في كل مرة تتزايد الانتقادات لحركة حماس وتحميلها مسؤولية اسنمرار الحصار الذي يتعرض له شعبنا نتيجة سيطرتها على قطاع غزة وصيرورة الأمور لما هي عليه انقسام للوطن وللمشروع الوطني،يكون ردها انها وصلت للسلطة عن طريق انتخابات ديمقراطية وبالتالي فالديمقراطية تمنحها شرعية كل ممارسة !وإن كان هناك من خطأ أو خلل فالأخرون يتحملون المسؤولية عنه.لا نريد هنا التشكيك بانتخابات 2006 التي منحت الحركة غالبية الأصوات وهي انتخابات نزيهة بلا شك ،لكن الديمقراطية هي انتخابات متكررة ومؤسسات وثقافة ،إنها نمط من التفكير والسلوك يقوم على مبدا التداول السلمي على السلطة والاعتراف بالآخر وحرية الراي والتعبير والتعددية الحزبية والفكرية وحرية عمل مؤسسات المجتمع المدني واستقلالية الجامعات ومراكز البحوث والدراسات .لا تكفي انتخابات يتيمة لمنح شرعية لأي نظام او للزعم بأن هذا النظام ديمقراطي.
من المعلوم بأن أولى الإنجازات التي تُنسب للديمقراطية الغربية والتي اعتبرت وما زالت تعتبر لليوم اهم مؤشرات الممارسة الديمقراطية ،هي استقلالية المؤسسات التعليمية وخصوصا الجامعية ،وعليه نلاحظ بأن اهم الجامعات في العالم توجد في الدول الديمقراطية ،حيث لا يمكن للعلم والبحث العلمي ان يتقدم إلا في ظل الحرية الاكاديمية، ولا حرية اكاديمية بدون حرية سياسية .تدَّخل السلطة في الحياة الجامعية والأكاديمية ، وهيمنة السياسي على العلمي والاكاديمي يؤدي الى تشويه للحياة العلمية والأكاديمية من جانب وتسطيح وتمييع للسياسة من جانب آخر،لأن السلطة عندما تتدخل في أمور ليست من إختصاصها تفقد قيمتها واحترامها وتتحول الى طرق في لعبة ليست مجالها .
ليس مرامنا في هذه المقالة الحديث عن الإشكال السياسي الذي أوجدته انتخابات لم يتم التهيئة لها مسبقا، ولا حول الانقسام بالساحة الفلسطينية ،بل المرام الحديث عما انتجه فهم خاطئ للديمقراطية. ذلك أن ممارسات تجري على الأرض تثير القلق وتخلق حالة من التناقض ما بين القول بأن السلطة القائمة سلطة ديمقراطية من جانب وبعض مارسات هذه السلطة من جانب آخر،وسنقتصر هنا على ما جرى من اقتحام القوات التنفيذية التابعة لحركة حماس لجامعة الأزهر بغزة مما ادى لخلق جو مشحون ومتوتر في الجامعة وعطل الدراسة فيها. ما جرى من اقتحام لجامعة الأزهر أمر مرفوض ويجب أن يُدان، وحتى القول بانها جامعة محسوبة على حركة فتح فهذا لا يبرر ما جرى ، لأنها مؤسسة اكاديمية يفترض أن تبقى، وكل الجامعات، بعيدة عن عمليات الحسم السياسيي والعسكري،فالحسم في الجامعات هو للأكثر إبداعا والاكثر علما.
تاريخيا وبالرغم من واقع الاحتلال والحوجز التي يفرضها و الوضع المادي و النفسي الصعب حيث لا بيت إلا وبه شهيد او اسير او جريح فقد تمكنت الجامعات الفلسطينية من الحفاظ على وجودها، منابر للعلم وواحة للحرية الفكرية والسياسية، ففيها تعددية فكرية وثقافية وحرية في الراي والتعبير وتمثيل لكل الوان الطيف السياسي سواء عند الطلبة او الإداريين او الاساتذة.ومع مجيء السلطة الوطنية حافظت الجامعات على استقلاليتها وكانت الانتخابات الطلابية والنقابية بشكل عام مثالا للممارسة الديمقراطية الحقيقية ،حيث لم يسبق وان تدخلت السلطة في مجرى العملية التعليمية أو في الانتخابات التي تجري في الجامعات،حتى جيش الاحتلال نادرا ما كان يقتحم الجامعات أو يؤثر مباشرة على سير العملية التعليمية.
بالعودة لحديثنا عن علاقة الشرعية الانتخابية التي تتحدث عنها حركة حماس باقتحام جامعة الازهر،يمكن القول بالتناقض ما بين القول بالشرعية الانتخابية و الديمقراطية واقتحام مؤسسة تعليمية ،الشرعية الديمقراطية تعني تحييد المؤسسات التعليمية وإفساح المجال لحرية الراي والتعبير داخل الحرم الجامعي وليس محاولة فرض الرأي الواحد او هيمنة تنظيم واحد على الهيئات النقابية من عاملين وطلبة ،كما أن اقتحام الجامعة يدل على ان البعض في حركة حماس يتصرف من منطلق العقلية الانقلابية التي تبيح الهيمنة على كل مؤسسات المجتمع وإخضاع كل شي لسلطة واحدة وحيدة وايديولوجيا واحدة ووحيدة .
ونذكر هنا انه طوال عهد سلطة حركة فتح –بالرغم من كل ما كان يؤخذ على هذه السلطة- لم يحدث ان تدخلت السلطة في سير عمل الجامعة الإسلامية والتي كانت تجاهر بانها جامعة حركة حماس ،ولم يحدث أن اقتحمت اجهزة السلطة هذه الجامعة،بل كانت الجامعة تمارس عملها بحرية كانت تحسدها عليها الجامعات الاخرى،قد يقول قائل إنه تم إحراق الجامعة الإسلامية من طرف اجهزة السلطة،ولكن يجب التذكير أيضا ان هذه الحادثة تمت وسط حالة فلتان بل حرب اهلية سقط فيها كثيرون واحرقت مؤسسات عديدة ،ونتمنى ان لا يكون ما جرى لجامعة الأزهر هو نوع من الانتقام المتأخر ،وهذا لا يجوز لأنه يفترض ان الحسم العسكري انتهى وتوجد الآن سلطة مسؤولة عن سلامة وحرية عمل كل المواطنيين والمؤسسات.
5-4-2008