وللعقل علينا حق

28 يناير 2017آخر تحديث :
وللعقل علينا حق

2-9-2008

من أولويات حق العقل علينا أن نُعمله لتدبير أمور حياتنا الخاصة والعامة،فلا حضارة أو تقدم إلا بالعقل، فالحضارة هي إعمال العقل في حياة الشعوب سواء على مستوى تدبر الإنسان لشؤون حياته اليومية أو تدبر الدولة لشؤونها العامة ،بالعقل أسس الإنسان الحضارات وشيد وعمر البلدان،حتى أصبحت كلمة حضارة أو مدنية ترتبط ارتباطا كليا بالعقل والعقلانية. بالعقل تنفتح آفاق المعرفة وبالمعرفة يتم التمييز بين الخطأ والصواب وبين الصالح والطالح، وحيث أن العقل هو أداة العلم والمعرفة فقد ظهرت العلوم العقلية التي أصبحت اليوم مناط الحكم على مدى تقدم المجتمعات أو تخلفها،فكانت العلوم القانونية والسياسية والاقتصادية والبيولوجية والزراعية والهندسية الخ.
وحق العقل من الإيمان،فما كان للإنسان أن يهتدي للإيمان إلا بالعقل،فلا نعتقد بوجود تناقض ما بين الدين والعقل، ذلك أن الله عز وجل عندما خلق الإنسان ميزه بالعقل،فالعقل ليس مجرد عضو بيولوجي كاليد واللسان والمعدة الخ ،بل عضو فاعل ومفكر وموجه وبدون العقل ما اختلف الإنسان عن الحيوان، وقد ورد ذكر العقل سواء باسمه وفعله، أو مترادفاته في القرآن الكريم (العقل والقلب والفؤاد تدل على نفس الشيء كما يذهب كثير من العلماء والفقهاء) حوالي خمسين مرة، ذلك أن الاستخلاف بالأرض وعمارة الكون والحياة لا يتأتيا إلا بالعقل،و العقل اليوم يعني العلم والمعرفة وبالتالي فإن الاستخلاف في الأرض وأعمارها لا يكونا إلا بالقدرة على استيعاب هذه العلوم والتفوق بها.المسلمون لم يقيموا حضارة إلا عندما انفتحوا على معارف وعلوم الحضارات الأخرى اليونانية والفارسية ،هذه الحضارة الإسلامية أصابها الوهن ثم الانهيار عندما بدأ المسلمون يخرجون عن مجال العقل والإيمان الحقيقي ويتصارعون على السلطة والجاه ويوظفون الدين عن طريق التأويل والتلوين والتفسير بما يُخرجه عن أصله ويجعله أداة لخدمة السلطان والسلطة القائمة،حيث كان لكل سلطة علماؤها وأئمتها من المنافقين الذين يحرفون الكُلم عن مواضعها ،وعندما أصبح الدين أداة لخدمة السلطة والسلطان ،وعندما أصبحت السلطة(الإمارة والخلافة) هدفا بحد ذاته خسر المسلمون الدين والدولة.
وفي مجال السياسة فإن الديمقراطية ومشتقاتها كحرية الرأي والتعبير والحريات الخاصة واحترام حرمة المسكن الخ، هي تتويج للعقل السياسي أو خلاصة تطوره ونضجه،والحجّر على العقل وانتهاك الحريات أمور لا تتوافق مع الزعم لا بالعقل والعقلانية ولا بالديمقراطية ولا تستقيم مع القول بالاستخلاف بالأرض وأعمارها حيث لا يمكن أن تعمر الأرض بالجور والاستبداد وانتهاك الحريات والحرمات.وخصوصا أن حركات الإسلام السياسي قد غيرت مواقفها، أو هكذا يبدو، فحللت الانتخابات والديمقراطية بعد طول عهد من التحريم.

إذن العقل الذي هو مناط ومرجعية الحكم على الأمور له علينا حق،و من حق العقل علينا كفلسطينيين نتعرض لتهديدات تمس وجودنا أن نوقف حالة العبثية والتخبط التي أصبحت تحكم وتُسير كل مناحي حياتنا حتى ثوابتنا ومرجعياتنا الوطنية، نتعرض لتهديدات سياسية وإستراتيجية تحتاج مواجهتها للعقل والعقلانية وليس الهروب نحو شعارات وتوظيفات دينية،فالشعب الفلسطيني كان دوما متصالحا مع دينه الإسلامي ،وغالبية القيادات التاريخية للشعب الفلسطيني من الحاج أمين الحسيني حتى أبو عمار كانت مرجعيتهم دينية ولكنهم دمجوا ما بين الدين والوطنية .نعم المواجهة مع العدو الصهيوني لها بعد ديني يجب أن نستحضره دائما وخصوصا أن هذا العدو لا يُنكر انه يريد دولة يهودية خالصة،ولكن خلافاتنا الداخلية هي خلافات سياسية حول السلطة والحكم وقيادة الشعب ويجب ألا نقحم الدين في هذه الخلافات فكل الشعب الفلسطيني يعتز بإسلامه حتى مسيحييه هم في حالة مصالحة وانسجام مع المسلمين والدين الإسلامي..إن إقحام الدين في السياسة الداخلية سيولد فتنة داخليه وسيحرف صراعنا الرئيس عن مساره بحيث سيخلق أعداء داخليين سيحلون محل الأعداء الخارجيين ،ونتمنى ألا يؤدي عدم قدرة الجماعات الإسلامية على حسم الصراع لصالحها مع العدو الخارجي إلى استسهال تسجيل نقاط نصر على أعداء داخليين مفترضين أو موهومين،وللأسف فإن مؤشرات كثيرة تدل على حدوث هذا الانحراف.
ما كنت ارغب بالكتابة الآن حول هذه القضايا الفكرية بالرغم من أنني كتبت حولها كثيرا منذ سنوات ويوجد في المواد التي صادرتها حكومة حماس مشروع كتاب حول الموضوع أشتغل عليه منذ سنوات ولا أتوفر على نسخة أخرى،وكنت أفضل أن انشغل وينشغل العقل السياسي الفلسطيني بالبحث عن سبل مواجهة الخطر الصهيوني المحدق بقضيتنا الوطنية ومواجهة حالة الانقسام الجغرافي والسياسي والمؤسساتي المدمر للمشروع الوطني،إلا أن ما تعرضت له من انتهاك لحرمة بيتي ومصادرة لأرشيفي المدون على جهازي كمبيوتر وأشرطة وكاسيتات وقلاشات وهو جهد ربع قرن من البحث والتعب وهي أجهزة في ملكي الشخصي واشتريتها من حر مالي ،من تعبي وسهري الليالي الطوال، هذا السطو حتم عليَّ العودة للكتابة حول الموضوع وخصوصا أنني بعد تركي للوزارة عدت مواطنا عاديا كاتبا ومفكرا لا اشتغل بالخفاء وكل كتاباتي منشورة،ولا شيء يشغلني إلا الهم الوطني ومحاولة البحث عن قواسم مشتركة بين الأفرقاء المتخاصمين ،وفضلت العودة لغزة المحاصرة بدلا من أي مكان آخر،وما زلت انتظر جوابا على سؤالي عن السبب والدوافع وراء جريمة اقتحام بيتي ومصادرة نتاجي العلمي والإطلاع على مراسلاتي وصوري العائلية ؟وهل من سبب غير ان الحكومة القائمة لا تؤمن بحرية الرأي وحق الاختلاف وكأنهم لم يقرؤوا ما قاله الإمام الشافعي (رأيي صواب ويحتمل الخطأ ورأيك خطأ ويحتمل الصواب) أو قول عمر بن الخطاب رضي الله غنه (أخطا عمر وأصابت امرأة) .
كتابتي مرة أخرى وأرجو أن تكون الأخيرة عما تعرضت له، ليس بهدف التشهير بالجهات الفاعلة،ولكن لان ما جرى لي أو لغيري من أفعال مشابهة بغض النظر عن مكان حدوثها- في محاولة للتهوين مما جرى قال لي احد قياديي حماس بان ما تعرضت له أمر يحدث مثيل له في الضفة!،وكأن الخطأ يبرر الخطيئة- يعطي مؤشرا خطيرا و يُبَلغ رسالة سلبية للخارج تضعف من مصداقية الخطاب السياسي الفلسطيني المندد بالممارسات الإسرائيلية.كيف يمكن للعالم أن يهتم بخطابنا المندد بانتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطيني سواء على مستوى اقتحام البيوت والمؤسسات والجامعات أو الحد من الحريات أو مصادرة الممتلكات،والعالم يشاهد ما نفعله بعضنا ببعض؟.كيف نحاجج إسرائيل بالمحافل الدولية حول انتهاكها لحقوق الإنسان كانتهاكها للمادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تقول أنه( لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات ) ونحاججها بعشرات النصوص الدولية الأخرى،والعالم بسمع ويشاهد انتهاك سلطات فلسطينية لهذه الحقوق وللمواثيق الدولية؟.

نتمنى في النهاية أن تُحكم الطبقة السياسية الفلسطينية العقل في نهجها السياسي سواء داخليا أو خارجيا،وان تخرج النظام السياسي من عبثيته المدمرة، عبثية وتخبط المفاوضات والتسوية ،عبثية وتخبط المقاومة، عبثية وتخبط عمل مؤسسات المجتمع المدني،عبثية وتخبط علاقاتنا الخارجية،لم يعد اليوم شيئا في مناطق السلطة وفي السياسة الفلسطينية يخضع لعقل أو منطق ،إلا منطق المصالح والايدولوجيا والحسابات الضيقة للسلطة,فكيف يمكن لنخبة سياسية تعادي العقل وتسير حسب أهواء الساسة والأحزاب أن تنتصر على عدو خارجي أو تقنع العالم الخارجي بعدالة القضية التي تزعم أنها تدافع عنها؟.

 

الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق