ااستنهاض الحالة الثقافية في فلسطيني بين شح الامكانات وغياب الرؤية

28 يناير 2017آخر تحديث :
ااستنهاض الحالة الثقافية في فلسطيني بين شح الامكانات وغياب الرؤية

18-11-2007

لا شك أن الاحتلال والتحديات الاقتصادية والسياسية الناتجة عنه جعل الانشغال بالأمور الأمنية والسياسية على رأس سلم اهتمامات أصحاب القرار في السلطة الفلسطينية، أما الثقافة فقد تراجعت إلى درجة متدينة من الاهتمام، إلا أن سببا آخر كان وراء تراجع موقع الثقافة في سلم اهتمامات السلطة وهو غياب الرؤية و عدم وضوح أهمية الثقافة في المشروع الوطني بشكل عام وفي مؤسسة السلطة بشكل خاص، ذلك أن اعتقادا ساد وما زال بان النشاط الثقافي ما هو إلا شعارات وخطابات ترفعها وتقول بها أحزاب وقوى سياسية أو مثقفون بقاعات مغلقة، وبالتالي يتداخل مفهوم الثقافة الوطنية مع الايدولوجيا والدعاية الحزبية والتنظير الفكري، أو أن الثقافة هي مجرد فرق فنية من رقص وغناء وموسيقى.
أنبنى على هذا التصور اعتقاد بأن وجود وزارة ثقافة هو نوع من الترف الوظيفي الذي يمكن الاستغناء عنه وإن وجدت فلتكن مفرغة المضمون. هذا التصور للشأن الثقافي عكس نفسه في الموازنة المخصصة لوزارة الثقافة حيث لا تتعدي 2 بالألف من الموازنة العامة.ترتب عن هذا الضعف في الاهتمام الرسمي بالمجال الثقافي أن ضعفت العلاقة بين المثقفين، سواء داخل الوطن أو في الشتات، وبين المؤسسة الرسمية وخصوصا وزارة الثقافة أو أصبحت علاقة شخصية تأخذ طابع التبعية لهذا المسئول أو ذاك، أيضا تزايد عدد المراكز والمؤسسات الثقافية التي تعمل تحت العنوان الثقافي ولكن دون استراتيجية وطنية ثقافية، ونظرا لعدم قدرة الوزارة على دعم هذه المؤسسات أو توفير المتطلبات الضرورية لعملها، لجأت هذه المؤسسات للجهات الدولية المانحة، والتي تجاوبت معها ولكن ضمن شروط ليست دائما تنسجم مع متطلبات الثقافة الوطنية، وقد بانت خطورة الارتباط بالجهات المانحة عندما تم تسييس كثير من المؤسسات والمراكز الثقافية لصالح أيديولوجيات وأجندة خارجية لا تخفي معارضتها للمشروع الوطني وسياساته.
مع كامل تقديرنا وتفهمنا للتحديات الكبيرة التي تتصدى لها القيادة الفلسطينية، ومع تفهمنا لشح الإمكانيات، إلا انه من الخطورة ترك المجال الثقافي ليُقاد بعقلية القطاع الخاص أو أجندة الجهات المانحة، مع احترامنا وتقديرنا للنوايا الحسنة عند الكثيرين من العاملين بهذا القطاع.ومع ذلك فنحن نؤمن أن الفعل الثقافي لا يمكن ولا يجوز أن يُحصر في إطار العمل الرسمي فالثقافة هي عالم الحرية ألا متناهي ،وخصوصا في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي التي نعاني منها ،وفي ظل الأفكار المسبقة السلبية حول السلطة ومؤسساتها ووزارة الثقافة جزء من السلطة ، ولكن،… في حالتنا الوطنية وعندما تصبح الثقافة والهوية محل تهديد وجودي، فإن الأمر يحتاج لتأطير المجال الثقافي وهو تأطير لا يحد من الحرية بل ينظمها ويعقلنها ويحدد أولويات العمل الثقافي، وهي عملية لا تعود للوزارة وحدها بل بالتعاون مع كل مكونات الجسم الثقافي الوطني.
لقد بات واضحا بعد كل الممارسات الإسرائيلية لسرقة وتشويه رموز ثقافتنا وهويتنا الوطنية، وبعد الانقلاب العسكري لحماس في غزة وتداعياته في الضفة وعلى مجمل المشروع الوطني، أن حاجتنا لاستراتيجية ثقافية لا تقل عن الحاجة لاستراتيجية أمنية أو سياسية، لأن ما جرى ويجري في قطاع غزة ليس نتاج خلل أمني أو سياسي بل هو اختراق لثقافتنا الوطني، وبالتالي فالحلول الأمنية لوحدها لن تقضي على التطرف وحالة الانقسام، بينما الفعل الثقافي بكل أشكاله يمكنه أن يساعد بشكل كبير على ذلك من باب الوقاية خير من العلاج. لو كانت ثقافتنا وهويتنا الوطنية محصنة جيدا لما جرى ما جرى أو على أقل تقدير لجرى بشكل أقل حدة ومأساوية.ولكن وحتى يكون دفاعنا عن الثقافة والهوية الوطنية أكثر إقناعا دعونا نُعرف الثقافة بشكل عام وعلاقتها بالهُوية.
الإجابة عن السؤال ما هي الثقافة الوطنية أو الهوية الوطنية – أحيانا يتداخل المفهومان-هي مجمل الإجابة عن التساؤلات التالية: كيف تحافظ الأمم و المجتمعات على وجودها عبر التاريخ بالرغم مما تتعرض له من محن وهزائم عسكرية ؟ لماذا استعادت أمم حضورها على الساحة الدولية وأصبحت قضيتها مطروحة دوليا بعد عقود بل قرون من الغياب ؟ لماذا حافظ اليهود على حضورهم عبر التاريخ ثم أقاموا دولة إسرائيل تحت مزاعم تاريخية ؟كيف حافظ الصرب والبوسنيين والأكراد وشعب دار فور والتشيك والسلوفاك والأرمن الخ، على وجودهم عبر التاريخ بالرغم من غيابهم السياسي وغياب دولهم ؟.لماذا يوجد أمريكيون وأسبان وهنود ومغاربة وفلسطينيون الخ ؟وما الذي يميز كل منهم عن الآخرين ؟ وأخيرا لماذا أنا فلسطيني ولست مصريا أو هنديا أو أمريكيا أو إسرائيليا؟.
إنها الثقافة أو الهوية الوطنية ذالك الثابت/المتغير في حياة الشعوب.

لا توجد أمة إلا ولها ثقافة خاصة بها وإلا ما كان مبرر لوجودها كحالة متمايزة عن الجماعات الأخرى ،لأن الثقافة هي العادات والتفاليد وانماط المعيشة وطرق التفكير والفنون التي تكتسبها الجماعة وتتعلمها وتتشارك فيها، وتعطي للجماعة شخصيتها أو هويتها التي تميزها عن غيرها من الجماعات ،وانطلاقا من ذلك فللثقافة كما يقول غي روشيه عدة خصائص، أولا: طرق في التفكير والشعور والسلوك أي أنها تتصل بكل النشاط الإنساني الحسي وغير الحسي. وثانيا: أن هذه الطرق من التفكير والشعور والسلوك مصاغة ومحددة في النظم القانونية والشعائر والطقوس الخاصة بالجماعة، وكذا بقواعد السلوك والمعارف والعلوم والدين الخ. ثالثا: إن هذه الطرق في التفكير والشعور والسلوك مشتركة بين مجموعة من الأشخاص أو بشكل أخر أن مجموعة من الأشخاص يُحددون بالانتماء إلى مجموعة واحدة من خلال اشتراكهم ‏في هذه الطرق. ولكن يمكن أن يكون هناك داخل جماعة كبرى تشترك بهذه الخصائص، جماعات فرعية لها خصائص أكثر تمايزا عن الخصائص العامة، وهذه تشكل ثقافات فرعية. رابعا: إن الثقافة لا تنتقل بالوارثة ولكنها تكتسب اكتسابا عن طرق التعليم والتلقين والمعايشة.
داخل الثقافة بمفهومها العام يمكن الحديث عن انماط ثقافية كالثقافة السياسية ،الثقافة الاقتصادية ،ثقافة الديمقراطية ،ثقافة الخوف ،ثقافة المقاومة وثقافة العلم ألخ ،إنها أجزاء من الثقافة بمفهومها العام، أو هي نوع من الثقافات الفرعية، تتأثر بالثقافة الأشمل، فالشخص العادي أو رجل السياسة لا يمكنه أن يحمل قيما سياسية أو يمارس سلوكا سياسيا متناقضا مع ثقافة المجتمع وألا سيعتبر شاذا عن المجتمع ومغتربا عنه إن لم يُتهم بأنه يمثل رأس حربه لغزو ثقافي ولأفكار دخيلة،وفي حالات كثيرة وخصوصا في مراحل التحول الاجتماعي والسياسي يمر المجتمع بما يشبه صراع الثقافات الفرعية إلى أن يستقر الحال لهيمنة إحداها على الأخريات دون إلغائها كليا.
وحيث أن كل ثقافة تسعى لأن تكون مقبولة من جميع أفراد المجتمع، فإنها مطالبة بالاهتمام بالتنشئة التي تسمح للأفراد باستبطان واكتساب معاييرها وقيمها والقبول بلعب دور في مؤسساتها،ومن هنا فالعلاقة وثيقة ما بين الثقافة والتنشئة الاجتماعية والسياسية ،وفي حالة وجود اتفاق على الثوابت الوطنية فإن عملية التنشئة تتم بطريقة سلسة ومنسجمة ،أما عندما تعيش الأمة حالة تنازع ما بين الثقافة الوطنية والثقافات الفرعية أو يكون لكل حزب سياسي ثقافته الخاصة ،فإن قنوات التنشئة السياسية تصبح أيضا محل صراع وتنازع ،الأمر الذي يجعل الفضاء الثقافئ مشوها وموبوءا ومجالا للتحريض المتبادل.
الهوية والثقافة الوطنية الفلسطينية هما ذاكرة الشعب الفلسطيني وضمان مستقبله، هما تقاليده ولهجته ولباسه ومعاناته ومشاعره وأحاسيسه المشتركة، ورموز أخرى يجب استحضارها إن كانت مغيبة وخلقها إن كانت غير موجودة.إن تكن فلسطينيا معناه أن تكون مختلفا عن الآخر ليس اختلاف النقيض بل اختلاف التميز، أي كان هذا الأخر.
وعليه فإن الفعل الثقافي هو فعل نضالي لا يقل أهمية عن اشكال النضال الأخرى ،الفعل الثقافي هو الذي يحفظ لنا هويتنا وخصوصيتنا ويرسخ روح الأنتماء للوطن ،وهو الذي يضمن أن يُولد أطفالنا فلسطينيين وهو الذي يضمن أن يستمر أولادونا واولاد أولادنا منتمين لفلسطين ويفتخرون بهذا الانتماء حتى دون أن يعيشوا في فلسطين،التمسك بالثقافة الوطنية يعني التمسك بكل ما يرمز لوجودنا كشعب متجذر بهذه الأرض بما تحفل به من قيم وعادات وتقاليد وانماط معيشة ولباس شعبي وفلكلور وتراث وأثار،التمسك بالثقافة الوطنية وتعزيزها هو ما يعطي مبررا لنقول بان هناك اكثر من عشرة ملايين فلسطيني في العالم ،وإلا فما الذي يربط فلسطينيي الداخل مع فلسطينيي غزة والضفة مع فلسطينيي الشتات، إلا الإحساس بالهوية المشتركة والإنتماء وهما العمود الفقري للثقافة الوطنية.هذا ناهيك أن العمل الثقافي المبدع يمكنه ان يخفف بعض الشئ من تشوش صورة الفلسطيني في عقل ووجدان من يحبون فلسطين في الخارج بعد الاحداث الاخيرة ،فالثقافة يمكنها إصلاح أخطاء السياسية ،ويمكنها ان تكون خير رسول للخارج يعبر عن/ ويحمل عدالة القضية وحقيقة مشروعنا الوطني .
و من هنا يجب أن لا تتملكنا عقدة ذنب أو تقصير، إن طرحنا مسالة الهوية وتطرفنا بالتمسك بثقافتنا الوطنية، و طالبنا بفك الاشتباك أو إعادة صياغة الأولويات ما بين الهوية الوطنية الفلسطينية والهويات الأخرى المتقاطعة معها. لسنوات والشعب الفلسطيني يَقبل بانضواء هويته وتبعيتها لهذه الإيديولوجية أو تلك و لهذا النظام أو ذاك باسم العروبة تارة وباسم الإسلام أخرى وباسم الأممية تارة ثالثة، لسنوات ونحن نجد عذرا لتعدد التنظيمات الفلسطينية وللتداخل القومي والإسلامي و ألأممي، حين كانت الآمال واعدة بانتصار هذه الإيديولوجية أو تلك، ولكن بعد انهيار الأيديولوجيات التي كانت تزعم أنها تحتضن قضيتهم وبعد سقوط معسكر أو معسكرات الحلفاء يحتاج الأمر إلى وقفة مع الذات ومن اجل الذات.
ليس هذا كفرا لا بالقومية ولا بالقوميين الصادقين، وليس كفرا بالإسلام والإسلاميين، ولكننا أيضا كفلسطينيين لن نكفر بفلسطين ولن نتخلى عنها إذا تخلى عنها الآخرون، لأن لا كرامة للفلسطيني ولا معنى لوجوده دون هوية وثقافة وطنية خاصة ومتميزة. إن المتابع للسياسة الإسرائيلية في حربها ضد الشعب الفلسطيني، يلمس أن هذه السياسة تعمل على جبهتين:جبهة عسكرية لاحتلال الأرض وجبهة سياسية ثقافية لهزم ذاكرة الإنسان الفلسطيني وتشويه تاريخ القضية، ليصبح الشعب الفلسطيني شعبا بلا تاريخ وبالتالي بلا هوية، وعندما تنتفي الهوية الوطنية عن شعب يسقط حقه في دولة مستقلة بل يفقد حقه بالحياة.

 

الاخبار العاجلة
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق