أ-د/ إبراهيم أبراش
المشروع الأمريكي لإدانة حماس
(انتهاك للشرعية الدولية ولحق المقاومة)
في نفس اليوم الذي كان فيه العالم ومن خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة يحتفل باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ومع حقوقه غير القابلة للتصرف ومنها الحق بمقاومة الاحتلال كانت واشنطن تُعد مشروع قرار لإدانة حركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى لأنها تقاوم الاحتلال الصهيوني بالممكن والمتاح من وسائل قتالية حتى البسيطة منها كالطائرات الورقية ، فهل ستناقض الأمم المتحدة نفسها وتنقلب على قراراتها السابقة ؟.
هذا التصرف الأمريكي استفزاز للمنتظم الدولي وللأمم المتحدة وميثاقها وقراراتها التي أكدت في أكثر من مناسبة وعلى مدار عقود على حق الشعوب في الدفاع عن نفسها بل هناك قرارات صادرة عن الأمم المتحدة تؤكد على حق الشعب الفلسطيني بممارسة الكفاح بكل الوسائل حتى العسكرية منها من أجل نيل حريته واستقلاله ، وخصوصا أن تل أبيب وواشنطن رفضا الانصياع لمنطق وتفاهمات الحل السلمي للصراع .
لأن قرارات الأمم المتحدة لا تسقط بالتقادم ، ولأن العالم حتى اليوم يعتمد إلى حد ما على ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها كمرجعية لضبط وتنظيم العلاقات الدولية ولحفاظ الدول والشعوب على سيادتها والدفاع عن نفسها ، ولأن إسرائيل نفسها تلجأ لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها لتبرير عدوانها على الفلسطينيين ودول الجوار بذريعة حقها بالدفاع عن نفسها ، كما أن واشنطن تتسلح بقرارات دولية أو تزعم دفاعها عن الشرعية الدولية عندما تحتل دول كأفغانستان والعراق أو تتدخل في شؤون أخرى كسوريا وليبيا والصومال وكوبا وفنزويلا وهاييتي … لكل ذلك فإن من حق الشعب الفلسطيني الدفاع عن نفسه في مواجهة عدوان وإرهاب إسرائيل كدولة احتلال .
الاحتلال الإسرائيلي ليس حالة افتراضية أو موضوع محل جدل ونقاش بل واقع وحقيقة تقر بها الشرعية الدولية وكل دول العالم ما عدا إسرائيل نفسها والولايات المتحدة ، إنه واقع يتجسد بالاحتلال والاستيطان والعدوان العسكري والحصار و الممارسات العنصرية ومنع اللاجئين من العودة لمدنهم وقرارهم كما نص على ذلك القرار الأممي 194 ، كما أن حق المقاومة والدفاع عن النفس تدعمه قرارات صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وكذلك اتفاقيات جنيف ولاهاي المتتابعة الخاصة بقوانين الحرب وبالشعوب الخاضعة للاستعمار بالإضافة إلى كل الشرائع الدينية والوضعية الوطنية ، وقد تطرقنا في المقال السابق لبعض هذه القرارات .
إن كون منظمة التحرير قبلت التعامل مع عملية التسوية السياسية التي على أساسها أوقفت العمل المسلح ضد إسرائيل بشكل متدرج منذ إعلان القاهرة 1985 إلى نصوص اتفاقية أوسلو والتنسيق الأمني لا يعني اسقاط الحق بالمقاومة ، وهناك فرق بين حق المقاومة وممارسة المقاومة ، فالتغيير مس ممارسة المقاومة ووقفها لحين من الوقت لإعطاء فرصة لعملية السلام ، وحيث إن هذه الأخيرة فشلت بسبب الرفض الإسرائيلي والأمريكي للسلام العادل وتهربهما من الاتفاقات الموقعة فإن من حق الشعب الفلسطيني العودة لممارسة حقه بمقاومة الاحتلال بما هو ممكن ومتاح من أدوات النضال وهو حق لا تستطيع أية اتفاقات أو دول وحكومات أن تسقطه ما دام الاحتلال قائما ، وإسرائيل كيان استعماري يحتل كل فلسطين . وقد رأينا كيف عاد الراحل أبو عمار لممارسة المقاومة بعد فشل لقاء كامب ديفيد 2 وبداية الانتفاضة الثانية .
وأن تكون موازين القوى العسكرية تميل لصالح دولة الاحتلال فهذا أمر طبيعي في حركات التحرر الوطني ، وأن تكون المقاومة المسلحة غير مواتية لتحقيق انتصارات عسكرية حاسمة في هذا الوقت وخصوصا في ظل الانقسام الفلسطيني وغياب استراتيجية وطنية للمقاومة وغياب الحاضنة العربية فهذا أمر مفهوم ، ولكن كل ذلك يتعلق بممارسة المقاومة وليس بالحق في المقاومة كما سبق الذكر ، أيضا فإن موازين القوى غير ثابتة وبالنسبة لحركات التحرر الوطني فإن موازين القوى لا تُحسب عسكريا فقط ولو كانت كذلك ما انتصرت حركة تحرر وطني .
إن قوة الشعب الخاضع للاحتلال تكمن في عدالة قضيته وفي ثباته وتمسكه بحقوقه الوطنية وفي تأييد العالم له ، كما أن مفهوم المقاومة أشمل وأوسع من المقاومة العسكرية ، وفي حالة كالحالة الفلسطينية الأكثر تعقيدا بين حركات التحرر الوطني وحيث الشعب الفلسطيني يتواجد في تجمعات منفصلة جغرافيا ومتباينة في أوضاعها السياسية سواء داخل فلسطين أو خارجها فالأمر يحتاج لإبداع في مجال المقاومة الشعبية حسب خصوصيات كل تجمع ، وإن كان هناك ضرورة لشكل من المواجهات المسلحة فيجب أن لا تكون حزبية أو لخدمة أجندة وحسابات خارجية وأن تكون في إطار الشرعية الدولية وفي ظل قيادة وطنية موحدة تنسق بين كل التجمعات وكل أشكال المقاومة .
وبالعودة لتوجه واشنطن وتل أبيب لإدانة حركة حماس وفصائل المقاومة من خلال قرار يصدر عن الجمعية العامة فإن واشنطن لا ترمي من وراء ذلك لإدانة حماس فقط بل إدانة مبدأ المقاومة وحق الشعب الفلسطيني بالمقاومة وإن حدث ذلك فهذا يعني أن إسرائيل ليست دولة احتلال وأن الشعب الفلسطيني لا يخضع للاحتلال وهذا هو الأمر الخطير لأنه يغير من طبيعة الصراع ويُشرعن الاحتلال كما يتعارض مع تعريف وتوصيف الأمم المتحدة للقضية الفلسطينية كقضية شعب يناضل من أجل الحرية والاستقلال والسيادة والدولة المستقلة .
نعم ، قد نختلف مع حركة حماس سياسيا وأيديولوجيا وفي طريقة وكيفية تدبير إدارة النظام السياسي الفلسطيني وتعاملها مع موضوع المقاومة ، وهذا أمر يخص الشعب الفلسطيني ، ولكن كل الشعب الفلسطيني يرفض توجيه تهمة الإرهاب لأية حركة مقاومة فلسطينية ويرفض إدانة حركة حماس لمجرد أنها تقاوم الاحتلال ، فحركة حماس وكل فصائل المقاومة جزء من نسيج ومكونات الشعب الفلسطيني والإدانة يجب أن تكون لإسرائيل التي تحتل الأرض وتمارس العدوان وتدنس المقدسات وتنتهك القانون الدولي وتتمرد على الشرعية الدولية وقراراتها وليس لمن يقاوم الاحتلال .
لقد أدى السلوك الصهيوني العدواني المدعوم أمريكيا لأن يُعيد الشعب الفلسطيني النظر في كل مسلسل التسوية الأمريكية ، والأمر لا يقتصر على الشعب وفصائل المقاومة الرافضة لعملية التسوية الأمريكية ، بل إن منظمة التحرير نفسها تقوم بمراجعة استراتيجية حيث وضعت الاتفاقات الموقعة مع الاحتلال بما فيها الاعتراف بإسرائيل والتنسيق الأمني محل مراجعة وإعادة نظر وهذا ما أكدت عليه الهيئات القيادية العليا وخصوصا المجلس الوطني والمجلس المركزي لمنظمة التحرير ونتمنى أن تجد هذه القرارات طريقها للتنفيذ .
وأخيرا ، إذا ما تم تمرير مشروع القرار الأمريكي بصيغته المطروحة أو بعد إدخال تعديلات عليه فالأمر يستدعي وقفة تفكير عميقة حول التوقيت وعلاقته بالحديث الأمريكي عن قرب طرح صفقة القرن قبل نهاية العام الجاري !!! ، وللحديث بقية .