مقال خارج السياق

28 يناير 2017آخر تحديث :
مقال خارج السياق

31-8-2008

كان مفترض أن يكون مقال هذا الأسبوع تواصلا مع سلسلة المقالات حول موضوع الحوار الوطني ثم التهدئة والتي بدأتها منذ أن استقلت من حكومة تسيير الأعمال، الاستقالة التي استفزت كثيرا من الذين لم يفهموا سبب الاستقالة مع أنني وضحت السبب في كتاب الاستقالة، و أثارات عدم رضا وزراء ومستوزرين ممن اعتبروا الاستقالة مسا شخصيا بهم وخذلا لحكومة هي في نظرهم تمثل المشروع الوطني في مواجهة مشروع غير وطني لحركة حماس ،مع أنني لو كنت أرى بهذه الحكومة حكومة المشروع الوطني ما فكرت بتركها،وقد وضحت في مقال لاحق للاستقالة خطورة وجود حكومتين بدون مشروع وطني.لقد تجنبت الرد على مَن كتبوا منوهين بالاستقالة وهم كثر ولهم الشكر والتقدير، ولم أرد على الذين لم تعجبهم الاستقالة وبعضهم من أصحاب النفوذ وعملوا على محاصرتي إعلاميا ومحاولة إعاقة عودتي لعملي الجامعي.لقد تجنبت ذلك لأنني لا أسعى للإثارة أو البطولة بل ممارسة حقي بالتصرف حسب ما يمليه ضميري وإخلاصي للوطن،و لست آسفا على الاستقالة لأنني كنت وما زلت مقتنعا بالخطوة التي اتخذتها ومستعدا لتحمل مسؤولية كل ما يترتب عليها،مع أنني اتفهم استياء رئيس الوزراء للطريقة التي أعلنت بها الاستقالة.

إذن كان من المفترض أن أتجاوز موضوع الاستقالة وتداعياتها وأتفرغ للكتابة والبحث وان يكون مقالي الجديد حول التهدئة وتداعياتها على الحوار والمصالحة الوطنية،وبالفعل كتبت المقال الجديد وكنت أتهيأ لإرساله للنشر،إلا أن ما أقدمت عليه حركة حماس وحكومتها غير الرشيدة في غزة الذين لا يعجبهم أن يكون كاتب أو مفكر يكتب بموضوعية ويحلل الأزمة التي يعيشها النظام السياسي ويحذر من خطورة ما يجري وتداعياته، محمِلا المسؤولية لكل من أجرم بحق الشعب وبحق المشروع الوطني،هذه الحكومة استفزها أن يكتب كاتب وبهذه الوضوح من غزة دون أن يجامل حكومتهم أو يخشى سطوتها، فهذا ما لا تستوعبه ثقافة من يزعمون أنهم حكومة شرعية وديمقراطية وداعية حوار ومصالحة وطنية.

وحدث ما كنت أتوقعه وأخشاه ويخشاه كل كاتب وصاحب فكر حر في قطاع غزة،وخصوصا أن مقالة فوزي برهوم الناطق باسم حماس والذي هدد وتوعد بالويل والثبور إن عدت لغزة ونصحني مشكورا بالبحث عن مكان آخر غير غزة لأعيش فيه ، هذه الرسالة التي كتبها قي صحيفة الرسالة التابعة لحركة حماس ونشرت على مواقع الحركة الالكترونية ما زالت حاضرة في ذهني،حدث هذا عندما قلت بعد الاستقالة بأنني سأعود لغزة، وكنت وما زلت أعتقد بأنه لا قوة تمنع مواطنا من العيش بوطنه إلا قوة احتلال،والاحتلال الإسرائيلي سمح لي بالعيش في وطني بعد خمس وعشرين سنة من المنع والغربة . وهكذا جاء لبيتي ثلاثة أشخاص قالوا بأنهم من وزارة الداخلية ومعهم أمر تفتيش للبيت،وبالفعل دخلوا المنزل وفتشوه بسرعة وذهبوا مباشرة لجهازي الكمبيوتر الذين استعملهما وحيث يوجد بهم حصيلة أكثر من عشرين سنة من العمل البحثي وكل جهدي بما في ذلك مراسلاتي الخاصة وصور أفراد عائلتي،وطوال أكثر من ساعة وهم يفتشون ويتصفحون ما في الأجهزة بما في ذلك ملفات صور بناتي وزوجتي وأفراد العائلة وعندما أبديت احتجاجا كيف يتفرجون على صور خاصة للعائلة لم يهتموا لاحتجاجي، بعد ذلك قال مسئول فريق الاقتحام بأنهم سيأخذون جهازي الكمبيوتر وكل ما يتعلق بهم من فلاشات واسطوانات ،قلت له إنكم جئتم للتفتيش وليس للمصادرة فرد قائلا إنه أمر تفتيش ومصادرة واعتقال،فسكت مستحضرا في ذهني المشاهد والحكايات المرعبة لما يجري في المشتل،وبالفعل اخذوا كل شيء معهم.

لقد قلت إنه مقال خارج السياق ولكن أثناء الكتابة اكتشفت أنني أكتب ضمن السياق،سياق الحوار والمصالحة الوطنية،حيث قفز السؤال من بين السطور، هل يمكن لمن ينتهكون حرمات البيوت ولغير القادرين على المصالحة مع أصحاب الفكر والرأي الحر،هل يمكن لهؤلاء أن يتصالحوا مع خصومهم السياسيين الذين بينهم سجل طويل من القتل والاعتقال ؟يبدو أن حركة حماس لم تعد قادرة على تحمل سماع الحقيقة،حيث لا حقيقة في نظرها إلا ما تقول به الحكومة الربانية،فالحكومات الربانية لا تنطق عن الهوى ولا يأتيها الباطل من أمامها ولا من خلفها،هكذا حكومات لا تعترف بأخطائها ولا تقبل من يسديها النصح ويبحث لها عن مخارج من ورطة ورطت نفسها بها وورطت النظام السياسي والمشروع الوطني برمته.وكيف يمكن نجاح حوار ومصالحة وطنية بين خصوم سياسيين دون أن يكون لدى هؤلاء الاستعداد لمراجعة أفعالهم والاعتراف بأخطائهم؟.
لقد أشرت في مقالي الأخير إلى تداعيات التهدئة على المشروع الوطني ووحدة شطري الوطن وحذرت بأن إسرائيل ستوظف التهدئة لتعميق الشرخ والانقسام في الساحة الفلسطينية وستضع حركة حماس أمام خيارين أحلاهما مر:إما تهدئة تعمق الانفصال والقطيعة ؟وإما حوار ومصالحة وطنية؟ وهو نفس الخيار الحرج الذي فُرض على الرئيس وحكومة فياض:إما استمرار التمويل والدعم المالي وإما المصالحة مع حركة حماس.إن مؤشرات مقلقة تقول بأن الأمور تسير نحو القطيعة والفصل وليس نحو نجاح الحوار الوطني.ولكن الأمر الخطير أنه حتى على مستوى التهدئة وبعيدا عن المصالحة الوطنية فأن التهدئة التي قد تخفف الحصار عن القطاع ستوسع من معسكر الأعداء الداخليين لحماس، ذلك أن حماس ستغطي على الاستحقاقات التي دفعتها مقابل التهدئة بمزيد من القمع الداخلي والبحث عن أعداء داخليين،فعندما بتوقف الصراع مع عدو خارجي يحتاج الأمر لعدو داخلي لتبرير آلية ممارسة السلطة،الأمر الذي يدفعنا للقول: يا ويل أهل غزة من نتائج التهدئة،حيث سيغلق باب الحصار ويُفتح باب الفتنة الداخلية.

الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق