لجريدة الشرق الأوسط : آراءات حول استراتيجية تفجير الأزمات

15 فبراير 2018آخر تحديث :

غياب المبادرة عند الفلسطينيين جعلهم ضحايا لسياسة رد الفعل التي تفرضها إسرائيل عليهم عبر تاريخها


الفلسطينيون أسرى سياسات رد الفعل («الشرق الأوسط»)

رام الله: كفاح زبون 
سياسة رد الفعل، التي فرضتها السلطات الاسرائيلية عبر تاريخها على الفلسطينيين، لم تكن فقط نتيجة غياب المبادرة الفلسطينية فحسب، بل أصبحت نهجا تقليديا. اسرائيل ترسم وتخطط، والفلسطيني ينفذ. ينفذ الخطط الاسرائيلية بحذافيرها، لدرجة أذهلت الاسرائيليين أنفسهم. ولم يكن صدفة ما أدلى به الضابط العسكري الاسرائيلي، يونتان فوغلين، الذي عمل قائدا لغرفة العمليات الاسرائيلية في اللواء الجنوبي للجيش، حين قال: «في بعض الأحيان كانت تصيبنا الصدمة ونحن نرى الفلسطينيين من كل الفصائل يتصرفون بالضبط بالشكل الذي توقعناه وأعددنا له السيناريوهات».

في كثير من الأحيان يبدو هذا الواقع عبثيا. وتبدو معادلاته بعيدة عن المنطق. ولكن تكرار هذه السيناريوهات، يجعل منها «لغة المنطق» الجديد الذي يعيشه الفلسطينيون باستمرار ويبدون فيه كأنهم يحطمون بأيديهم آمالهم وأحلامهم الوطنية، التي دفعوا ثمنها بعشرات ألوف الشهداء ومئات ألوف المعوقين وبخسائر مادية وروحية لا تقدر بثمن. والمتفرج من بعيد لا يكاد يصدق ما ترى عيناه. انها سياسة اختلاق الازمات.. فالاستراتيجية الاسرائيلية تقول منذ عقود: اخلق ازمة جانبية، ودع الفلسطينيين، يدورون حولها، تبعدهم اطول فترة عن القضايا الجوهرية.. وعندما يترآى الحل.. اخلق أو فجر ازمة أخرى أو فتنة أخرى. ومنذ وقعت السلطة الفلسطينية مع الاسرائيليين اتفاق اوسلو الشهير عام1993 وتسلمت بموجبه مدن الضفة الغربية وغزة، اختلق الاسرائيليون، عشرات الازمات والفتن، التي دفعوا من خلالها الى اشغال الفلسطينيين عن قضيتهم الاساس. من بينها قضية حصار الرئيس الراحل ياسر عرفات، اذ اعتبره الاسرائيليون انذاك عقبة في الطريق السلام، فانشغل الفلسطينيون 3 سنوات متتالية، فقط، في الدفاع عن شرعية عرفات وفك الحصار عنه، حصرت كل القضية في هذا الجانب.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي انطوان شلحت، «إنّ الأمر الجوهريّ في مفهوم تفجير الأزمات عند الاسرائيليين، هو استناد إستراتيجية المفاوضات، إلى إرجاء المساومة، إلى مرحلة الاتفاق الدائم». وبحسب شلحت فقد استطاع الاسرائيليون الاحتفاظ بأوراق مساومة (المستوطنين)، اصبحت في نهاية الأمر، بمثابة اللاعب الرئيس في العملية السياسية برمتها». وينظر الفلسطينيون، بعين الريبة، الى كل اتفاق مع الاسرائيليين، ولا يثق الشارع الفلسطيني بالنوايا الاسرائيلية عادة. يقول هاني المصري الخبير في الشؤون الاسرائيلية «ان اتفاق التهدئة الاخير في قطاع غزة، مثلا، انما يعتبرلعبة اخرى من سلسلة ازمات اعتادت اسرائيل على خلقها». واضاف «انها (اسرائيل) ارادت ونجحت في خلق ازمة بين الضفة الغربية وغزة، وحتى بين ابناء الفصيل الواحد» وتابع «اغتيال عناصر من الجهاد الاسلامي في الضفة يحرج القيادة في غزة.. عليها ان ترد فتجر الجميع الى ازمة كبيرة، او تصمت فتفجر ازمة داخل الفصيل نفسه».

وفي الوقت الذي تعارض فيه اسرائيل اجراء الرئيس الفلسطيني محمود عباس اي حوار مع حركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة، منذ اكثر من عام. ذهبت الحكومة الاسرائيلية لعقد اتفاق تهدئة مع الحركة الاسلامية. فاوقفت النار في غزة، والتزمت ضبط النفس، وشرعت في مفاوضات اخرى حول صفقة تبادل للاسرى. بينما واصلت عمليات الاعتقال والقتل والاستيطان في الضفة الغربية، التي يحكمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس «الشريك الافضل للسلام» كما يقول الاسرائيليون. معادلة تبدو «خارج المنطق»، لم يجد فيها هاني المصري الا تفسيرا واحدا بسيطا هو «ان اسرائيل لا تفهم الا لغة القوة» وهي كذلك، «تلعب لعبتها المفضلة بخلق الفتن بين الفلسطينيين وتفجير ازمات وانقسامات بينهم».

وفي الوقت الذي يعتقد فيه المصري ان السبب الحقيقي وراء اختلاق كل هذه الازمات، هو دفع الفلسطينيين الى الاختلاف او الاقتتال، منشغلين بانفسهم، لتسهيل مهمة الاحتلال، بالاستيلاء على اكبر مساحة ممكنه من الارض والمضي قدما في عمليات الاستيطان وتهويد القدس دون ازعاج، يرى شلحت، اسبابا اخرى لهذه السياسة الاسرائيلية، التي يصفها «بالمنتظمة» وتهدف الى فحص «حدود الممكن» في القضايا التي تريد اسرائيل المساومة حولها. شعب وقضية بلا استراتيجية: وبالنظر الى زيارة رئيس الوزراء الاسبق ارئيل شارون الى المسجد الاقصى وهي الزيارة التي فجرت الانتفاضة الثانية عام 2000. قال المصري «لم تكن استفزازية بالدرجة الاولى، بقدر ما كانت تعبيرا عن موقف شارون بان القدس لنا» واضاف «ربما خلق ازمة واستفزاز الفلسطينيين يأتي ثالثا او خامسا بالنسبة لشارون».

أما شلحت فقال انها زيارة ارادت التأكيد، على ان لا شريك في السلام، كما هدفت الى فحص «ما هي حدود المساومة» (ردة الفعل) لدى الفلسطينيين حول قضية مثل القدس. ولا يعتقد شلحت ان كل هذه الازمات «عينية» بمعنى ان يفرضها الاسرائيليون مباشرة، مثل قضية النفق، ومفاوضات كامب ديفيد، والاستيطان، وحصار ياسر عرفات، واغلاق معابر القطاع. لكنه يرى ان بعض هذه الازمات وربما اهمها على الاطلاق قد اسُتدرج لها الفلسطينيون طوعا. وهي انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني.

ويشكك شلحت بقول الاسرائيليين بانهم لم يتوقعوا فوز حماس. وقال «الاسرائيليون كانوا يملكون تقديرات بفوز حماس وسمحوا لها بالمشاركة (حتى في القدس) بهدف جر الفلسطينيين الى مجموعة ازمات، انتهت بهذا الانقسام العامودي للوطن. وقال المصري، «انه انقسام هيأت له اسرائيل الارضية المناسبة. ودفعت نحوه بشكل ذكي». واضاف «انه (الانقسام) افضل حالة للاسرائيليين الان».

ويؤمن كثير من الفلسطينيين بـ«فكرة استدراج حماس»، لكنهم في المقابل يؤمنون بفكرة «استدراج السلطة الى اتفاق اوسلو»، اذ يرى كثيرون انه لا يوجد استراتيجية فلسطينية في مواجهة الاستراتيجيات الاسرائيلية.

وقال المصري «لا توجد استراتيجية لدى الفلسطينيين، نحن نعاني من فقدان الاستراتيجية بل لدينا مجموعة استراتيجيات متناقضة ومبتورة». واضاف: «ان القيادة الفلسطينية (السلطة) لديها استراتيجية الانتظار فقط (في اشارة الى المفاوضات) والآخرون (حماس) لديهم استراتيجية تغليب الفصيل والمشروع الاسلامي على الوطني».

ويتفق شلحت مع المصري، ويقول ان الفلسطينيين يعانون فعلا من غياب «استراتيجية وطنية»، وتابع «لا يوجد لديهم لا استراتيجية مقاومة ولا استراتيجية مفاوضات، منذ وصول السلطة الفلسطينية عام 1993». واستطرد «انها استراتيجيات ردة فعل». ويعاني الفلسطينيون اكثر من اي وقت مضى، من غياب هذه «الاستراتيجية» في مواجهة «العدو» او»الطرف الاخر». ويرى كثيرون انه حتى زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات كان لدى الفلسطينيين «استراتيجيه ما». وقال المصري «حتى وقت ياسر عرفات كنا مختلفين، كان لدينا قيادة واحدة واستراتيجية مواجهة».

جهل أو تواطؤ: ربما تعتبر رسالة الاستقالة التي وجهها وزير الثقافة السابق ابراهيم ابراش للقيادة الفلسطينية، اعترافا صريحا من مسؤول رفيع، في السلطة الفلسطينية، بالعجز والفشل والتراجع وغياب الاستراتيجيات، في مواجهة المد الاسرائيلي. وكان ابراش قال لـ«الشرق الاوسط» انذاك ان استقالته من منصبه بمثابة «صرخة احتجاج ضد الحالة الفلسطينية المتردية التي لا افاق لها». وفي الرسالة التي حصلت «الشرق الاوسط» على نسخة منها، هاجم ابراش «الاستراتيجيتين» معا، «استراتيجية المفاوضات» في رام الله، و«استراتيجية المقاومة» في غزة. وقال «قدمت استقالتي للرئيس ولرئيس الوزراء يوم الخميس الموافق السابع من فبراير (شباط) 2008، كصرخة احتجاج على الوضع العام وعلى العبثية التي تحكم نهج من يقولون بالمقاومة ولكن يمارسونها بعيدا عن شروط ومتطلبات المقاومة الوطنية الحقيقية، وعبثية المفاوضات في ظل السياسة الإسرائيلية الراهنة، وفي كلا الحالتين هي عبثية مدمرة للمشروع الوطني». في رسالته كتب ابراش، كمن يريد القول ان مشروع السلطة برمته كان ملهاة اسرائيلية، «كان يقلقني المصير الذي آل إليه المشروع الوطني، مشروع الاستقلال والدولة، المشروع الوطني الذي لم ننجز منه شيئا، بل أصيب بمقتل في أكثر من جانب من جوانبه، ذلك أنه بعيدا عن أوهام: سلطة وحكومة ومجلس تشريعي ووزارات ومؤسسات، والتي أصبحنا أسرى لها ولاستحقاقاتها الوظيفية ومغرياتها المالية.. بدلا من أن تكون هذه المؤسسات أدوات في معركة التحرير، وبعيدا عن ملهاة الانتخابات والصراع على السلطة والمعابر والرواتب، حتى قضية الأسرى أصبحت قضية رواتب وكانتينا..، بعيدا عن هذه الملهيات والمنزلقات المقصودة فإن الواقع يقول بأن الاحتلال ما زال جاثما على كل الوطن بل تتم عملية شرعنة وتجميل بعض أشكال وجوده».

ولم يكتف ابراش بتشخيص الواقع فقط بل هاجم بوضوح الانقسام الذي رأى فيه مخططا كبيرا «اسُتدرج اللاعبون الصغار (حماس وفتح) اليه، عن جهل من البعض وتواطؤ من البعض الآخر». واعتبر ابراش ان حماس «انزلقت بوعي أو بدون وعي نحو مخطط لتدمير المشروع الوطني، فالانقلاب كان تتويجا أو مرحلة من مخطط لتدمير المشروع الوطني بفصل غزة عن الضفة تمهيدا لوصاية بمفاهيم وتخريجات جديدة ونقل ساحة الصراع بل تغيير طبيعة الصراع، من صراع مع العدو المحتل، لصراع فلسطيني داخلي حول مَن يحكم غزة التي يسعى المخططون لأن تكون هي الدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها، ليتفرغ العدو لاستيطان ما تبقى من القدس والضفة». ويقر ابراش، وهو اكاديمي وكاتب ومحلل سياسي، بان «ما جرى لمشروعنا الوطني هو اختراق لثقافتنا الوطنية وليس مجرد اختراق أمني أو سياسي». وفي محاولة منه لتوصيف الواقع انذاك قال «الانشقاق والفصل يُكرسان يوما بعد يوم والتحريض المقيت يتعاظم ومفهوم العدو يتبدل من خارجي لداخلي، والحكومة تُسير الأعمال دون استراتيجية عمل وطني وأهلنا في القطاع يعانون الأمرين: إرهاب وحصار وتجويع على يد الاحتلال، وقمع للحريات على يد سلطة الأمر الواقع، والعدوان الإسرائيلي يحصد كل يوم عديدا من الشهداء في القطاع ويحصد مزيدا من الأرض والكرامة الوطنية بالاستيطان المتواصل في الضفة الغربية وخصوصا بالقدس – وهنا يجب التحذير بأن ما يجري بالقدس والضفة أكثر خطورة مما يجري بغزة، وكأنه مقصود تسخين وتوتير المشهد في القطاع لإخفاء الممارسات الاستيطانية والأمنية في الضفة، وآفاق التسوية المشرفة تبدو أبعد منالا».

وتابع «الثقافة الوطنية بشكل عام ليست على سلم اهتمامات السلطة والحكومة وكأنه أمر مقصود تحويل الشعب لمجرد جموع بشرية تُختزل طموحاتها بالمأكل والمشرب ومتطلبات الحياة اليومية دون ناظم يحفظ لها هويتها وانتماءها، وهو الثقافة الوطنية».

ولكن أحد الكتاب الاسرائيليين، دورون ماينغرس، يرفض هذه النظرية ويعتبرها شيئا من جلد الذات الفلسطيني، ولكنه يضيف: «انا أوافق على القول ان نجاحات اسرائيل لم تأت من فراغ ولا تنبع كلها من الذكاء الاسرائيلي، بل من اخفاقات الطرف الآخر». وتابع: «أنا لا أومن بنظرية المؤامرة التي تقول ان اسرائيل تقف وراء كل ما يحدث للعرب. ولكنني أوافق على ان هناك خللا في التخطيط والدراسة لدى العرب وتوجد مشكلة عدم تنسيق وتوجد صراعات داخلية فظيعة تفاجئنا كثيرا في بعض الأحيان». ويقول ماينغرس: «إحدى مشاكل العرب الأساسية انهم يتعاملون مع اسرائيل كما لو انها وحش ضار لا سبيل للتعايش معه ولا مفر من قتاله. لا يرون التعددية في مجتمعنا ولا يفيدون منها». ازمات اختلقتها اسرائيل او ساعدت عليها: وشهدت الفترة من عام 1997 وحتى هذا العام مجموعة من الازمات فجرتها اسرائيل وانشغل بها الفلسطينيون زمنا طويلا.. وهنا امثلة:

هبة النفق عام 1997:  فاجأت إسرائيل الشعب الفلسطيني بعد ان أقدمت السلطات الإسرائيلية على فتح نفق يمتد 450 مترا، اسفل المسجد الأقصى المبارك، وقال الفلسطينيون انه محاولة اسرائيلية لتاكيد السيادة على القدس في الوقت الذي تجرى فيه مباحثات حولها، ما يشكل ضربا لعميلة السلام. وحذر الفلسطينيون انذك، من توسيع حائط المبكى وتهديد مبان قديمة مشيدة في عصور مختلفة، كما اعتبروه تحديا سافرا للشرعية الدولية، بوصفه تصرفا من طرف واحد في ارض محتلة. فدعا الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات انذاك بمواجهة الهجمة الاسرائيلية فانطلق الشعب الفلسطيني في الخامس والعشرين من شهر أيلول على 1996 في هبة جماهيرية استمرت 3 ايام. وقال مراقبون ان عملية فتح النفق لم تكن سوى القشة التي قصمت ظهر البعير نتيجة تراكمات من ممارسات حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو في ذلك الوقت، بفرض وقائع جديدة على الأرض في مخالفات وخرق فاضح لهذه الاتفاقات مثل مصادرة الأراضي ومواصلة الاستيطان وتوسيعه بالإضافة إجراءات تهويد المدينة المقدسة.

وانتهت الاشتباكات بقتل أكثر من مئة فلسطيني و26 جنديا اسرائيليا وبتوقيع اتفاقية بروتوكول الخليل الذي انسحبت اسرائيل بموجبه من الخليل. لكن الهبة اوقعت شرخا بين الجماهير الفلسطينية وقيادتها اذ قمعت السلطة في اليوم الرابع المظاهرات بالقوة. كامب ديفيد وزيارة شارون للاقصى: رفض رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك في العام 2000 توقيع اتفاق نهائي مع ياسر عرفات، كما رفض عرفات التوقيع على الرؤيا الاسرائيلية للحل بدون كامل القدس الشرقية، ومع التنازل عن اراض في الضفة الغربية. وقال المحلل انطوان شلحت ان باراك كان ذاهبا ليثبت ان عرفات ليس شريكا بالسلام. وهو ما ظل يردده الاسرائيليون حتى وفاته في العام 2004.

وقد سمح باراك لزعيم المعارضة ارئيل شارون بزيارة المسجد الاقصى رغم تحذيرات السلطة الفلسطينية فاندلعت الانتفاضة الثانية (انتفاضة الاقصى) احتجاجا على زيارة شارون. وقد بدأت بمواجهات شعبية، وتطورت الى عمليات مسلحة ثم تفجيرية، تلاها اطلاق صواريخ محلية الصنع من قطاع غزة. وقد سقط خلالها الاف الضحايا الفلسطينيين، ودمرت اسرائيل البنية التحتية الفلسطينية، وقتلت قياديين فلسطينيين بارزين بينهم احمد ياسين الزعيم الروحي لحركة حماس. ودمرت الاجهزة الامنية الفلسطينية، وكادت تودي بالنظام السياسي الفلسطيني برمته، لكنها فضلت سلطة عاجزة ومترنحة. حصار عرفات: استمر حصاره حوالي 3 سنوات، وطوال هذه السنين اصبح عرفات الشاغل الاول في حياة الفلسطينيين الذين اشتبكوا احيانا مع الاحتلال لفك الحصار وترقبوا بقلق كبير لحظات صعبة اقترب فيها الجيش من غرفة عرفات التي شهد محيطها في مقر المقاطعة في رام الله اشتباكات عنيفة. وبقي الحصار قائما بسبب اتهام عرفات بانه يدعم الارهاب وتنفيذ حماس لعمليات تفجيرية، الا في مرة سمح لعرفات فيها بالخروج، حتى مرض وتراجعت صحته وتوفي في مستشفى بيرسي العسكري في فرنسا. ولا زال الفلسطينيون يتهمون اسرائيل بتسميم زعيمهم الراحل بينما لا تعلق اسرائيل على تقارير صحافية بهذا الشأن. وتكتفي بالقول بانه عقبة كان يجب ان تزول من طريق السلام. وقد خلق الحصار ازمة حادة، بين حماس والسلطة الفلسطينية اذ اتهمت فتح حماس بانها لم تراع حصار عرفات وكانت تسعى له من خلال تنفيذها عمليات تفجيرية. وكانت اسرائيل في كل مرة تنفذ فيها حماس عملية، تتهم اسرائيل عرفات وتحاصره.

الانتخابات التشريعية: رفضت اسرائيل بداية مشاركة حركة حماس في هذه الانتخابات لكنها عادت فوافقت، ثم رفضت مشاركة اهل القدس ثم عادت فوافقت، وبعد نجاح حماس، شنت اسرائيل حملة كبيرة ومنظمة من اجل مقاطعة اي حكومة تشكلها الحركة. ونجحت بالفعل في اقناع العالم بمقاطعة «الحكومة الارهابية»، فجفت مصادر التمويل وعانى الفلسطينيون لاكثر من عام من انقطاع الرواتب، رافقها حملة اعتقالات اسرائيلية طالت كل اعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني من حماس في الضفة الغربية. وفي المقابل اقتتل الفلسطينيون طويلا في قطاع غزة والضفة، الى ان انتهى الاقتتال بسيطرة حماس على غزة في منتصف يونيو حزيران 2007.

حصار غزة:  حاصرت اسرائيل قطاع غزة بحجة سيطرة حماس واغلقت كل معابره، ومنعت الفلسطينيين من المغادرة او الدخول للقطاع، كما مست بشكا منتظم بالاحتياجات الانسانية من كهرباء ووقود. ونتيجة الحصار توفي كثير من الفلسطينيين المرضى. واثير جدل واسع في اسرائيل حول حكم حماس وهددت اسرائيل اكثر ن مرة باسقاطه لكنها لم تفعل، ويعتقد مراقبون ان اسرائيل تريد لهذا الحكم ان يستمر لانه يعطيها المبرر بمحاربة حصار الشعب الفلسطيني وعدم المضي في اي اتفاق. ويرى المراقبون ان اسرائيل تريد حماسا محاصرة في غزة وسلطة ضعيفة في الضفة.

الانقسام السياسي: يتهم الفلسطينيون اسرائيل بانها ساعدت على هذا الانقسام، وهيأت له الظروف منذ سماحها بمشاركة حماس في الانتخابات التشريعية. ويستخدم الاسرائيليون الانقسام بين غزة والضفة كسيف مسلط على المفاوضين الفلسطينيين، اذ تتهم اسرائيل سلطة فتح بالضعف في الضفة، وتحذر من قدرة حماس على تكرار تجربة غزة في الضفة. كما تطالب اسرائيل السلطة الفلسطينية بفرض سيطرتها على غزة ووقف اطلاق الصواريخ قبل ان تعطى الدولة التي تطالب بها.

الاستطيان والقدس: قصة قديمة جديدة، لكن اكثر ما فجر ازمة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية مواصلة اسرائيل للاستيطان في القدس الشرقية، التي تطالب بها السلطة عاصمة لها، حتى بعد مؤتمر انابوليس للسلام، اواخر العام الماضي، وانطلاق العملية التفاوضية. وتتهم السلطة اسرائيل، بتدمير عملية السلام، وتقول انه بدون القدس فلا حل ولا اتفاق. وفجرت اسرائيل مؤخرا ازمة جديدة بقولها ان القدس قضية حساسة ومؤجلة وهي ستبقى تحت السيادة الاسرائيلية، ما استدعى ردا مباشرا من الرئيس الفلسطيني الذي قال «ان القدس خط احمر ولن نفاوض عليها». تتجلى الموهبة الاسرائيلية في خلق الازمات باعلانها المتكرر عن ذات الوحدات السكنية في القدس بين فترة واخرى. وقال حاتم عبد القادر مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، لـ«الشرق الاوسط»، «لقد اعلنوا عن نصف مليون وحدة سكنية وفي حقيقة الامر انها 8 الاف.. انهم يحاولون خلق الوهم». وتابع «ان القدس رأس حربة الاسرائيليين بخلاف السلطة والعرب للاسف».

المصدر الشرق الأوسط
الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق