استحقاق الدولة :الأسباب والمتطلبات

20 يناير 2016آخر تحديث :
استحقاق الدولة :الأسباب والمتطلبات
 أ-د/إبراهيم أبراش
استحقاق الدولة :الأسباب والمتطلبات
بات ما يسمى بـ ( استحقاق أيلول ) الشغل الشاغل للقيادة الفلسطينية وعنوان الحراك السياسي والدبلوماسي الفلسطيني والعربي فيما يخص الصراع في الشرق الأوسط بحيث طغى هذا الحراك السياسي على غيره من التحركات سواء كانت مفاوضات أو مصالحة وطنية أو مقاومة الخ ،وبات وكأن مصير القضية الفلسطينية معلقا على ما ستتمخض عنه اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول 2011.وقد تفاوتت المواقف الشعبية والحزبية ما بين داعم ومبارك لهذا الحراك ومعارض له وبينهما مواقف متحفظة أو حذرة ليس من الذهاب للشرعية الدولية بحد ذاته بل من آلية إدارة هذا الملف ومن صيغة القرار الذي سيصدر وعلاقته بالقرارات الأخرى الخاصة بالقضية الفلسطينية كقضية اللاجئين وموقع منظمة التحرير الفلسطينية وصفتها التمثيلية .
مقاربة الموضوع مقاربة سياسية شمولية تتطلب :-
1- لأن استحقاق الدولة ارتبط بالشرعية الدولية أو أن هذه الأخيرة باتت مرجعية الدولة الفلسطينية،فمن المفيد التعرف على العلاقة ما بين فلسطين والشرعية الدولية،ولماذا الآن يتم العودة للشرعية الدولية؟.
2- حيث أن قرار العودة للشرعية الدولية جاء بعد فشل المفاوضات فمن المفيد البحث في المفاوضات ولماذا كانت بمعزل عن الشرعية الدولية طوال عقدين من الزمن؟وما سبب فشلها؟وخصوصا أن نفس النخبة السياسية التي قادت المفاوضات تقود اليوم ما يسمى استحقاق الدولة.
3- حيث أن اللجوء للشرعية الدولية جاء في ظل حالة انقسام فلسطيني و لم تحدث مراجعة شمولية للمرحلة السابقة ،فقد تباينت المواقف داخل الساحة الفلسطينية ما بين موافق ومعارض ومتحفظ.
4- الشرعية الدولية والمقاومة :أية علاقة
5- الخوف من تفاهمات اللحظة الأخيرة
أولا :مدخل تحليلي لاستحقاق الدولة الفلسطينية
في الوقت الذي تتفكك فيه دول وتنهار أنظمة وتُقبِل فيه المنطقة العربية على تحولات مفتوحة على كل الاحتمالات ،وفي الوقت الذي وصل فيه النظام السياسي الفلسطيني إلى أسوء حالاته حيث الانقسام ووصول المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لطريق مسدود كما وصلت المقاومة أيضا لطريق مسدود ،في هذا الوقت وفيما يشبه المفارقة تلوح القيادة الفلسطينية بالذهاب للأمم المتحدة لانتزاع اعتراف دولي بفلسطين دولة وهي تحت الاحتلال.وبات ما يسمى بـ ( استحقاق أيلول ) الشغل الشاغل للقيادة الفلسطينية وعنوان الحراك السياسي والدبلوماسي الفلسطيني والعربي فيما يخص الصراع في الشرق الأوسط بحيث طغى هذا الحراك السياسي على غيره من التحركات سواء كانت مفاوضات أو مقاومة بل تم تعليق المصالحة الوطنية لحين اتضاح مصير استحقاق أيلول ،وبات وكأن مصير القضية الفلسطينية معلقا على ما ستتمخض عنه اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول 2011.وقد تفاوتت المواقف الشعبية والحزبية ما بين داعم ومبارك لهذا الحراك ومعارض له وبينهما مواقف متحفظة أو حذرة ليس من الذهاب للشرعية الدولية بحد ذاته بل من التوقيت وآلية إدارة هذا الملف ومن صيغة القرار الذي سيصدر وعلاقته بالقرارات الأخرى الخاصة بالقضية الفلسطينية كقضية اللاجئين وموقع منظمة التحرير الفلسطينية وصفتها التمثيلية .
الوضع الفلسطيني الداخلي يضاف إليه الرفض الإسرائيلي والأمريكي للخطوة الفلسطينية يشكلا تحديا كبيرا أمام القيادة الفلسطينية و قدرتها على مواجهة الرفض والضغوطات الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية،وقدرتها على خلق موقف فلسطيني موحد حول قرار الذهاب للشرعية الدولية وحول صيغة القرار الدولي الذي سيصد وماذا بعد صدور القرار أو الاعتراف بالدولة،ذلك أن الاعتراف ليس هدفا بحد ذاته لأنه لن يؤدي لقيام الدولة تلقائيا ،بل هو وسيلة أو عامل معزز للنضال السياسي الفلسطيني ،وبالتالي إن لم يُرفَد القرار بمصادر قوة أخرى فسيضاف للقرارات السابقة التي تراكمت عبر السنيين وستواصل إسرائيل استيطانها وعدوانها بالرغم من وجود قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
بالرغم من صدور عديد من القرارات الدولية حول مشكلة الشرق الأوسط منذ قرار التقسيم عام 1947 ،وبالرغم من حضور الشرعية الدولية بشكل مباشر أو غير مباشر في العملية السلمية منذ انطلاقتها مع مؤتمر مدريد 1991 …إلا أن قرار القيادة الفلسطينية بالذهاب للأمم المتحدة الآن آثار كثيرا من اللغط والجدل ليس فقط كردود فعل معارضة من طرف تل أبيب وواشنطن وصلت لحد التهديد بوقف التمويل عن السلطة أو إلغاء اتفاقيات أوسلو وإعادة احتلال الضفة أو أجزاء منها ، بل أثارت ردود فعل مرتبكة وحذرة من جهات فلسطينية وعربية من الإقدام على هذه الخطوة.الأمر الذي يتطلب كثيرا من الاستعداد والجاهزية السياسية ما قبل التقدم بالطلب للامين العام للأمم المتحدة وجاهزية في صياغة مشروع القرار الذي سيقدم ،وجاهزية اكبر في الثبات على الموقف حين مناقشة مشروع أو صيغة القرار في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة،أيضا جاهزية لمرحلة ما بعد صدور القرار أو الاعتراف بالدولة،بحيث لا تكون النتائج محطة تراجع عن الحد الأدنى من الثوابت الفلسطينية كما وردت في بيان إعلان الدولة في الجزائر و كما نصت عليها التفاهمات الوطنية اللاحقة.
استحقاق أيلول حتى الآن ليس واضح المعالم ،والصورة الملحمية التي لا تخلو من تبسيط ساذج للأمور التي يروج لها المتحمسون لهذا الخيار قد لا تكون حقيقية ،فالأمور قد تسير خلاف ما يتوقعونه ويروج له ،فلدى واشنطن وحلفائها كثير من أحابيل الدبلوماسية للالتفاف على المطلب الفلسطيني ،ولا نستبعد أن يكون المتحمسون لاستحقاق أيلول يعلمون صعوبة وخطورة هذه الخطوة ولكن غياب البدائل عندهم وتمسكهم بالسلطة يجعلهم يصرون عليها.لا يعني هذا رفضنا للشرعية الدولية ولكن علينا توقع كل الاحتمالات بما فيها التراجع عن الفكرة في آخر لحظة في إطار تفاهم حل وسط بين منظمة التحرير وواشنطن وإسرائيل ،أيضا توقع أن تتصرف واشنطن ومجلس الأمن بصيغة الطلب الذي سيقدمه الفلسطينيون للأمم المتحدة ويعيدوا صياغته بما يفرغه من مضمونه الأصلي ويصبح مجرد إشارة مبهمة لدولة فلسطينية،وآنذاك لن تستعمل واشنطن حق الفيتو ضد القرار وبالتالي لن يتم عرض القضية على الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي نفس السياق علينا أن نحسب جيدا نتائج صدور اعتراف دولي بدولة مبهمة المعالم من حيث تأثير هذا الاعتراف على الاعتراف السابق بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني،ولا ندري إن كان ممكنا لهيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الاعتراف بالشعب الفلسطيني كحركة تحرر (منظمة تحرير ) والاعتراف بفلسطين كدولة في نفس الوقت.وإذا ما تم الاعتراف بفلسطين دولة معنى هذا إلزام الفلسطينيين بالتزامات الدول دون أن يكونوا دولة ,وهذا معناه غياب جهة فلسطينية تمثل كل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات و إسقاط مرحلة التحرر الوطني والحق في المقاومة وهي مرحلة وحق قد يحتاجهما الفلسطينيون إذا ما رفضت إسرائيل الانسحاب من ارض الدولة الفلسطينية.
ولذلك يجب أن لا نرهن الحق المشروع للشعب الفلسطيني في دولة مستقلة بما سيحدث في أيلول ،أو بصيغة أخرى الفصل بين ما يسمى استحقاق أيلول واستحقاق الدولة الفلسطينية ،فاستحقاق أيلول تولد بداية من تمنيات للرئيس أوباما وللأوروبيين قبل سنتين برؤية دولة فلسطينية تتحقق نهاية عام 2011 كما جاء ليملأ الفراغ السياسي ويحافظ على وجود القضية دوليا بعد مأزق التسوية والمفاوضات وهو جاء أيضا كمحاولة للحفاظ على السلطة ومؤسساتها،أما استحقاق الدولة فهو مستمد من حق شرعي طبيعي وتاريخي ،حق مستمد من تاريخ طويل للنضال بكل أشكاله ومستمد من حقيقة الوجود التاريخي للشعب الفلسطيني على أرضه،هذا الحق بالدولة إن كان يحتاج للشرعية الدولية لإظهاره أو دعمه فهو غير مرتهن بما يؤول إليه اجتماع الجمعية العامة في سبتمبر وغير مرتهن بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن ،وعليه فعلى القيادة الفلسطينية أن تشتغل على استحقاق الدولة دون ربطه بتاريخ محدد أو بقرار محدد،واستحقاق كهذا يتطلب تهيئة الشعب الفلسطيني في كل أماكن تجمعه لهذا الاستحقاق في أيلول وما بعد أيلول.
إن إعادة القضية للأمم المتحدة وإن كان يشكل تصحيحا لخطأ بدء في أوسلو عندما تم تجاهل الشرعية الدولية وبالرغم من أهمية هذه الخطوة ،إلا أن الأمر لا يخلو من مغامرة سياسية دبلوماسية إن لم نحسن التعامل معها فستنقلب ضدا على المصلحة الوطنية الفلسطينية أو على الأقل لن تكون أكثر من كسب للوقت لحين اتضاح معالم المتغيرات العربية والدولية أو تغيير الحكومة الإسرائيلية.ثانيا:الشرعية الدولية والقضية الفلسطينية:علاقة تاريخية ملتبسة
لا احد يعارض التعامل مع الشرعية الدولية أو الذهاب للأمم المتحدة في أيلول ولا احد يعارض صدور قرار يعترف بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس وعودة ألاجئين،ولكن كيفية إدارة هذا الملف الخطير هو الذي يثير الخوف.التعامل مع الشرعية الدولية أمر استراتيجي ومهم ويجب أن لا نلتفت كثيرا للخطاب السياسي الذي يتحدث عن انحياز الشرعية الدولية ليس لأنها غير منحازة بل لان انحيازها هو الذي يفرض علينا دخول معتركها ومعركتها ومحاولة توظيفها لصالحنا أو على الأقل عدم السماح لها بإصدار قرارات تمس حقوقنا الوطني.
لو تجاهلنا الشرعية الدولية فلن تتركنا بحالنا لان قضيتنا والشرق الأوسط بشكل عام محل اهتمام عالمي ومن المناطق التي تؤثر على السلام العالمي،وهنا نذكر بأن الأمم المتحدة لم تأخذ إذنا منا عندما أصدرت قراراتها العديدة من قرار التقسيم لقرار عودة ألاجئين إلى قراري 242 و338 ،كما لم تأخذ إذنا من الشعب العراقي عندما صدر قرار يسمح بالتدخل العسكري في العراق ،كما لم تأخذ إذنا من الشعب الليبي عندما صدر قرار الحظر الجوي على ليبيا والذي مهد لتدخل عسكري ،ولن تأخذ إذنا من الشعب السوري عندما تقرر إصدار قرارات حول ما يجري في سوريا.
الشرعية الدولية معركة يجب أن تُخاض ولكن كيف نخوضها ؟ حيث تاريخ التعامل الفلسطيني والعربي مع الشرعية الدولية يُظهر خللا كبيرا في إدارتنا لهذا الملف . المشكلة كمنت وتكمن – بالإضافة الى الرفض الصهيوني والتواطؤ الأمريكي لتدويل القضية الفلسطينية- في أسلوب تعامل الدول العربية والسياسيين العرب والفلسطينيين مع الشرعية الدولية ، بحيث لم يفصلوا بين ما هو سياسي داخلي وما هو قانوني دولي،ما بين الخطاب الموجه للعالم والخطاب الموجهة لجماهيرهم لتحميسها أو للتغرير بها ، بل إن البعض تعامل مع الأمم المتحدة وكأنها دار ندوتنا أو أحد دواويننا ، يدعونها متى يريدون ويتجاهلونها متى يريدون !
من تجاهل الشرعية الدولية إلى الارتماء في أحضانها
بعد ثلاثين عاما من الرفض الفلسطيني للاعتراف بالشرعية الدولية كمرجعية للحقوق السياسية الفلسطينية جاء الإعلان في الجزائر عام 1988 عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وما صاحب ذلك من اعتراف بقرارات الأمم المتحدة وبالتالي الاعتراف بإسرائيل .وجد هذا الإعلان بداية استجابة حذرة ومشككة من الولايات المتحدة حيث اعتبرت أمريكا أن إعلان الاستقلال في الجزائر كان مبهما من حيث تحديد المرجعية القانونية الدولية للدولة الفلسطينية المُعلن عنها،و بدأت اتصالات سرية وعلنية شاقة مع المنظمة وعبر وسطاء متعددين، كان الهدف منها أن تعترف المنظمة بوضوح بالشروط الأمريكية وهي الاعتراف بالقرارين 242و338 تحديدا،ونبذ الإرهاب والاعتراف الواضح بإسرائيل . مباشرة بعد دورة الجزائر دشنت المنظمة حملة دبلوماسية توجهت أساسا إلى أمريكا وأوروبا هدفها كسب تأييد دولي للمطلب الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة وعقد مؤتمر دولي للسلام على أساس قرارات الشرعية الدولية وهو ما سمي بهجوم السلام الفلسطيني.
لم تقتنع الإدارة الأمريكية بما ورد في مشروع السلام الفلسطيني ،معتبرة أن الخطاب كان عاما جدا ولم يلتزم بدقة بالشروط الأمريكية ،ويبدو أن ما كان يزعج أمريكا هو التأكيد الفلسطيني على مجمل قرارات الشرعية الدولية و التأكيد على الصيغة الدولية والإشراف الدولي على مؤتمر السلام، بينما الولايات المتحدة كانت تريد غطاء دوليا رمزيا وان تكون كل العملية السلمية تحت إشرافها .
في خضم حرب الخليج الثانية واستغلالا لانهيار النظام الإقليمي العربي والاتحاد السوفيتي ،والمأزق الذي وجدت منظمة التحرير الفلسطينية نفسها فيه نتيجة الحرب تم عقد مؤتمر مدريد للسلام 1991 ثم اتفاقية اوسلو 1993 وما تلاها من اتفاقات، بعيدا عن إشراف الأمم المتحدة. لا شك أن الموقف الأمريكي عرف تحولا واضحا من حيث الاعتراف بمنظمة التحرير وقبولها الممثل الوحيد للفلسطينيين ،ومن حيث تأسيس التسوية على أساس قراري مجلس الأمن المشار لهما ،إلا أن هذا التحول لم يكن تحولا استراتيجيا بقدر ما كان تحركا سياسيا فرضته ظروف الحرب التي شنتها أمريكا على العراق بقرار من مجلس الأمن وما نتج عن ذلك من ارتفاع الأصوات المنددة بازدواجية المعايير في التعامل الأمريكي مع قرارات الشرعية الدولية .فكانت الإشارة إلى قراري مجلس الأمن 242 و 338 لإسكات العرب والمنددين بازدواجية المعايير. ومن جهة أخرى فان نصوص اتفاقية اوسلو نسفت روح قراري 242 و 338 وأفقدتهم قيمتهم القانونية وذلك من خلال غياب الأمم المتحدة عن المفاوضات بداية وعن رعاية الاتفاق نهاية ، هذا بالإضافة إلى أن آلية تطبيق اوسلو كانت تسير بخط معارض لمقتضيات الشرعية الدولية ، بحيث كانت محكومة بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين وليس تطبيقا لقرارات دولية.
لم تكن منظمة التحرير تتوفر على إستراتيجية واضحة للتسوية السلمية على أساس قرارات الشرعية الدولية فقد دخلت معترك التسوية السياسية والشرعية الدولية ولسان حالها يقول فلندخل ونرى ماذا سيحدث!. وكان لابد لهذه السياسية أن تؤدي إلى ما وصلت إليه الأمور اليوم .
لا ريب أن كل ما صدر عن الشرعية الدولية من قرارات وتوصيات بشأن القضية وإن كان لا يرق إلى طموحات الشعب أو يتطابق مع حقوقه التاريخية إلا أنه يعد مكسبا يجب التمسك به والعمل على مراكمته .قرار التقسيم 181 لعام 1947 وقرار عودة اللاجئين 194 لعام 1949 والقراران 242 و338 ،وكل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن أو عن الجمعية العامة منذ 1970 حتى الرأي الاستشاري لمحكمة لاهاي بشأن جدار الفصل ، بالإضافة إلى اتفاقات جنيف ولاهاي الخاصة بالأراضي المحتلة وكيفية التعامل معها … كلها إنجازات تضفي طابعا دوليا على القضية الفلسطينية وتكرس وجود الشعب الفلسطيني كشعب خاضع للاحتلال ،وتنقل قضيته ومعاناته إلى العالم في وقت أصبح فيه للإعلام وللرأي العام العالمي تأثيرا في تطور الأحداث في مختلف بقاع العالم .
ثالثا:الشرعية الدولية تحترم الأقوياء
إلى حين قيام منظمة التحرير الفلسطينية وبالرغم من وجود قرار التقسيم الذي ينص على قيام دولة (عربية) إلى جانب الدولة اليهودية ،كانت القضية تُطرح في المحافل الدولية كقضية لاجئين ، و لم تتحول نظرة العالم إلى الفلسطينيين إلا بعد أن حمل الفلسطينيون السلاح ومارسوا الكفاح المسلح ،فالبندقية هي التي جعلت العالم يتعامل معهم كشعب له قضية سياسية، يناضل من اجل الاستقلال وتقرير المصير .
بدأ العالم يكتشف ،بفعل النضال الفلسطيني وبفعل وجود المعسكر الاشتراكي وحركة التحرر العالمي، أن هناك شعب له هوية وله قضية وطنية سياسية لا مجرد لاجئين ، ومنذ ذلك الوقت بدأت الأمم المتحدة تتعامل مع القضية الفلسطينية بمنظور مختلف وبدأت تصدر قرارات سياسية تتعلق بالشعب الفلسطيني ،قرارات وتوصيات تؤكد على حق الشعب الفلسطيني بالنضال لاسترداد حقوقه وعلى رأسها حقه في تقرير مصيره و تندد بالسياسة الاستعمارية الصهيونية في فلسطين . كانت الموجة الأولى من تكثيف التعامل الدولي مع القضية هي الفترة الممتدة ما بين 1968و1982 و التي شهدت صدور أهم القرارات الدولية حول القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني بشكل عام، هي نفسها مرحلة تصاعد الكفاح المسلح الفلسطيني وتصاعد التأييد العالمي له ،ففيها-1974-تم الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني وتم قبول المنظمة كعضو مراقب في الأمم المتحدة ،وفيها-1975- صدر قرار الجمعية العامة الذي يساوي ما بين الصهيونية والعنصرية .عاد الاهتمام مجدد بالقضية الفلسطينية دوليا مع الانتفاضة الأولى ثم الانتفاضة الثانية ،فما الذي نستنتجه من ذلك ؟.
نستنتج مما سبق أن الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية وما صدر عن الأمم المتحدة من قرارات وتوصيات تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني لم يأت كمنحة من أحد بل جاء كتجاوب من المنتظم الدولي مع النضال الفلسطيني ،فالبندقية الفلسطينية والشهيد الفلسطيني والمعتقل الفلسطيني والمعاناة الفلسطينية هي التي أجبرت العالم على الاعتراف بالشعب الفلسطيني وبحقوقه السياسية .نعم،إن هذه القرارات والتوصيات لا ترق إلى طموحات الشعب الفلسطيني لأنها لا تنص على دولة فلسطينية ولا تعطيه حقا قانونيا واضحا بتأسيسها ،إلا أنها تهيئ الظروف المناسبة لتأسيس دولته وتضع قدمه على طريق الدولة .وحتى ترقى هذه القرارات والتوصيات إلى مستوى الاعتراف الواضح والمباشر بالدولة الفلسطينية المستقلة كان الأمر يحتاج مزيدا من النضال وخصوصا الدبلوماسي والسياسي لا الاكتفاء بما صدر من قرارات والمساومة عليها وتحميلها أكثر مما تحتمل والتباكي على عدم جدية المنتظم الدولي في تطبيق قراراته أو عدم إلزام إسرائيل بتطبيقها .
في نفس الوقت يجب عدم تجاهل ازدواجية المعايير في الأمم المتحدة فهذه المنظمة الدولية ليس لا يقودها مجموعة من الملائكة بل تخضع لمصالح وحسابات دولية كبرى قد تكون أحيانا على حساب الشعوب الضعيفة ،وبالتالي فهذه الازدواجية في المعايير والتسييس الواضح لتقارير وقرارات الأمم المتحدة هو الذي يثير المخاوف حول توجه القيادة الفلسطينية للأمم المتحدة والمراهنة عليها لإنصاف الشعب الفلسطيني من خلال الاعتراف بحقه بدولة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وهما منطقتان تعترف الأمم المتحدة من خلال قراري مجلس الأمن 242 و 338 بأنها أراضي محتلة .الخلل هنا لا يكمن في القيادة الفلسطينية ولجوؤها للشرعية الدولية ولكن يكمن في المبالغة في المراهنة على الأمم المتحدة.صحيح أنه من الصعب تصور قيام دولة فلسطينية مستقلة ضدا عن إرادة الشرعية الدولية ولكن يجب أن يكون التوجه للشرعية الدولية مصحوبا بأوراق قوة أخرى.المفاوضات وقرارات الشرعية الدولية مثلها كمثل المقاومة والحرب ليست أهداف بحد ذاتها بل وسائل لتحقيق الأهداف الوطنية ،ولكونها وسائل فيجب عدم المراهنة كليا على أي منها دون الوسائل الأخرى.
المقاومة السلمية واستحقاق أيلول
الفهم الصحيح للسياسة علما وسلوكا سيوصلنا لحقيقة أن الشرعية الدولية تتضمن حق الشعوب في تقرير مصيرها وحقها بمقاومة الاحتلال، و لا توجد دولة أو حركة تحرر تعتمد نهج السلام وتعيش بسلام إلى ما لا نهاية ،لأن خيار السلام ليس خيارا ذاتيا فقط بل مرتبط بالأطراف الدولية الأخرى وبمواقف الفاعلين السياسيين الآخرين ،وبالتالي فإن خيار الذهاب للشرعية الدولية لا يُسقط حق الدول والشعوب بالتوفر على كل مقومات القوة حتى وهي تقول بالسلام وتسعى له.
وهنا علينا استحضار ما جرى عام 1974،ففي ذلك العام تم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني في جامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات العربية والإسلامية كما تم الاعتراف بها عضوا مراقبا في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية،حدث ذلك في وقت كان فيه الكفاح المسلح الفلسطيني في أوجه سواء داخل الأراضي المحتلة عام 67 أو داخل فلسطين 48 وكذا على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.لقد اعترف العالم بحق تقرير المصير للفلسطينيين لأن الشعب الفلسطيني كان يفرض وجوده عمليا من خلال المقاومة وسياسيا من خلال وجود قيادة وطنية موحدة.
المقاومة حق مشروع لكل شعب يخضع للاحتلال ولكن المهم وجود إستراتيجية وطنية للمقاومة ،واليوم إن كانت الظروف لا تسمح بالمقاومة المسلحة فيمكن تفعيل المقاومة السلمية،وهي اليوم ضرورية وممكنة ليس كبديل عن خيار التسوية والمفاوضات بل كداعم لهما وخصوصا ونحن على أبواب ما يسمى (استحقاق أيلول) فأيلول لن يكون استحقاقا منجزا للهدف إن لم تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة انتفاضة أو مقاومة سلمية شعبية تبدأ منذ اليوم ويواكبها حراك واسع لفلسطيني الشتات وخصوصا في أوروبا والأمريكتين.
حتى يكون أيلول استحقاقا واجبا وحتى لا نصاب بنكسة جديدة ،و لأن استحقاق أيلول يتعلق بقضايا تمس وجود ومصير الشعب الفلسطيني حيث من الممكن أن يَجُب القرار الجديد كل القرارات الدولية السابقة حول الشأن الفلسطيني ،ونظرا للتشنج الصهيوني والرفض الأمريكي لهذا التوجه الفلسطيني ،فإن استحقاق الاعتراف بالدولة معركة حامية الوطيس يجب الاستعداد لها وحُسن إدارتها.
العمل السياسي وخصوصا في حالة كالحالة الفلسطينية فعل مركب ومعقد ،تكون فيه كل الخيارات مطروحة.ومن هنا فإن المفاوضات والمقاومة وإعادة النظر بوظائف السلطة والمصالحة والذهاب للأمم المتحدة كلها أمور مترابطة وتسير جنبا لجنب،فالعلاقة بين هذه الأمور ليست علاقة تعارض أو أن كل منها بديل للآخر بل علاقة تكاملية.ما يجعل العلاقة تكاملية بما يُمكِن من الاستفادة من كل منها هو وجود إستراتيجية وطنية تنسق وتوفق بينهم.ونؤكد مرة أخرى بان المشكلة لا تكمن في أي من هذه الوسائل النضالية والسياسية بل تكمن في النظام السياسي الفلسطيني وتكمن في أزمة القيادة والمرجعيات لهذا النظام.ما يجري داخل النظام السياسي الفلسطيني من تفاعلات تؤثر سلبا أو إيجابا على الموقف الدولي من القضية الفلسطينية ،فالمنتظم الدولي لا يمنح حقوقا سياسية للشعوب تلقائيا بل يُضطر للاعتراف بحقوق الشعوب التي تناضل دفاعا عن حقوقها ويُضطر للتدخل إذا ما شعر أن السلم والأمن الدوليين مهددان بالخطر.

وأخيرا نقول بان المنتظم الدولي لا يمنح حقوقا سياسية للشعوب تلقائيا بل يُضطر للاعتراف بحقوق الشعوب التي تناضل دفاعا عن حقوقها ويُضطر للتدخل إذا ما شعر أن السلم والأمن الدوليين مهددان بالخطر،وعليه فدرجة من التصعيد الشعبي السلمي المدروس ضرورة حتى يأخذ المنتظم الدولي مطالبنا مأخذ الجد.
حبل الشرعية الدولية طويل ومعركتها لا تقل صعوبة عن المعارك العسكرية وكما لنا أصدقاء فلإسرائيل أصدقاء وعلى رأسهم واشنطن ،وبالتالي يجب عدم وضع البيض في سلة واحدة بل يجب اشتقاق وسائل نضالية مواكبة للعمل السياسي والدبلوماسي واهمها المقاومة السلمية الشعبية.
رابعا :فشل المفاوضات وأزمة النخبة السياسية
مع وصول المفاوضات الرسمية والمُعلنة لطريق مسدود عادت القيادة الفلسطينية لتستنجد مجددا بالشرعية الدولية بعد طول تجاهل، وتبلور نهج يقول بالذهاب للأمم المتحدة أو ما بات يُعرف في الخطاب السياسي الإعلامي باستحقاق أيلول،وهو ضمن خيارات سبعة تحدث عنها الرئيس أبو مازن.
ما تطرحه منظمة التحرير والسلطة حتى اليوم ليس بدائل للمفاوضات بل محاولات لتحسين شروط المفاوضات والحفاظ على العملية السلمية لغياب البدائل الإستراتيجية لديها. وبالتالي التطرق للمفاوضات وفشلها ضرورة لاستشراف جهوزية السلطة لاستحقاق أيلول لان نفس النظام السياسي والفريق المفاوض الذي فشل في نهج المفاوضات هو الذي سيقود معركة استحقاق أيلول.
كل حركات التحرر في العالم مارست المفاوضات ولكن مارستها في إطار إستراتيجية وطنية تجمع ما بين المفاوضات والمقاومة وغالبا عندما كانت حركات التحرر في موقع قوة وتحقق إنجازات سياسية. في الحالة الفلسطينية فإن المفاوضات كجزء من نهج التسوية جاءت في ظروف مغايرة حيث الخلل يكمن في منطلقات التسوية واتفاقاتها وآلية تطبيقها ،ويمكن رصد الخلل فيما يلي:-
1- جاءت المفاوضات في ظل حالة تراجع لحركة المقاومة الفلسطينية ،وهو التراجع الذي بدأ منذ الخروج من بيروت 1982 وتفاقم مع حرب الخليج الثانية وانهيار المعسكر الاشتراكي.
2- جرت المفاوضات في ظل غياب إستراتيجية وطنية شمولية حيث حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى كانت ضد نهج التسوية وضد المفاوضات .
3- تعود مشكلة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية إلى التسوية بحد ذاتها،فالتسوية لم تقم على أسس واضحة ولم تكن لها مرجعية واضحة، فاتفاقية أوسلو نصت على أن التسوية تقوم على أساس قراري مجلس الأمن 242 338 ،ولم يأت في الاتفاقية ذكر للدولة الفلسطينية أو لقرار 194 الخاص باللاجئين أو بقرار التقسيم أو بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره السياسي ،ولم تتحدث عن انسحاب إسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967 بل عن إعادة انتشار وخصوصا بالنسبة للضفة الغربية،وحتى بالنسبة لقراري 242 و 338 جاء النص بصيغة (على أساس قراري مجلس …) وليس تنفيذا القرارين، والقضايا الأساسية تم تأجيلها بمعنى أنها ليست جزءا أصيلا من الاتفاق .
4- علينا التذكير بأن مؤتمر مدريد وكذا اتفاقية أوسلو لم يكونا في إطار مؤتمر دولي للسلام وبالتالي لم يكونا مؤتمرات دولية ينتج عنها قرارات ملزمة وكان دور الأمم المتحدة كشاهد زور . اتفاقية أوسلو كانت محكومة بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين بمعنى أنه لا يمكن تحقيق أي تقدم إلا بموافقة الطرفين،وفي ظل اختلال موازين القوى ندرك لمصلحة من ستصب المفاوضات .
5- عدم جدية إسرائيل بالتسوية وخصوصا بعد مقتل اسحاق رابين ،ولأن إسرائيل لا تريد التصريح علنا بأنها ضد نهج السلام فقد أخذت بالمماطلة والتسويف في المفاوضات على أمل أن يقرر الفلسطينيون الخروج منها .
6- انتقال واشنطن من موقع الوسيط إلى موقع المنحاز لإسرائيل.وقد ظهر هذا جليا في عهد أوباما.
7- سوء أداء السلطة والفريق المفاوض،فالقليل من المراهنة على الاتفاقات الموقعة تم تبديده نتيجة فساد بدا ينخر السلطة منذ بداية تشكلها ونتيجة صفقات مشبوهة بين بعض رجالات السلطة وسلطات الاحتلال ،هذا بالإضافة إلى فريق مفاوض استمر منذ مدريد إلى اليوم حتى بات ورقة مكشوفة أمام الإسرائيليين وخصوصا أن كبار المفاوضين كانوا جزءا من السلطة وعلاقاتها الاقتصادية مع الإسرائيليين وكان تواجدهم داخل الأراضي المحتلة يجعلهم دائما تحت ضغط وابتزاز الإسرائيليين.
8- سلوكيات المعارضة التي لم يكن يحلو لها القيام بعمليات تفجيرية داخل إسرائيل إلا عندما تكون المفاوضات تتناول موضوعا مفصليا ،مما يدفع الإسرائيليين للتهرب من تنفيذ ما عليهم من استحقاقات بحجة الأمن وعجز السلطة مما عليها من التزامات.
9- الانقسام الذي زاد من إضعاف المفاوضين على طاولة المفاوضات.
هل سينجح استحقاق أيلول فيما فشلت فيه المفاوضات
بعيدا عن التحليل المستمد من مشاعر التفاؤل والتشاؤم أو التخوين والتشكيك لأن هذه أمور محايثة للحياة السياسية الفلسطينية بل باتت تشكل ثقافة سياسية سيكولوجية تشكل أهم مكونات المشهد السياسي الفلسطيني واهم عوامل تعثره،فإن ما تسمى استحقاقات أيلول القادم وجوهرها انتزاع اعتراف دولي بفلسطين دولة عضو على حدود حزيران 1967،لا تؤسَس على أية اتفاقات أو التزامات أو وعود دولية واضحة ومحددة ولا تؤسس على متغيرات حقيقية في موازين القوى على الأرض تجعل هذا الاستحقاق مؤكد الحدوث ،بقدر ما يؤسس على إرادة فلسطينية بقيام هذه الدولة وبقدر ما هي ورقة ضغط لتحسين موقف المفاوض الفلسطيني ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خيار التسوية وما ارتبط بها من مؤسسات ومصالح .وبالتالي من المبالغة نعت الذهاب للأمم المتحدة في أيلول بالاستحقاق بمعنى أن الدولة ستكون نتيجة لاتفاقات وقرارات سابقة متفق عليها وحان وقتها.وإن كانت هناك استحقاقات قادمة في أيلول فيجب أن تبنى على الجهد والنضال الفلسطيني أكثر من بنائها على وعود أمريكية وأوروبية .
لا يعني هذا التقليل من أهمية الذهاب لمجلس الأمن وأهمية الاشتغال على الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ،أيضا يجب استثمار ما أُنجِز دوليا سابقا وإن كان هزيلا حتى لا تستغل إسرائيل فراغ غياب الحراك السياسي والدبلوماسي لتحميل الفلسطينيين مسؤولية التهرب من السلام وخصوصا أن السياسة لا تعرف الفراغ وإذا ما تجاهلنا أو تهربنا من الشرعية الدولية ومن المنتظم الدولي فلن يتجاهلونا لأن الصراع في الشرق الأوسط بات شأنا دوليا نظرا لما له من تداعيات على منطقة الشرق الأوسط وعلى العالم ،وبالتالي فالحضور الفلسطيني دوليا أمر مهم.
لقد أكد الرئيس أبو مازن أن مراهنته على استحقاقات أيلول لا تخرج عن التزامه بنهج السلام وبالشرعية الدولية وان ذهابه مباشرة للمنتظم الدولي –مجلس امن وجمعية عامة – هو تغيير في أدوات خيار السلام وليس خروجا عنه وهو تصحيح لمسار مفاوضات استمرت لعقدين من الزمن بدون مرجعية واضحة وبالتالي فاستحقاقات أيلول ليس سوى تحديد لمرجعية المفاوضات وليس بديلا عنها لأن المفاوضات ستعود حتى لو صدر قرار دولي، أو هو جبهة جديدة لمعركة سلام طويلة سيكون أيلول القادم بدايتها وليس نهايتها.
الذهاب إلى مجلس الأمن أو الجمعية العام لانتزاع اعتراف بفلسطين دولة عضو اعتمادا على الوعود أو الالتزامات الأمريكية والأوروبية سيكون مراهنة غير مضمونة النتائج فهذه الوعود لا يمكن الركون إليها وقد جربنا وعودا أكثر وضوحا وكانت موثقة ومكتوبة ومع ذلك لم يتم الالتزام بها .السياسة الأمريكية ومواقف أوباما تحديدا خلال العام الماضي وهذا العام بانت عن تراجع وضعف شديد في التزامها بعملية السلام وبموقع الوسيط النزيهة لدرجة استعمالها لحق الفيتو في مجلس الأمن ضد قرار يطالب بإدانة الاستيطان ،كما أن دور الرباعية تراجع بحيث تم اختزالها بالموقف الأمريكي.
لا غرو أيضا أن اللجوء للمنتظم الدولي وجعل الشرعية الدولية مرجعية للعملية السلمية أمر مهم وضروري بل هو تصحيح لخطا بدا منذ أوسلو واستمر حتى اليوم ولكن يجب أن لا ينتابنا وهم مريح بأن اللجوء للشرعية الدولية سيحل المشكلة وستقوم الدولة مباشرة ،هنا نذكر بعشرات قرارات الشرعية الدولية حول فلسطين بدءا من قراري التقسيم وحق العودة – القرارين 181 و 194- الصادران عن الجمعية العامة للأمم المتحدة مرورا بقراري 224 و 338 الصادران عن مجلس الأمن مرورا بعشرات القرارات والتوصيات كقرار محكمة العدل الدولية بشان الجدار وتقرير جولدستون الخ.
حبل الشرعية الدولية طويل ومعركتها لا تقل صعوبة عن المعارك العسكرية وبقدر ما لنا أصدقاء وحلفاء فلدى إسرائيل أيضا أصدقاء وحلفاء بل أصدقاؤها أكثر قوة وتأثيرا دوليا،وبالتالي يجب عدم وضع كل البيض في سلة واحدة ،سلة الشرعية الدولية ،بل يجب اشتقاق وسائل نضالية مواكبة للعمل الدبلوماسي واهم هذه الوسائل المقاومة الشعبية والمصالحة .
نفهم خطوة الرئيس أبو مازن بإعادة القضية الفلسطينية للأمم المتحدة وهي خطوة عاقلة وواقعية لان تدويل القضية يعتبر تصحيحا لخطأ بدء من مدريد واستمر لأكثر من ثمانية عشر عاما من المفاوضات العبثية،عبثية ليس لان مبدأ المفاوضات مرفوض بل لأنها كانت مفاوضات بدون مرجعية وطنية جامعة وبدون مرجعية دولية وبدون حتى مرجعية اتفاقية محددة .إعادة القضية للأمم المتحدة اعتراف بخطأ حتى وإن كان اعترافا متأخرا.
خامسا:خطورة الذهاب إلى أيلول دون مراجعة إستراتيجية للمرحلة السابقة
لأن قرار الذهاب للأمم المتحدة في أيلول يمس مصير القضية لأنه سيحدد الحقوق السياسية الفلسطينية ومن المحتمل أن يشكل القرار المُتخذ من مجلس الأمن أو الجمعية العامة مرجعية أية مفاوضات قادمة،فيجب أن يكون قرار الذهاب معبرا عن توافق وطني وان يكون مصحوبا بحراك دبلوماسي وشعبي على كافة المستويات والاهم من ذلك أن تسبقه مراجعة إستراتيجية نقدية لأداء السلطة والأداء السياسي لكل مشتملات النظام السياسي ،وهذا لم يحدث .
عدم مراجعة النخب السياسية والسلطة لأدائها وعدم اعترافهم بأخطائهم او محاولة تصحيحها ،يعني أن معركة استحقاق أيلول ستخاض بنفس الأدوات العاجزة والفاشلة وهذا ما يثير القلق.لقد ظهر الخلل في معركة استحقاق أيلول قبل أيلول وفي داخل الساحة الفلسطينية،حيث تباينت المواقف داخل الفصائل والقوى المجتمعية من الموضوع ،لا يجوز أن يكون قرار الذهاب للأمم المتحدة قرارا لحزب أو جماعة ،ولا يجوز لحركة حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى أن تقف موقف المتفرج على ما يجري.
القول بالسلام وخوض معترك الشرعية الدولية جزء من أي عمل سياسي ولكن ذلك لا يعني التخلي عن عناصر القوة عند الشعب ،القول بالشرعية الدولية لا يعني أن السلام سيتحقق غدا،والقبول بفلسطين عضو في الأمم المتحدة لا يعني أن الدولة ستقدم للفلسطينيين على طبق من ذهب .الشرعية الدولية معركة يجب أن تخاض إن كان لا بد من ذلك، ولكن في المقابل يجب الاستعداد لها استعداد من يذهب لمعركة ومن يذهب لمعركة يحشد كل ممكنات القوة إن لم يكن لتحقيق مكتسبات فعلى الأقل لتقليل الخسائر.
إن كان الوضع الفلسطيني الداخلي يشكل عامل ضعف في معترك خوض معركة استحقاق أيلول ،فإن سوء أداء حكومة نتنياهو وحالة التأييد والتعاطف الدولي للشعب الفلسطيني الناتجة عن السياسة العدوانية والإرهابية لإسرائيل يجب أن تُستثمر سياسيا،فهناك استياء ورفض للممارسات الإرهابية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني ورفض لسياسة الاستيطان والمستوطنين ومقاطعة لجامعات ومنتجات إسرائيلية وهناك لجان تحقيق ودعاوى تتهم قادة إسرائيل بالإرهاب ،واستطلاعات رأي في أوروبا تقول بأن إسرائيل مصدر تهديد للسلام في المنطقة ،ومطالبات تتزايد بحق الشعب الفلسطيني بدولة خاصة بهم وحتى داخل أمريكا هناك أصوات تتعالى وتحذر من أن الانحياز لإسرائيل يهدد المصالح القومية الأمريكية ،بالإضافة لكل ذلك هناك تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه وتزايد أعداد الفلسطينيين بالنسبة للإسرائيليين الخ .
هذه متغيرات يجب أن نلحظها جيدا بالرغم من الوضع الفلسطيني الداخلي الذي قد يشوه الصورة .ليس مهما إن كانت هذه المتغيرات بسبب تمسك الرئيس أبو مازن بخيار السلام مما أحرج إسرائيل أمام العالم ،أو بسبب المقاومة والصمود أو بسبب الجرائم الصهيونية التي صدمت العالم أو بسبب كل ذلك ،المهم هناك متغيرات يجب أن تُستثمر سياسيا بإنجازات على أرض الواقع ،هذه المتغيرات تحتاج لقيادة سياسية تتواصل مع العالم وتطرح تصورا ورؤية سياسية لكيفية التعامل مع القضية دوليا وكيفية تعظيم هذه المتغيرات والمكتسبات،حتى لو زعمت حركات مقاومة إن الفضل بحدوث هذه المتغيرات تعود لأعمال المقاومة،يبقى السؤال كيف نحصد ما زرعته المقاومة؟.
لأن القضية الفلسطينية ستكون غالبا مطروحة على جدول اجتماعات مجلس الأمن والجمعية العامة في أيلول ،فعلى الفلسطينيين حسن إدارة هذا الملف الخطير واضعين نصب أعينهم المصلحة الوطنية الإستراتيجية وليس الحسابات الضيقة للأحزاب.مع كل التخوفات من كيفية إدارة هذا الملف الخطير وبالرغم من كل التحفظات والانتقادات التي يمكن توجيهها للسلطة ولمنظمة التحرير ،إلا أن تصميم القيادة الفلسطينية على الذهاب للأمم المتحدة يضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية ولن يغفر التاريخ والشعب لأحد تهربه من استحقاق الدولة حتى وإن كان هذا الاستحقاق يدخل في باب إنقاذ ما يمكن إنقاذه ،مع تأكيدنا على أن تثبيت فلسطين كدولة عضو في الأمم المتحدة يستحق كل دعم وتأييد.
كتبنا وكتب كثيرون محذرين من أن يكون يؤول الحراك الفلسطيني في الأمم المتحدة بشان الاعتراف بفلسطين عضو في المنظمة الدولية لمجرد قرار على ورق في مقابل أن يتم إسقاط حق العودة أو التأثير على الصفة التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا لكل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات أو أن ينقص القرار أو يلغي حق الشعب الفلسطيني بالمقاومة في حالة عدم التزام إسرائيل بالانسحاب من أراضي الدولة الموعودة.إلا أن كل هذه التخوفات لا تأتي من باب التشكيك باستحقاق الدولة بل من باب التنويه لخطورة الحدث والتحذير من هجوم دبلوماسي أمريكي وإسرائيلي مضاد لتفريغ مشروع القرار الفلسطيني من مضمونه .هذه التخوفات والمحاذير يجب أن تشكل دافعا وسببا إضافيا للالتفاف حول الحراك الدبلوماسي الذي يقوده الرئيس أبو مازن لتقوية موقف الرئيس والشعب الفلسطيني في المحافل الدولية ولضمان عدم المساس بثوابت الشعب الفلسطيني في أي قرار يصدر عن المنتظم الدولي.
الموقف المتحفظ والحذر بل والمشكك أحيانا لحركة حماس وغيرها من القوى السياسية اليسارية لم يعد مفهوما أو مقبولا ،فقد اعترفت هذه القوى بأن الهدف الوطني الفلسطيني محل التوافق اليوم هو الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس وحق عودة اللاجئين وهذه القوى باتت تعترف بالشرعية الدولية وبأهمية العمل الدبلوماسي ،كما أنها وخصوصا حركة حماس أوقفت المقاومة المسلحة من خلال التزامها بالتهدئة وقررت منح السلام فرصة أخرى كما ذكر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل … فلماذا هذا الحذر والتشكيك بالحراك الدبلوماسي للرئيس أبو مازن لتثبيت فلسطين دولة ؟وهل دولة غزة أكثر أهمية من دولة في الضفة وغزة عاصمتها القدس ؟ .مشاركة كل القوى السياسية في معركة استحقاق الدولية مصلحة وطنية سواء لتثبيت الاعتراف الدولي بدولة فلسطين أو لضمان عدم الانزلاق نحو قرار دولي جديد ينقص من الحقوق الوطنية.
لا يقبل اليوم أن تقف قوى سياسية فلسطينية موقف المتفرج على معركة استحقاق الدولة وخصوصا أنها لم تعد تمارس اليوم أي شكل من أشكال النضال لا السياسي ولا العسكري ،و لأن ما سيصدر عن الشرعية الدولية سواء كان مكسبا أو خسارة لن يكون مكسبا أو خسارة لأبو مازن ومنظمة التحرير بل مكسبا أو خسارة لكل الشعب الفلسطيني .
سادسا :الخوف من تفاهمات اللحظة الأخيرة
لا نتوقع أن يصل الخلاف بين القيادة الفلسطينية وواشنطن حول استحقاق الدولة الفلسطينية إلى درجة التصادم أو القطيعة لاعتبارات خاصة بكل طرف.بالنسبة للفلسطينيين لأن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير لهما خيار واحد هو التسوية السلمية والمفاوضات ولأن القيادة الفلسطينية بسبب هذا الخيار الوحيد – السلام والمفاوضات –وبسبب بنية النخبة السياسية وارتباطاتها ،لا تستطيع التصعيد مع واشنطن إلى درجة القطيعة ،وحتى مع إصرار القيادة على الذهاب للأمم المتحدة فهي تعلم أن استمرار الرفض الأمريكي والأوروبي لاستحقاق الدولة وإن كان لا يستطيع منع عرض الموضوع على مجلس الأمن والجمعية العامة فإنه يستطيع التأثير على صيغة القرار الذي سيصدر وعلى فرص تنفيذه بحيث يكون باهتا وغير ملزم يضاف لعشرات القرارات السابقة التي لم تجد طريقا للتنفيذ.أما بالنسبة لواشنطن فإن العدد الكبير من الدول التي تعترف بالمطلب الفلسطيني ومستعدة للتصويت لصالح الاعتراف بالدولة والتأييد الشعبي العالمي للحق الفلسطيني وتزايد الكراهية لإسرائيل والأوضاع المتفجرة في العالم العربي وحاجة واشنطن لوجود السلطة الفلسطينية،كل هذه أمور تمنع واشنطن من تصعيد الموقف مع الفلسطينيين لدرجة الصدام والقطيعة.
السبب في إصرار القيادة الفلسطينية على الذهاب للأمم المتحدة بالرغم من الرفض الأمريكي والأوروبي والإسرائيلي بطبيعة الحال لا يعود لقناعة بأن الأمم المتحدة ستُقدِم للفلسطينيين الدولة على طبق من ذهب- فقد صرح أكثر من مسئول فلسطيني أن الذهاب للأمم المتحدة بداية معركة سياسية طويلة – وليس من منطلق أن الأمم المتحدة بديل عن المفاوضات فهم يعرفون أن المفاوضات لا بد منها سواء صدر قرار أممي حول الدولة أو لم يصدر ،بل لأنه ليس بيد القيادة الفلسطينية من خيار سوى إعادة القضية للأمم المتحدة لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرض الفلسطينية ومن مصداقية القيادة الفلسطينية وللحفاظ على حضور القضية دوليا في ظل المتغيرات التي تعصف بالمنطقة والمفتوحة على كل الاحتمالات .قد يقول البعض إن تصرف القيادة الفلسطينية نوع من الهروب للأمام ومحاولة لإخفاء العجز والفشل في إنجاز شيء طوال عشرين سنة من المراهنة على التسوية،قد يكون هذا الكلام صحيحا ولكن علينا في نفس الوقت الانتباه إلى أن خيار القيادة الفلسطينية الحراك السياسي الوحيد فلسطينيا وعربيا -اللعبة الوحيدة في القرية – ولا يطرح أحد بديلا آخر أفضل سواء في إطار الحل السلمي أو خارجه كالمقاومة أو الحرب، حتى المعارضون والمتحفظون من داخل الساحة الفلسطينية ليس عندهم سوى شعارات باتت فاقدة المصداقية بعد انكشاف أصحاب هذه الشعارات وما سببوه من دمار للقضية الوطنية.
بالنسبة للطرف الخارجي المعارض فمن السهل معرفة سبب الرفض الإسرائيلي ،فالاعتراف بفلسطين دولة على أرض فلسطينية – الضفة وغزة – معناه نهاية المزاعم الصهيونية في الحديث عن كون الضفة وغزة والقدس أراض متنازع عليها ومعناه إعادة النظر في الاستيطان وفي ضم القدس الشرقية الخ.أما بالنسبة لموقف واشنطن الذي يراه البعض غريبا لأن واشنطن قبلت بمبدأ حل الدولتين واوباما نفسه قال قبل سنتين بأنه يتمنى أن يرى دولة فلسطينية نهاية عام 2011 .قد يكون السبب في أن المطلب الفلسطيني يؤكد على أن الدولة ستقوم على أراضي الضفة وغزة وعاصمتها القدس الشرقية فيما كان الحديث سابقا عن دولة فلسطين دون ربطها بجغرافيا محددة – قرار 181 الوحيد الذي تحدث عن دولة عربية في فلسطين بحدود واضحة – وقد يكون السبب قوة تأثير اللوبي الصهيوني في واشنطن،مع وجاهة هذين السببين هناك سبب أساسي وله قدرة تفسيرية أكبر وهو رؤية واشنطن بأن ذهاب الفلسطينيين للأمم المتحدة سيتم تفسيره بأنه فشل الإدارة الأمريكية في حل الصراع في الشرق الأوسط ،وواشنطن – وخصوصا إدارة اوباما -لا تريد أن يُسجل عليها فشلا جديدا .لقد تراجعت وعود اوباما بالنسبة للعراق وأفغانستان، والولايات المتحدة تعاني من أزمة اقتصادية ومالية خانقة والعالم العربي يعيش على فوهة بركان ،وأن يضاف لكل ذلك خروج ملف الصراع في الشرق الأوسط من يدها وتسليمه للأمم المتحدة معناه تسجيل خسارة مؤكدة لاوباما في الانتخابات القادمة.
ومع ذلك يجب الحذر عند تفسير تشدد واشنطن وتهديدها المسبق باستعمال الفيتو،فقد لا يكون هدف هذا الموقف ثني القيادة الفلسطينية عن الذهاب للأمم المتحدة – حتى وإن كانت واشنطن تتمنى ذلك – بل التأثير على صيغة القرار الذي سيصدر وضمان عدم تعارضه مع التسوية الأمريكية ومع بقاء التسوية تحت الوصاية الأمريكية.وعليه من المتوقع التوصل لصيغة قرار حل وسط يشير للدولة الفلسطينية ولكنه في نفس الوقت يؤكد على أن المفاوضات في إطار مشروع التسوية الذي ترعاه واشنطن هي الإطار لإنجاز الدولة عمليا.
تصرف الإدارة الأمريكية تجاه مطلب الدولة الفلسطينية يعبر عن رؤية قصيرة النظر ولا يخدم المصلحة الإستراتيجية للولايات المتحدة وهو يشير إلى أن واشنطن لم تتعلم درسا من تفجيرات 11 سبتمبر ،فبعد هذه التفجيرات ذهبت واشنطن لتضرب شرقا وغربا محملة المسلمين والجماعات الإسلامية المتطرفة المسؤولية عن التفجيرات ولكنها تجاهلت السبب الرئيس الذي يقف وراء كراهية المسلمين والعرب لواشنطن تحديدا،والسبب في رأينا هو التحيز الأمريكي لإسرائيل وسياساتها العدوانية ،والملاحظ أن تفجيرات سبتمبر عام 2001 جاءت بعد عام من انتفاضة الأقصى حيث كانت الجماهير العربية والإسلامية مستفزة من الإرهاب الإسرائيلي ومن التحيز الأمريكي الواضح الذي انكشف بعد مباحثات كامب ديفيد الثانية حيث وصلت عملية السلام لطريق مسدود،ونعتقد أنه لو تعاملت الإدارة الأمريكية إيجابيا مع مسعى الرئيس أبو عمار في إعلان الدولة في مايو 1999 بعد نهاية المرحلة الانتقالية لاتفاقية أوسلو لكان السلام تحقق آنذاك وما كانت تفجيرات أيلول لتحدث.
الذهاب للأمم المتحدة لانتزاع قرار يعترف بفلسطين دولة تحت الاحتلال ليس إعلان حرب على تل أبيب وواشنطن وفي المقابل لا يوفر الضمانات لتلبية الحقوق السياسية كاملة للشعب الفلسطيني حيث الكثير من الفلسطينيين متخوفين من تداعيات القرار الذي سيصدر وهو يندرج في إطار إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الحق الفلسطيني ضمن المعطيات الراهنة وقد يوفر الأرضية لشكل من العدالة النسبية ومن الاستقرار والسلام في المنطقة .قرار دولي بدولة فلسطينية مستقلة على كامل الضفة والقطاع وعاصمتها القدس الشريف ولا يجحف بحق عودة اللاجئين لا يحقق مصلحة فلسطينية فقط ،بل مصلحة إستراتيجية لواشنطن وللسلام العالمي، وهو لن يكون أكثر من تحديد لمرجعية مفاوضات قادمة ولا شك .إن استمرت واشنطن في مواقفها المعارضة لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة فستتزايد الكراهية لها في العالمين العربي والإسلامي وخارجهما أيضا، بل لا ضمان ألا تتكرر تفجيرات سبتمبر ومثيلاتها .فلسطين هي مفتاح السلام في الشرق الأوسط والعالم وعدم حل القضية الفلسطينية حلا عادلا سيكون سببا في الحرب وعدم الاستقرار وفي ظهور جماعات متطرفة إسلامية وغير إسلامية معادية لواشنطن والغرب.
توصيات
1 :ضرورة إنجاح المصالحة الفلسطينية ليس كمصالحة إدارة الانقسام بين فتح وحماس في الضفة وغزة وهو الأمر الجاري للأسف اليوم ،بل كمصالحة تعيد بناء المشروع الوطني استراتيجيا ،مشروع الكل الفلسطيني في الداخل والخارج.
2 :ضرورة التمسك بخيار السلام والتسوية السلمية وخصوصا في ظل هذه المرحلة التي تشهد متغيرات عربية مفتوحة على كل الاحتمالات.
3 :القول بخيار الشرعية الدولية لا يتعارض مع تفعيل المقاومة الشعبية السلمية سواء على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل أو داخل الضفة والقدس.
4:ضرورة تغيير طاقم المفاوضات وإدخال تغييرات على السلك الدبلوماسي الفلسطيني وان تصبح السفارات على درجة من الجهوزية لخوض معركة استحقاق الدولة في أيلول وما بعده.
5:الفصل بين استحقاق أيلول الجاري واستحقاق الدولة المستقلة .فحيث لا ضمانة بأن يحصل الفلسطينيون على مبتغاهم في أيلول الجاري،وحتى مع صدور قرار يعترف بعضوية فلسطين،فإن الدولة لن تقوم تلقائيا،وهذا يتطلب استمرار النضال حتى قيام الدولة.
6:ضرورة أن يتضمن أي قرار أو اعتراف بدولة فلسطينية حق عودة اللاجئين الفلسطينيين أو أن لا ينتقص من هذا الحق ،حتى لا يكون هذا القرار أو التوصية محطة من محطات التنازل بطلبنا ويُسجل علينا، دون ضمانة بتطبيق القرار. وضرورة أن يكون قرارا ملزما وليس مجرد توصية،وجود قرار جديد لا يتضمن ثوابت الإجماع الوطني سيدخلنا في دوامة جديدة وقد توظفه إسرائيل للمطالبة بإلغاء القرارات الدولية السابقة وخصوصا قرار التقسيم رقم 181 وقرار عودة اللاجئين رقم 194.
7:ضمان أن الاعتراف بفلسطين دولة لا يلغي الصفة التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها ممثلة لكل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.
‏15‏/09‏/2011

الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق