مقدمة
ما أن اندلعت التحركات الشعبية في يناير عام 2011 بدءأ من تونس ثم مصر وتوالت بعدهما في ليبيا والبحرين واليمن وسوريا الخ ،حتى انطلقت التساؤلات والمراهنات حول طبيعة هذه التحركات وإن كانت ثورات شعبية تلقائية أم تحركات موجهة خارجيا؟ وهل هي ثورات تسعى لتغيير ثوري جذري في بنية النظام أم ثورات اصلاحية ستغير رأس السلطة دون تغيير بنية النظام وتوجهاته الكبرى ؟ وما هو دور القوى الخارجية في هذا الحراك بداية وفي توجيه مسار الأحداث لاحقا؟ وضمن هذه الأسئلة تم طرح تساؤلات حول تأثير هذه التحركات على الصراع العربي الإسرائيلي بشكل عام وعلى القضية الفلسطينية بشكل خاص؟.
حتى نقارب تأثير هذه الثورات على القضية الفلسطينية يجب بداية فهم طبيعة وحدود هذه الثورات والقوى الفاعلة فيها وعلاقتها بسياسات دول كبرى لها مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
سنتناول الموضوع من خلال المحورين التاليين :-
الأول : مقاربة ما يجري انطلاقا من فقه الثورة والتغيير الاجتماعي.
الثاني: استشراف مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي ما بعد الثورات
المحور الأول
مقاربة ما يجري انطلاقا من فقه الثورة والتغيير الاجتماعي
كثيرة هي الصفات و المسميات التي أضفيت على التحركات الشعبية أهمها الثورات العربية والربيع العربي وهذا المصطلح الأخير من اختراع الرئيس الأمريكي أوباما،ولكن بالإضافة إلى هاذين المسميين اللذين يحملان حكم قيمة إيجابي ،لم يخلو الأمر ممن نعت ما يجري بأنها مؤامرة أمريكية تدخل ضمن سياسة (الفوضى الخلاقة) التي روجت لها واشنطن قبيل الثورات العربية ،وغيرها من التشكيكات وخصوصا بعد التدخل الأطلسي العسكري السافر في مجريات الأحداث في ليبيا .فما هو مفهوم الثورة؟ وهل ينطبق على التحركات الشعبية العربية؟.
أولا: في تعريف الثورات
الثورة (Revolution ) من المصطلحات المخضرمة التي واكبت ظهور الدولة والحياة السياسية منذ ما قبل التاريخ،ومع أن مفهوم الثورة الذي ساد على غيره من المفاهيم هو ثورة الشعب ضد الاستعمار أو ضد أنظمة استبدادية ،إلا أن مفردة الثورة لغة لا تقتصر على هذا الجانب بل تشمل كل فعل يؤدي إلى تغيير الأوضاع تغييرا جذريا سواء كانت أوضاعا طبيعية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.وأصل الكلمة في اللغة العربية لا يتضمن دلالة سياسية بل يعني التغيير الجذري الذي يطرأ على الشيء وجاءت بمعنى قلب الأرض .ومن هنا تستعمل كلمة ثورة في سياقات مختلفة كالقول بالثورة الزراعية Agricultural revolution أو الثورة الصناعية revolution Industrialأو الثورة التكنولوجية Technological revolution أو ثورة المعلوماتية Information revolution كالتي يشهده العالم اليوم.
ولكن ما يعنيا في هذا المقام هو الثورات الاجتماعية/ السياسية،ونقسم هذا النوع من الثورات إلى قسمين:-
1- الثورات السياسية /الاجتماعية
وهي تحركات شعبية كبيرة تعم ربوع البلد احتجاجا على أوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية سيئة ومرفوضة،وتتسم هذه الثورات بأنها تسعى لإحداث تحولات جذرية في حياة الشعوب وبعض هذه الثورات تحقق أهدافها وبعضها يفشل وأخرى يتم حرفها عن مسارها.عرفت البشرية كثيرا من هذه الثورات،فتحدثت مخطوطات فرعونية وبابلية ويونانية قديمة عن ثورات اندلعت في تلك العصور وتم تدوين بعضها بالتفصيل ،ففي مصر القديمة تذكر بردية للحكيم ايبو – ور ترجع إلي أواخر الأسرة التاسعة عشر أو أوائل الأسرة العشرين أن ثورة وقعت في عهد الملك بيبي الثاني آخر ملوك الأسرة السادسة نحو 2380 ق.م وتبدأ هذه البردية بوصف الوضع قبل الثورة:حيث ساد الفساد وتباعدت الشقة بين الملك والشعب بسبب فساد المحيطين بالملك حيث إن ” الذين حوله كانوا يغذونه بالأكاذيب وصار الناس أشبه بقطيع لا راعي له “.
وفي العصور الحديثة شهدت غالبية المجتمعات تحركات شعبية واسعة أو ثورات إلا أنها تفاوتت سواء في الحوامل الاجتماعية للثورة أو من حيث درجة العنف المصاحبة للثورة أو من حيث نتائجها وقدرتها على تحقيق أهدافها ،وكثير من التحركات الشعبية أو الأحداث السياسية الكبرى التي نعتها أصحابها بالثورة إما كانت محدودة الأهداف أو فشلت في تحقيق أهدافها وبعضها كان أقرب لحالات الفتنة والفوضى مما هي ثورة وبعضها كان انقلابا عسكريا.
يمكن الحديث عن عدة أنماط من الثورات السياسية /الاجتماعية :-
أ- ثورات سياسية اجتماعية طبقية ،ونقصد بذلك تلك الثورات التي قادتها طبقة أو طبقات ضد أخرى وأخذت طابعا طبقيا ،وفي نفس الوقت أدخلت تحولات جذرية على النظام السياسي والعلاقات الاجتماعية .وتعد الثورة الفرنسية 1789- 1799، والثورة البلشفية في روسيا القيصرية في أكتوبر 1917 من أشهر هذه الثورات.
ب- ثورات دينية ،وهي ثورات شعبية لتغيير نظام الحكم ولكن حواملها ليست طبقية بل توجهات دينية ،ومن أشهرها الثورة الإيرانية الخمينية ضد شاه إيران محمد رضا بهلوي عام 1979 .
ت- ثورات ديمقراطية،ففي النمطين السابقين اتسمت الثورات بدرجة ما من العنف ولم تكن الديمقراطية هدفا لها ،ولكن في الزمن المعاصر قامت ثورات تحمل شعارات وقيم الديمقراطية وتطالب ها ،ومن أهمها ثورات شعوب أوروبا الشرقية للإطاحة بالأنظمة الشيوعية بدءا من 1989 ،وأهمها الثورة الأوكرانية عام 2004 .
2- ثورات التحرر الوطني
والمقصود بها ثورة الشعب الخاضع للاحتلال ضد الجيوش المحتلة.في هذا النوع من الثورات يكون الفعل الشعبي موجها ضد عدو خارجي يهدد الآمة وقد عرفت غالبية الشعوب حالات ثورية مناهضة لعدو خارجي.ظهر هذا المصطلح مع الحرب العالمية الأولى مع تفكك الإمبراطوريات وظهور مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها ثم انتشر مع تبني الأمم المتحدة لمبدأ تصفية الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية وقد تم إطلاق صفة الثورة على كل حركة تحرر ضد الاستعمار .
شهدت أسيا وأفريقيا وأمريكا ألاتينية سلسلة من الثورات التحررية وإن كان أشهرها ثورة الشعب الجنوب أفريقي والثورة الجزائرية والثورة الفيتنامية والثورة الفلسطينية التي ما زالت متواصلة حتى اليوم إلا أن لكل شعب ثورته الخاصة به ،ففي الهند قامت ثورة سلمية قادها المهاتما غاندي ضد الاحتلال البريطاني وامتدت من عام 1915 حتى اغتياله من طرف هندوس متطرفين في يناير 1948، كما قاد عمر المختار ثورة الشعب الليبي ضد الاحتلال الإيطالي من عام 1911 إلى حين إعدامه يوم 16 سبتمبر 1931،و في المغرب قامت ثورة عبد الكريم الخطابي الذي قاد عام 1921 ثورة في مناطق الشمال ضد الأسبان وانتصر على الأسبان في معركة أنوال وأقام جمهورية سميت بجمهورية الريف ،إلا أن الأسبان والفرنسيين تحالفوا ضده وانهوا الثورة، وقام الفرنسيون بنفي الخطابي إلى إحدى الجزر النائية في المحيط الهادي عام 1926 .وفي فلسطين قامت ثورة عز الدين القسام 1935 ثم الثورة الكبرى 1936 ،وفي مصر عُرفت ثورة أحمد عرابي 1881 وثورة مصطفى كامل 1889و ثورة سعد زغلول 1919 الخ .
ثانيا:عناصر الثورة واختلافها عن غيرها من حالات التغيير السياسي
1- الثورات بين التغيير الجذري والإصلاح
تختلف الثورة عن التغييرات المتدرجة أو الإصلاحات التي يقوم بها البشر على أوضاعهم.وفي المجال السياسي فإن الثورة جزء من الحياة السياسية و فعل سياسي ولكن خارج إطار القانون والنظام السائد وغالبا تكون ضدا عنهما وفي مواجهتهما لأن الشعوب لا يمكن أن تثور على نظام في ظل الالتزام بالقواعد والقوانين التي يحددها النظام ،كما أن الثورة فعل سياسي عنيف غالبا وعنفها يتفاوت ما بين تعطيل المؤسسات القائمة بالإضراب والعصيان المدني إلى مهاجمة المؤسسات الرسمية والمرافق العامة وأحيانا تصل الأمور لدرجة الحرب الأهلية- كالثورة الفرنسية مثلا-،وغالبا يكون مصدر العنف النظام السياسي الذي يقوم الشعب بالثورة لإسقاطه،موظفا أجهزته الأمنية ونخبه المنتفعة وما بات يعرف بالبلطجية أو الشبيحة،وأحيانا نكون أمام ثورات بيضاء أو نظيفة لا يسقط فيها ضحايا من الجانبين ،ولذا تسمى الثورة القرنفلية أو الثورة البرتقالية كما جرى في أوكرانيا 2004 .
مناط الحكم على التحرك الشعبي إن كان ثورة أم لا ليس فقط كثرة عدد المواطنين المشاركين به فقط ولا الشعارات المرفوعة فقط بل قدرة الثوار على إحداث التغيير المنشود حسب ثقافة ورؤية الشعب المعني بالأمر ،وفوق ذلك أن تكون القوى المحركة والموجهة للثورة وطنية أو داخلية لا تخضع لإرادة او توجيه من الخارج ،ومن هنا يكون استقلالية قرار الثوار مؤشر وعدم اشتغالهم لصالح أجندة خارجية مؤشر على الطابع الوطني للثورة .كل الثورات السياسية /الاجتماعية المشار إليها استمدت أهميتها من قدرتها على التغيير الواسع في كل بنيات المجتمع، ففرنسا بعد الثورة ليست فرنسا قبلها، وروسيا بعد الثورة ليست روسيا قبلها وفيتنام بعد الثورة ليست فيتنام قبلها الخ.أيضا فإن الثورة ليست مجرد تغيير رأس النظام السياسي كأن يكون هدف الثوار الإطاحة بالنظام الملكي وتحويله إلى نظام جمهوري، فكثير من الأنظمة الجمهورية أكثر سوءا من الأنظمة الملكية السابقة لها.
وعليه فإن الثورة تختلف عن التحركات الشعبية الجزئية أو القطاعية كالتحركات العمالية أو النسوية الخ ،وتختلف عن التغييرات وإن كانت جذرية والتي تأتي عن طريق رسمي ومؤسساتي .إن الحكم على نجاح أو فشل الثورة لا يكون بمجرد خروج الناس للشارع بل قدرتها على تحقيق الأهداف المرجوة منها. فما بين سقوط النظام القديم وقيام النظام الجديد توجد مرحلة انتقالية تعتبر المحك للحكم على نجاح الثورة أو فشلها،في هذه المرحلة يظهر كثيرون ممن يريدون سرقة الثورة وحرفها عن أهدافها الحقيقية سواء كانت أطراف خارجية أو أطراف داخلية قد يكونوا من بقايا النظام القديم أو من أحزاب سياسية تريد أن تركب موجة الثورة في آخر لحظة.
الفرق بين الثورات والانقلابات العسكرية
كما تختلف الثورة عن الانقلابات العسكرية فهذه الأخيرة تحرك فوقي لنخبة عسكرية متواطئة أحيانا مع بعض رموز السلطة لتغيير الحكومة أو النظام القائم، وبالتالي لا تشارك الجماهير بهذا الانقلاب وفي كثير من الأحيان لا تعلم الجماهير بالانقلاب إلا بعد وقوعه، ولكن كثيرا من الانقلابيين يضفون طابع الثورة على انقلابهم العسكري لمنح تحركهم شرعية شعبية، وهذا ما يحدث في البلاد العربية ودول الجنوب،حيث يقتصر التغيير في حالة الانقلاب على تغيير الأشخاص والنخب الحاكمة دون أن تتغير أحوال الناس بل أحيانا تزداد أوضاع الشعب سوءا عندما يتحول الانقلابيون إلى أسياد مستبدين جدد. ويمكن القول بان ما عرفته غالبية الدول العربية ما بعد الاستقلال من تغيير لأنظمة الحكم كان يدرج ضمن الانقلابات العسكرية وليس الثورات، سواء تعلق الأمر بسوريا أو العراق أو ليبيا أو اليمن أو السودان حتى ثورة يوليو 52 في مصر صنفها البعض بالانقلاب العسكري.
في الانقلابات يتحرك الجيش أو قطاع منه أو من الأجهزة الأمنية ويكون مطلوب من الشعب بعد الانقلاب اتخاذ موقف منه فإما أن يؤيد الشعب الانقلابيين أو يعارضوهم أو ينقسم الشعب فتحدث حرب أهلية ،بمعنى أن دور الشعب في الانقلاب يكون لاحقا وتابعا لتحرك الشعب،أما في الثورة فالشعب يتحرك أولا وبعد ذلك يكون على الجيش والأجهزة الأمنية اتخاذ موقف من ثورة الشعب فإما يؤيدوها ويصطفوا لجانب الشعب ،أو يقف الجيش ضد الشعب أو ينقسم الجيش مما يحول الثورة لاقتتال يُطيل عمر الثورة ويوقع خسائر كبيرة .
وعليه يمكن القول بان مجرد تغيير رأس النظام لا يعني حدوث ثورة ،فهذه الأخيرة لا تكتمل ولا تأخذ معناها الحقيقي إلا إذا حققت الأهداف التي قامت من اجلها.أيضا الثورة ليست مجرد خروج الناس للشارع لتهتف وترفع الشعارات أو تخرب وتدمر مؤسسات السلطة، الثورة عملية مركبة ومتعددة الأبعاد خروج الناس للشارع أحد شروطها أو فتيل اشتعالها ولكنه بحد ذاته ليس الثورة. ومن هنا كل الثورات تمر بمرحلتين: الأولى هي مرحلة الهدم حيث يتم إسقاط النظام القائم، وهذه مرحلة تنجح بها كل الثورات تقريبا، والمرحلة الثانية هي بناء نظام وأوضاع جديدة تتوافق مع الأهداف المُسطرة للثورة ومع الوعود التي قدمها الثوار للشعب، هذه المرحلة الثانية هي الأكثر صعوبة وفي كثير من الأحيان تتعثر الثورة في بناء أوضاع جديدة أفضل من سابقتها، حيث يجلس الثوار على أنقاض ما هدموه ويتحولون إلى مستبدين جدد مع استمرارهم بالتغني بشعارات الثورة فيما الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تزداد سوءا، مما يثير حنق الجماهير المتطلعة للتغيير، فتتلبد غيوم ثورة على (الثورة) ويبدأ الناس بالاحتجاج والخروج للشارع فيواجههم قادة النظام (الثورة ) بقمع أشد فتكا من قمع الأنظمة السابقة ،حيث صفة الثورة التي يسمون أنفسهم بها تعطيهم الحق من وجهة نظرهم لاتهام معارضيهم بأنهم أعداء الشعب وأعداء الثورة وعملاء للاستعمار الخ .
نخلص مما سبق أن الثورة فعل جماهيري شامل، فحين تتأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتصبح أحوال الناس لا تطاق، وعندما تتباعد الشقة ما بين الحكام والجماهير وتغيب وسائل التعبير السلمي عن المطالب لا تجد الجماهير أمامها إلا التحرك لتغيير الأوضاع تغييرا جذريا.أحيانا تُقاد الثورة من طرف حزب جماهيري أو قيادة تؤمن بالتغيير فتلهب حماس الناس وتحرضهم ضد الوضع القائم، وإذا ما كان الحزب أو القيادة المؤجِجَة للثورة والمحرِضة عليها تتبنى أيدلوجية ما – كالاشتراكية أو الشيوعية أو القومية أو الدينية -تنطبع الثورة بهذه الأيديولوجية فيقال ثورة اشتراكية أو شيوعية أو دينية أو قومية الخ.وحينا آخر تنطلق بشكل عفوي دون قيادة حزبية كما هو الحال مع الثورتين المصرية و التونسية، ولكن بعد انتشار الثورة وظهور مؤشرات انهيار النظام القديم تحاول الأحزاب حصد مكتسبات الثورة والزعم بمسؤوليتها عن اندلاعها .
سواء كانت ثورات دينية أو طبقية أو سياسية أو اقتصادية أو جمعا لها فإن الثورة نقطة تحول في حياة الشعوب، تحول اجتماعي وسياسي واقتصادي، وبديهي أن يكون هدف الثورة تحقيق التحول إلى الأفضل لأن الثورة تعمل على الإطاحة بمن تعتبره الجماهير مسئولا عن بؤسها سواء كان ملكا أو رئيسا و كذا بالنخبة المحيطة به وبمرتكزات النظام السياسي، وإقامة نظاما بديلا يأخذ بعين الاعتبار المطالب الشعبية.وغالبا ما تصاحب الثورة بالعنف، فهي عمل عنيف ولكن تتفاوت درجات العنف ما بين التهديد اللفظي بالقتل والاعتقال والقيام بالمظاهرات والمسيرات الحاشدة أو اللجوء إلى العمل العسكري. فبعض الثورات تكون سلمية ولا يراق بها الدم فتنعت بأسماء دالة على ذلك كالقول بالثورة البرتقالية أو الثورة البيضاء ،وثورات أخرى اتسمت بالدموية كالثورة الفرنسية التي أزهقت الآلاف من معارضيها ثم ارتددت على ذاتها ليقتل الثوار بعضهم بعضا حتى قيل بأنها أصبحت كالهرة التي تأكل أولادها،إلا أن مبادئها انتصرت فيما بعد،و أحيانا تستمر الثورة لعدة سنوات وتعجز في النهاية عن تحقيق أهدافها وتتحول إلى حرب أهلية.
ثالثا: التحركات الشعبية العربية وعلاقتها بالسياسات الدولية وخصوصا الأمريكية.
معرفة علاقة التحركات الشعبية بالأجندة الخارجية وخصوصا بواشنطن وحلف الأطلسي مهم في دراستنا التي تتناول علاقة الثورات العربية بالقضية الفلسطينية وبالصراع العربي الإسرائيلي ،فهناك فرق بين تأثير ثورات وطنية أو قومية ثورية معادية للغرب على القضية الفلسطينية وثورات يقودها إسلام سياسي متحالف – أو غير معاد- مع الغرب .الحضور المكثف لدول حلف الأطلسي ولواشنطن تحديدا في مجريات الأحداث العربية يؤثر بشكل كبير على المتوقع من هذه الثورات بالنسبة للفلسطينيين و لمستقبل المنطقة .
من الغريب والمفت للإنتباه أن يعود التدخل الأجنبي مجددا للمنطقة العربية في ظل المد الثوري الشعبي تحت عنوان حماية الثوار،هذا التدخل يثير تساؤلات حول دقة القول بأن ما تشهده الدول العربية شأن داخلي يُدرج في إطار الثورات الشعبية الديمقراطية التحررية وخصوصا بعد التدخل العسكري المباشر للقضاء على نظام معمر القذافي ،والدعم المباشر للثوار في سوريا.هذا التدخل يستحضر الاستراتيجية الأمريكية للمحافظين الجدد التي بشروا بها وبدأوا تطبيقها منتصف العقد الماضي بطريقة متدرجة .
الطابع الوطني الحر والمستقل للشعب يعتبر من أهم عناصر الثورة ،ولا نقصد بالوطني حالة مفارِقة للقومي أو الديني ،بل المقصود أن الشعب يتحرك اعتمادا على قواه الذاتية ولخدمة أهداف داخلية وغير مرتبط أو مسَير بإرادة أطراف خارجية تريد إحداث تغيير في البلد لخدمة مصالحها الخاصة .المشكلة في الثورات العربية وبالرغم من توفر شروط الثورة داخليا إلا أن تزامن أنطلاقها مع سياسية أمريكية تهدف لإعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة العربية من خلال المشروع المسمى الشرق الأوسط الكبير ومن خلال سياسة (الفوضى البناءة ) ،هذا التزامن طرح تساؤلات حول علاقة القوى السياسية التي استفادت من الثورة ووصلت للحكم (جماعة الإخوان المسلمين ) بالسياسة الأمريكية وبنظرية الفوضى البناءة .وقبل البحث في تداعيات هذه العلاقة على توجهات أنظمة الثورة تجاه القضية الفلسطينية لا بأس من التعريج لتعريف الشرق الأوسط الكبير وسياسة الفوضى البناءة .
ظهرت الفكرة عند مخططي السياسة الامريكية بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001 .حيث أكتشفت واشنطن أن الخطر المهدد للولايات المتحدة لا يأتي من داخلها بل من جماعات وخصوصا من الشرق الاوسط ،ومن هنا رأت ضرورة ضرب هذه الجماعات في عقر دارها عسكريا والقضاء على البنى والثقافات التي تنتج (الإرهاب )،وهكذا قررت التخلي عن (استراتيجية الردع والاحتواء) التي حكمت السياسة الأمريكية إبان الحرب الباردة وتبني استراتيجية(الهجوم الوقائي) وتوظيف المفاهيم والشعارات الإيديولوجية واعتمادها كأدوات أساسية في خدمة الاستراتيجية الأمريكية في الخارج.لتنفيذ هذه الاستراتيجية توصل الجناح المحافظ المسيطر على مجريات السياسة الأمريكية لنظريتي (التفكيك النظيف) و ( الفوضى البناءة) بهدف إعادة رسم الخريطة الجغرافية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط.
لقد بشرت وزيرة الخارجية الامريكية آنذاك كونداليزا رايس بشرق أوسط كبير وجديد ستتم صناعته وتشكله بأداتي القوة من خلال الحرب على الإرهاب والفكر والسياسة تحت شعار (الحرب على الاستبداد ونشر الديمقراطية) حيث ستسعى واشنطن لإسقاط (انظمة الاستبداد) وإدخال إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية بعيدة المدى في العالم العربي وضمن هذه الإصلاحات إدماج أو إشراك جماعات الإسلام السياسي المعتدلة في السلطة والحكم ،وقد باشرت واشنطن سياستها هذه منذ عام 2004 حيث ضغطت على مصر والمغرب والأردن والسلطة الفلسطينية لإشراك جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات التشريعية نوهذا ما جرى بالفعل في السنة الموالية 2005 في مصر ومالمغرب والأردن نوفي بداية 2006 في فلسطين. وهكذا وظفت واشنطن أفكار منظريها الاستراتيجيين من أمثال مايكل ليدن صاحب نظرية الفوضى البناءة والبروفسور توماس بارنيت الذي أدخل تعديلات على النظرية السابقة،حيث يرى بارنيت أن العالم ينقسم لدول القلب أو المركز من جانب ودول الثقب أو الفجوة من جانب آخر ،وهذه الأخيرة مصابة بالاستبداد والفقر والقتل الجماعي وهي بمثابة مزرعة لتفريخ الإرهابيين ،وعليه طالب بإحداث حالة فوضى كبيرة فيها تمهد لتدخل عسكري أمريكي .
إن من يتابع نهج التعامل الغربي وخصوصا الامريكي مع التحركات الشعبية العربية وطبيعة العلاقة التي تربطها بالقوى التي ركبت موجة الثورة أو تسلمت مقاليد الحكم (جماعات الإسلام السياسي) سيلمس الحضور القوى لواشنطن طوال مرحلة الثورة وقبلها وبعدها من خلال اتصالات مكثفة كانت تجريها واشنطن مع جماعة الإخوان المسلمين في عواصم الدول العربية وهي اتصالات لم تكن دائما سرية بل علنية.والسؤال الذي يفرض نفسه هل يمكن للغرب أن يدعم ثورات عربية لها سياسات تهدد مصالحه الاستراتيجية في المنطقة؟ وفي ظل التحالف الاستراتيجي بين واشنطن وإسرائيل،هل ستسمح واشنطن لأنظمة الثورة تهديد وجود إسرائيل أو العمل بما يخالف الرؤية الأمريكية الإسرائيلية لإدارة الصراع العربي الإسرائيلي؟. هذا ما سنجيب عنه لاحقا.
المحور الثاني
استشراف مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي ما بعد الثورات
بالرغم من أن تأثير القضية الفلسطينية وخصوصا الممارسات الإجرامية الصهيونية بحق الفلسطينيين وعجز الأنظمة العربية عن مساعدة الفلسطينيين إن لم يكن تواطؤهم مع العدو، لم يكن مباشرا على اندلاع الثورات العربية،إلا انه راكم عبر السنيين حالة من النقمة الشعبية على الأنظمة وممارساتها.الجماهير العربية لم تنس أو تغفر للأنظمة وهي تقف موقف المتفرج على الإجرام الصهيوني خلال سنوات الانتفاضة سواء الأولى أو الثانية ولم تنسى أو تغفر صمت الأنظمة وطائرات العدو ودباباته تقصف وتحرق غزة ،ولم تنس أو تغفر للأنظمة صمتها وتواطؤها والعدو يستوطن الضفة ويُهَوِد القدس ويدنس المقدسات. كانت فلسطين حاضرة في ضمير ووجدان الجماهير العربية وإن لم تكن العنوان الرئيس لثورتهم أو على رأس سلم اهتماماتهم .وبالتالي يمكن القول بأن العلاقة بين الثورات العربية والقضية الفلسطينية كانت تأثيرا وتأثرا، ولكن قدرة المحيط العربي في التأثير على الفلسطينيين أكبر من قدرة الفلسطينيين في التأثير على مجريات الحالة العربية،أو بصيغة أخرى إن تأثير العرب يكون ماديا ومباشرا فيما تأثير الحالة الفلسطينية عاطفيا ومعنويا.
حتى يمكن تلمس تأثير الحركات الاحتجاجية العربية على مسار الصراع العربي الإسرائيلي يجب معرفة طبيعة العلاقة بين الأنظمة العربية والفلسطينيين وإسرائيل قبل الثورة ،وهنا نشير إلى أن كل الكتابات تقريبا حول علاقة الثورات العربية بالقضية الفلسطينية ركزت على تأثير الثورات العربية وخصوصا المصرية على القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل وقليل منها تحدث عن تأثير القضية الفلسطينية ودورها في قيام الثورات العربية بالرغم من اعتراف كثير من قادة جماعات الإسلام السياسي بتأثير الحالة الفلسطينية على الثورات العربية ومنهم مرشد الإخوان محمد بديع الذي قال :”إن جماعة الإخوان المسلمين تعتبر فلسطين قضيتها الأولي موضحا أن النظام المصري السابق “ظلم القضية ألفلسطينية وتخلى عنها لصالح المشروع الصهيوني ألأميركي وأن ذلك كان أحد أسباب قيام الثورة المصرية التي غيَّرت الأوضاع لصالح نصرة الشعب الفلسطيني .
أولا : الموقف الرسمي العربي تجاه فلسطين قبل الثورة
الموقف الرسمي
نظرا لطبيعة العلاقة بين القضية الفلسطينية ومحيطها العربي فإن القضية الفلسطينية الوحيدة من بين القضايا العربية لها بعد قومي ،وعليه يروج دائما مسمى (البعد القومي للقضية الفلسطينية )،فما يجرى فلسطينيا من خلال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يؤثر على المحيط العربي وخصوصا دول الجوار ،وما يجري في المحيط العربي يؤثر على الفلسطينيين وعلى الصراع مع إسرائيل .تاريخيا حدث تلازم ما بين القضية الفلسطينية والعالم العربي بحيث كانت أية تحولات أو متغيرات كبيرة تحدث في العالم العربي تنعكس مباشرة على القضية الفلسطينية ،عندما تنتكس الحركة القومية والثورية العربية تنتكس القضية الفلسطينية وعندما تنهض الحالة العربية تنهض معها القضية،فما كانت فلسطين تضيع وتحدث النكبة عام 1948 لو لم تكن الحالة العربية عاجزة بل ومتواطئة مع بريطانيا،وما كانت الحركة الوطنية الفلسطينية تعرف نهوضا مع حركة فتح وبقية القوى الوطنية منتصف الستينيات لولا حالة المد الثوري والتقدمي العربي،في المقابل فإن الانتكاسات التي أصابت القضية الفلسطينية أخيرا غير منقطعة الصلة بتراجع الحالة الثورية والتقدمية العربية منذ توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل 1979 ثم انهيار النظام الإقليمي العربي بعد حرب الخليج الثانية .ومن هنا فإن أية نهوض وتغيير تشهده المنطقة سيكون له تداعيات على القضية الفلسطينية ،ولكن هذه التداعيات مرتبطة بالحوامل الاجتماعية والسياسية التي ستقود عملية التغيير وتتسلم مقاليد الحكم ما بعد نجاح الثورة،وعلاقة هذه القوى بالدول الكبرى ذات الصلة بالصراع في الشرق الأوسط .
مع أن الشعب الفلسطيني هو المعني أكثر من غيره بالصراع بفعل وقوعه مباشرة في بؤرة الحدث وبفعل كونه الأكثر تضرراً من مجريات الأحداث، إلا أن دوره كفاعل كان مقيداً ومحكوماً بالحالة العربية و بالعلاقات وموازين القوى التي تؤسسها مع إسرائيل، وكنتيجة لذلك أيضاً، فإن النكسات والهزائم التي تعرضت لها القضية الفلسطينية خلال مسيرتها الطويلة وعبر محطاتها المأساوية البارزة 1948و1967و1970و1982 و2007 لم تكن نتيجة لتقاعس أو تقصير الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية بل كان للأطراف الأخرى العربية المصنفة ضمن معادلة الصراع دور رئيس في حدوثها وتَحَمُل مسؤوليتها، كذلك الأمر بالنسبة للإنجازات السياسية التي تحققت، فلم يكن مرجعها فقط النضال الفلسطيني بل لعبت الأطراف العربية وخصوصا الشعبية دوراً في تحقيقها أو في تضخيمها.
كان ارتباط فلسطين بمحيطها العربي مستمدا من الفكر والمشروع القومي الوحدوي العربي وهو مشروع الشعب العربي الذي يسعى إلى الوحدة القومية والتحرر من الهيمنة الأجنبية، والملاحظ أن ظهور المشروع القومي الوحدوي تساوق مع بداية ظهور الحركة الصهيونية والأطماع الاستعمارية في المنطقة العربية، وليس بالمصادفة أن يتزامن ظهور الثورة العربية الكبرى 1915 واتفاقية سايكس ـ بيكو 1916 ووعد بلفور 1917، وهكذا أصبح الخطر الصهيوني وما يشكله من تهديد للأمة العربية ووحدتها جزءاً لا يتجزأ من فكر الحركة القومية وأهدافها النضالية، وأصبحت القضية الفلسطينية قاسماً مشتركاً بين كل الحركات والتنظيمات والأنظمة القومية العربية، وأصبح تحرير فلسطين هو الهدف المشترك لها (على مستوى الشعارات والبرامج المعلنة) بل كان الفلسطينيون ممنوعين من أخذ قضيتهم بأيديهم وكان عليهم انتظار المنقذ العربي لتحرير بلدهم حيث رفعت الأنظمة العربية شعار (الوحدة طريق التحرير).
أدت هزيمة حزيران 1967 لتعزيز الهوية الفلسطينية الصاعدة وهو الحدث الذي أدى في نفس الوقت لتراجع قوة دفع الحركة القومية العربية وأنظمتها مما مهد الطريق لتغلغل فكر التسوية الذي كانت أولى خطواته خطة روجرز الأمريكية 1970 والتي قبلت بها مصر ورفضتها الثورة الفلسطينية ،وكانت هذه بداية التوتر بين الثورة الفلسطينية ومصر والنظام الرسمي العربي بشكل عام .بعد فشل خطة روجرز اندلعت حرب اكتوبر 1973 وهي الحرب التي بالرغم من تحقيق الجندي العربي انجازات باهرة وخصوصا على الجبهة المصرية إلا أن نتائجها السياسية كانت إعلان وقف إطلاق النار بداية ثم مباشرة مصر السادات مفاوضات مع واشنطن لإيجاد تسوية مع إسرائيل وهو ما توج بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد 1979 .بخروج مصر من ساحة المواجهة بدأت الضربات تُكال للفلسطينيين عسكريا كغزو إسرايل للبنان صيف 1982 لتصفية الوجود الفلسطيني هناك،أو سياسيا كمحاولة الالتفاف على منظمة التحرير الفلسطينية والحقوق الفلسطينية من خلال طرح مبادرات سلام كمشروع فهد الأول 1981 ثم الثاني 1982 ،وبعدهما مؤتمر مدريد للسلام .
وهكذا تلاحقت الأحداث التي أدت إلى تحول في موقف الأنظمة العربية من القضية الفلسطينية: هزيمة حزيران ورفع العرب شعار إزالة آثار العدوان وإستعادة الأراضي العربية المحتلة ،ثم حرب أكتوبر وما أدت إليه من خروج مصر من ساحة المواجهة ، انهيار النظام الإقليمي العربي بعد حرب الخليج الثانية ،بعد كل هذه الأحداث بدأ النظام الرسمي العربي يبحث عن تسوية مع إسرائيل لمجمل الصراع العربي الإسرائيلي ولم تعد القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى بل لم تتورع أنظمة عربية عن توظيف معاناة الشعب الفلسطيني لخدمة قضاياها الخاصة ،وبعضها تآمر على الفلسطينيين.
بعد مؤتمر مدريد 1991 الذي أعرب فيه كل العرب تقريبا عن خيارهم بتسوية الصراع مع إسرائيل تم توقيع اتفاقية سلام فلسطينية إسرائيلية (اتفاقية أوسلو) 1993 وأخرى أردنية إسرائيلية (وادي عربة) 1994 .بالرغم من تنكر إسرائيل لاتفاقات السلام الموقعة واستمرارها في عدوانها على الفلسطينيين والذي وصل ذروته في انتفاضة الأقصى عام 2000 حيث تم اجتياح الضفة الغربية وحصار الرئيس الفلسطيني في مقر إقامته في رام الله ،إلا أن الأنظمة العربية استمرت في تمسكها بنهج السلام وكشفوا كل أوراقهم وهذا ما تم في مبادرة السلام العربية التي تم طرحها في قمة بيروت 2002 . ويمكن اعتبار هذه المبادرة تعبيرا عن الموقف الرسمي لكل الأنظمة العربية،وإن كان سقف بعض الأنظمة أدنى من المبادرة فلا توجد أنظمة عربية لها سقف أعلى ،بل لم تجرؤ الدول العربية على التراجع عن هذه المبادرة بعد الحرب الهمجية على غزة أواخر 2008 عندما تم مناقشة موضوع العدوان في القمة العربية التي عُقدت لهذا الشأن .
الموقف الشعبي
في مقابل الموقف الرسمي السلبي كان موقف الشعوب العربية داعما ومؤيدا في غالب الآحيان ،ووقفت الشعوب العربية إلى جانب الشعب الفلسطيني بما تستطيع .أحيانا كان الدعم ماديا كالتبرعات المالية والعينية متعددة الأشكال وفي حالات كثيرة شارك مقاتلون عرب إلى جانب الثوار الفلسطينيين و آخرون شاركوا سياسيا وإعلاميا ،وأحيانا كان دعما معنويا من خلال الخروج في الشورارع في مسيرات ومظاهرات أو خلال الإعلام بكل أشكالة.وقد كان الموقف الشعبي في بعض الأحيان فاعلا وقادرا على التأثير على الحكومات وظهر ذلك من خلال فضح العلاقات الرسمية التي تحدث بالخفاء أو بالعلن مع مسؤولين إسرائيليين كزيارة إسرائيل أو دعوة إسرائيليين لحضور مؤتمرات في بلدان عربية،وقد كان الرأي العام الشعبي مهما في تعطيل ووقف التطبيع العربي الإسرائيلي ،كذلك في التأثير على الرأي العام الخارجي .
الرأي العام العربي بشكل عام متعاطف مع الشعب الفلسطيني لاعتبارات قومية ودينية وإنسانية ،ولكن هذا التأييد والتعاطف كان يتفاوت ما بين تعاطف بسيط وعفوي وهذا يمكن التاثير عليه من طرف النظام أو الأحزاب السياسية احيانا ،وتعاطف مسيس ومبدأي وخاصة لدى المنتمين لأحزاب المعارضة سواء كانت دينية أو يسارية.ومع ذلك وظفت الأحزاب القضية الفلسطينية في خضم صراعها مع الأنظمة بحيث كانت تخرج إلى الشارع تحت شعار حماية الأقصى أو دعم الانتفاضة ،إلا أن هذا الخروج كان يستخدم لاستعراض قوة في مواجهة النظام ولكسب تأييد الشارع ،ومع ذلك لعبت الأحزاب السياسية وخصوصا المعارضة دورا في إبقاء القضية الفلسطينية حية عند الجمهور العربي .
ثانيا :تأثير الثورات العربية على مسار الصراع مع إسرائيل
ما أن بدأ الحراك الشعبي حتى راود الأمل الكثيرين بأن العالم العربي يشهد مرحلة جديدة ستعيد موضعة العلاقات وموازين القوى في المنطقة وتعيد الآمال العربية بالتحرر والوحدة وما سيترتب على ذلك من تغيير معادلة الصراع مع العدو وخصوصا أن إسرائيل وواشنطن تنظران بقلق للأحداث في مصر وفي مجمل الساحة العربية .إلا أن مجريات الأحداث حبلى بكثير من المتغيرات والمستجدات التي لا تتوافق بالضرورة مع تطلعات الشعوب بشكل عام وتطلعات الفلسطينيين على وجه الخصوص .
1- التأثيرات المباشرة وقريبة المدى على فلسطين
أ- خطأ التعميم يؤدي لخطأ الاستشراف
وكأنها المسلمة ساد خطاب أقرب للوهم بأن العالم العربي يشهد ربيعا ثوريا ،وبالتالي التعامل مع العالم العربي وكأنه بات عالما جديدا متناقضا مع ما قبل يناير 2011 .دون التقليل من شأن ما يجري إلا أنه من الملاحظ أن الثورات أو الاحتجاجات الشعبية لم تحدث إلا في ستة بلدان عربية – تونس ،مصر،البحرين،اليمن،ليبيا،تونس- من بين أثنين وعشرين بلدا ،ولم تنجح إلا في أربع منها – تونس ومصر وليبيا واليمن- بمعنى أن أكثر من ثلاثة أرباع الدول العربية ما زالت تعيش في ظل نفس الأنظمة السابقة وهي أنظمة صديقة وحليفة للغرب وبها قواعد عسكرية أمريكية ،وهي أبعد ما يكون عن الديمقراطية واحترام حرية المواطن ،بل إن هامش الحريات وبناء المؤسسات في مصر وتونس كان أكبر وأفضل مما هو في البلدان التي لم تمر بحالة ثورة .
ومع ذلك وإذا أخذنا البلدان التي عرفت ثورات فإن تأثير هذه الثورات على القضية الفلسطينية سيختلف من دولة إلى أخرى بل لا نستبعد أن تكون نتائج ثورة ما سلبية بالنسبة للقضية الفلسطينية .وفي جميع الحالات فالأمر يرتبط بالقوى الثورية أو التي ستستلم مقاليد السلطة بعد الثورة .مثلا بالرغم من أهمية الثورة التونسية وما بلغته من دروس إلا أن تداعياتها على السياسات الخارجية لدول المنطقة وعلى الصراع العربي الإسرائيلي بقى محدودا لأن الجغرافيا السياسية ودور تونس في سياسات الشرق الأوسط والعالم يبقى محدودا . ومن هنا نلاحظ كيف رحبت واشنطن وأوروبا والعالم بثورة الشعب التونسي ولم تجر أي محاولات للتأثير في مجريات الثورة ،أما في مصر فالعالم ينظر لما يجري ويتعامل معه بشكل مختلف والوضع لم يستقر بعد في مصر وقد تحدث مفاجاءت تُخرج الثورة عما كان يريده الثوار الأوائل.
إذا بقينا في الحالتين التونسية والمصرية ،فإن أي تغيير جذري في العلاقات الخارجية في مصر – وهو ما لم يحدث حتى الآن- ستكون له انعكاسات إقليمية ودولية وسيعيد خلط الأوراق وخصوصا في ملف الصراع في الشرق الأوسط وبالتالي فإن الحسابات السياسية والإستراتيجية المرتبطة بالمصالح لها الأولوية على حسابات الديمقراطية وحقوق الإنسان ،أما في تونس فالغرب يتعامل مع الثورة فيها كقضية ديمقراطية وحقوق إنسان بالدرجة الأولى دون تجاهل وجود حسابات إستراتيجية على المدى البعيد.
إن كانت الثورة في تونس ومصر موجهة ضد أنظمة حليفة لواشنطن وغير معادية لإسرائيل وتندرج في إطار ما يسمى بمعسكر الاعتدال ،مما يرفع من سقف توقعات القوى المعارضة للغرب، فإن الثورة امتدت لأنظمة من معسكر الممانعة أو قريبة منه كسوريا وليبيا وهذا يدفع للتساؤل عن سياسة القوى التي ستستلم مقاليد الأمور بعد الاستقرار النهائي للأحداث، وما طبيعة علاقتها بالغرب وإسرائيل وقد رأينا كيف باتت الثورة الليبية تحت رعاية وحماية حلف الأطلسي.
ب – أسبقة الإنشغالات الداخلية (الوطنية) على القضايا القومية
من سمة الثورات العربية أنها جاءت في زمن تراجع الفكر القومي والتقدمي العربي ومصادرة الفكر الوطني من طرف أحزاب السلطة ،وبالتالي لم تكن الايديولوجيات الكبرى ولا الأهداف القومية والثورية على رأس سلم اهتمامات الشباب الذين أنطلقوا بالثورة ،ولذا يلاحظ أن الثورة في بداياتها لم تكن مؤدلجة ،ولكن دخول جماعات الإسلام السياسي لاحقا غيَّر من توجهات وشعارات الثورة .
لقد أخذت الثورات في بدايتها بعدا (وطنيا ) حيث رفع المتظاهرون شعارات ورددوا هتافات تعبر عن مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية محددة وكلها لها طابع وطني داخلي بعيدا عن أية أيديولوجية – لاحقا ظهر الخطاب الديني- ،كما لم يرفع المحتجون أو الثائرون شعارات كبرى كتحرير فلسطين أو الوحدة العربية أو القضاء على إسرائيل وأمريكا بل لم يتم ترديد ولو شعار واحد ضد واشنطن وإسرائيل او حرق العلمين الإسرائيلي والأمريكي ،كما كان الحال مع الثورات أو الانقلابات العربية السابقة.
بسبب وعي قادة المحتجين وبسبب قوة التدخل الذي تقوم به واشنطن والغرب في التأثير على مجريات الأحداث فإن القيادة القادمة ستكون في المرحلة القريبة ذات توجهات إصلاحية داخلية ولن تفتح الملفات الكبرى كاتفاقية كامب ديفد والالتزام بالسلام مع إسرائيل وخصوصية علاقة مصر بواشنطن والغرب ،بمعنى أنه سيتغير رأس النظام ولن يتغير النظام في بنيته الأساسية ومن حيث سياساته الدولية. لذا من غير المتوقع أن تقوم القيادة الجديدة في مصر مثلا – في حالة حدوث التغيير الذي تريده الجماهير – بمباشرة خطوات دراماتيكية في السياسة الخارجية لمصر سواء من حيث العلاقة مع إسرائيل أو مع واشنطن والغرب ،حيث ستطغى انشغالا الوضع الداخلي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على أية انشغالات أخرى .وقد لاحظنا كيف أكد محمد مرسي بعد انتخابه مباشرة التزام مصر بالاتفاقات الموقعة ويقصد اتفاقية كامب ديفيد،وبعد أيام جاءت وزيرة الخارجية كلينتون لمقابلته وتهنئته بالفوز.
الأيديولوجية القومية العربية والمواقف المعادية لإسرائيل كامنة ولا شك في عمق العقل الجمعي المصري ولكنها ليست من أولويات الجماهير التي لها مطالب ذات طابع محلي ،وبالتالي فالتحول في توجهات الثورة قد يحدث مع مرور الوقت ،وهذا يذكرنا بـ (ثورة) يوليو 52 التي كانت في بدايتها ثورة وطنية خالصة ،وهذا ما كان واضحا في مبادئ الثورة، وفيما بعد أصبح لها توجهات قومية وثورية تحررية .ونعتقد أن الحائل بين السلطة الجديدة التي ستنتج عن التغيير والمواجهة مع تل أبيب والغرب ليس فقط الأيديولوجية بل لأن الجيل الجديد من الشباب والقوى المؤهلة لاستلام زمام الأمور يدركون أن الاقتصاد المصري يعتمد بشكل كبير على الخارج – معونات أمريكية سنوية ،عائدات قناة السويس ،السياحة ،الاستثمارات الخارجية الخ – .ما يعزز أيضا أن تبقى التغيرات في السياسة الخارجية محدودة أن التغييرات ستكون تحت إشراف المؤسسة العسكرية ،والجيش جزء أصيل من النظام القديم وتوجهاته ومصالحه حيث النخبة الاقتصادية للنظام تمكنت من الجيش وكسبت ولاء كثير من ضباطه ،هذا بالإضافة إلى الضغوط التي تمارسها واشنطن على الجيش.
ث- أهم التداعيات المباشرة على القضية الفلسطينية
مما لا شك فيه أن أي تغيير في الحالة العربية يخدم شعوب المنطقة ويخلصها من الأستبداد والقهر هو أمر إيجابي ومرحب به فلسطينيا لأن الفلسطينيين اكتووا وعانوا كثيرا من سياسات الأنظمة السابقة،ومن جهة أخرى فإن أي تقدم عربي باتجاه الديمقراطية سيصب في النهاية في خدمة الشعب الفلسطيني . وبالتالي فإن هناك من يرى أن الثورات العربية وفي جميع الحالات خدمت القضية الفلسطينية وأضعفت إسرائيل والسياسة الأمريكية في المنطقة ،حيث ذكر احمد نوفل نقلا عن صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية، بأن الفلسطينيين أكثر الرابحين من الربيع العربي، وأن أكبر الخاسرين هي إسرائيل، تليها الولايات المتحدة.ويرى الكاتب: (إن الثورات العربية أضعفت جزءا من التأثير الإسرائيلي والأمريكي في صناعة القرار العربي، ما يعني تقديم الأولويات الوطنية والقومية والإسلامية على اعتبارات الضغوط الخارجية التي تتعارض معها، وفتحت الباب أيضا أمام المشروع النهضوي العربي الإسلامي الذي قد يُحدث تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة، وربما عسكرية بتغير موازين القوى في المنطقة، الأمر الذي سينعكس سلبا على مستقبل المشروع الصهيوني وكيانه الإسرائيلي في المنطقة) .
على المدى البعيد قد تخدم الثورات العربية شعوب المنطقة بما فيها شعب فلسطين ،إلا أن المرحلة الانتقالية الراهنة من عمر التحركات الشعبية قد لا تؤثر إيجابيا على الفلسطينيين بل يجب الحذر من تداعيات سلبية غير مقصودة وأهمها:-
1- انشغال الشعوب العربية بمشاكلها الداخلية :السياسية والاقتصادية والاجتماعية،وقد ذكر تقرير لجريدة نيويورك تايمز أن السلطة الفلسطينية باتت بعد الربيع العربي تشعر بـ “اليتم” ،ونقلت عن سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني: ( إن التحدي الأكبر الذي نواجهه بجانب الاحتلال هو تهميش القضية الفلسطينية، الذي هو نتاج الربيع العربي؛ حيث أصبح الناس مشغولين بشؤونهم الداخلية، كما أن الولايات المتحدة على أعتاب انتخابات الرئاسة ولديها الأزمة الاقتصادية، وأوربا لديها ما يقلقها.. لهذا بقينا على الجانب) .
دون تقليل من تعاطف الجماهير العربية تجاه الفلسطينيين ورغبة الثوار بفتح صفحة جديدة مع الفلسطينيين يتم فيها تجاوز أخطاء النظم السابقة،إلا أن الشعوب العربية الثائرة ستنشغل بهمومها الداخلية وخصوصا أن الحراك الشعبي قد يؤدي في بعض الدول لحرب أهلية كما يجري في ليبيا واليمن وسوريا والبحرين،وفي هذه المرحلة من عدم الاستقرار قد تلجأ الجماعات الثائرة لتعزيز علاقاتها مع الغرب و واشنطن تحديدا لمواجهة التحديات المستجدة ،وفي المقابل ستلجأ الأنظمة التي لم تشهد الثورات إلى كسب ود الغرب لتجنب حدوث ثورة وللحفاظ على وجودها ،وواشنطن لن تتورع عن ابتزاز الطرفين سياسيا بما يخدم مصالحها ومصالحها حليفها الاستراتيجي في المنطقة – إسرائيل-.
2- الثورات العربية وما أدت من حالة عدم استقرار ومستقبل مفتوح على كل الاحتمالات أوجد قناعة لدى واشنطن بأنه لا يمكنها المراهنة على أي نظام عربي كحليف استراتيجي ،وان الحليف الوحيد المضمون هو إسرائيل.هذه المتغيرات ستؤدي لمزيد من التأييد الأمريكي للسياسة الإسرائيلية،وبالتالي لمزيد من التعنت الإسرائيلي ،وقد ظهر هذا جليا حيث شهد العام المسمى عام الربيع العربي أكبر وأوسع عمليات الاستيطان والتهويد ،حتى قمة بغداد نهاية مارس 2012 وهي أول قمة عربية في ظل الربيع العربي كانت هزيلة من حيث القرارات المتخذة بالشأن الفلسطيني .
3- الثورات العربية غيرت من طبيعة الصراع في المنطقة ومن أولويات شعوب المنطقة.فسابقا كان الحديث يدور حول صراع عربي إسرائيلي وكانت واشنطن والغرب عموما طرفا بجانب إسرائيل،أما في ظل الثورات العربية فإن الحديث يدور حول عالم إسلامي وصراع الإسلاميين ضد الأنظمة العلمانية والدكتاتورية ولتأسيس أنظمة إسلامية،وتراجع الصراع مع إسرائيل والغرب ،بل للمفارقة أن واشنطن والغرب والدول الموالية لهم كقطر والسعودية يدعمون جماعات الإسلام السياسي للسيطرة على الحكم .ومن هذا المنطلق علينا تصور عالما عربيا/إسلاميا جديدا حليفا لواشنطن والغرب أو على الأقل غير معاديا لهم ،وكيف ستكون مواقفه وسياسياته تجاه إسرائيل .
4- الثورات العربية أربكت طرفي المعادلة الفلسطينية حتى اللحظة، أضعفت حركة فتح والسلطة بانهيار معسكر الاعتدال مع سقوط مبارك،كما أن الوضع في سوريا ووصول الإخوان المسلمين في مصر للرئاسة وإعطاء بناء الوضع الداخلي الأولوية على أي انشغالات خارجية ،دفع القيادات العاقلة لحركة حماس لإعادة حساباتها.
5- دفعت الثورات العربية في بداياتها حركتي فتح وحماس للتعجيل بالتوقيع على ورقة المصالحة،ليس قناعة بمحتوياتها أو لأن متطلبات المصالحة باتت ناجزة ،ولكن خوفا من تذمر الشعب الفلسطيني ومن إمكانية ثورته على الحزبين الحاكمين وظهرت بوادر ذلك في حراك الشباب في آذار 2011 .
6- مقابل التوقيع الشكلاني على المصالحة إلا أن تيارا قصير النظر في حماس يرى أن الثورات العربية وحالة المد الإسلامي بشكل عام وخصوصا بعد الفوز الذي حققه الإخوان في تونس ومصر،يعزز طروحاتهم السياسية ويجعلهمأكثر قوة في مواجهة حركة فتح والسلطة الفلسطينية،وبالتالي لا داع، من وجهة نظر هذا التيار، لتقديم تنازلات للرئيس أبو مازن أو التنازل عن سلطتهم في غزة ،حيث يراهنون على السيطرة على مجمل النظام السياسي الفلسطيني بمساعدة من عالم إسلامي يتشكل.
7- ما يجري داخل مصر خلق حالة من الفراغ الأمني في شمال سيناء مما سمح بتزايد وجود الجماعات المسلحة ودخول السلاح للمنطقة وخصوصا من ليبيا،هذا الوضع في سيناء يقلق إسرائيل وخصوصا من احتمال وجود تنسيق وتعاون بين جماعات مسلحة أصولية في سيناء وجماعات في قطاع غزة،الأمر الذي قد يدفعها لاتخاذ خطوات استباقية ضد قطاع غزة كالتصعيد العسكري وتشديد الحصار .
8- استغلت إسرائيل انشغال العرب والعالم بالثورات العربية فزادت من وتيرة الاستيطان في الضفة والتهويد في القدس مع تهربها من كل محاولة لإرجاعها لطاولة المفاوضات،وإسرائيل في سياستها هذه مطمئنة إلى أن حليفتها واشنطن المتحالفة مع الإسلام السياسي الصاعد ستضمن لها عدم وجود أي ردود فعل عربية على سياساتها العدوانية .
خاتمة
إن كانت الحالة الثورية العربية أحيت آمالا ورفعت من سقف توقعات عشاق الحرية والديمقراطية إلا أنها في نفس الوقت تثير تخوفات على الثورة ومن الثورة،تخوفات على الثورة ممن يرومون سرقتها بركوب موجتها وتوجيه مسارها لخدمة سياسات ومصالح تتعارض مع تطلعات غالبية الجماهير التي خرجت في الثورة،وتخوفات من انزلاق للثورة في بعض البلدان تؤدي لحالة من الحرب الأهلية أو الإقليمية،وقد لاحظنا الأحداث المؤسفة في ليبيا والتي تنذر بتقسيمها قبليا،وكذا ما يجري في سوريا من أحداث تنذر بحرب أهلية ،وفي مصر لم تستقر الأمور بعد وخصوصا في ظل الخلافات ما بين الرئيس مرسي والإخوان من جانب والمؤسسة العسكرية والقضائية من جانب آخر .
إن إحلال الفكر والمشروع الإسلامي محل الفكر والمشروع القومي العربي سيغير من طبيعة وأطراف الصراع في الشرق الأوسط ،وتحديدا من جهة العلاقة التي تحكم جماعات الإسلام السياسي الصاعدة مع الغرب وخصوصا واشنطن الحليف الاستراتيجي لإسرائيل ،والتي لا تبدو علاقة تصادمية .وعليه من المتوقع أن تشهد المنطقة احداثا عظاما على الفلسطينيين الحذر منها ومواجهتها منذ الآن من خلال التعجيل بالمصالحة الاستراتيجية التي تُعيد بناء المشروع الوطني الفلسطيني كمشروع حركة تحرر وطني مستقل عن أية أجندة خارجية.
ibrahemibrach1@gmail.com
ibrahem-ibrach@hotmail.com
www.palnation.org