لن نمل من الحديث عن المخاطر التي يتعرض لها المشروع الوطني نتيجة لغياب الرؤية واستراتيجية العمل الوطني عند الطبقة السياسية، وخصوصا أن المؤامرة على المشروع الوطني لم تعد مؤامرة العدو التاريخي – إسرائيل – الذي يغتصب الأرض ويهدد وجودنا الوطني، بل مؤامرة تشارك بها بالإضافة لإسرائيل أطراف وقوى فلسطينية وإقليمية بعضها بوعي وبعضها بدون وعي تندرج تحت عنوان (التفكيك تمهيد للتدمير)، تفكيك القضية الوطنية لقضايا فرعية-انتخابات وصراع حول السلطة، فلتان أمني، حصار اقتصادي، حواجز، مشكلة معابر، المياه، اللاجئين، الاستيطان، الصواريخ، المطاردين، المساعدات الخارجية…- وإشغال الشعب والقوى السياسية بالخلافات حولها، .إلا أن أخطر هذه القضايا التي أوجدتها المؤامرة الجديدة هي فصل غزة عن الضفة وجذب الاهتمام لقطاع غزة لإبعاد الأنظار عما يجري في القدس والضفة ولمجمل القضية الفلسطينية التي هي قضية أكثر من عشرة مليون فلسطيني في الوطن والشتات، قضية الحرية والاستقلال.
عندما يغيب الإجماع الوطني حول الثوابت واستراتيجية العمل يصبح من السهل على إسرائيل الإنفراد بكل مدعي شرعية و استراتيجية خارج الإجماع الوطني، تنفرد بحركة حماس والفصائل التي تقول بالمقاومة وتنفرد بالسلطة والحكومة والقوى التي تقول بالتسوية والمفاوضات، وفي الحالتين تكون إسرائيل هي الطرف المتفوق لأنها بالإضافة لتفوقها العسكري فهي متسلحة بالتناقض داخل الساحة الفلسطينية، فهي تستعمل التصريحات الرسمية المنددة بالصواريخ وبحركة حماس عندما تقوم بعدوانها على قطاع غزة بذريعة محاربة الإرهابيين، وتستعمل تصريحات حركة حماس وممارساتها في غزة والضفة وعلاقاتها الخارجية لتقوم بتخريب كل ما تحاول الرئاسة وحكومة فياض القيام به من تهدئة في الضفة، وبالتالي في كل مواجهة لإسرائيل مع طرف فلسطيني تبدو وكأنها متسلحة ومستقوية بممارسات أو تصريحات الطرف الفلسطيني الآخر.
لا شك أن انقلاب حركة حماس هدد وحدة المشروع الوطني وطرح تساؤلات كبيرة حول ماهية المشروع الوطني، كما أنه أحدث انشقاقا كبيرا في النظام السياسي الفلسطيني -مع أن هذا الانشقاق كان موجودا منذ ظهور الحركة كحالة سياسية تحمل مشروعا سياسيا دينيا معارضا لمشروع منظمة التحرير- والأكثر قلقا هو أن قرار حركة حماس مرتهن للخارج حيث لا تخفي أنها امتداد لجماعة الإخوان المسلمين، والفرع يتبع الأصل… إلا أن ذلك يجب ألا يغير من طبيعة وجوهر الصراع في فلسطين، صراع كل الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، وان العدو الرئيس هو دولة الاحتلال.وبالتالي فإن وجهة الصراع يجب أن تبقى مع العدو الذي يحتل الوطن وليس صراعا لإسقاط حكم حماس في قطاع غز أو حكومة فياض بالضفة، وكما سبق وذكرنا فإن المتآمرين على الوطن يريدون فصل القطاع أولا ثم افتعال حرب أهلية ثانيا.
لقد بات واضحا أن مخطط فصل غزة عن الضفة وربما محاولة إحراجها من المشروع الوطني أو أن يختزل المشروع الوطني بها، مخطط متعدد الأطراف وهي أطراف قوية وفاعلة، وبالتالي فإن إفشاله يحتاج لجهد ووقت، وإلى ذلك الحين يجب العمل على الحد من تداعياته بل إفشال أخطر حلقاته وهي من وجهة نظرنا تفرد إسرائيل بالضفة وتكثيف سياسة الاستيطان فيها فيما الكل منشغل بما يجري بغزة.ونتمنى على طرفي المعادلة السياسية ألا تتوه خطاهم عن الطريق، ألا تعتبر حركة حماس أن هدفها الأول هو فرض سيطرتها على قطاع غزة بأي ثمن، وألا يكون الهدف الرئيس للرئاسة والحكومة في رام الله استعادة السيطرة على قطاع غزة وإسقاط حكم حركة حماس.
الخوف ليس على غزة بل على الضفة والقدس – وبالتأكيد على مجمل القضية الوطنية- مشكلتنا ليست انقلاب حركة حماس على الشرعية بالرغم من خطورة ما أقدمت عليه حركة حماس ، بل ما تمارسه إسرائيل بالضفة والقدس.قطاع غزة سواء حكمته حماس أم فتح أم أي فصيل كان، فسيبقى فلسطيني الهوية والانتماء، تاريخيا كانت غزة عصية عن الخضوع ليس فقط لصمود ونضالية أهلها بل لأن لا أحد يريد أن تكون غزة جزءا منه، وإسرائيل لم تعلن يوما أن غزة جزء من ارض إسرائيل أو أرض الميعاد، على عكس الضفة التي يعتبرونها كذلك وما زالوا يسمونها بالاسم اليهودي (يهودا والسامرا).ولأن إسرائيل تريد الضفة والقدس لا غزة فقد جهدت ومنذ بداية تطبيق اتفاقات أوسلو على قطع التواصل بين أهلنا في الضفة وأهلنا في القطاع من خلال التهرب من تفعيل الممر الآمن الذي نصت عليه كل الاتفاقات الموقعة والذي كان يفترض أن يشكل ممرا آمنا لتنقل الفلسطينيين ما بين شطري الوطن، ولأنها تريد الضفة والقدس فإنها تمارس التطهير العرقي بالقدس وتقطع أوصال الضفة وتضيق على حياة الناس هناك لتدفعهم للهجرة أو لتحويلهم لمجرد جموع بشرية لا هم لها إلا البحث عن لقمة العيش والانشغال بمتطلبات الحياة اليومية.
لا ندري هل أن حركة حماس ومطلقي الصواريخ من غزة يدركون أن الثمن الذي يُدفع ليس فقط شهداء يسقطون وبيوت تُدمر في غزة بل استيطان في الضفة والقدس ؟المشكلة ليست بالمقاومة من حيث المبدأ ولكن بالمقاومة الفصائلية عندما تكون خارج استراتيجية عمل وطني، لأنها في هذه الحالة قد تحقق مصلحة للحزب أو الفصيل الذي يمارسها ولكنها قد لا تخدم المصلحة الوطنية، وبالتالي تتحول لأداة للصراع الداخلي على السلطة وليست لأداة تحرير،ليس المطلوب التخلي عن المقاومة بل التوافق على استراتيجية للمقاومة تخرجها من نطاق التوظيف الحزبي .
نتمنى أن تنجح مفاوضات التهدئة التي تجري في مصر ولكننا نتمنى أيضا أن ينجح الحوار حول المبادرة اليمنية، نريدها تهدئة مع إسرائيل ومصالحة وطنية في نفس الوقت، التهدئة في غزة مع مصالحة وطنية أمر ضروري للتفرغ للنضال المشترك لحماية الضفة والقدس من الاستيطان والتفرغ للقضايا الاستراتيجية وعلى رأسها قضية اللاجئين وقيام الدولة الوطنية المستقلة.أما التهدئة في غزة دون مصالحة وطنية فقد يعزز حالة الفصل بين الطرفين، وهذا ما تسعى إسرائيل لتحقيقه.
16-3-2008