيني تصطدم بما هو أكبر من مجرد الاختلاف على آلية الانتخابات أو النسب التمثيلية . الموضوع ليس مجرد إحلال حزب محل حزب على رأس سلم القيادة والتوجيه ،فإشكاليات التمثيل القديمة والجديدة نتاج لأزمة أكبر وأعمق تعكس حالة ألا يقين عند الفلسطينيين حول حقوقهم المشروعة وقدرتهم على تحقيقها ،أزمة لها علاقة بمفهوم المشروع الوطني من حيث أيديولوجيته و أهدافه وأدوات تنفيذه ،فالصراع على التمثيل اليوم يعكس صراعا وجدانيا وأيديولوجيا بالإضافة إلى الخلافات السياسية ،ثم جاء الانقسام ليضيف صراعا حول السلطة ومغانمها ،كما أنه ذو صلة بالمتغيرات الإقليمية والدولية ،فتاريخيا كان المشروع الوطني محصلة توازن هش بين القدرات الذاتية الفلسطينية والرغبة باستقلالية القرار الوطني من جانب ومشاريع وأجندة دول الجوار من جانب آخر . إن كان يجوز لنا القول بأن الاختلاف على الأهداف ووسائل تحقيقها أمر محايث للحركة الوطنية الفلسطينية منذ سنواتها الأولى ،حيث لم تستقر منظمة التحرير على أهدافها وإستراتيجية تحقيقها سوى سنوات قلائل – 1964- 1971- إلا أن اختلافات تلك الحقبة كانت في بيئة عربية ودولية تسمح بشكل من التعايش بين القوى المختلفة داخل منظمة التحرير،كما أن عدم وجود سلطة ومغانم سلطة كان يحد من إمكانية تصعيد الخلافات إلى درجة الاقتتال الدموي. قبل الشروع في إبداء المقترحات والتصورات حول إعادة بناء التمثيل الفلسطيني في إطار إنجاز هدف المصالحة ،فإن حالة من الشك تنتابنا حول مصداقية حركة حماس بالمشاركة في منظمة التحرير الفلسطينية للسببين التاليين :- الأول : عقائدي مبدأي. فحركة حماس كجماعة إسلام سياسي تقول بأنها امتداد لجماعة الإخوان المسلمين لا تقبل أن تندمج أو تشارك في جماعة سياسية واحدة أو إطار واحد مع أحزاب وقوى علمانية وليبرالية ،وهذا شان ليس خاص بحركة حماس بل يخص كل جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي والإسلامي حيث هناك قوى إسلامية في جانب وقوى ليبرالية وقومية وعلمانية في الجانب الآخر،وما يجري في مصر وتونس نموذجا لذلك .وقد يجري مع وضع الميثاق الوطني ما يجري في مصر حول وضع الدستور. الثاني : الخوف من الاستحقاقات السياسية للمشاركة في النظام السياسي . حركة حماس لا ترفض الانتخابات وخصوصا التشريعية خوفا من الهزيمة فقط بل ومن النصر أيضا ،فهزيمتها قد تفقدها السلطة في غزة وبالتالي يهدد المشروع الإسلامي الذي تمثله ، و لكن فوزها في الانتخابات سيفرض عليها شراكة سياسية مع قوى ليبرالية وعلمانية من الصعب التوصل إلى قواسم مشتركة بينهم،كما أن فوزهم في الانتخابات التشريعية سيفرض عليهم تحمل مسؤولية السلطة والحكومة في كل مناطق السلطة وبالتالي مواجهة شروط إسرائيل والرباعية ،وحركة حماس تعرف انه إن كان مسموح لها بتملك السلطة في غزة لأن إسرائيل لا تريد حكم غزة ،فأنه غير مسموح لها بالحكم في الضفة لأن إسرائيل تريد الضفة لنفسها . الجزء الثاني وفي حالة تعثر إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني كما نصت على ذلك وثيقة المصالحة وفي حالة إقرار الميثاق من خلال الاستفتاء – بأغلبية الثلثين- يصبح المجلس التأسيسي أو الإطار القيادي المؤقت الموسع بمثابة المجلس الوطني الفلسطيني الجديد. |